وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4290 - 2013 / 11 / 29 - 11:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(1) (العلويون هم المذهب الاسلامي الوحيد الذي لايمكن ان يكونوا اصوليين)المستشرقة الروسية ايرين مليكوف.
(ان النظام التركي نظر الى العلويين مجرد اداة تستخدم عندالحاجة لحماية نفسه من الاسلاميين ).
( من البيان العلوي العلوي الاول ).
(2) تقول ايرين مليكوف ان الفكرة العلوية التي وجدت منذ القرن الثالث عشرالميلادي وتطورت بالطريقة البكتاشية منذ القرن الخامس عشرفي بلاد الاناضول ,تستمد اصولها من المذهب الشيعي الذي اتجه في ايران نحو التطرف والاصولية ,في حين حافظت العلوية الاناضولية على نظرتها الانسانية وتسامحها وايمانها بفكرة التصالح الاجتماعي والاخاء الانساني ..ومن هنا يدافع العلويون عن كل المظلومين في جميع انحاء العالم بسبب التاثيرات الشامانية والبوذية والمانوية واليهودية والمسيحية .
تقول المستشرقة الروسية ايرين مليكوف ان العلوية تضم افكارالتصوف والامامية الاثني عشرية والعلي اللهية والحروفية (لاسيما القبالة اليهودية )والاخية (الفتوة العربية )والتقديس المسيحي لبعض الرهبان ( حيث يقدس العلويون بعض الشيوخ في اطار تقديس خضر الياس. ومشاركة المراة العلوية في اداء الشعائر وتناولهم للشراب, وكذلك بعض العقائد اليزيدية .
اضافة الى ايلائهم الاهمية لطائر ( الكركي ) , حيث كانوا يصنعون من سيقانها الطويلة الة الناي.
يؤكد البروفيسور عز الدين دوغان :
( تكمن مشكلتنا مع اولئك المسلمين الذين يتخذون الدين الاسلامي والفكر العلوي بالذات وسيلة لتحقيق اهدافهم السياسية ..اننا نعتقد بان على الجميع ان يعترفوا ويحترموا خيارات الاخرين في اطار حقوق الانسان وتقديس حرية الاخرين.والسماح لهم باقامة المؤسسات التي يمارسون فيها شعائرهم ومناسكهم الدينية بعيدا عن الاستغلال والاستثمار والاقصاء ).
(3 ) :العلوية السياسية
عرف العلويون منذ ظهورهم على المسرح السياسي كمدافعين عن حقوق الطبقات المسحوقة , وكمناضلين من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية . ومن هنا فان تاريخ العلويين هو سلسلة من الثورات ضد السلطات الحاكمة الاستبدادية .فقد ثار النصيريون ضد الافرنجة في جبل النصيرية عام 600 هجرية . كما انهم ثاروا ضد العثمانيين عام 1866 في جبال العلويين . وثورة الشيخ النصيري صالح العلي ضد المحتلين الفرنسيين عام 1918 , وغيرها من الثورات.ومنذ بدايات القرن الخامس عشر استطاع الشيخ حيدر بن جنيد بن صفي الدين التركماني جمع عدد غفير من الدراويش التركمان العلويين في منطقة بحر قزوين الاذربيجانية الايرانية حول دعوته الصفوية وخاض صراعا مريرا ضد العشائر الفارسية بمساندة الامير اوزون حسن ( 1428- 1478 م )زعيم دولة (الخروف الابيض )التركمانية وحمو الشيخ حيدر بن جنيد الصفوي , فانتصر عليهم بقواته الجرارة , والذين اطلق عليهم تسمية القزلباشية (ذوي الرؤوس الحمر )لانهم كانوا يعتمرون قطعة قماش حمراء في انتسابهم للطريقة العلوية .واعلن ابنه اسماعيل الصفوي (1486 -1524 )شاها ( ملكا )على ايران عام 1501 م الذي قام بدوره باعلان المذهب الشيعي , مذهبا رسميا لبلاده , فاصبح بذلك مؤسس الدولة الصفوية .
