|
المطرانان المخطوفان – موسكو و الشيشان و حلب
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4270 - 2013 / 11 / 9 - 11:19
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
المطرانان المخطوفان – موسكو و الشيشان و حلب
بولس اليازجي و يوحنا إبراهيم، مطرانان اختطفتهما جماعة شيشانية تقاتل النظام السوري على الأرض السورية. و على الرغم من عدم وجود أي علاقة و الانفصال التام بين كلمات: شيشان، سورية و اختطاف و قتال، في إطارها السوري. إلا أن هذا العصر الغريب العجيب أصبح مثل صندوق العجائب القديم الذي كان يجوب به حامله في الحارات، فتضع عينك أمام ثقب المشاهدة و يحملك الصندوق بعدها إلى عوالم أخرى، الآن نحن نعيش في هذه العوالم الأخرى.
الجماعة الشيشانية التي تقاتل في سوريا، و التي هدفها إنهاء النظام السوري و إقامة الدولة الإسلامية، اختطفت سورين اثنين، غير مقاتلين و لا معادين دينهما المسيحية، ليس لأن لهما علاقة بالثورة السورية، لكن لأن أنها تريد أن تسترجع مقاتلين تحتجزهم روسيا (نعم روسيا و ليس سوريا)، و تريد مبادلتهم بالمطرانين. و مع أن الجماعة ترفع راية الإسلام إلا أنه يبدو أن الآية القرآنية الكريمة التي تقول " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" لم تجد صدى لها عند الجماعة فبدأت بالعدوان على المطرانين و تستمر فيه لغاية اليوم.
أعتقدت الجماعة الشيشانية أنه ما دام المطرانان مسيحيان و يرأسان طائفتين مسيحيتين فإذا ً لا بد أن روسيا التي هي مركز الأرثوذكسية في العالم لا بد و أن تتحرك و تبادلهما بالغالي و النفيس. هذا الطرح يعكس عدم فهم من قبل الجماعة الشيشانية لمفهوم الدولة الحديث، هذا المفهوم الذي لا يوجد فيه شئ اسمه "الدولة الدينية"، اي أن روسيا ليست دولة مسيحية، و الرئيس الروسي لم يصل إلى الحكم لأنه مؤمن أرثوذكسي، و الكنيسة الروسية لا شأن لها بالحكم و الحكومة الروسية لا شأن لها بالكنيسة، و المطرانان المخطوفان هما سوريان و ليس روسين، و بما أنهما ليسا مواطنين روسين فهما لا يهمان روسيا في شئ لا من قريب و لا من بعيد.
روسيا رفضت الطلب جملة ً و تفصيلا ً و اعتبرت أن مسألة المقاتلين الشيشان هي شأن ٌ يتعلق بالأمن القومي الروسي و لا يمكن المساومة عليه لا من قريب و لا من بعيد. الموقف الروسي لم يتغير منذ حادثة اقتحام المسرح و الذي أنهته القوات الروسية الخاصة مستخدمة ً غازا ً ساما ً قضى على معظم المختطـِفين المهاجمين و أكثر من 129 من المٌختطـَفين الأبرياء. روسيا ترسل رسالة واضحة دائما ً أن ذراع الدب لا يمكن ليها و مخلبه جاهز.
الروس لا يرون أن اعتناق شخص لنفس الدين الذي يعتنقه بعض مواطنيهم يجعل منهم مسؤولين عن هذا الشخص و حتى لو كانوا مسؤولين عنه فإنهم لن يتوانوا في أن يضحوا به من أجل المجموعة و الدولة، و هذه الرؤية شيوعية مادية براغماتية (رأسمالية أيضا ً) لكنها غير مسيحية و دائما ً سياسية و عنيفة.
