أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مفيد بدر عبدالله - من البصرة الى اسطنبول














المزيد.....

من البصرة الى اسطنبول


مفيد بدر عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4323 - 2014 / 1 / 1 - 09:33
المحور: المجتمع المدني
    


اكثر ما كان يخيفني وانا طفل صغير الاماكن المرتفعة ، فهي تصيني بالدوار و تجعل قلبي يخفق بشكل مضطرب ، كنت اخشى حتى الاقتراب من سياج سطح بيتنا حين اصعد مع اخوتي لنلعب بالطائرات الورقية، ومما فاقم عندي هذا الشعور في الكبر مشهد مرعب لسقوط احد الاشخاص من بناية شاهقة أمام عيني في بغداد، ارتطم بالأرض الصلبة فلم اطق النظر أليه ، فتقهقرت هاربا مبتعدا عن المكان .
شاء القدر وبعد انتظار يربو على الخمسة اعوام ان يقع علي الاختيار من ضمن المرشحين للإيفاد الى تركيا ، وما ان عرفت حتى صارت تتزاحم في مخيلتي صور لحوادث الطيران المروعة التي شاهدتها من على شاشة التلفاز ، لكن سببا قويا دعاني لتناسى كل هذا التاريخ من الخوف والريبة ، وهو ان قدمي لم تطأ ارضا غير بلادي رغم اني في منتصف عقدي الرابع من العمر، ويثير كلام اصدقائي عن البلدان الاخرى رغبة كبيرة بداخلي لمشاهدة ما يصفون ،فمنذ اعوام وبعد جهد جهيد حصلت على جواز سفر ، واذكر ان احد الطوابير الذي كنت عالقا فيه لا يقل عدده عن المائتين ، عيل صبري ، وكاد ان يغمى علي ، تمنيت حينها ان تكون في تلك الدائرة غرفة للمساج لتعيد لأرجلي القدرة على حملي حتى ان احدنا أخذ بتوزيع اقراص ( الفولتارين ) المسكنة لإلام المفاصل على بعضنا ، وعلى الرغم من كل هذه المعاناة والاعوام الخمسة التي مرت الا ان صفحات جوازي ظلت بيضاء ناصعة ، فيما تمتلئ صفحات موظفين اخرين وبفترة وجيزة بعشرات الاختام مما يضطرهم لاستبداله، وما دامت تكيفيني اربع او خمس وريقات فما المانع من ان تضاف المتبقية لجوازات هؤلاء حتى توفر عليهم عناء استبداله بين حين واخر، والفائدة الاخر ستكون لي حيث اني بعد كل سفرة اتفاخر بان جوازي قد نفذ كما اسمع منهم وهم يتفاخرون.
اوصلني اخي مكان تجمعنا فودعني واوصيته بأمي خيرا ثم توجهنا للمطار ، ظل هاجس الخوف يتنامى كلما اقتربنا من المطار، وانا اعيش صراعا بداخلي بين خوفي ورغبتي صعدت الطائرة ، حبست انفاسي بعدما قرأت المعوذات ، وانطلقت بنا الطائرة ، ورغم الخوف الكامن في نفسي الا احسست بجمال الغيوم وهي تحيط بالطائرة ، هو منظر غاية بالروعة، ما كان يهون علي زميلي الذي يجلس بجانبي ، فيحدثني تارة وينظر من نافذة الطائرة تارة اخرى ويصف لي المناطق مستدلا بتضاريس الارض ولوحة الدلالة التي امامنا ، وانا انصت بتأمل كبير، استوعبت كل ما قاله لي الا عبارة واحدة " نحن الان فوق بغداد " , فكيف لنا ان نكون فوق بغداد، وفيها من يديرون شؤوننا ويمسكون بزمام امورنا، راودني حينها شعور وانا على هذا الارتفاع الشاهق بانهم لازالوا فوقي ، فهم من يقررون كل ما يتعلق بحياتي بدا مما استلمه في البطاقة التموينية ولا ينتهي بما اتقاضاه من راتب شهري ، فبلمساتهم السحرية يتم اضفاء الالوان على حياتنا اليومية ، فانا كالآخرين انتظر منهم الكثير الكثير ، فهم المسؤولون عن كوني موظف منذ اعوام في بلد غني واسكن مع اخوتي المتزجين في بيت متهالك بناه ابونا قبل نصف قرن من الزمان وكأننا في فندق ، فيما ارى من نافذة الطائرة ارضا شاسعة تكفي لأضعاف عدد العراقيين .
وما أن وطأتا قدماي ارض اسطنبول أخرجت هاتفي متصلا بأخي الذي اوصلني لاطمأن على امي العليلة ، فتفاجأت بانه لم يصل بيتنا بعد وانه عالق في أحدى نقاط التفتيش فالأوضاع كانت متشنجة نتيجة لحدوث عمل ارهابي ، ورغم خوفي على أمي الا اني ضحكت وكأني استمع لطرفة ، كوني قطعت مسافة تصل لألاف الكيلومترات وعبرت لقارة أوربا ولم يصل اخي لمسافة لا تتجاوز العشرين كيلومترا ، ولكن ما حدث في مدينتي صار من أهم أسباب بددت المخاوف عندي من ركوب الطائرات ، فلقد تيقنت بان المسير في شوارعنا أخطر بكثير من ركوب الطائرات ، فلو أحصينا من لقوا حتفهم بحوادث الطائرات في كل العالم سنجده لا يوازي عشر مما خطفته منا يد الارهاب الاسود ، لك الله يا عراق .





#مفيد_بدر_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السراق وبائع الملح
- لم يقطفوا سوى الثمار الجوفاء
- الواحد أكبر من الاربعة
- أحذروا.. الديناصور يبتلع البصرة
- خارج أسوار الحياة
- الكهرباء تدخل موسوعة غينس
- ناصر(أبو الجرايد) سياسي بامتياز
- لصوص الليل والنهار
- لنتعلم من الصبور
- جسر المقام نهاية حلم
- سهرة لا تنسى
- ملايين البصريين ينتظرون جواب الشرط من مجلس المحافظة
- مراعيهم ومزابلنا
- من يمسح دمعة البصريين
- انقذونا من ملائكة الرحمة
- مهندس في الصباح حمال في المساء
- في معرض الزهور ذكرى لبوسطن وبغداد
- عزيزه وصلت البرلمان
- مقتنيات الحاج خنياب تدخل موسوعة جينيس
- لن تعود لزوجها الا بقرار سياسي


المزيد.....




- -شهادات مرعبة- ودعوات لوقف الحرب.. عشرات آلاف النازحين يفرون ...
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في الضفة
- ما الذي يعيق عودة اللاجئين السوريين من لبنان لبلدهم؟
- رائد فضاء في مهمة لفتح الفضاء أمام ذوي الاحتياجات الخاصة
- أكسيوس: تدابير جديدة تخص طالبي اللجوء في أميركا تصدر قريبا
- انعكاسات الأحداث الجارية على الوضع الإنساني في غزة؟
- مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يبعث رسائل لمسؤولين أمميين حو ...
- اقتحام رام الله والبيرة واعتقال 3 فلسطينيين بالخليل وبيت أمر ...
- عودة النازحين.. جدل سياسي واتهامات متبادلة
- الخارجية الأردنية تدين الاعتداء على مقر وكالة -الأونروا- في ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مفيد بدر عبدالله - من البصرة الى اسطنبول