أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف العوضي - - دحل الحمام - .. موزايك أشرف العوضي














المزيد.....

- دحل الحمام - .. موزايك أشرف العوضي


أشرف العوضي

الحوار المتمدن-العدد: 3736 - 2012 / 5 / 23 - 23:38
المحور: الادب والفن
    



في نعومة كالحرير يتسلل القاص والروائي " أشرف العوضي" نحو أغواره الدافئة ، حيث يرتد عبر روايته البديعة ( دحل الحمام ) إلي عالم الطفولة المليء
بالدهشة ، ويرنو بنظرة حانية لذاكرته المترعة بالحنين إلي سنوات مضت ، لم تنجح سنوات الغربة في أن تنسيه تفاصيلها الحميمة ، فرغم تلك السنوات التي باعدت بينه وبين جذوره المغروسة في عمق طين قريته ، استطاع أن يمسك ببعض هذه الحمامات المختلفة الألوان والأحجام حين حطت في مكان سحيق من ذاكرته ، وتهيج به الذكرى فيهفوا قلبه إلي ( دحل الحمام ) حيث تدخل الحمامات إلي دحلها مطمئنة وتهبط فيه مستأنسة بهذا الهدوء الجميل ، فيعيد ترتيب الصور ، مثل قطع الموزايك الملونة ، فيضع القطعة بجوار الأخرى ، حتى إذا أتم قصيدته الروائية ، وتأملنا المشهد عن كثب ، اكتشفنا أننا أمام جدارية بديعة الألوان ، متعددة الظلال ، فواحة بعطر قادم من زمن الطفولة الجميل بكل بساطته وعمقه وارتعاشة الدهشة الأولي .