المهم في الموضوع أن المطرانين ما زالا مختطفين بلا ذنب، و أنهما ينضمان إلى أعداد المفقودين و القتلى و المهجرين و المشردين و المشوهين و الذين فقدوا أعمالهم و بيوتهم و مستقبلهم و حياتهم من أجل صراع ٍ عبثي بين قوى يرى كل منها أنه الحق و أن سواه باطل، نظام ٌ ديكتاتوري يحكم بالحديد و النار، و معارضة انتهازية لو وصلت للحكم ستكون مثل النظام و ربما أسوأ و مقاتلون يحملون راية القاعدة ينشرون الخراب أينما ذهبوا، ثم يطل علينا أحدهم و يقول: ثورة عز و كرامة.
الكرامة عندي هي وطن ٌمستقر و بنية تحتية و مؤسسات و أشغال و أعمال و مدارس و جامعات و مشافي و قيم اجتماعية تعيشها الناس و تحبها و تريدها، و لا شأن للكرامة بالسياسة أو الحكم و شكل النظام. لا أدافع عن النظام السوري لكنه على الأقل كان يستديم دولة ً لم يكن عليها لصندوق النقد الدولي دولار ٌ واحد. هل قلت ُ دولار؟ ربما هذه هي القصة.
لا أملك أن أصنع شيئان للمطرانين المخطوفين فأنا لست سياسيا ً و لا شأن لي بالسياسة، لكني أرفع لله صلاتي مع كل المسيحين و أصحاب الإرادة الصالحة في العالم، لأني أؤمن بوجوده و حكمته، و التي تحتجب ُ بحكم طبيعتها لكننا ما زلنا نرجوها و سنظل نرجوها:
"اقبلنا يا رب من أجل تواضع أرواحنا وانسحاق نفوسنا، و هكذا فلتكن ذبيحتنا أمامك اليوم مرضية ً"، آمين.
الذبيحة هو قلوبنا المنسحقة المليئة بالحب للعالم و الثقة بالله، و لتكن إرادة الله في سوريا الحبيبة و في أخوينا المطرانين.
آمين.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في سفر الإنسان – الله
-
أضواء على التطور – القرد الذي لم يصبح إنسانا ً
-
حين رأت جدها – لا تخافي
-
مشكلة الشر في العالم – بين الإيمان و الإلحاد
-
هذربات الفلافل - قصيدة نهاية الصيف
-
تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء
-
الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية
-
المُشترك الأعظم – الإنسانية
-
الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
-
الرجال و مرآتان لهوية التعريف
-
الإخوان المسلمون و العلم الأردني و إشاره رابعة
-
Tell me why بين الإيمان و الإلحاد
-
ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي
-
قوك يا أردن – مع محمود الحويان
-
كيف نفهم حادث كنيسة الوراق – بين أميرة و مريم و محمد.
-
الثقة بالله – خاطرة قصيرة جداً.
-
قانون التظاهر المصري الجديد – ألا تتعلمون أبدا ً؟
-
رسالة إلى السيكلوب
-
من يستطيع النهوض بالمجتمعات العربية؟ - السؤال الخاطئ
-
السنة و الشيعة – هل هؤلاء مجموعات جديدة؟
المزيد.....
-
سياسيون بحزب العمال البريطاني يدعون لتعجيل موعد الانتخابات ا
...
-
بمناسبة اليوم العالمي للسلامة في أماكن العمل
-
حزب العمال البريطاني يدعو لانتخابات تشريعية بعد تفوقه في الم
...
-
خسائر كبيرة للمحافظين في انتخابات المجالس المحلية وموقف حزب
...
-
أول فوز انتخابي لحزب العمال البريطاني قبل صدور نتائج مصيرية
...
-
سوناك يترنح ..حزب العمال يسقط المحافظين في بلاكبول ساوث
-
بعد 14 عاما.. حزب العمال البريطاني يتقدم بالانتخابات المحلية
...
-
هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟
-
السيناتور بيرني ساندرز لـCNN: احتجاجات الجامعات الأمريكية قد
...
-
إلى متى سيبقى قتلة الصحفيين الفلسطينيين طلقاء دون عقاب؟!
المزيد.....
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
-
الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج
/ سعيد العليمى
-
جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|