أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح عادل - أصبحت سافرة














المزيد.....

أصبحت سافرة


سماح عادل

الحوار المتمدن-العدد: 4264 - 2013 / 11 / 3 - 18:23
المحور: الادب والفن
    


ركبت المترو وهي تحمل طفلها, لأنه مريض ستصطحبه معها إلى العمل , لن تتغيب , لا تحب جلوس المنزل جلست بما يكفي .رأتها فتاة في العشرينات فأشفقت عليها قالت لإحدى الجالسات :
- ممكن تقومي وتقعدي طنط؟
رنت الكلمة في أذنها, لم تستجب الجالسة ,كررت الفتاة نفس الكلمة "طنط ", تضخمت الكلمة في ذهنها ,ورغم أنها لم تجلس في النهاية ,إلا أن وقع الكلمة كان أقسي من ثقل الطفل .
لم تشأ تكثيف الموقف بأن تنظر لزجاج المترو, الذي يتحول في الظلام إلى مرآة , مر يوم العمل ولم تمر الكلمة , مرت أيام وهي غير متوازنة , ليس إنقاص الوزن كافيا لإرضاء الذات , تعلم جيدا أنها منذ التحقت بالعمل الجديد وهي تشعر أنها ليست هي. حينما كانت تتفرغ لتربية الأطفال في المنزل- كما برر لها زوجها إصراره على عزلها- كانت ارتضت منذ زمن بدور ربة المنزل البلهاء , تقوم بأعمال المنزل ,تشاهد الكرتون مع الأطفال في استرخاء ,تغرق في اكتئاب مزمن يصيبها بسكون ,وأحيانا بنوبات غضب تتحول لمشاجرات زوجية , تمنى نفسها بين الحين والآخر ببعض الأحلام , ستكتب يومياتها مع الأطفال- بدأت فيها ولم تستمر- , ستكتب رواية مميزة- بدأت فيها وأيضا لم تستمر- ستركز أكثر لتصبح كاتبة شهيرة ,وبذلك ستلتحق بقطار تصوراتها الأزلية عن نفسها ,وما كانت تتمنى أن تكون عليه ,قبل مرور آخر عربة .
في إحدى نوبات الإفاقة ,من تمثل دور ربة المنزل بكل تفاصيله, راسلت أصدقاء الفاس بوك بحثا عن عمل , في مفاجأة غير متوقعة حصلت عليه ..........عمل......... سرعة الالتحاق به لم تسمح لها بالاستعداد النفسي, ترى سترتدي الحجاب أم تخلعه, قررت خلعه .
بعد أن حملت بطفلها الثاني ترسخت داخلها الفكرة, ستكون أما ولن تستطيع الفكاك . لذا وبرضاها ارتدت الحجاب.وقتها لم تكن تستطيع تحمل انتباهة الناس لها , كانت تريد الاختباء , ليست شخصا يستحق الظهور , إذن فلتدخل ضمن الجموع, امرأة مغطاة بالكامل, ككل النساء في طبقتها ,ومنطقتها الشعبية, وديانتها أيضا , كما أنها لم تكن تذهب في الواقع إلا لشراء مستلزمات المنزل ,تتفاجيء في جولتها في السوق ببائع يناديها
- يا مقدسة تعالي اشتري سمك
أو أخرى تعبر عن محبتها للإخوة المسيحيين ,تتجاهل ,وإذا قررت أن ترد, وتقول أنها مسلمة تندم,لأن ذلك يستتبع نصائح حول فضائل الحجاب ,ووجوب ارتدائه بأمر الدين .
عند ارتدائه تغيرت معاملة البائعين لها كليا , أصبحوا يبتسمون ,ويتعاملون بود ,انخرطت تماما في الأمر ,حتى أنها أصبحت ترتدي ملابس واسعة ,وتملأ وجهها بوجه مموه لا انفعالات فيه . استغرب زوجها الأمر في البداية , لكنه اعتبره قبولا كاملا لدور ربة المنزل ,الذي لن يتركها تنفلت منه بسهولة .
عند الالتحاق بالعمل نصحها ألا تخلعه,استجابت, لم تمتلك جرأة مواجهة الناس ,فكرت في البائعين, الذين عقدت معهم علاقات الشراء الدورية , كيف سيستقبلون الأمر , هل ستستطيع تحمل استهجانهم الذي سيكون في الأغلب صامت , أو بضع كلمات لينة حول أن الحجاب أفضل.
قررت أن تتقبل فكرة أنها تستطيع أن ترتدي الحجاب ,وتبدو جذابة وشابة أيضا , ظلت تراقب الفتيات في الشارع , لفات الطرح المتنوعة , أنماط ملابسهن ,والتي تتناسب مع الحجاب , فكرت في فعل ذلك, وبدأت بالفعل في مجاراة الأمر, وشراء طرح بألوان مختلفة .
