أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح عادل - لا ألم في حوض الماء















المزيد.....

لا ألم في حوض الماء


سماح عادل

الحوار المتمدن-العدد: 1517 - 2006 / 4 / 11 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
تعود للبيت بعد يوم عادي. تلح عليها فكرة الانتحار. بمعنى ما. لم تتذوقه من قبل. في الأفلام الأمريكية يموت الأفراد عادة في الماء. يقطع الشخص شريانه, وهو في البانيو. وقد يتكرر مشهد آخر. حوض نظيف جدا. وصنبور مياه مفتوح. ومشرط .ويد. يقطع الشريان. بعد أن يمتليء الحوض. وتنغمس اليد في الماء. فهمت أن ذلك ضمانا لعدم الشعور بالألم.

ما أرقها هو أن الحوض في بيتها, ليس كالحوض الذي تراه. فدوما ما كانت تتقزز من أن تلمس يدها هذا الحوض. لأنه يستخدم لاستقبال المخاط. وترفض بشدة تنظيفه. في حين تقبل أختها. مما يعزز مكانتها, مجددا, داخل قلب أمها. ويكرس لفكرة تعاليها على شروط الأسرة الاجتماعية. بالإضافة إلى ضيق مساحة الحمام. وعدم وجود بانيو. مما يهيئ لميتة غير مريحة.

لم تشغل بالها بتقليب وسائل الموت, الأقل ألما, في رأسها, فقط استعادت شعور الملل, الذي بدأ يتسرب منذ فترة, والذي استطاع أن يعطي لفكرة الانتحار طعما محايدا, لا يبكي. لم تحتاج أن تتغلب على شعور التقزز. تجاه مخاط الآخرين - لأنها لم تقذف أبدا بمخاطها داخل الحوض- استلت موسى صدئة من ماكينة حلاقة قديمة. تركها أخوها قبل زواجه. فتحت صنبور المياه الخرب. الذي أضفى معنا فوضويا على الحدث. حيث تطلق فتحة الصنبور المياه قوية مندفعة. لتغرق ما حولها. ويمتليء الحوض سريعا. سدت مصرف الحوض. بغطاء لجركن صابون سائل. تستخدمه الأم في غسيل الملابس. لم تغلق الصنبور. وإنما تحكمت في اندفاع المياه. لتترك شريطا رفيعا من الماء السخي.


صوبت فوهة الشريط على المكان الذي اختارته للقطع – من الشريان – تلذذت بملمس المياه الحريري. يدغدغ الشريان.وطرف الموسى الرفيع ينغرس بجوار الشريان. ببطء . وبسحبة قوية.تملأها بآخر ما تبقى من إرادة ما على الفعل. ينقطع . صنبور آخر- ليس خربا هذه المرة - يطلق سائلا غزيرا. بلون محبب. لم تشأ لدمها أن يختلط بشيء آخر. ابتعدت عن الماء. أرادت أن تراه في احمراره.. التوهج .. فلتلون كل الأشياء به . ولتبدأ بنفس الموضع من السرير – إلى الخارج......

*****
لم يكن غريبا أن تنتابها فكرة الانتحار, فهذا يحدث كثيرا, الغريب في الأمر أن تأتي الفكرة بطعم مختلف -قد تكون كلمة طعم غير دقيقة- أن تأتي الفكرة نتيجة لأسباب أخرى غير متداولة . تزامنت فكرة الانتحار في السابق مع فكرة التصاق ظهرها بالحائط ,كان هذا التوصيف هو الأقرب للحالة, التي طالما أجبرت على التفكير أثناءها بالانتحار , حالة انسداد الطرق , مثلا أن تحبس بالمنزل فترات طويلة , لا تعلم لها نهاية, ولا تتوقع الخروج لتفعل شيئا ما ,مما خططت لحياتها أن تفعله . أو أن تمنع من تنفيذ أحلامها الكبيرة , بأمر مباشر من أبيها , أو أن تجد أن أملها في إنجاب طفل قد تبدد, بتبدد فرصها في زواج اجتماعي مقبول , أو أن تظل دون عمل , في ظل متطلبات لابد أن تفي بها . مواقف كثيرة كان المشترك فيها هو إحساسها بالاضطرار إلى التخلي عن التصور المسبق, والدائم لشكل حياتها . أو انه لا بديل عن وضع , لا تفعل فيه شيئا يستحق .

كانت ترقد على نفس الموضع من سريرها ,المشترك مع أختها, إلى الخارج -لان أختها استأثرت ,منذ زمن, بالمكان القريب من الحائط ,واعتبرت هي أنه تمييز ,لأنه يحمي أختها ,في ظل الوهم الطفولي, من تعرضها المباشر للعفاريت, التي قد يحلو لها الظهور في آخر الليل ,وقد يخطفونها دون أن تشعر, فبذلك لم تكن تعطي ظهرها أبدا للخارج – تفكر كثيرا, وقد تكافيء نفسها بالنوم بجوار الحائط ,تلصق وجهها في برودته , وتقاوم انقباض القلب, ويصبح المخرج هو اختيار طريقة آمنة لإنهاء الحياة . سم الفئران له طعم سيء, والرهان يصبح على وسيلة تتسم بعدة شروط, أولا أن تكون سريعة ,فلا تتيح وقتا للتراجع, إذن يتطلب أداؤها خطوات قليلة, وسم الفئران يتطلب وقتا للتفكير, بالإضافة إلى طعمه المقزز, وثانيا طريقة بدون ألم ,وهي تعلم أن أمعاء ابنة خالتها ظلت تتقطع لمدة أسبوع, بعد أن نجت من شرب سم الفئران, مخلوطا بالسكر .

