أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد القادر لعميمي - المعنى اللغوي والفلسفي لمفهوم التربية















المزيد.....

المعنى اللغوي والفلسفي لمفهوم التربية


عبد القادر لعميمي

الحوار المتمدن-العدد: 4318 - 2013 / 12 / 27 - 18:41
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


لقد مارس الإنسان التربية منذ القديم مما جعل مفهومها يشيع ويتداول بين الجميع، إلى درجة أن تعريفها يبدو سهل المنال، ولكن سرعان ما يتبدد هذا الاعتقاد ويدرك المرء أن تعريف التربية هو من قبيل السهل الممتنع، لذا نجد أدبيات التربية تزخر بتعاريف كثيرة ومختلفة ، تعود إلى معاني ودلالات عدة:

أولا : المعنى اللغوي
يعرف روبير التربية بأنها : ” مجموع الوسائل التي بواسطتها نوجه نمو وتكوين الكائن الإنساني، وكذا النتائج المحصلة بواسطة هذه الوسائل”.
كما يوضح المعجم الاشتقاقي Dictionnaire étymologique لدوزات “أن كلمة التربية Education ذات مصدر مزدوج لاتيني، تشير لفظة Educare الى فعل “غدى” أما لفظة educere فتدل على أخرج من ، قاد إلى ، رافق إلى، كما تدل على رفع أو رقي” .
إن تعريف روبير، يبين الطابع الإشكالي المعقد للتربية، فهي عملية أو ممارسة تنشئوية مستمرة دينامية تخضع أحيانا للسلطة والتسيير، فالدلالة الإشتقاقية هذه تحدد لنا التربية كغداء مادي ( طعام ، تمرينات رياضية، … ) ومعنوي ( معرفي ، أخلاقي ، … ) يقود الفرد إلى النمو ( الذهني ، العقلي، الجسدي، …)
إن مفهوم التربية في تناولاته المختلفة والمتنوعة ، يبرز بشكل قوي مدى كونيته وشموليته داخل الأنساق اللغوية والفكرية العربية، لكن هذا القول لا ينفي حضوره المستميث أيضا في السياقات المعجمية العربية ، ولا سيما في المعجم العربي الشهير ” لسان العرب” لابن منظور الذي يعرف التربية في بعدها الاشتقاقي وبطريقة فيها نوع من الدقة والتفصيل، إذ يقول في مجلده الأول : “التربية : رب ولده والصبي يربه ربا ، ورببه تربيبا وتربة، عن اللحياني: بمعنى رباه تربية. كالقول مثلا نعمة تربها أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما يربي الرجل ولده ”
أما في مجلده الثاني فيحدد التربية انطلاقا من فعل ربت إذ يقول :” ربت الصبي، وربته : رباه، يربته ، تربيتا : رباه تربية “.

قال الراجز :
سميتها إذا ولدت تمــوت
والقبـر صهر صامت زميت
ليس لمن ضمنه تــربيـت

ثانيا : المعنى الفلسفي
يعرف جميل صليبا التربية في معجمه الفلسفي بأنها: تبليغ الشيء إلى كماله، أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا، تقول : ربيت الولد، إذا قويت ملكاته، ونميت قدراته، وهذبت سلوكه حتى يصبح صالحا في بيئة معينة، وتقول تربي الرجل، إذا أحكمته تجارب، ونشأ نفسه بنفسه، ومن شروط التربية الصحيحة أن تنمي شخصية الطفل من الناحية الجسمية والعقلية والخلقية حتى يصبح قادرا على مؤالفة الطبيعة ليحاور ذاته ويعمل على إسعاد نفسه وإسعاد الناس. كما تعد التربية ظاهرة اجتماعية تخضع لما تخضع له الظواهر الأخرى في نموها وتطورها .
التربية والوراثة مفهومان متقابلان، والفرق بينهما أن ماهية الأولى التغير وماهية الثانية الثبات، فإذا كان الموجود الحي يتغير بتأثير غيره تارة، وبمؤالفة الظروف التي يعيش فيها تارة أخرى، فمرد ذلك إلى التربية، وإذا كان يميل بفطرته إلى الاتصاف بصفات نوعه، فمرد ذلك إلى الوراثة .

وللتربية طريقان :
الأول : أن يربى الطفل بواسطة المربي.
الثاني: ان يربي نفسه بنفسه.

إذا أخذت التربية بالطريق الأول كانت عملا موجها يتم في بيئة معينة وفق لفلسفة معينة، أما إذا أخذت بالطريق الثاني كانت عملا ذاتيا يترك فيه الطفل على سجيته ليتعلم من نشاطه القصدي، وتسمى التربية التي تقوم على هذا النشاط الحر وعلى مراعاة الفروق الفردية والقابليات الشخصية ب” التربية التقدمية” وهي حركة إصلاحية مبنية على المذاهب النفسية والاجتماعية .
إضافة إلى هذا التحديد هناك تعريفات أخرى للتربية من بينها تعريف ” إميل دوركايم” الذي يقول : ” التربية هي الفعل الذي يمارسه جيل الراشدين على جيل الأطفال الذين لم ينضجوا بعد للحياة الاجتماعية “ أي أن الغرض من التربية –حسب دوركايم- أن تثير وتنمي لدى الطفل عددا من الحالات الجسدية والعقلية والأخلاقية التي تتطلبها منه بيئته الخاصة.
ويشير ” لا ندشير ” في مقدمة كتابهما إلى تعريف ” بيترز” لكملة التربية فهي برأيه :” تتضمن شيئا ما يستحق العناء، او تم سابقا إيصاله للإنسان بشكل هادف وبطريقة مقبولة من الناحية الأخلاقية، ويصبح أمرا غير منطقي ومتناقض أن يقال أن إنسانا ما قد تمت تربيته من دون أن يكون قد تغير نحو الأفضل “.
كما أن التربية حسب –هربرت- هي مجموع الأفعال والتأثيرات الممارسة إراديا من قبل كائن إنساني آخر، مبدئيا من قبل بالغ على صغير، وهي موجهة نحو هدف هو عبارة عن تشكيل استعدادات من كل نوع عند هذا الكائن الصغير، تتلاءم مع الغاية التي سوف يهيئ لها عند وصوله إلى مرحلة النضج.

