أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - من يخجل مِن مَن؟ : دعوة لتجربة احترام طوعي للقانون















المزيد.....

من يخجل مِن مَن؟ : دعوة لتجربة احترام طوعي للقانون


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1158 - 2005 / 4 / 5 - 10:09
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


"لتكن ذاتكم متجلية في عملكم, كتجلي الام في طفلها, وليكن هذا تعريفكم للفضيلة": نيتشة
قبل عام بالضبط كنت في العراق, استنشق عبير بغداد المفعم بالاصدقاء والحب رغم كل ما تعرفون. الناس الذين عرفتهم لم يتغيروا, ومازالوا يعبقون بالحب والتواضع والتساؤل, لكن اشياء كثيرة غريبة اثارت دهشتي.

حين غادرت صديقي جعفر بعد زيارة مفاجأة له في مرسمه المكون من غرفة في سطح عمارة في الكرادة, حذرني ان لا ادع احد يفهم انني قادم من الخارج, لاحتمال التعرض للسرقة, ولم يكن الخطف للعراقيين وقتها قد صار مودة منتشرة بعد. كان الوقت ليلا. استوقفنا سيارة خصوصية على انها تاكسي, وتظاهرت بمفاوضة السائق على الاجر, لكي لا اعطي انطباعا ان لدي نقودا "كثيرة", كذلك لم تكن ملابسي توحي بشيء على الاطلاق.

صعدت الى السيارة وبعد كلمة "الله بالخير", "الله بالخير عيني" فاجأني السائق ان سألني بشكل مؤدب: " اذا تسمح لي بالسؤال: الاخ من اي دولة جاي؟"
ذهلت للفشل السريع لحفلتي التنكرية وسألته دون ان اجيب عن سؤاله: "شلون عرفت اني جاي من الخارج؟"
اشار الى حزام مقعد السيارة الذي كنت ربطته حين صعدت, وقال ضاحكا : "هنا محد يسويها."

بعد يومين كنت اركب سيارة احد اقربائي, وقبل ان ينطلق نظر الي وقال بخليط من الجد والهزل: "هاي شدتسوي يا معوٌد؟" ("ماذا تفعل يا رجل" بالعامية العراقية). دهشت ونظرت الى نفسي, ثم سألته ماذا يقصد. فقال: الحزام! انزع الحزام يمعود, تريد تفضحنا؟ كانت ابتسامته العريضة تعرقل فهمي لمقاصده: هل كان يتكلم بجد ام ساخرا؟

في الايام التالية شاهدت الكثير من الغرائب, مثل بعير على الطريق السريع, لكن المشهد المتكرر المؤلم كان :احتقار القانون!

واول ما يظهر من درجة احترام او احتقار القانون في بلد ما هو تعامل الناس مع قانون المرور. نقترب من تقاطع مروري فيه اشارة ضوئية ما زالت تعمل ويقف تحتها شرطي مرور, ومع ذلك يستدير صاحبي من المكان الممنوع رغم ان الاستدارة الصحيحة على بعد امتار ورغم اننا لم نكن مستعجلين على الاطلاق! وجدت نفسي ادير وجهي بعيدا عن شرطي المرور خجلا من ان ينظر الينا!

بقيت عبارة صاحبي ترن في اذني, وحتى الان: "تريد تفضحنا؟" لم يكن هازلا تماما. كان احترام القانون مثارة للسخرية في بغداد. وتذكرت زمن صدام حيث بدأ هذا "التراث", وحين كان مؤشر قوة الشخص, قدرته على تجاوز القانون والشرطة. وقتها كان الراسخون في السلطة من ضباط ورجال عشائر متخلفين وغيرهم, يميزون انفسهم بقدرتهم على ضرب النظام واختراق الصفوف والسخرية من شرطة المرور واضويتها. اما في بغداد عام 2004 فكان ضرب القانون ميزة للجميع.

لم هاجمك الجميع ايها القانون حين زالت السلطة التي اسست احتقارك؟ لم يتمتع الناس بالانتقام منك رغم انك كنت مضطهدا مثلهم وكنت مثلهم تأمل ان تُحترم مثلما يحترم رفاقك في اي بلد اخر؟

لو سألت الناس لقالوا لك انك بطران! عن اي قانون تتكلم؟ وهل يحترم الكبار القانون في الامور المهمة لكي نحترمه في المرور؟ هل من امل للقانون في بلاد الخطف والسلاح والفساد الاقصى؟

"تريد تفضحنا؟"... من يفضح من؟ اي زمن هذا الذي يخجل فيه من ينفذ القانون ممن يحتقره؟ اي بلد هذا الذي يتباهى به الجميع بمخالفة القانون ويعد احترامه عوقا ولوثة ذهنية؟ الى اين سيقودنا ذلك؟

كان الناس وقت صدام يشيرون الى جماعته بان دليل تخلفها انها ضربت القانون عندما صارت اقوى منه, اما اليوم فيفعل الجميع نفس الشيء عندما اصبح القانون من الضعف ان صار الجميع فوقه!

