صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1211 - 2005 / 5 / 28 - 15:00
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ليس بخاف على احد الوضع الخطير الذي يمر به العراق اليوم. امس اتصلت بصديق في بغداد, قال انه يقرأ مقالاتي باستمرار, لكنه طلب مني بما يشبه العتاب ان اركز في كتاباتي على العراق! استغربت قوله, فمعظم مقالاتي تتعلق مباشرة بالعراق وحالة العراق. مع ذلك احسست ان اهلنا في العراق يعيشون وضعا ربما نعرفه, لكننا لا ندركه, من القلق وتراكم التعب والخوف. انهم بحاجة الى مساندتنا بشكل اكثر من اي وقت مضى, وان يحسوا بتلك المساندة, لحمايتهم من الانهيار.
فمهما كان قلقنا وتعبنا ومتابعتنا وتألمنا, نحن العراقيون في الخارج, مع من هم في الداخل, يبقى الفرق شاسعا بين المراقب مهما تألم, وبين المعرض للموت يوميا.
صديق اخر اتصل بي قائلا ان الوضع اخطر بكثير من الماضي, وان "الواحد" لايعلم ان كان سيعود الى البيت ام لا.
احد اقربائي قال انه لم يترك البيت لعدة ايام, واخيرا قرر الخروج بأي ثمن, لكنه ما ان وصل الى المحولة القريبة من داره حتى دوت انفجارات ورصاص واصابت احدى الرصاصات او الشضايا المحولة, فعاد يركض الى البيت.
علينا ان ندرك ان هذا الوضع العسير لن يضرب من قتل وسيقتل وجرح وسيجرح به, وانما سيصيب جيمع من سلم منه بحالة نفسية صعبة للغاية. لذا وجب علينا في اقل الاحوال ان نزيد مساندتنا المباشرة لاهلنا بكل طريقة ممكنة. علينا ان نبذل جهدا عمليا وفكريا لمتابعة الوضع عن قرب و للمساعدة على ايجاد الحلول, فعلى الاقل نتمتع نحن برخاء امكانية التفكير في جو لا يحيطه الموت, ويمكننا ان نضيف مساهمة مهمة الى الجهد العراقي الفعلي والفكري في العراق.
واخطر ما يهدد العراق اليوم الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة. فرغم المقاومة الرائعة للعراقيين للفتنة الزاحفة على البلاد, الا اننا يجب ان نعترف ان جيوش الفتنة قد حققت تقدما ملحوظا في الفترة الاخيرة ونجحت في اصابة نسبة ما من الناس من الطرفين, وزرعت الشكوك وقللت مقاومة الباقين.
من يمثل السنة؟
ان المهمة العسيرة تقع على ممثلي الشيعة والسنة لمجابهة هذا التهديد. لقد علمتنا الانتخابات من يمثل الشيعة ويمكننا ان نتوجه اليهم بدعوتنا كما يمكننا ان نوجه لهم نقدنا او تقديرنا, لكن المشكلة: من يمثل السنة؟
لم تسبب مقاطعة الانتخابات من قبل السنة (الذين يجدون هويتهم في كونهم سنة) في عزل جزء هام وكبير من الشعب العراقي عن الحوار والجدال مع بقية الشعب, لكنها وضعت هذا الجزء بلا شكل ولا قيادة شرعية او شبه شرعية. فعندما يجري الحديث عن "قادة السنة" او "ممثلي السنة" يكون المقصود هنا ليس من دفع بهم السنة كممثلين لهم, بل هم "الاقوياء" من السنة. وهذه حالة مثالية لتسلل "اقوياء" يهدفون الى التخريب اساسا, والادعاء بانهم يمثلون السنة! وان اعترضت الحكومة, حتى على ترشيح من لايخجل من الاعتراف بارتباطه بمخابرات صدام, فهي حكومة طائفية تبغي الاستئثار بالسلطة, الخ!
مع ذلك ارى ان لاخيار للحكومة الا طمأنة السنة الفعليين من خلال العمل المتواصل على الاتصال بهم وكشف خفايا وتأريخ من يتقدمون على انهم ممثلين لهم, وتوجيه الضغط السياسي والشعبي باتجاه الحل حتى على غير المقتنعين به, وعزل المندسين عن الناس من خلال التصرف بشكل صحيح بشكل عام, لكي يعرف كل انسان صديقه من عدوه.
ثم ما العمل؟
بعد ان تجد القيادتين الخيرتين بعضهما, يجب التوقف فورا عن "الصمود السلبي" المستنزف لطاقة الناس, والتحول الى "مهاجمة الفتنة" والا فان انتصار الفتنة مسألة وقت ليس الا.
قبل اكثر من عام, وعلى اثر مذبحة كربلاء والكاظمية, كتبت في الموضوع مقالة بعنوان: " الثأر...الثأر...لدماء كربلاء والكاظمية!"