وأشرف العوضي يختزل في كتابه السادس ، وروايته الثانية ، تفاصيل كثيرة ، وحكايات كان من الممكن أن يملأ بها عشرات الصفحات ، ولكنه فيما يبدو نجح في مقاومة انزلاقه إلي الغواية التي كانت متاحة أمامه بالمجان ، فالقرية المصرية زاخرة بمئات القصص والحكايات ، ولكنه كثف رؤاه وحكاياته في قصص قصيرة منفصلة متصلة في نسيج روائي مقترح ، له ميراثه النصي عند عبد الحكيم قاسم ، وادوارد الخراط ، وهذا النص القصيدة يطرحه علينا العوضي بجسارة المجرب الواعي لأبعاد المغامرة الفنية ، والمدرك تماما لمخاطر الخروج عن المألوف وكسر القوالب التقليدية للإبداع ، وكما يمتلك العوضي شجاعة التجريب ، يمتلك أيضا جسارة البوح والمكاشفة ، فيرتاد مناطق مجهولة أو مسكوت عنها داخل هذا النص الذي يقترب كثيرا من السيرة الذاتية للكاتب في شبه اعترافات مؤجلة من زمن الطفولة ، أو اجترار لذكريات مضت ، كان عليه أن يسجلها ويبوح بها منذ زمن بعيد ، بعد أن تحمل عبء الاحتفاظ بها طوال كل هذه السنوات ، ورواية العوضي أو حكاياته المتلاصقة ، أشبه بالقصائد النثرية ، فهي تمتلك كل عناصر القصيدة والتجربة الشعرية ، من حيث التكثيف الشديد للمشهد ، واختزال اللغة إلي أقصى ما بها من طاقة على التعبير ، وهي زاخرة بالصور وبساطة التعبير وطرافة الحكاية ، حيث يمتلك العوضي هنا القدرة على التقاط المشاهد الكاريكاتورية بمهارة شديدة من وسط أحزان الفقراء وهمومهم الصغيرة والكبيرة ، فهو كامن في دحل الحمام مختفيا وراء طفولته البريئة ليلتقط صوره الفريدة النادرة من بين عشرات المشاهد التي تمر عليه يوميا .
و( دحل الحمام ) كما قرأت في " المعجم الوسيط " ، أن ( الدحل ) هو الحفرة أو البئر ذو الفتحة الضيقة التي تفضي إلي أتساع كلما اتجهنا ناحية القاع ، ويبدو أن المقصود بالدحل هنا هو المكان المنخفض حيث يحط الحمام باطمئنان ، ولكن فيما يبدو أن العوضي هنا كان يلتقط حماماته من ( الكن ) الذي يختبئ فيه الحمام ووليفه ، والذي يشبه الحفرة ذات الفوهة الضيقة والقاعدة المتسعة ، فهذه الحكايات المقتنصة من واقع القرية المصرية التي لم تفارق مخيلة العوضي يوما ، تؤكد لنا أن العوضي كان دائما ( لابد في الدرة ) ليفتش عن أسرار قريته ليختزن منها ما يحلو لها ، ويطلق سراح ما لا يروق له .
لم يلجأ العوضي إلي استخدام أساليب البناء الفني ليشيد نصه وفقا لعمارة الأعمال الروائية المتعارف عليها ، ولكنه أجاد تركيب قطع الموزايك المتلاصقة بمهارة الجواهرجي الحاذق ، لتبدو الرواية كلوحة فنية كبيرة على درجة عالية من التماسك ، عبر منطق سردي شديد الثراء والنعومة ، دون حاجة إلي استباق النص لاستخراج نتائج مبكرة ، فيأخذنا العوضي من حكاية إلي حكاية ، دون أن نتنبه إلي أننا متورطون معه في عمل روائي من طراز خاص ، فمن السيدة الغريبة الجميلة التي تذوق عندها أول كوب شاي بالقرنفل ، إلي شلبي الجزار الذي أعتقد أنه يخنق زوجته وقد تعرت مؤخرته ، ومن الاستحمام في طشت واحد مع بائعة العسلية ، إلي قبلة التوت التي لم ينسها حتى الآن ، ومن الحاوي ذو الأسنان الذهبية ، إلي سعدون الذي استراح في المقبرة عند الظهيرة فقتل عابر السبيل الذي اعتقد أنه عفريت ، ومن عم يونس الذي يفخر بأنه صافح عبد الناصر إلي الخرساء الجميلة التي سالت عفتها على فخذيها فأدرك أنها كم هي ضعيفة وخرساء . إلي أن يأخذنا العوضي في نهاية روايته إلي مشهد مؤثر ذو دلالة موجعة عندما أقنع عمته بضرورة قطع النخلة العاقر ، وعندما قطعها عم منصور قالت الجدة ودموعها تلمع في عينيها :"عمتك ستموت لو قطعتم النخلة" وبهذا المشهد الجارح بدا العوضي وكأنه يودع قريته للأبد في مشهد مشحون بالشجن والحزن النبيل . أعتقد أن العوضي بعد هذه الرواية التي تخلص عبرها من عبء أشجان الغربة وذكريات الطفولة سينطلق مشروعه الروائي نحو المستحيل الذي يسعى لأن يلامسه بكلتا يديه .



#أشرف_العوضي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- د. عفاف عبد المعطي تكتب عن دحل الحمام لأشرف العوضي
- فصل من رواية دحل الحمام
- محمد هديب يكتب عن «دحل الحمام».. فسيفساء رشيقة تسرد الحكايا ...
- أمير تاج السر يكتب عن , دحل الحمام وكتابة الحرير
- لحظات إنسانية متشابكة ومعقدة عن ريف منسي
- فصل من رواية الهيش
- دحل الحمام
- السيد - صبري موسي - من حقل النقاء
- الشرخ


المزيد.....




- رعب وأبطال خارقون ومخلوقات خطيرة.. 8 أفلام تعرض في يوليو
- -كاسونغو-.. قصة فقدان وحب تختبئ خلف الإيقاعات الراقصة
- -كاسونغو-.. قصة فقدان وحب تختبئ خلف الإيقاعات الراقصة
- العمود الثامن: في حكاية الشيخ والشاعر !!
- الاحتفاء بالشاعر والمترجم ياسين طه حافظ بمناسبة اختياره رمزً ...
- جاهزون يا أطفال .. أحلى الأفلام الكارتونية على تردد قناة سبي ...
- مجزرة النصيرات في فيلم استقصائي على -الجزيرة 360-
- مجزرة النصيرات في فيلم استقصائي على -الجزيرة 360-
- يحصل على جائزة أفضل فيلم صيفي لعام 2025 “فيلم مشروع أكس”
- رابط مباشر نتيجة الدبلومات الفنية الدور الاول برقم الجلوس فو ...


المزيد.....

- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف العوضي - - دحل الحمام - .. موزايك أشرف العوضي