أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - مشروع الدستور الديناميكي















المزيد.....

مشروع الدستور الديناميكي


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1225 - 2005 / 6 / 11 - 11:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يكتب الدستور في العادة بصيغ ثابتة يصعب تغييرها وذلك لغرض تثبيت شروط الحياة الاساسية للمواطن ودوره في البلد. هذا الهدف من الاهمية والخطورة بحيث يستحق التضحية بالمرونة التي يفترض ان تتحلى بها قوانين الحياة الاجتماعية, لتناسب وتواكب التغييرات الفعلية في المجتمع. لذلك يضع الناس شرطا قاسيا لتغيير الدستور يتمثل عادة بأغلبية الثلثين. واساس ذلك انه في حالة سقوط الوضع السياسي في البلد, فأنه يكفي ان يحافظ ثلث اعضاء البرلمان على شجاعتهم من اجل عرقلة اسقاط القانون الاساسي, اضافة الى توفير حماية افضل للاقليات.

لكن وسائلنا ل"عرقلة الدكتاتورية" من الوصول الى الحكم, تستطيع ايضا "عرقلة التقدم" بنفس الطريقة والسهولة. ولدينا امثلة كثيرة وواضحة. على سبيل المثال ان حق التصويت للمرأة في احد الكانتونات في سويسرا تمت عرقلته دستوريا من قبل اقلية الى حتى قبل بضعة سنوات! وفي هولندا فشل كل محاولات الراغبين في تطوير الديمقراطية في ادخال الاستفتاء الشعبي الالزامي الى الدستور الهولندي, رغم ان تلك المحاولات بدأت منذ اواخر القرن التاسع عشر!

فالدستور اذن يعاني من مشكلة جمود في طبيعته, ولذا تعتبر لحظة كتابته ذات اهمية بالغة للشعب. فالدستور عامل تثبيت يثبت الجيد والسيء بلا تمييز, ومن سعادة حظ شعب ان يتمكن من كتابة دستور لايحتوي ما يعرقل تقدمه مستقبلا, دون ان يكون سهل الاستغلال من قبل اعدائه في الاوقات الحرجة من تأريخ البلد. بسبب هذا الجمود بالذات, يتجنب الناس ان يوضع في الدستور الا ماهو ضروري يخشى عليه من غدر غادر في لحظة سوداء.

القيود الدستورية الجامدة تصمم للصمود امام سيأتي به المستقبل من ظروف سياسية. وبما ان المستقبل مجهول, فعلينا ان نحصن تلك القيود باقصى ما نستطيع. هذا صحيح غالبا, ولكن ليس دائما. فيمكننا, لو بذلنا بعض الجهد, استشفاف اتجاهات المستقبل الى درجة ما, في نقاط معينة. ويمكننا عندها الاستفادة من هذا الاستشفاف لتحديد مقالقنا قدر الامكان بما هو واقعي منها, وصولاً الى تضييق نطاق المواضيع التي تخضع لتلك القيود, من ناحية, وصياغة تلك القيود صياغة تعطينا اكبر قدر ممكن من المرونة اللازمة للتقدم الايجابي.

فالفكرة الاساسية هي ان نكتب دستورا متغيرا بدرجة ما مع الزمن, بحيث نستطيع ان نزيد قيوده في السنوات الاولى لتطبيقه, ونخفضها في السنوات التالية. بذلك لانكسب فقط المزيد من المرونة للمستقبل, بل ايضا المزيد من الثبات للحاضر.

وبعد ان فصلنا المستقبل عن الحاضر لنتمكن من مراعاة ضروفهما بشكل افضل, نستطيع ان نفصل اتجاهات التغيير في الدستور. فنستطيع ان نميز بسهولة (في بعض الحالات) بين الأتجاهات السلبية المهددة للديمقراطية, وبين تلك الأتجاهات المعاكسة المقوية لها, وان نعامل, في هذه الحالات, الأتجاهين بشكل مختلف, بدلاً من وضع قوانين محددة لكلاهما بشكل متساوي.

هذا هو المبدأ الذي تستند اليه افكارهذه الدراسة القصيرة العامة, وهو مبدأ بسيط, لكنه يفتح برأيي افاقا واسعة لنظرة جديدة الى عملية كتابة الدستور بشكل عام.


