أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عبدول - الله ليس رغيفا















المزيد.....

الله ليس رغيفا


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 4206 - 2013 / 9 / 5 - 21:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كلما اتسعت رقعة الجهل وترامت مساحة قلة الوعي كلما اتسعت وترامت رقعة التجيير لمفهوم الاله والتي تقوم بدورها على تصوير الاله وهو يقف إلى جانبنا في الوقت الذي يقف فيه بالضد ممن نختلف معهم على صعيد الفكر أو المعتقد أو اللون أو الجنس أو الطائفة والمذهب .
قلة الوعي هي تربة صالحة ومناخ ملائم لتحويل الإله إلى طرف مجير بالكامل لصالحنا في كل الأحوال والأقوال ولعل هذا ما يفسر كثرة ما نستمع إليه على ألسنة العديد ممن نلتقيهم بشكل يومي تقريبا وهم يروجون لأطروحات من قبيل ان الله معي وان الله لا يريد بي ضرا وان الله يعصمني من كل سوء إلى اخر تلك التطمينات التي تحولت إلى شبه قناعات راسخة رسوخ الرواسي في نفوس وعقول الكثير ممن نراهم ونلتقيهم .الكل منا يتصور ان الله معه حيثما دار وحيثما كان في الوقت الذي يكون الله بالضد ممن نختلف معهم في الرأي أو المعتقد .
عملية التجيير تلك تكشف عن محاولة الإنسان على مر العصور على تصوير الإله من منظاره الشخصي الذاتي الخالص حيث يتصور كل منا ان الله كما هو الإنسان لا بد ان يكون بجانب طرف قبالة طرف اخر ولا يجوز بعد ذلك ان يكون الله فوق الميول والاتجاهات إذا صح التعبير وانه قد ينظر إلى الكل نظرة واحدة ملؤها الرحمة والمغفرة والتجاوز عما يمكن تجاوزه من ذنوب وأخطاء وهفوات .
الإنسان ومنذ بدء الخليقة لا ينفك عن محاولة تصوير الله معه في الوقت الذي لن يكون الله مع غيره إطلاقا فمثل هكذا منطق سوف يوفر للإنسان قوة دافعة نحو السير بثقة عالية وهمة متزايدة نحو تحقيق أهدافه وبلوغ مآربه ، مثل تلك القوة سوف تشكل ضرورة قصوى لديمومة حياة الافراد كما هو الحال بالنسبة للشعوب والجماعات لكنها من جهة اخرى سوف تشكل قوة تدميرية هائلة قد تطيح بالفرد والأمة حيث تكون تلك القوة ذات تأثير سلبي على المجتمعات البشرية بسبب خطورة ذلك الطرح الذي يقوم على ان الله عندما يكون في قلبي فانه لا محال قد غادر قلوب الآخرين وان الله عندما يحضر في مجلسي فانه لا محال قد غادر مجالس الباقين (الانحياز) صفة بشرية بحته تفرضها عليه عدة عوامل بيولوجية ونفسية مركوزة في طبيعته لذا فهو لا يتصور (الله ) إلا منحازا لهذه الجهة أو تلك والسبب في ذلك انه قد اعتاد على هكذا منطق يريد ان يسقطه قسرا على الذات العليا علما ان الله لا ينحاز إلى احد بل انه يقف من الجميع على مسافة واحدة تقريبا .
الوقوف من الجميع بنفس المسافة هي الاخرى فكرة بشرية أولية عن كينونة الله وحقيقته وهي كذلك فكرة محدودة بمحدودية فكر الإنسان لكنها على أي حال تبقى فكرة اقرب إلى حقيقة موقف الرب من أبنائه .إننا كل يوم نلتقي ونستمع لأناس يؤكدون لنا وهم يحلفون بأغلظ الأيمان وأمتنها ان الله حاميهم وحافظهم وكافلهم بل ان البعض منهم قد يرى الله جهرة فيصوره لك على شكل منامات ليلية يسردها عليك بكل ثقة واطمئنان .