وهنا يتبادر السؤال التالي :لماذا لم يعلن اسماعيل الصفوي العلوي التركماني , العلوية مذهبا دينيا بدلا من المذهب الشيعي في ايران ؟,رغم اشتراكهما في محبة وتقديس الامام علي وال البيت؟
يعتقد الباحث د.ابراهيم الداقوقي ان الشاه اسماعيل الصفوي ,وهو احد الشعراء الاتراك الكلاسيكيين الذي نشر له ديوانان بالتركية , كان يفكر تفكيرا منطقيا, لانه اعتقد( وهو على حق)بان العلوية لست مذهبا دينيا,بل طريقة صوفية متميزة ومختلفة عن الطرق الصوفية الاخرى , لذا لايمكن اجبار الناس بالا نتساب اليها بالاوامر والقرارات الرسمية , وانما بالاقناع والحوار .
ومن هنا فان الطريقة الصفوية - العلوية – الصوفية من اكثر الطرق الصوفية انتشارا في الشرق الاوسط , ولانه اراد تعبئة الشعب الايراني ضد الدولة العثمانية السنية .
وقد اصبح العلويون, خلال تلك الفترة ,ضحية الصراع الصفوي – العثماني , حين اتهمهم السلطان بايزيد الثاني وسليم الاول العثمانيان بالولاء للصفويين , فاعملا السيف فيهم في عامي 1511 و 1513 م .
لقد اراد السلطان سليم التوجه بالفتوحات شرقا وضرب الحركة الصفوية العلوية المتنامية في بلاد الاناضول , بعدان تبنى الجند الانكشاريون (الجند الجدد )وهم مشاة القوات المسلحة العثمانية من المرتزقة ومعظمهم من العلويين والتي تاسست عام 1363م في اوجاقاتهم ( منتدياتهم )البالغ عددها 196 اوجاقا(منتدى ) اعتبارا من اواخر القرن السابع عشر , الطريقة البكتاشية اسلوبا في الحياة والمعاملات. وبذلك ساهموا في نشرها في انحاء بلاد الاناضول كافة .غير ان انتهاكات البكتاشيين في طوابير الجند الجدد واستبدادهم ومحاولاتهم التدخل في الشؤون الادارية ,اثار حفيظة السلطان محمودالثاني ( 1785 -1839)فقضى عليهم وفق طريقة (مصيدة الفئران). حيث اقام وليمة عشاء لزعماء تلك المنتديات( الاوجاقات ) وقتلهم جميعا. كما انه اصدر مرسوما يقضي بالغاء التشكيلات الانكشارية وتجريدها من السلاح والامتيازات وملاحقة كل من يشتبه بالانتساب الى الطريقة البكتاشية , حتى تم قتل حوالي اربعين الف علوي خلال تلك الفترة .لذلك فقد تبنى العلوون مبدا التقية والانعزال عن المجتمع العثماني الذي اطلق عليهم تسمية الكفارواللادينيين, والاتراك المعتوهين وغيرها من الاوصاف الرديئة .
ان محاربة العثمانيين للعلويين في شخص البكتاشيين ادى بمعظمهم الى الهجرة الى الاقسام الشرقية والجنوبية الشرقية من بلاد الاناضول , ليمارسوا هناك شعائرهم بصورة سرية , الى ان قامت الثورة الكمالية التي اعلنت العلمانية والجمهورية عام 1923م اضافة الى الغاء الخلافة , وانشاء مؤسسة الشؤون الدينية , التي تنص على وحدة الدين والدولة في نطاق اتخاذالاسلام كدين والتركية كقومية ضمن حدود الجمهورية التركية في اطار(الميثاق الطني )عام 1924 .
ورغم ان العلويين قد استبشروا خيرا باعلان الجمهورية التركية ,فانهم شعروا بالغبن نتيجة عدم اعتراف مصطفى كمال اتاتورك ( 1881 – 1938 ) ومن جاء بعده بالعلوية ( ولو ضمنيا )رغم كون العلويين علمانيين مثلهم , ولانهم كانوا يمثلون ربع سكان الجمهورية التركية .ولهذا ظلت معاناة العلويين مستمرة في العهد الجمهوري .
