|
اللغة العربية والركب الحضاري -- خسئت ياعيوش --
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4282 - 2013 / 11 / 21 - 16:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مؤخرا رفع المسمى ( نور الدين ) عيوش مذكرة الى الملك يطالبه فيها باعتماد " الدارجة ) المغربية بدل اللغة العربية في التدريس بالمغرب . والخطورة هنا ليس بالهدف المتوخى من هذه المبادرة ، وهو معروف يرمي الى خلق الفتنة بين ابناء الشعب الواحد ، بل بالإضافة الى هذا ، التساؤل عن الصفة التي يملكها هذا الشخص حتى يتجرأ برفع المذكرة الى القصر في موضوع يهم الامة المغربية قاطبة ولا يهم شخصا مفردا بعينه . فهل اضحى المسمى عيوش مؤسسة من المؤسسات التي تملك لوحدها مخاطبة اولي الامر بالبلاد ، ام انه تصرف ربما لاعتقاده انه اصبح مستشارا ملكيا ، فكان له ما كان في رفع تلك المذكرة المشئومة ؟ وعندما نعلم ان ما يسمى ب ( الندوة ) التي عقدها حول التعليم ، استدعى لها كل من المستشارين الملكيين ، عمر اعزيمان ، وفؤاد عالي الهمة ، فمن من المستشارين تكلف برفع تلك المذكرة القنبلة الى الملك ، دون ادراك المخاطر التي تسببها للنظام ، فيما اذا ساير ذاك الاتجاه العدمي الذي يدفع المغرب الى الانتحار ، وبدفع بالنظام الى نهايته ؟ فمن يعمل على تقريب حفر قبر النظام من خلال ممارسات شادة تضرب في الصميم وحدة الامة ووحدة الدولة ، وهو ما عجز عنه الاستعمار الفرنسي عندما اصدر الظهير الفرنسي ( البربري ) لفصل السهول عن الجبال ، وفصل المدن عن القرى ، وفصل البرابرة عن العرب ؟ اليس هذا التصرف الاخرق واللّامسؤول ، هو تكملة مكشوفة لما يخطط له الاستعمار وتخطط له الصهيونية من خلال اذنابهم الذين يتحركون بيننا ، ويمثل حزب فرنسا الطابور الخامس الموكولة له تنفيذ مخطط التقسيم التي يتعرض له الوطن العربي هذه السنوات ؟ . لقد اعتبر هؤلاء القوم اللادينيون والمغتربون ، أن اصل الداء والعجز والتخلف الذي يعاني منه المغرب ، يرجع الى اللغة العربية التي هي لغة الجمود والتخلف ، ولغة انتاج التعصب والتطرف اللذين تعاني منهما جل البلاد العربية ، وإن بدرجات متفاوتة . ومن ثم فإنهم اكتشفوا الدواء المناسب في الغاء اللغة العربية وتعويضها بالدارجة في التعليم بجميع مراحله من الابتدائي الى الجامعي ، كما دعوا الى اعتماد اللغة الفرنسية في التدريس لأنها لغة العلم والتفتح والتسامح والإنسانية ، بل انها لغة ( الحداثة ) المسخ التي يهرول هؤلاء القوم للوصول اليها . وهنا نتساءل : اين الخلل ، هل في اللغة البريئة مما يقال بحقها ، ام ان الخلل موجود بالناطقين بها ؟ اي ان العجز هو بشري لاعتبارات ومخلفات لا علاقة لها بالحداثة ولا بالمدنية ، بل لها علاقة بالتكوين البنيوي والفكري والمورفولوجي والنفسي والتاريخي للإنسان العربي ؟ وهنا نتساءل مرة اخرى . إذا كان العجز في اللغة العربية وليس في الناطقين بها ، وهو تفسير مغلوط ، لأن لا علاقة للغة بدرجة تخلف او تقدم المجتمعات والدول ، ولكن له علاقة بالإنسان العاجز والناقص ، فكيف نفسر حال افريقيا الناطقة باللغة الانجليزية والفرنسية إذا قارنّاه بانجلترا او امريكا او استراليا الناطقين بالانجليزية ، او فرنسا الناطقة بالفرنسية ؟ كذلك كيف حال دول امريكا اللاتينية والجنوبية الناطقين بالاسبانية إذا قارنّاهم باسبانيا الناطقة بنفس اللغة ؟ بل نتساءل عن التفاوت الساطع وفي جميع الميادين العلمية والتكنولوجية والرقمية والطبية ...لخ ، بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية ، رغم انهما تتكلمان وتدرّسان بنفس اللغة التي هي اللغة الكورية ؟ وماذا عن الهند التي توجد بها اكثر من اربعمائة لهجة محلية ، لكنها تدرس التعليم باللغة الانجليزية اضافة الى اللغة الهندية ؟ فهل يمكن ان نقارن الهند التي تعتمد الانجليزية في لغة التدريس ، مع الولايات المتحدة الامريكية او مع بريطانيا ؟ ونفس الشيء ’يقال عن باكستان التي تعتمد اللغة الانجليزية في تدريس جميع المواد العلمية والأدبية من طور الابتدائي الى الطور الجامعي ؟ واذا كان المدعو ( نور الدين ) عيوش وطابور فرنسا يعتبر الدارجة تتوفر على ادب وإبداع غير ابداع عبد الرحمان المجذوب ( تصوروا ان اللغة العربية في زمن عيوش زمن المسخ والرداءة ، اضحت لغة عبدالرحمان المجذوب وليست لغة القرآن ، وهذه ليس لها من دلالة اكثر من الارتداد وضرب الهوية الوطنية ، بل ابعد من ذلك ضرب الاصل الشرعي الذي تقوم عليه الملكية في المغرب ، وهو امارة امير المؤمنين واعتبار الملك اميرا للمؤمنين ) ، فماذا يمكن ان يقول عن الدول التي اعتمدت لغتها الوطنية في التدريس في جميع اطوار التعليم ؟ ايران ، الصين ، اليابان ، اسرائيل ، كوريا ، روسيا ، تركيا ، اليونان ، اسبانيا ، هولندا ، المانيا ... لخ ، وحققت تطورا وتقدما لم يسبق له مثيل في جميع الميادين ؟ وعندما يعتبر هؤلاء الخوارج عن اجماع الامة ، ان اللغة الغربية تولد الجمود والتطرف والتعصب ، نظرا لما يحدث اليوم من ارهاب بالدول العربية ، اي اتهام اللغة العربية بالإرهاب التي هي بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف ، فبما ذا يفسر ويربط ( ارهاب ) السبعينات من القرن الماضي . هل كانت الالوية الحمراء الايطالية تتكلم عربيا او اسلاميا ؟ . هل كانت منظمة العمل المباشر الفرنسية تتكلم عربيا ام اسلاميا ؟ . هل كانت منظمة بادر ماينهوف الالمانية تتكلم عربيا او اسلاميا ؟ . هل كانت الخلايا الشيوعية البلجيكية تتكلم عربيا او اسلاميا ؟ . هل كان الجيش الاحمر الياباني يتكلم عربيا او اسلاميا ؟ . هل كان الجيش الجمهوري الايرلندي يتكلم عربيا او اسلاميا ، او انه كان يتكلم مسيحيا ؟ . هل كانت منظمة ايتا ومنظمة غرابو الاسبانيتين تتكلمان عربيا او اسلاميا ؟ وهل اليمين المتطرف في اسرائيل ، بل دولة اسرائيل التي تنتج الارهاب تتكلم عربيا او اسلاميا ؟ ... لخ . اذن من اين لهذا المعتوه ان يعتبر ، ان اللغة العربية تنتج التعصب والتحجر والتطرف ، وأنها ضد المدنية والتقدم والرقي والعلم بجميع انواعه ؟ ان المستهدف من هذه المبادرة الخطيرة ليس فقط كيان الامة ووحدة الدولة ، واصل النظام الشرعي الذي يقوم عليه النظام السياسي الملكي ، كما ان الهدف الخبيث لهذه المبادرة الفتنوية ، ليس حب اللغة الدارجة ، بل ان الهدف المتوخى من هذا العمل الاجرامي وغير المسئول هو القرآن الكريم الناطق بلغة الضاد . وهنا ولتفسير مرامي هذه السقطة التي جاءت بتزامن مع ما يحصل في جميع البلاد العربية ، وبتزامن مع الهجوم الكاسح من قبل الدوائر الصهيونية المسيحية الماسونية على النبي وعلى القرآن والإسلام ، نطرح سؤال لعلماء الامة وللشعب المغربي قاطبة : --- هل يجوز قراءة القرآن جماعيا او احاديا بالدارجة ؟ فمن المستهدف إذن من هذا المخطط الاستعماري الصهيوني الخطير ؟ اليس القرآن الناطق بلغة الضاد ؟ اليس الاسلام ووحدة الامة والدولة ؟ اليس النظام الملكي الذي تقوم كل اسسه على مشروع البيعة ؟ --- وبالنسبة للمدعو عيوش وحزب فرنسا دائما ، هل يجوز قراءة القرآن جماعة في المسجد بالبربرية ، او بالتركية ، او الدرزية ، او بالكردية او بالفارسية ؟ .. لكن مهما بلغ عيوش ومنْ معه ِمن حزب فرنسا ، فانه سوف لن ينال إلاّ بعض المساندة والدفع من قبل اقلية عنصرية فئوية ، يسيري في دمها جراثيم وفيروسات المقيمين العامين الاستعماريين امثال نوغيس ، ليوطي ، بورنازيل وبونيفاس ، وحاشا ان تكون دمائهم من دماء الوطنيين الاحرار الوحدويين من برابرة وعرب تقدميين ونيّرين . فهل يجهل المدعو عيوش قول تعالى " انا له لحافظون " ؟ خسئت ياعيوش وخسئ معك اذناب الاستعمار والصهيونية . ان اعتبار اللغة العربية لغة غير قادرة على استيعاب الخطاب العلمي والمخبري ، هو تصور ساذج ولا عقلاني ، يخضع اللغة لجدل المفاضلة والاحتكام المطبوخة ، مع العلم انها تعتبر اللغة الوحيدة التي حافظت على بنيتها لمدة قرون دون تغيير عكس اللغات الاوربية الحديثة التكوين . فالحضارة الاسلامية اعتمدت وانطلقت من لغة القرآن الكريم ، وأنتجت خطابات علمية جادة في كل المجالات ، وما مراكز الارصاد الاسلامية في كل من دمشق والقاهرة وأصفهان ايام العصر الذهبي الاسلامي ( القرن الثامن والقرن التاسع ) سوى اشارات على اللغة العربية العلمية ، ولخير دليل على اصالة اللغة وتجانسها داخل الابجديات لخ .. بالإضافة الى ما سبق ، نلاحظ ان العديد من قطاعات المعرفة في الوقت الراهن من رياضيات وفلك وبيولوجيا وطب وفلسفة ... لخ مدينة كلها للمساهمات الجوهرية التي قدمها علماء الاسلام ، وكدليل على ذلك ما شهد به المؤرخون امثال الامريكي ( سارتون ) الذي يعترف بدور علماء الاسلام حيث يقول " ان علْم الغرب الحاضر مدين الى درجة كبرى للحضارة العربية " ، ويقول ( كوربانسكي ) " لو ازيلت الحضارة العربية الاسلامية لتأخر الغرب لعدة قرون " . فعلماء الاسلام لم يستعملوا اليونانية او الهندية او الصينية كلغة البحث العلمي والتربوي في فضاءاتهم ، وإنما استخدموا لغة القرآن الكريم ، ووضعوا اسسا للرياضيات والهندسة التحليلية وعلم الحيل ( الميكانيك ) وعلم الفلك واللسانيات . كما انهم استخدموا مصطلحات عربية من علم الري والكيمياء والساعات المائية . واذا كان المتتبع لجهود علماء الاسلام يدرك خصوبة وفعالية اعمالهم التي تركوها لنا وباللغة العربية التي يجهلها المدعو عيوش ومن وراءه طابور فرنسا حفيد الاستعمار ، فكيف يأتي اليوم هؤلاء ويدعون ان اللغة العربية ليست لغة الخطاب العلمي ، وإنها لغة الحطب والخشب والتحجر والتعصب والتطرف ؟ فمن اين لهم بكل هذه الخزعبلات التي ادحضها مؤخرا المجلس الثقافي البريطاني ( بريتيش كونسل ) من خلال دراسة نشرتها صحيفة " اندب ندت " البريطانية ، تشير ان اللغة العربية صارت واحدة من اللغات ذات الاولوية بالنسبة الى وزارة الخارجية البريطانية ، وتخطط لزيادة عدد دبلوماسييها المتحدثين باللغة العربية الى اربعين في المائة . كما كشفت الدراسة عن كون الطلاب في المدارس البريطانية يرون ان تعلم اللغة العربية اكثر اهمية من تعلم نظيرتها الفرنسية . ان المساس باللغة العربية او بالدين الاسلامي او بالهوية المغربية او بوحدة الامة والدولة القوية وليس المريضة المعطوبة ، او التنازل عن القضية الوطنية الاولى ، قضية الصحراء المغربية ، هو خط احمر لا يمكن المساس به تحت اية طائلة او تبرير كان ، وإلاّ ، وفي هذه المرة بالذات سيكرر التاريخ نفسه ليس بشكل تراجيدي ( المرحلة الاولى ) ، او بشكل مهزلي ( المرحلة الثانية ، بل سيكررها بشكل لا يختلف عمّا ساد المغرب عند قراءة اللطيف والخروج الى الشوارع غداة صدور الظهير الفرنسي المسمى ظلما ب " الظهير البربري " . فمن يسرّع بانتشار الفوضى والفتنة ، ويدفع بالنظام الى نهايته المحتومة على شاكلة السلطان عبدالحفيظ ؟ الامور خطيرة والوضع لا يقبل التلاعب او الاستهزاء بالمقومات الاساسية التي تقوم عليها الدولة والأمة المغربية ؟
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوحدة العربية بين الحلم والغبار
-
خواطر ومستملحات انتخابية
-
ما العمل في حل قضية الصحراء المغربية ؟ بين السيناريوهات المف
...
-
فقدان الأمل وانتشار الخوف -- اسباب ظهور التطرف الاسلاموي
-
تردي الوضع العربي - نزاع الصحراء مسمار في نعش المغرب العربي
-
الاساطير وما ادراك من الاساطير
-
المحور الثالث : حوار مع نوبير الاموي بعد احداث 14 دجنبر 1990
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنب 1990 ( المحور
...
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنبر 1991
-
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
-
الوعي لا يحدد وضعية الانسان - قوة الاشياء وقوة الافكار -
-
تمريغ حقوق الانسان في وحل الصراعات السياسية الداخلية والخارج
...
-
التقنية والسياسة
-
المدرسة والمسألة المعرفية
-
نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية
-
تنزيل الماركسية
-
تذليل المفهوم القروسطوي للدين
-
فشل اردوغان والاخوان في محاولة بعث الفاشية العثمانية
-
المثقف الماركسي والوعي الطبقي
-
دفاعا عن سورية وليس عن الأسد
المزيد.....
-
السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با
...
-
اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب
...
-
السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو
...
-
حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء
...
-
كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
-
مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس
...
-
عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف
...
-
الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي
...
-
بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة
...
-
ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|