وان تقذف بنفسها من الشرفة, أيضا لا يخلو من ألم كسر عظام وجروح ,بالإضافة إلى احتمالية التردد أمام سور الشرفة ,والتفكير في مميزات أن يعيش المرء ,كذلك الارتماء في النيل له صعوبة أن تموت, دون أن تودع احد, وخوفها الأزلي من الماء, والمساحات الواسعة, كما أن الموت في الشارع موتا يليق بغريب, فهو يضيف إلى ألم إنهاء الحياة, ألم الإحساس بالشتات .لا يوجد أحلى من طعم الموت في البيت, الذي شهد كل لحظات حياتها, وتطورات استجاباتها الشعورية تجاه أحداث الحياة المتعاقبة .

فكرة الموت حرقا لا مكان لها هنا ,أما أن تصعق بالكهرباء ففكرة تستحق الاحترام . لقد جربت في السابق طعم الكهرباء, إنه إحساس بالخدر ,ولا ألم على ما تذكر ,سوي لسعة صغيرة تركت أثرها في إصبعها. إذن تتدافع فكرة الكهرباء إلى المنزلة الأولى, لأن فكرة قطع الشريان بالموسى أيضا لها مساوئها, أولا التردد, وثانيا الألم ,وثالثا الوقت الطويل, الذي يتطلبه الوصول للموت, بعد أن تنزف دمائها جميعا, ربما تندم أثناء ذلك, ولا تنجح في التراجع, فتتعذب قبل الموت , والشنق ابعد الوسائل رغم ميزة سرعة حدوث الموت, لكن شراء الحبل القوي ,وتعليقه ,وإحضار كرسي ,ثم الوقوف عليه, كلها خطوات كفيلة بالتراجع ,بعد أن تكون الأفكار قد دارت في ذهنها عدة دورات كاملة .

إذن هي الكهرباء, سوف تتحين فرصة تصاعد الشعور بالسخط, وتضع فيشة تنتهي بسلك مقطوع ,تضع طرفيه العاريين على عضلة القلب, وينتهي كل شيء . لقد اتخذت القرار – في الواقع مرات عديدة – وبعد أن تتيقن من ذلك تبدأ في البكاء, ذلك البكاء الذي يلي مباشرة الشعور بالخلاص. فاتخاذها للقرار ,ووصولها للطريقة المناسبة يجعلان قلبها يهدأ ,وعقلها يكف عن غربلة الأفكار, وتشعر أن لاشيء يؤرقها, لا خوف من مستقبل, ولا قلق من أن تكون خاسرة في ظل حسابات محسومة للحياة وتصورات متعارف عليها لفتاة من البرجوازية الصغيرة . ولا فزع من الكبر وأن تكون عجوز وحيدة ,وأيضا تختفي الهواجس حول الموت المفاجيء ,والأفكار المثالية حول الخلود .

"الخلاص "بمعناه المختلف لديها والمرتبط بشرطه التاريخي , أن تهرب من تشابك الأزمات , وتدافعها الذي يجعل ظهرها للحائط . راحة نورانية تمتد لثواني . أن ترتفع قليلا عن الأرض . في منطقة ما . لا حوائط فيها . ولا سماء أيضا . تصبح بلا وزن . وعلى وشك الطيران . عندما تتدافع الدموع, تنعي نفسها, وتشعر أنها لا تستحق الموت ,وتتراجع فورا , وتصبح أكثر قدرة على تفهم الأسباب , والوعي باحتمالية زوالها .

مرات أخرى أصبح الانتحار أقل وطأة, والتفكير فيه أقل بؤسا , مثل أن تدخن حتى الموت , فتظل طوال الليل تدخن علبة سجائر , وتشعر باشتعال شعبها الهوائية . أو تفكر أن تأكل حتى الموت . كل أنواع الطعام المشتهاة – يظهر هذا الحل في فترات الجوع , التي مرت بها في مرحلة ما من حياتها , يصبح وسيلة للخلاص أيضا ,بالنسبة لها . تحلم بلحوم كثيرة قد تضع فيهم سما. وعندما يعتدل مزاجها . تتصور أن تذوق الطعام أجمل مكافأة, لنهاية الخدمة . لذا لن تضع سما . وإنما ستشتري طعاما , بكل النقود المتبقية معها , أو حتى تقترض . وتظل تأكل حتى تموت . تهدأ أعصابها. وتحتفظ بهذا الحل , كآخر رصاصة تجاه عدو عنيد .
10ابريل 2006



#سماح_عادل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورترية لجسد محترق...أنة وجع من عفن الحياة المعاشة
- -العالم لنا- اشكاليات تجذر حركات مناهضة العولمة النيوليبرالي ...
- الحركة النسائية العالمية ..محاولة للاستلاب وتفريغ المضمون ال ...
- اروى صالح مناضلة احبطها العنت الذكوري
- في ظل تأريخ متشابك للحركة الشيوعية يضلل أكثر مما يكشف محاولة ...
- تنويعات ملل بشري
- الجهاز قصة قصيرة
- كل الهواجس حوله
- إشكالية المثقف في المجتمع
- يتحسس
- موت الاب الاخير
- خليل عبد الكريم مفكر ثوري
- الاخوان المسلمون البعد التاريخي
- سيد قطب مفكر الاخوان وملهم الجماعات
- بورتريه لالبير كامو
- الرحيل-قصة قصيرة
- قبض .... قصة قصيرة
- حول حرية الصحافة
- محمد جبريل ينتقد مكتبة الاسرة !!!
- مرورمائة عام على مولد يحي حقي


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح عادل - لا ألم في حوض الماء