1- مبدأ التمديد التدريجي لفترة السلطة:

تقرر دساتير البلدان المختلفة فترة الحكم وهي عادة اربعة او خمسة سنوات, لتبقى ثابتة دائما. وانا اجد ان ذلك غير ضروري ولاهو مناسب لمرحلة البدء في الديمقراطية. ذلك ان البلاد لها متطلبات مختلفة في البداية عنها في حالة الاستقرار, ففي البداية تكثر المخاطر والتجارب ويتعرف فيها الشعب على اسلوب الحكم وكيف يقيس مرشحيه الخ. لهذا السبب فمن المنطقي ان تكثر الأخطاء, ومن الطبيعي بالتالي ان نبحث عن دستور يمكننا من اصلاحها باسرع وقت ممكن.

من ناحية اخرى فأن لعملية الانتخاب اهمية رمزية كبيرة للغاية في البداية, وفي كل عملية انتخابية ناجحة تتثبت ثقة الناس بالنظام الديمقراطي وتزداد قدرتهم ورغبتهم في الدفاع عنه, لذا فأن كل عملية انتخابية مكسب كبير في تثبيت الديمقراطية القلقة في البداية.

.كل هذا يدعوني لاقتراح ان تكون فترة الحكومة الاولى المنتخبة اقصر من الاعتيادية كأن تكون لسنتين ثم الحكومة التالية لثلاث سنوات ثم تستقر على اربعة سنوات.

ولنفس السبب فمن الافضل كذلك الايسمح في الفترات الانتخابية الاولى بتجديد الانتخاب للرئيس ورئيس الحكومة السابق حتى ولا لتجديد متتال واحد. فالرمز الديمقراطي في تغيير الحكومة انتخابيا اكبر بكثير من رمز اعادة انتخابها.

2- شروط مختلفة لتعديل المواد المختلفة:

ليس من الضروري ان يكون لجميع مواد الدستور نفس الشروط اللازمة من اجل تغييرها. فهناك نقاط اساسية وخطيرة تتطلب الثبات. فلا نتوقع ان نحتاج الى تغيير ما يتعلق بالمساواة الانسانية مثلا, او الحد من حرية الرأي وتأسيس الحكم على الديمقراطية, ومثلها من النقاط الاساسية للمواطن. في حين ان تفاصيل شكل الحكم وطريقة الانتخاب ووسائل استشارة البرلمان لرأي الناس المباشر (مثل الاستفتاءات) وشروطها, ودرجة التزام الحكومة بنتائج الاستفتاءات ( ملزمة او استشارية) تتحمل وتتطلب المراجعة كل فترة من الزمن. لذلك ارى تقسيم الدستور الى قسمين او اكثر, وان تكون شروط تعديل كل قسم متناسبة مع حاجة مواده المتوقعة الى الاستقرار او التغيير.

3- شروط مختلفة لتعديلات باتجاهات مختلفة:

كذلك فان تعديل مواد الدستور باتجاه معين ليس بنفس خطورة تعديلها باتجاه معاكس. لذا اقترح ان تكون شروط تعديل الدستور باتجاه زيادة تمكين الناس من المشاركة في صنع القرار مستقبلا, اسهل من شروط التعديل ذات الطابع المعاكس. كأن يتطلب تقليل شروط اجراء الاستفتاء الشعبي او زيادة الالتزام بنتائجه, وهما يصبان في المزيد من السلطة المباشرة للشعب, اغلبية برلمانية ابسط من زيادة تلك الشروط. ينطبق هذا على صلاحيات المنظمات والجهات المؤسسة من قبل اشكال ديمقراطية مباشرة, وصلاحيات الاقاليم للحكم المحلي. فلا يوجد هنا خوف من استغلال اصحاب السلطة لسلطتهم, لزيادة امكانية الشعب في ممارسة الحكم, لكن العكس صحيح, فمن الممكن تماما ان يحاول اصحاب السلطة تقليص ما امكن من صلاحيات الشعب وحصر المزيد من السلطة بأيديهم.

4- شروط متناقصة مع الزمن:

من الاشياء التي نعرفها بشكل شبه اكيد عن المستقبل, هو ان عملية بداية الديمقراطية, خاصة في بلد ينوء تحت الاحتلال والارهاب والفساد وانعدام الشفافية والمصالح الدولية الكبيرة, هذه البداية العاصفة هي بالضبط الوقت الذي نحتاج فيه الى القيود الدستورية الضيقة القوية لتثبت الديمقراطية قدمها.

