أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل صالح الزبيدي - الحداثة والعلم الحديث (القسم الأخير)















المزيد.....

الحداثة والعلم الحديث (القسم الأخير)


عادل صالح الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4310 - 2013 / 12 / 19 - 17:41
المحور: الادب والفن
    


تقديم:
تحاول الدراسة الحالية إثبات الدور الحاسم والكبير الذي لعبه العلم الحديث في بلورة حركة الحداثة الأدبية والفنية التي بدأت بالتشكل خلال العقود الأولى من القرن العشرين، وبالأخص الحداثة الشعرية الأنكلوأميركية التي تبلورت على أيدي روادها الأوائل مثل عزرا باوند وت. س. أليوت، من خلال النظر إليها في سياق العلم والنظريات العلمية التي بدأت تظهر وتهيمن على المشهد الفكري والثقافي منذ منتصف القرن التاسع عشر وما رافقها من مخترعات ومكتشفات، وما لهذه من مضامين ومدلولات كان لها الأثر البالغ على أفكار ورؤى الشعراء والحساسية الشعرية والفنية عموما.

ان تأكيد باوند والحداثيين الآخرين على اهمية ان تكون الصورة دقيقة ومحكمة وصلدة مصمتة، وكذلك تأكيدهم على موضوعيتها وميزاتها المرئية المجسمة (النحتية sculpted ) تبين على نحو واضح اهتمامهم بتلك الميزات التي تجعل من الشعر وغيره من الفنون اقرب الى العلوم. من جهة أخرى فان تأكيدهم على "الجدة" والابتكار والاكتشاف وكذلك تشديدهم على دور الشاعر في تحطيم الاستجابات الجاهزة لدى القارئ ليست الا ناتجة عن منهج العلم والطريقة العلمية.
يعير باوند، الذي لا يقل دوره عن دور هيوم أهمية فيما يتعلق بالأسس الجمالية للفن وفلسفته، اهتماما كبيرا بالجانب الأخلاقي لمشكلات الفن، وخصوصا دور الفنان في عصر العلم، ويعبر عن موقفه تجاه هذه القضية على نحو واضح في مقاله المعنون ((الفنان الجاد)) (1913) مشددا فيه على تبني النظرة العلمية في التعاطي مع مشكلات الفن ووظيفته ومنهجيته. يؤكد باوند، مبديا استعدادا وتأهبا شبيهين باستعداد وتأهب من ينبري لمهمة الدفاع عن الشعر، على جدية الفن ودور الفنان الحديث، واضعا الفنون على قدم المساواة مع العلوم ، ويقول "ان الفنون والآداب والشعر هي بمثابة علم مثلما الكيمياء علم." فهي علم لكونها دقيقة ومضبوطة وموضوعية وصادقة، ومثلما تكون نتائج مشاهدات رجل العلم، كذلك ينبغي ان تكون بالنسبة للفنان:
ان الفنان الجاد علمي في كونه يعرض صورة رغبته وحقده وعدم اكتراثه
بدقة على انها صورة رغبته وحقده وعدم اكتراثه. وكلما كان تسجيله دقيقا
كلما اصبح عمله الفني اكثر ديمومة ومقاومة للزمن.

ان الدقة، التي هي عند باوند معيار الفن الجيد والدائم، مكافئة للعلمية على نحو يستطيع من خلالها ان يضع الفن على قدم المساواة مع العلم.
يبدي أليوت، شأنه شأن باوند، اهتماما كبيرا بالعلم والطريقة العلمية، ساعيا هو الآخر الى وضع الفنون في مصاف العلوم. يظهر ذلك جليا في العديد من نظريات أليوت وتوصيفاته حول الفن. فنظريته في اللاشخصانية التي يصف بضوئها العملية الشعرية على انها فعل لاشخصاني هي مثال واحد لنظرية يلجأ أليوت في صياغتها الى علم الكيمياء لغرض شرحها وتوضيحها، وهو امر له ما يكفي من الدلالات. يعرض أليوت نظريته هذه في القسم الثاني من مقالته الرائدة ((التراث والموهبة الفردية)) (1919) حيث يتأمل العمليات التي تكتنف كتابة القصيدة. يعقد أليوت هنا مقارنة بين ذهن الشاعر اثناء العملية الشعرية فيصفه بكونه "قطعة من البلاتين" تؤدي عمل "المحفز" او المثير في تفاعل كيميائي يحدث بين غازين. يقوم المحفز بإنتاج مركب جديد من هاتين المادتين ولكن المحفز نفسه—اي ذهن الشاعر—يبقى كما هو دون ان يتغير تحت تأثير العملية.
على الرغم من ان هذه الاستعارة الكيميائية التي استعملها أليوت في توصيفه للعملية الشعرية تعرضت الى انتقادات مختلفة عدتها مقارنة غريبة، الا ان هذه المقارنة هي في الواقع مقارنة مركزية في نظرية أليوت الجمالية التي تتوافق كل التوافق مع نظريات الفن المبنية على العلم والمنهج العلمي. فنظرية أليوت عن اللاشخصانية تستند في جوهرها الى مفهوم "لاأنسنة" (dehumanization ) الفن والفنان في العصر الحديث التي تناولناها آنفا، وهو مفهوم يستخدم أليوت مصطلح "اللاشخصنة" ( depersonalization ) بدلا منه في المقالة ذاتها. بضوء ذلك يمكن فهم وتبرير غرابة هذه المقارنة وما جوبهت به من اعتراضات ونقد.
مع أليوت نصل الى حركة الحداثة الشعرية الفعلية، اي الحركة التي جمعت خيوط الحركات هذه جميعها في كل مترابط واحد هو ذروة وخلاصة نتاجاتها واعظم انجازاتها الشعرية. بعد ان التقى أليوت بباوند لأول مرة في العام 1914 كتب باوند عنه ما يأتي الى محررة مجلة شعر، هارييت مونرو: "انه الأميركي الوحيد ممن اعرفهم الذي قام بما يمكنني ان اسميه بالتهيئة الصحيحة للكتابة. لقد قام فعلا بتدريب وتحديث نفسه بنفسه." ومنذ ذلك التاريخ فقد انتجت مسيرتا هاتين الشخصيتين الأدبيتين الحداثة الشعرية الأنكلوأميركية. على الرغم من ان أليوت لم يلتق هيوم ابدا، الا انه من المحتمل ان يكون قد اطلع على نظرياته قبل نشر كتابه ((تأملات)) في العام 1924. فأوجه الشبه اللافتة بين النظريات الجمالية لهيوم وأليوت تكشف عن حقيقة ان هذه النظريات تنطلق من الأسس الفلسفية ذاتها. وقد قاد ذلك الناقد كوفمان الى التلميح الى ان قصائد أليوت المبكرة، بما فيها قصيدة ((أغنية حب جي. الفرد بروفروك)) التي كتبها قبل ان يكون قد عرف شيئا عن هيوم تمثل ما رسمه هيوم من خطوط للفنان الحديث خير تمثيل. لقد فهم أليوت موقف هيوم ونظريته في الفن ومدلولاتها الكلاسيكية المناهضة للرومانسية. عندما ظهر كتاب هيوم ((تأملات)) عام 1924، وضع أليوت تعريفا لما اسماه "النزوع الحديث... نحو شيء يمكن ان ندعوه الكلاسيكية وذلك لعدم وجود اسم افضل"، وذكر كتاب هيوم مع خمسة كتب اخرى بوصفها تمثل تمثيلا واضحا هذا النزوع نحو موقف كلاسيكي كان أليوت متعاطفا معه وميالا اليه على نحو واضح.
اثبت أليوت وباوند، بتوظيفهما التقنيات الشعرية الرمزية، ان الحركة الصورية، كما يؤكد الناقد ستيد، لم تصل الى طريق مسدود، بل كانت انطلاقة جديدة في طريق تطوير الشعر الانكليزي، فقد اضافا اليه ما يدعوه ستيد بــ "مبدأ التجميع" ( Principle of Aggregation ) ويوضحه كما يأتي:

صور صرف قد تضاف الواحدة الى الأخرى، دونما فرض بنية ما،
دونما تواصل منطقي او سردي؛ وبالنظر لوجود وحدة في النبض
الشعري يمكن ان تعد مترابطة او يمكن جعلها مترابطة ... بهذا
الاكتشاف... اخترع أليوت وباوند الحداثة.

ولكونها "تجميعا" لكل هذه الحركات وحصيلة لكل هذه التأثيرات تصبح الحداثة بذلك وعلى مستويات عدة نتاجا للعلم الحديث وتطبيقاته التقنية، سواء أ كان ذلك في أسسه الفلسفية والجمالية ام في النظرة العلمية التي تبناها دعاتها الرئيسون.
لقد كانت الحداثة جزءا من ثورة شاملة في الفنون والآداب والعلوم معا شهدتها العقود الأولى من القرن العشرين، وهي واحدة من اعظم حقب التاريخ الأدبي التي شهدت تفاعلا حيا وقويا بين العلوم والفنون. يختتم الناقد هاري ليفن مقاله المعنون ((ما كانت الحداثة؟))، متأملا فكرة ان الثورة المادية التي احدثتها جهود رجال العلم كما توقع ويردزويرث في بواكير القرن التاسع عشر قد حدثت فعلا في بواكير القرن العشرين، وان الفنون "سعت جاهدة كي تتكيف معها؛ وسوف نفهم الفنان الحديث فهما تاما اذا ما تخيلناه –بعبارة ويردزويرث—يقف جنبا الى جنب مع رجل العلم."
---------------------
1 Ezra Pound, Literary Essays, ed. By T. S. Eliot (London: Faber, 1960), p. 42.
2 Ibid., p. 46.
3 T. S. Eliot, Selected Essays, (London: Faber, 1951), p. 18.
4 Quoted in Stead, Pound, Yeats, Eliot and the Modernist Movement, p.35. See also Wimsatt and Brooks, Modern Criticism, p. 660.
5 Coffman, Imagism, pp. 219-20.
6 Ibid., p. 220.
7 Stead, Pound, Yeats, Eliot and the Modernist Movement, p. 39.
8 Levin, Refractions, p. 294.



#عادل_صالح_الزبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة والعلم الحديث (القسم السابع)
- رسل أيدسن – أربع قصائد نثر
- بيلي كولينز – فن الغرق
- توماس لوكس - مساعدة القرد على عبور النهر
- عند النصب التذكاري اللاوطني على الحدود الكندية
- الحداثة والعلم الحديث (القسم السادس)
- الحداثة والعلم الحديث (القسم الخامس)
- ادريان ريتش: على المهاجرين المتوقع وصولهم ملاحظة ما يأتي
- هايكوهات عربية (2) (تعريفات واستفهامات)
- هايكوهات عربية
- الحداثة والعلم الحديث (القسم الرابع)
- الحداثة والعلم الحديث (القسم الثالث)
- الحداثة والعلم الحديث (القسم الثاني)
- الحداثة والعلم الحديث (القسم الأول)
- جون بيريمان – قصيدة الكرة
- كينيث كوك - الجبل
- جيمي سانتياغو باكا – أقدّم هذه القصيدة
- جاك كرواك – مختارات من الهايكو الأميركية
- جون جوردان-هذه القصائد
- الفكتوريون الانكليز والعلم (القسم الثاني)


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل صالح الزبيدي - الحداثة والعلم الحديث (القسم الأخير)