بناء على ما توصلنا إليه من دلالات ومعان حول مفهوم التربية، يمكن القول إن هذا المفهوم هو في ممارساته الإجرائية، لن يبلغ المقام السامي إذا ما ظل مجرد تحديدات صماء، أو شعارات ثابتة يتم حفظها وترسيخها. بل إن تفعيل هذا المفهوم وأجرأته في الواقع هو ما يجعله أكثر دينامية وحيوية…، فأن نفكر معناه أن نربي العقل على ممارسة التفكير، وتربية هذا العقل لن تتم بالعنف والقمع…، كما كان الأمر في الأدبيات التربوية الكلاسيكية( التقليدية )، بل إن التربية الحديثة والفعالة هي إرشاد وتوجيه وتهذيب لهذا العقل بواسطة وسائل تكوينية قادرة على أن تغذيه تغذية سليمة ومرنة.
إن الإنسان هو أغلى ما نملك، أسرة ومؤسسة ومجتمعا… وان التربية هي أداتنا المثلى لتفعيل حاضر هذا الإنسان وبناء مستقبله…، إنها وسيلة المقاومة السليمة للتغيير إلى الأفضل وسبيلنا للتنمية الشاملة والوقاية من مزالق الخطأ والضعف والإنحراف .
إن التربية هدف ذو قيمة علمية في الحياة الإنسانية، والضامن الوحيد لتقدم المجتمع ونيل ما يرنو إليه من التحضر والرفاهية والطمأنينة والشعور بالرضا، فكلما كان المجتمع متعلما انتفى فيه الظلم وعمت العدالة وساد الاستقرار.

كل هذه المعطيات بمثابة مؤشر على إمكانية بلوغ الخير الأسمى الذي ينحو الإنسان نحوه، وهذا الخير هو كمال يتحقق بالتدريج، عبر تقوية ملكات الطفل وتنمية قدراته وتهذيب سلوكه حتى يصبح قادرا على التفاعل مع وسطه الخاص، وبالتالي تمكينه من تربية صحيحة ومتوازنة جسميا وعقليا وخلقيا. ولعل هذا ما سعت إليه مجموعة من المقاربات الفلسفية والسوسيولوجية وكذا السيكولوجية، عبر صراع تاريخي طويل، طرح العديد من الإشكاليات التي أقلقت الفكر الإنساني عبر العصور، ومن بين هذه الإشكاليات نجد:
كيف تتحدد التربية في الفلسفة والعلوم الإنسانية؟ ما هي الأسس النظرية والعلمية… التي تبنى عليها التربية؟ ؟ وما موقعها كذلك داخل ثقافتنا العربية؟.... كل هذه التساؤلات تدفعنا إلى التفكير في الموضوع والإنفتاح على حقول معرفية مختلفة لمعرفة أبعاده وتمفصلاته.
______________________________________
- Le rebert micro – dictionnaire d’apprentissage de la langue française – nouvelle edition 1998 , paris , p : 434.
-faculté . KSU .edu .sa./nasers /egypte
- جمال الدين بن مكرم بن منظور ، لسان العرب ، المجلد الأول، بيروت لبنان، ص 1099.
- جمال الدين بن مكرم بن منظور ، لسان العرب ، المجلد الثاني، دار الفكر بيروت، ص 33.
- جمال الدين بن مكرم بن منظور ، لسان العرب ، المرجع نفسه ، ص 33.
-جميل صليبا: المعجم الفلسفي الجزء الاول، دار الكتاب اللبناني ، بيروت لبنان ص 266.
- جميل صليبا: المعجم الفلسفي ، مرجع سابق، ص 267.
- Emile Durkheim , éducation et sociologie ed. P.U.F col , le sociologie , paris , 1973 , p : 49.
- Landshere « definir les objectifs de l’éducation , p u f , paris , 1978 , p : 15.
............................................
ذ. عبدالقادر لعميمي (أستاذ مادة الفلسفة/المغرب)



#عبد_القادر_لعميمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر المغربي إدريس بلعطار و تجربة الإنصات لنداء الإنسان من ...
- التربية تكون الإنسان __ (نموذج أوليفيه ربول، تتمة)
- فلسفة التربية والتعلم : أوليفيه ربول نموذجا
- الفلسفة بين التعصب والخرافات
- المثقف والسياسي : خلاف ضحيته الإبداع
- المدرسة المغربية : الألم والأمل
- من إرادة المتعالي إلى إرادة الأنا المفكرة


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد القادر لعميمي - المعنى اللغوي والفلسفي لمفهوم التربية