لكننا ندرك بنفس الوقت, انه ان واتانا الحظ, وكتب البقاء لتلك الديمقراطية ولو لبضعة دورات انتخابية, تجد الحكومات المنتخبة فيها فرصة لتقليل الاخطار المحدقة بالبلاد, وتتثبت قيم الديمقراطية والثقة بها في عقول الناس, فان تلك القيود الضيقة نفسها ستكون العقبة التي تمنع البلاد من الرقي بالديمقراطية والحياة الى مستويات اعلى. لذلك توجب ان تدرس تلك القيود لايجاد طريقة لتخفيف ضررها المستقبلي دون خسارة فائدتها الحاضرة. ومن الطرق الممكنة للحصول على ذلك الكسب المزدوج, ان تكتب قيود تغيير الدستور بشكل تتخفف معه اوتوماتيكيا مع الزمن, ومع كل نجاح في ممارسة وتثبيت الديمقراطية متمثلا بانتخابات ناجحة مثلا. فنستطيع ان نستبدل مثلا شرط تغيير المواد الدستورية, او جزء محدد منها, المنتشر عالميا بنسبة تصويت الثلثين, بشرط مركب كأن يكون شرط تغييره نسبة 75% خلال دورتين انتخابيتين او ثلاثة, ليتناقص مع الدورات التالية الى 70% ثم 65% وصولا الى 60% او 55% مثلا




نضيف الى ذلك ان القيود القاسية مناقضة لمبدأ الديمقراطية نفسه. فليس من الطبيعي ان يسير 65% من الناس خلف رأي 35% منهم, حتى لو كان الدستور يدافع عن الاخيرين. مثل هذه الحالات ضرورية احيانا, لكنها يجب ان تكون مؤقتة, والا اصبح الدستور حاميا لرأي الاقلية لتفرضه على الاغلبية, ويحافظ على النظام بشكل اصطناعي خطر معرض للانقضاض.

وهناك نقطة اخرى, فمع التقادم, يقل الحق الطبيعي للدستور في فرض نفسه على الناس, لأن من كتب الدستور وصوت عليه يكونوا قد بدأوا يغادرون الحياة تدريجيا, لتحل محلهم اجيال لم يكن لها رأي فيه. لذا فسترتفع الاصوات المطالبة بتغيير دستوري هنا وهناك وتلقى اذانا صاغية من فئات متزايدة الاتساع مع الوقت.

كل هذا يدفعنا للبحث عن طريقة للوصول الى دستور مرن, يزداد مرونة مع الزمن وخاصة بالاتجاهات التي يغلب عليها الايجابية, والامور غير المبدأية. تلك المرونة عامل هام لتقبل الناس للدستور في المستقبل, وهي لذلك ضرورية لإستمراره على قيد الحياة, مثلما تكون شدة القيود ضرورية لإستمراره في البداية.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابو الاوٌلة ما ينلحك
- مقترحات ضامنة للديمقراطية وادامة الدستور
- هولندا في دوامة التصويت على الدستور الاوربي
- الفتنة- لادواء لها سوى المبادرة
- اكتب لتقرأ جيدا
- ما رأيك بهذا اللون الناشز القبيح الخالي من الذوق؟
- لقاحات ضد الجنون: 1- الكلمات المفتاحية – التطبيع مثالا
- الديمقراطية والصدامية - من يجتث الاخر اولا؟
- دع الخجل وابدأ النفاق: دعوة عاجلة
- حكمة من روما القديمة الى بغداد الجديدة
- القطيع والراعي الجديد
- انليل: ذات صباح رطب في روتردام
- لقاحات ضد الجنون:الحلقة رقم صفر- مدخل الى الجنون
- سيف ديموقليس الجديد
- مسرحية يارة الصامتة
- بياع الخواتم وصحبه الكرام
- مهمات الحكومة القادمة: لكل معركة خيولها
- من يخجل مِن مَن؟ : دعوة لتجربة احترام طوعي للقانون
- هل كان السادات متخلفا عقليا؟
- ااشرف عبد الفتاح والسادات مرة اخرى, واصول الرد على كتابات ال ...


المزيد.....




- البيت الأبيض يدعو إسرائيل إلى إعادة فتح المعابر إلى غزة
- مسيرة -لانسيت- الروسية تدمر منظومة استطلاع أوكرانية حديثة في ...
- البيت الأبيض: إسرائيل أبلغتنا بأن العملية العسكرية في رفح مح ...
- -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر!
- تبون: ملف الذاكرة بين الجزائر والمستعمر السابق فرنسا -لا يقب ...
- في الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات بين البلدين.. أردوغان يستقبل ...
- تسريب بيانات جنود الجيش البريطاني في اختراق لوزارة الدفاع
- غازيتا: لهذا تحتاج روسيا إلى اختبار القوى النووية
- تدعمه حماس وتعارضه إسرائيل.. ما أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق ال ...
- في -قاعة هند-.. الرابر الأميركي ماكليمور يساند طلاب جامعة كو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - مشروع الدستور الديناميكي