|
- حلم بلاستيك - مقاربة نقدية لعرض مسرحي
أماني فؤاد
الحوار المتمدن-العدد: 4340 - 2014 / 1 / 20 - 12:42
المحور:
الادب والفن
عُرض في معهد الشارقة للفنون المسرحية " حلم بلاستيك " للمخرج "شادي الدالي" وهو العرض الذي مثّل مصر في مهرجان المسرح العربي في دورته السادسة التي ضمت إحدي عشر عملا من الدول العربية . اعتمد العرض في تشكيلاته الحركية والرمزية علي إحدى الوسائل المسرحية المساعدة ، التي لاحظت أنها ملمحا أساسيا في معظم العروض التي قُدمت في هذه الدورة ، وجميعها تحيل إلي رمز ما ، كما أنها تشكّل وسيلة وأداة للمخرج للتعبير عن إطار رؤيوي يتحرك فيه النص علي خشبة العرض ، ويدفع بالحياة في حركة المثلين وحركة الصراع ذاتها . اعتمد "الدالي" علي قطعة قماش سوداء كبيرة شكّلت رمزا للمنطقة الغائمة والملتبسة التي كانت تحياها مصر أيام حكم الإخوان ، اوضاع كثيرة كانت ــ ولم تزل ــ لا تبعث علي التفاؤل وتقع في منطقة مظلمة ، كما عدت القماشة السوداء أداة للكثير من التشكيلات الدرامية التي تَحرك من خلالها فريق العمل الذي ضم تسعة من الممثلين الشباب الواعدين : " سمر جلال ، رانا عصام ، أحمد يحيى ، محمد مسعد ، محمود سامي ، وئام عصام ، رنا حمدي ، ربا الشريف " الحلم بعد أن بدا مبدعا منذ 25 يناير تكشف عن خواء وظلام ، انتهي إلي مادة مبتذلة ورخيصة ، أصبح بلاستيكيا ، ثورة خطفتها جماعات متأسلمة لا تتناسب أفكارها مع حركة التاريخ وتطور العالم من حولنا. مارس العرض تفكيك كثير من الموروثات الدينية والمجتمعية المتوارثة ، من خلال طرحها وانتقادها بمنطق كون الإنسان نتاج بنية فكرية إيديولوجية معينة ، من شأن صناع المسرح إدراك القوانين الاجتماعية المتحكمة فيها ، فضلا عن الإيمان بإمكانية تغيير السلوك البشري والارتقاء به من خلال رسالة المسرح . تتكون المسرحية من مشاهد متنوعة يجمعها ناظم رؤيوي يلفت الانتباه إلي عبثية الزيف الذي نحياه غالبا ؛ لنعيد غربلة هذه الموروثات ، إنطلاقا من لا أبدية ما يتحكم بالبشر ، وبعث الأمل في أن الإنسان كائن تجاوزي قابل للتغيير ، صراع آخر يتناقض مع الرؤية الميتافيزيقية للمسرح الأرسطي الذي كان يحاكي الإنسان وكأنه زج به في عالم مغلق مجهول ، ذي بنية دائرية غير قابلة لتغيير. وربما تأتي ميزة هذا العرض بأنه لا يقصر مشاهده علي الفاعليات التي ترتبت علي وجود ثورة ، لكنه أيضا يشير إلي طبيعة فكر وسلوك ينتهجه المصريون في حياتهم الاجتماعية ، ربما هو ما أدي بتراكم أشكاله إلي الأوضاع التي تسببت في استشراء الفساد والأفكار البالية ، وانعدام الحرية ، ومن ثم في السخط العام الذي تملك المصريين . يتجلي بالعرض انتهاج فلسفة "برخت" في الرغبة في الكشف والمعرفة والتغيير لا التماثل والتطهير الأرسطي . يبدأ العرض بمشهد لمجموعة من السياح تتخاطف أعينها ومشاعرها فوضى الشارع المصري والممارسات العشوائية التي تحكمه ، ثم تتوالي المشاهد التي ترسم معاناة الشباب المصري ورغبته في الهجرة ورحلات الموت في البحر ، ظاهرة التحرش ، والفهلوة ، والادعائية عند معظم المصريين ، ومشاهد سياسية تكشف توغل الإمبريالية وتوحشها في مقابل الشخصية الهلامية التي حكمت مصر في العام الماضي ولم تكن تليق بهذه الدولة العريقة بتعدد هوياتها . ربما لم يجد شباب هذا العرض النص المواكب للحدث الثوري الذي يحمل رؤية درامية مبدعة ، ذلك لأن الواقع يرسم تطوراته ويتشكل ويتغير كل يوم بأسرع مما تواكبه الكتابة التي تتطلب تكوين منظومة فكرية ، ولذا لجأ المخرج إلي هذه الكوميديا السوداء الارتجالية المشهدية التي تعبر عن اللحظة ويجمعها رؤية نقدية حول الديمقراطية والحرية والسعادة ، النص الذي تخلق في ورشة كتابة وإعداد لفريق العمل مجتمعا . اتسم العرض بالصدق الفني والتعبير البسيط عن هموم الشباب في المجتمع المصري ، ولذا جاءت حركة الفريق متناغمة ، وحواراته كشفا للمعتاد والبديهي من ممارسات ، وإيقاظ الدهشة فيه بتعريته ومحاولة دفع المتفرج إلي إعادة التفكير مرة أخري في مظاهر الحياة من حولنا . لقد حاول العرض أن يقوم علي منهج التقطيع ، و نظرية الديالكتيك البرختي التي تلتقط الصراع بين المتناقضات من قيم ، ويحسب له أنه يمثل أملا في شباب مبدع من خريجي كلية الفنون الجميلة بالقاهرة ، لا يعرف معني اليأس ويتجاوز الواقع المحبط .
#أماني_فؤاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغغة العربية .. وبعض الأنين
-
تشظي الحبكة في الرواية المعاصرة - سيرتها الأولي - نموذجا للر
...
-
اللغة العربية .. وبعض الأنين
-
الذوات الافتراضية والبنية في رواية ما بعد الحداثة للروائي -م
...
-
كأنها الحياة .. أو هو الموت ..؟ قصة قصيرة
-
الفن مهر الحياة الحقيقية
-
المشهد الشعري في ديوان - كأنني أريد - لغادة نبيل
-
خضروات نصف مطهية قصيدة نثر
-
خضروات نصف مطهوة قصيدة نثرية
-
-المفتون- لفؤاد قنديل بين السيرة الذاتية والرواية
-
-خضروات نصف مطهوة- قصيدة نثرية
-
حرية الإبداع في -أين الله-
-
بين شيوخ الإبداع الروائي وشبابه
-
-سلمان والببغاء - قصيدة نثر
-
حكومة بلا خيال
-
مقعد لا يمتلئ .. -قصيدة نثر-
-
يبقي لنا من -ابن خلدون- فعل المجاوزة ..
-
الغربة والنفط وتقنية المتوازيات في نص -العُرس- للروائي -فتحي
...
-
قراءة لكتاب - الرؤية والعبارة مدخل لفهم الشعر - للشاعر عبد ا
...
-
المريد المتصوف ينشد قصصه .. دراسة لمجموعة -عبد الحكيم قاسم-
...
المزيد.....
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|