أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف العوضي - دروب الرياحين














المزيد.....

دروب الرياحين


أشرف العوضي

الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 14:32
المحور: الادب والفن
    


دروب الرياحين - حصاد الزيارة . 1.
المسافة من مسكنى فى قلب المنصورة الى مسقط راسى خلف النهر حيث تعيش امى كان قبل سنوات حقولا شاسعة من القمح والذرة الان اصبحت كتل خرسانية ونتوءات من الطوب الاخمر كبثور الوجه تخترق خضار البرسيم وهشاشة سيقان الفول
اما النهر الذى كان جبار عتيا نظيفا وانا اقف فى حضرة شموخه وعنفوانه صغيرا وفى يدى سنارة البوص اهاب جنياته واخشى قاعه المظلم وتماسيحه التى لم ارها الا فى حكايات جدى اصبح كهلا واهنا بالكاد يمشى
ورغم ان بيتنا هو الاخر تبدل واصبح بناية حديثة حل محل البناء العريق الذى بناه جدى قبل ستين سنة واختفت رائحة الهواء المنعش الذى كنت اشعر به يلفح وجهى كلما ابتلعنى وسط الدار لتحل محلها روائح معطرات الجو المصنعه وهواء التكييف البادر الجامد
ورغم انى قدر واريتهم الثرى قبل سنين الا ان سمعتهم بوضوح وجلاء لا ريب فيه اصوت جدتى الحانى يدعو لى كلما راتنى وجلجلة ضحكة جدى وهو يحكى لمن تبقى من رفاق رحلته على المصطبة التى ترى النيل وصوت ابى ينادينى ان اتعجلهم بالداخل من اجل كوب الشاى الذى لم يكن يفارق يده .
رايتنى اعبث بقطعة من طين اشكلها على شكل حصان من خيال لم امتطيه ابدا ورايتنى الوذ بنفسى وفى يدى نسخة من الف ليلة وليلة كتب على غلافها الاصفر القديم غير منقحة ورايتنى وحمرة الخجل تكسو وجنتى وبنت الجيران تطبع القبلة الاولى على خدى الطفل ورايتنى اغادر صغيرا القرية المنبت ليبتلعنى لسنوات وما يزال بحر الغربة الهادر
حتى افقت من شرودى على صوت طفلة تخرج من غرفة امى لم تتعد الخامسة تشد فى بنطالى وهى تنادينى من وسط بيتنا عمو عمو انت مين .
دروب الرياحين - حصاد الزيارة .2.
سعيت اليه . حاولت جاهدا تبين الدروب واين يقع البيت وسط تلك البنايات الجديدة الشاهقة . التغيير اكثر من قدرتى على التذكر . اسير على هدى من وعى قديم بمكان يظن كثيرين منه انى غريب . تتصارع فى مخيلتى صور لرجال قد ولى زمانهم كان لهم هنا حضور وكيان .
اتطلع بقلب مفتوح فى الوجوه التى لا اعرفها المح فى احدهم ظلا لوجه قديم اليف حميم انفا معكفوا او عينا شديدة الاخضرار او قسمات صافية هادئة قبسا من وجهها حين كانت تتجلى .
امسك يد صبى اساله هل انت ابن فلان يجيب بلهجة اعرفها تفك حروفها طلاسم من كتاب مطمور فى اعماقى نعم انا ابنه انت تعرفه يا استاذ . اجيب كان صديقا قبل ان تولد يمضى وفى عقله الصغير اسئلة عن كنه هذا الفضولى القديم .
اظننى وصلت البيت لم يتغير فقط هرم وشاخ فقد بهاء محبب اختفى الاخضر الزاهى وتلاشت صور الكعبة التى رسمناها يوم عاد من الحجاز . تاملت جيدا فى الشروخ التى اصابت المتن فبان مكنون المكنون .
ناديت عليه باقصى صوت لعلمى انه يكون فى هذه الساعة فى القاعة الجوانية يجهز طعام الفطور حيث نبدا فى التوافد واحد تلو الاخر
لم ياتنى صوته كعادته يا ابنى خش هو انت غريب هكذا كان يقول حتى لعابرى السبيل
ناديت مرة اخرى وانا اعلم جيدا انه لن يخرج وان البيت الذى كان قبلتنا وبؤرتنا ومركزنا لم يعد يسكن فيه احد .
دروب الرياحين - حصاد الزيارة .3.
رغم عشقى للاضاءة الخافتة الا اننى اكون حريصا ان يضيئوا كل انوار البيت حين اعود ربما لارى تلك الوجوه القديمة وما نالها من خربشات الزمن وفعال الايام
اقول فى صمت متحسر ياه كم كبروا واوقن انهم ايضا يقولون لقد كبر الفتى الصغير الذى كان يملا جنبات الدار ضجة وحياة .
امسح بيدى على شعر تخللته شعرات بيضاء خبيثة لا تلبث ان تقف مشرعة باسقة تعلن عن نفسها كلما اتى ضيف للسلام ولا تلبث ان تهدأ حين تسمع تلك الجملة من فم احدهم :- والله كبرت يا حبة عينى ملعون ابوها الغربة بتاكل من عمرنا ما ترجع بقى وتقعد وسطينا .
وابتسم دون ان اجيب او اشفى غليل من يحكى من عمات وخالات اخشى فى كل مرة ان اعود ولا اجد احداهن .
اتسأل صادقا هو النور هنا ضعيف فيجبوا بصوت واحد كانهم يرددون اغنية جماعية لا كويس ليه سلامة الشوف فاضحك .
وفى اعماقى اريد اضاءة اقوى واشد ربما كشافات تنير وتجلى ما فى القلوب ما خفى تحت الجلد ما حوته الحشايا والخبايا ما كتبه الزمن بخط من جفاء وبعد بخط من برد وثلج على افئدة لطاملا احببت .
وحدها بينهم ارى ذلك البريق فى عنيها لمعة الحب والاحتواء كلما تحركت . تحركت بوصلتها المعلقة بى . تستقطرنى لقادم الايام حين اغيب فى تيه الغربة الابدى . كناقة فى فلاة تشرب وتشرب لتخزن لسفر طويل شاق ,
تنصت باهتمام لكل حرف ,لكل همسة. لكل ابتسامه . تستجمعنى مرة اخرى . تعيد تخزينى من جديد بشكلى بلكنتى التى تبدو غريبة لبعضهم لتلك المفردات التى تتسلل بين ثنايا الحكى
لهذا الضجيج الذى احدث حين استقر فى بيت يظل طيلة العام هادئا لا يكاد يطرق بابه غريب . وحدها امى التى ما تزال تنتظرنى دون ان تنتظر منى شيئا .



#أشرف_العوضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار خالد البيومى مع الروائى أشرف العوضي
- مصر العربية
- الملف
- الصوت يا خواجة
- البر الثانى
- فصل من رواية دحل الحمام 4
- فصل من دحل الحمام 3
- رواية -دحل الحمام-: إبداع في تداخل أجناس السرد
- - دحل الحمام - .. موزايك أشرف العوضي
- د. عفاف عبد المعطي تكتب عن دحل الحمام لأشرف العوضي
- فصل من رواية دحل الحمام
- محمد هديب يكتب عن «دحل الحمام».. فسيفساء رشيقة تسرد الحكايا ...
- أمير تاج السر يكتب عن , دحل الحمام وكتابة الحرير
- لحظات إنسانية متشابكة ومعقدة عن ريف منسي
- فصل من رواية الهيش
- دحل الحمام
- السيد - صبري موسي - من حقل النقاء
- الشرخ


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف العوضي - دروب الرياحين