ومما زاد في الطين بلة , وضع الضرائب الباهظة على الماشية اضافة الى ضريبة الطريق التي ارهقت كاهل الفلاحين في المناطق الشرقية والحنوبية الشرقية التي تقطنها الاكثرية العلوية .
واذا كان العلويون النصيريون قد وصلوا الى السلطة بعد الستينات في سورية , فان انقلاب 12 ايلول 1980 يعد محطة سوداء في تاريخ العلويين الاتراك . اذ اقر النظام العسكري الجديد ,دخال تدريس الدين , مادة الزامية في جميع المدارس , مع تضمنها في دستور 1982, والذي مازال معمولا به حتى الان . كما شجع هذا النظام تشييد الجوامع وليس بيوت الجمع في المناطق العلوية , ودون الالتفات الى مطالب العلويين في الاعتراف ببيوت الجمع كمراكز لممارسة الشعائر العلوية , مع تحديد نسبة معينة من الائمة (الشيوخ )والخطباء العلويين ,اضافة الى تمثيلهم في رئاسة الشؤون الدينية بنسبة نفوسهم الى مجموع سكان تركيا.
وقد اصدرت مجموعة من المثقفين والفنانين العلمانيين (البيان العلوي الاول )في 21اذار 1989 , فكان حدثا مهما في مسيرة علويي تركيا . واكد البيان في بعض فقراته على مايلي :
- ان العلوية جناح من اجنحة الاسلام الموجود في تركيا.
- ان نفوس العلويين في تركيا تبلغ حوالي العشرين مليون نسمة .
- ان المسلمين السنة في تركيا لايعرفون شيئا عن العلويين .
- ان رئاسة الشؤون الدينية لاتمثل كل المسلمين في تركيا , وانما الاسلام السني لاغير .
- في المقابل تعمل الدولة على تجاهل وجود العلويين واظهارتركيا على انها دولة سنية , في حين ان ثلث السكان هم من العلويين .
- واذا كان اضطهاد العلويين قد انتهى مع تاسيس الجمهورية ,الا ان الضغوطات النفسية و السياسية والاجتماعية مازالت مستمرة على العلويين
- ان الاعلام التركي لايقدم معلومات صادقة عن العلويين : شخصياتهم, اعيادهم ,اشعارهم , موسيقاهم وفولكلورهم .
- على الدولة منع رئاسة الشؤون الدينية من اقامة جوامع في القرى العلوية , او ارسال ائمة مساجد اليها ( وهي نفس طريقة صدام حسين بنقل الموظفين المسلمين مع عوائلهم الى المدن والقرى المسيحية واقامة المساجد لهم ).
- ثمة دعاية ضد العلويين في المدارس من خلال دروس الدين, لذلك يجب الغاء مادة الدين الاجبارية في المدارس ,لان هذا يخالف مبدا علمانية الدولة .
اما على صعيد الدولة ,فان معظم المسؤولين يتعاطون وبحذر شديد مع (الصحوة العلوية ) . فهم من جهة علمانيون يجدون في الاصوات العلوية مصدرا اساسيا لدعم العلمانية , ومن جهة ثانية لايستطيعون الخروج من (الذهنية السنية ), وريثة قرون من السيطرة على السلطة . وكانت الدولة والاحزاب التي تكون في السلطة تقترب من العلويين ومطالبهم بمقدار تعاظم قوة التيار الاسلامي , وتبتعد عنهم كلما ابتعد شبح (الخطر الاسلامي ). اي ان النظام التركي نظر الى العلويين مجرد اداة تستخدم عند الحاجة لحماية نفسه من الاسلاميين .
تم الموضوع.
المصدر
كتاب(العلويون : اصحاب دين جديد , ام طريقة تصوف , او مذهب سياسي لعصر العولمة؟) – تاليف الباحث الدكتور ابر اهيم الداقوقي - ط 2– تقديم فلك الدين كاكه يي- دار اراس - اربيل – العراق.
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