خروجها في الشارع دون ملازمة الأطفال , ووقت طويل بمفردها جعلها تشتاق إليها ..............ذاتها .............تلك التي تركتها, لا يهم بإرادتها أو رغما , المهم أنه حدث , تمثلت نفسها ,في تلك المرحلة التي كانت تعمل فيها في السابق ,فتاة متمردة, تعمل لساعات طويلة , تطمح لتطوير ذاتها , تفعل أشياء كثيرة, ولا تهتم لآراء الآخرين .تشتاق لعلاقة سوية تشارك فيها الرجل حياته, لا تتبع له , تكتب في جرأة , تكويناتها هذه سقطت بلا رجعة رغم تمثلها الآن ,وتصورها أنها تستطيع أن تعيشها .
لن تكتب في جرأة لأن زوجها يقبع داخل ذهنها ,بالإضافة إلى أطفالها الذين سيكبرون يوما ,وربما لا يرضون عن ما تكتب, ولن تعمل لساعات طويلة فما زالت ملتزمة كأم , ولن تجلس على مقاهي وسط البلد ,وإذا حدث فلن يكون بطعم حريتها السابقة . دخلت في صراع نفسي بين السابق والحالي حسمته داخلها رغبتها في الأمان, ولذة الشعور بالأمومة, وكبر السن الذي لن يسمح لها بتمثيل دور الشابة طويلا, فقررت التعقل.
لكن مع الحدث الكبير الذي ساهم في تصاعد الصراع ,والذي يتمثل في كلمة "طنط", اختلف الأمر , لن تكون طنط أبدا , ولن تكون أما طروب , هي شابة رغم كل شيء , حتى لو تراكمت التجاعيد ,وتكاثف الشعر الأبيض, هي كما هي .قررت خلعه ,ذلك الغطاء , وافق زوجها ,لأنه أحس بانفلاتها من قبضته, فقرر أن يقدم تنازلات .
خلعته في الشارع وهي معه , لتتقوى به , مر الأمر ,ربما لأن معظم الناس في الشارع ,الذي تسكن به ,مختبئون في بيوتهم لبرودة الجو . استيقظت في الصباح , لازالت رغبتها في استعادة ذاتها أقوى من تعودها على الاختباء . رأتها إحدى الجارات اللاتي يفترشن المساطب , لم تنظر لها حتى لا تهتم بردة فعلها , لم تلق التحية على بائعة الخبز ,والتي كانت تصر على تحيتها يوميا , حتى لا ترى في عينها أية دهشة , فكرت أنها ممكن أن تستغني عن البائعين المعتادين, وتشتري من بائعين جدد ,في النهاية هي أقوى بسلطة الشراء .
في عربة الأجرة أحست بملمس الهواء على خديها, وأذنيها ,وتخلل شعرها أيضا , اشتاقت لذلك ,طعم الهواء البارد يتلازم داخل ذهنها بطعم الحرية. أصبح الأمر أكثر سهولة , ترى هل هذا الغطاء هو ما كان يمنعها من تمثل ذاتها , أحست أنها هي بالفعل , لم تكن يوما أما تقليدية ولن تكون .



#سماح_عادل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين خانتين
- رواية رائحة كريهة صوت البرجوازي الصغير المهمش
- ...............!!!
- يوم عادي لفتاة ليست عادية بما يكفي
- تضامنوا معنا ضد إفقار ال مصريين تضامنوا معنا لإلغاء تجارة ال ...
- عرض كتاب السيرة الهلالية لمحمد حسن عبد الحافظ
- لا ألم في حوض الماء
- بورترية لجسد محترق...أنة وجع من عفن الحياة المعاشة
- -العالم لنا- اشكاليات تجذر حركات مناهضة العولمة النيوليبرالي ...
- الحركة النسائية العالمية ..محاولة للاستلاب وتفريغ المضمون ال ...
- اروى صالح مناضلة احبطها العنت الذكوري
- في ظل تأريخ متشابك للحركة الشيوعية يضلل أكثر مما يكشف محاولة ...
- تنويعات ملل بشري
- الجهاز قصة قصيرة
- كل الهواجس حوله
- إشكالية المثقف في المجتمع
- يتحسس
- موت الاب الاخير
- خليل عبد الكريم مفكر ثوري
- الاخوان المسلمون البعد التاريخي


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح عادل - أصبحت سافرة