,http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=15831
اقتطف منها ما يلي:
"ماذا نقول لانفسنا ونحن نتلقى الصفعة تلو الصفعة والحزن وراء الحزن؟ هل يجب ان نرقص فرحا بان "اعداء الوطن" لم ينجحوا باثارة الفتنة مرة اخرى؟ اننعم بالنوم ونحن نعلم ان مرة "اخرى" و "اخرى" و "اخرى" قادمة بلا شك؟
الى متى نقبل الخسائر تلو الخسائر والهزائم تلو الهزائم؟ لا تقولوا لي ان الهدوء و"تجنب الفتنة" انتصار, هذا كلام نقنع به انفسنا. المبادرة في يدهم ليكيلوا لنا الصفعات والكفخات, ثم علينا ان نفرح بسيطرتنا على اعصابنا. وهذا الالم ماذا نفعل به؟
الحل هو: ان لانكتفي بعدم السقوط في الفخ وتنفيذ ما يريد ويأمل الغادرون, بل ان نبادر ونفعل عكس ذلك تماما! يريدون زيادة العداء بين الشيعة والسنة؟ لن نكتفي بان لا يزيد عداؤنا, بل سنخفضه! سيتحدث ائمتنا وسادتنا مع بعضهم, وسنحرص ان يرى المسلمون واعداؤهم ذلك. يريدون رؤية العراق سابحا في دماء الحرب الاهلية؟ سنفعل المستحيل لكي يرى الجميع ان العراق صار بعد الجريمة اقرب الى السلام والتعاون من اي وقت مضى. يريدون ان يزداد الشق بيننا؟ سنصلي معا في كل مسجد من مساجد العراق, ولو تحملنا الجهد من اجل ذلك. ان في هذا رمزا عظيما اضافة الى انه يحرمهم هدفهم الرئيسي للفتنة. فلن يضرب مثل هذه الجوامع سنة او شيعة, بل سيكون واضحا انه عدو للاسلام والعراق. وكلما قاموا بجريمة جديدة لن نكتف بأن "لا نحقق اغراضهم" بل سنجعلها ابعد منالا, الى ان يقتنع ان جرائمه تعمل عكس ما يروم فيتوقف عنها!
لنبدأ بجعلهم يندمون على جريمتهم الكبرى بشئ غير معتاد..لنخترع عيدا يخلد شهداء كربلاء والكاظمية وليكن عاشوراء شهرا يصلي فيه المسلمون في مساجد مختلطة تجمع الشيعة والسنة ويستمعون الى خطباء من كلا الطرفين كل عام! اليس هذا رائعا! الن تفرح ارواح شهداؤنا وهي ترى ان حياتها لم تذهب هدرا"؟
وان فعلوها ثانية سنوحد طريقة صلاتنا ووضعية ايدينا ودعواتنا ....وان فعلوها ثالثة فسنصوم ونفطر ونحج معا!
صعب؟ يتطلب تقديم كثير من التنازلات والتضحيات؟ ان من يقول ذلك لايحترم شهدائه ولا يراها تستحق الجهد والتضحيات اللازمة , بل ولا يحترم ارواح من سيستشهد غدا ان لم نجعل هؤلاء السفلة يندمون على فعلتهم ويدركون ان جرائمهم انما تزيد وحدتنا. ان على سادتنا وشيوخنا اخذ المبادرة من اعدائنا وان يجدوا الطريقة لتنفيذ انتقامنا هذا, والا فمتى ينفع السادة والشيوخ؟
اننا اليوم على مفترق طريق لا عودة فيه: فأما ان يسجل التأريخ جريمة عاشوراء في الكاظمية وكربلاء كهزيمة وانكسار, وربما بداية لحرب اهلية طاحنة, واما ان تذكرها اجيال العراق القادمة بفخر, كنقطة تمكن العراقيون من تحويلها الى بداية لتوحيد صفوفهم كما لم يفعلوا من قبل ابدا. انها النقطة التي سيذكرنا فيها اطفالنا اما باللوم والاسف والخجل, واما بالاعتزاز والامتنان والفرح وهم يتغامزون: لقد عرفت الحضارة لاول مرة كيف تنتقم من الهمج"
للاسف لم نستطع ان نفخر بعد بانتقام الحظارة من الهمج كما كنت امل قبل سنة, وبقي تصرف محاربي الفتنة دفاعيا سلبيا لم يعرف الطريق الى استلام زمام المبادرة, وخسرنا بذلك اكثر من سنة من الدماء وما نزال دون ان نتقدم خطوة واحدة على جيوش الفتنة, بل انها تقدمت علينا خطوات!
حين كتبت تلك المقالة كنت امل ان يوصل الفكرة احد ما الى القيادة الخيرة لكل من الشيعة والسنة , لعلهم يجدون فيها حلا, لكن شيئا من ذلك لم يحدث للاسف حتى الان, فهل من متطوع لايصال الرسالة؟
جيوش الفتنة تتقدم ايها الاخوان, ولا حل لنا الا المبادرة بمهاجمتها او الجلوس وانتظار مذبحة الحرب الاهلية, واخشى ان لا يكون الانتظار طويلا!
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