لنسأل انفسنا بصراحة: هل نحن جيمعا متخلفون في اعماقنا, وانه لو كان لنا ما يكفي من السلطة لفعلنا ما فعل صدام وجماعته؟

لا اضن ذلك. صحيح ان المجتمع فيه من كل شيء ويعج بالصداميين بعد عشرات السنين من حكم الدكتاتور المدمر للاخلاق, لكن الناس الذين اعرفهم لم يكونوا بهذا الشكل. صاحب التاكسي الذي لم يربط حزامه كان دمث الاخلاق ورقيقا ومثقفا, وصاحبي الذي طلب ان لا افضحه حين لبست الحزام, انسان مثقف وممتاز من كل ناحية ويسعد المرء ان يعرف مثله. ما الذي جرى اذن, وكيف صار التمسك بالنظام امر مخجل؟

من لنا لنعيد هذه الدنيا المقلوبة هذه الى وضعها الصحيح؟

عندما فكرت في كتابة هذا المقال, خطر لي اولا ان ادعوكم يا قرائي المتواجدين في العراق خاصة, الى حملة اعادة الاعتبار للقانون والنظام. ان اوجه دعوة للالتزام بالقانون, ونشر هذه المقالة والدعوة لعل الفكرة تلقى القبول وتنتشر لنرى صداها هنا وهناك, ونرى تغيرا محسوسا لصالح القانون في الشارع العراقي!

ربما تجد مثلي, يا قارئي العزيز ان هذه الفكرة جميلة, وربما احببتها مثلي من النظرة الاولى. لكنك ربما مثلي ايضا ساورتك الشكوك بتلك الفاتنة الجذابة من النظرة الثانية! هذا الجمال ليس واقعيا. انه جمال الاشباح والاحلام والتفكير المتمني والطموح غير الموازن للحقيقة. انه جمال "اليوتوبيا". لن احاول خداعك فلن نستطيع ان ننشر فكرتنا التي نحب. ماذا نستطيع اذن؟ انترك الساحة للتخلف يفرض علينا ان نخجل من اظهار المدنية التي نحب؟

لكن, ان كان في غير مستطاعنا ان ننقذ "النظام" في الساحة العامة, فيمكننا على الاقل ان نمتنع عن المساهمة باغتياله. ان لم يكن لنا ان نفرض الاحترام لما نراه يستحق الاحترام, فلعلنا نستطيع ان نمنع احتقارهم له ان يصل الينا. لذلك, اسمح لي ان ادعوك يا قارئي في العراق دعوة شخصية, الى احترام طوعي للقانون.

القانون, اول ضحايا العنف والفوضى, يحتاج حبنا واحترامنا الطوعي اليوم, وليس عندما يكون قويا مدعوما بالشرطة والسلاح, لان الخوف من العقاب يكفيه حبنا عندها. عندها لن نستطيع ان نعرف ان كنا نطيعه احتراما ام خوفا لانهما سيختلطان في ذهننا بشكل لايمكننا فصله.

ربما كانت هذه الفوضى فرصتنا للتعرف على مشاعرنا وان كنا بحاجة للخوف لاطاعة القانون. هي فرصتنا لاظهار وتربية احترام خالص لمن نحب ونحترم فعلا. انه اقتراح شخصي بحت ولايطمح الى اقناع الجميع, ولا يشترط ذلك, بل يهدف الى احترام الذات من خلال الجرأة على اظهار الحب والتقدير لمن نحب ونقدر. هو عمل يهدف الى راحتنا ولا نطالب الاخرين ان يقلدوه ولا حتى ان يشكرونا عليه.

"انهم يطلبون لفضائلهم ثمنا!!!!" نيتشة



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان السادات متخلفا عقليا؟
- ااشرف عبد الفتاح والسادات مرة اخرى, واصول الرد على كتابات ال ...
- بعض الناس يحس بالنقص
- التعامل الفعال مع ازمة الاردن
- الطلبة والعصابات والنكتة الايرانية: حول احداث جامعة البصرة
- تفجير الحلة مؤامرة اردنية عمرها اكثر من عام
- لبنان يكتشف دواء للسرطان
- ايكاروس: مضطهدي الشعوب يدرسونها, لكنها لا تدرسهم
- الاقناع المعكوس: حول قائمة الائتلاف والجلبي والقرارات العشوا ...
- اسئلة قبل نتائج الانتخابات
- نظرية الخونة الابطال لاسحق رابين واشرف عبد الفتاح
- ليس من السهل على ابو مازن ان يكون في شجاعة السادات
- رهان الديمقراطية الخطير
- سياسيون مصابون بنقص الحضارة المزمن: حول الشغب السياسي العراق ...
- من قررت ان تنتخب؟
- خطوط على وجوه المدن العظيمة: اثار الجيش الامريكي في بابل
- صراع بين المتضامنين مع الشعب الكردي
- طائر الشمال الجميل يسحب استقالته!
- استقالتك مرفوضة ايها الطائر الجميل
- خير الامور ليس دائما اوسطها: في العلاقة العربية الكردية في ا ...


المزيد.....




- في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
- شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا ...
- السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا ...
- -لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق ...
- 4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي ...
- حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر ...
- منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
- الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند ...
- صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم ...
- برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - من يخجل مِن مَن؟ : دعوة لتجربة احترام طوعي للقانون