البشر في كل زمان ومكان عندما يحبون شيئا ويتعشقون كيانا فانه سوف يتراءى لهم على شكل رؤى ومنامات وسوانح والمشكلة الكبرى ان جل هؤلاء الذين يصورون الله لنا وقد انحاز إليهم دون سائر خلقه هم أبعد الناس عن قيم الله واستحقاقات السماء فهم لا يمتون إلى الله بحبل ولا يمدون إليه بسبب ولا ادري كيف يصور هؤلاء وقوف الله معهم في الوقت الذي ينسون فيه ان الله قد ترك الكثير من أنبيائه ورسله وأوليائه وهم يلاقون مصيرهم المحتوم دون ان ينحاز إليهم في أحلك الظروف وأشدها قساوة وضراوة وقد اكتفى الرب بان يدخر لهم من العطاء الجزيل والثواب النبيل ما يوازي تضحياتهم وجهودهم المضمخة بدمائهم الزكية وأرواحهم النقية وإلا بماذا نفسر قضية ان معظم أنبياء الله ورسله وأوليائه قد قتلوا وصلبوا وطيف برؤوسهم في السكك والطرقات بل ان البعض من هؤلاء الأنبياء والأوصياء قد نشرت أجسادهم بالمناشير وهم أحياء فلو كان الله منحازا لأحد لكان هؤلاء الأنبياء والرسل أولى بالانحياز والنصرة والظهور على من ناصبهم العداوة وقابلهم بالإساءة .
قبل أكثر من خمسين عاما كان والدي قد تزوج من امرأة أخرى غير والدتي إلا ان زواجه لم يدم طويلا معها ، ليعود أدراجه إلى أحضان والدتي التي رأت بدورها ان الله قد نصرها على شريكتها كما نصر الزعيم قاسم على الملوكية في العراق آنذاك حسب تعبير والدتي والذي ما زالت تردده حتى كتابة تلك الأسطر على الرغم من ان والدي قد التحق بالرفيق الأعلى وأصبح بعد ذلك نسيا منسيا .
والحقيقة ان الله لم ينصر والدتي كما انه لم يخذل شريكتها حيث كان الله ينظر إلى الاثنتين بعين العطف والرحمة والمودة والسلامة إلا ان فكر والدتي كما هو حال الفكر البشري المحدود والمنحاز بطبيعته هو ما صور الأمر على هذا الشكل وهذا المنوال .عندما يسجل أحد أفراد المنتخب العراقي هدفا في مرمى الخصم سوف يرمق السماء بطرفه ليحمد الله كثيرا على ذلك التسديد الإلهي والتوفيق السماوي حتى إذا ما حقق الخصم هدفه الأول في مرمى منتخبنا رمق لاعبوه السماء فحمدوا الله كثيرا على ذلك التسديد الإلهي والتوفيق السماوي ,هكذا وبكل سهولة يقوم كل طرف بعملية سحب بساط الإله لدائرة مصالحه ومنافعه ومغانمه وانجازاته وانتصاراته علما ان الله ليس طرفا في لعبة كرة القدم أو أي لعبة من الألعاب أو الهوايات الأخرى .
وعندما تنفجر سيارة مفخخة أو عبوة ناسفة وسط جموع المدنيين العزل فإننا نجد ونستمع إلى بعض الناجين وهم يرددون بأعلى أصواتهم ان الله قد نجاهم من القتل وخلصهم من الهلاك وانه لولا عناية الله لكانوا في عداد الهالكين وجموع الراحلين في الوقت الذي ينسى فيه هؤلاء مصير إخوانهم ممن طاحت أيديهم وتدحرجت رؤوسهم وتقطعت أوصالهم , هؤلاء الناجون لم يفكروا سوى بمصيرهم وهم يصورون الله لنا وقد نجاهم وحرسهم وحماهم وجنبهم ذلك المكروه الذي سقط فيه إخوانهم وأصحابهم حصبا وحطبا لنيران الحقد والكراهية هؤلاء يصورون الله منحازا لطرف دون اخر سواء علموا بذلك أم لم يعلموا شعروا أم لم يشعروا علما ان الله بعيد كل البعد عن أمر النجاة والهلاك من تلك المجازر البشرية البشعة التي يقوم بها شرار خلق الله.
ان الله ليس رغيفا من الخبز لكي يقربه كل طرف منا إلى جانبه فالله اكبر من ان يخضع لمعادلة الاصطفاف الى جهة دون أخرى في كثير من الموارد والمواطن ومما لا شك فيه إننا جميعا ندعي ان الله يقف معنا في الوقت الذي يدعي فيه غيرنا مثل ذلك الادعاء ، إننا في الوقت الذي ندعي فيه ان الله يقف معنا بسبب وقوفنا مع الحق فان المقابل الاخر سوف يذهب إلى نفس الادعاء حيث يبقى الحق والباطل كأمرين نسبيين اعتباريين فما تراه أنت حقا قد يراه الاخر باطلا .
ان تصوير الذات الإلهية العليا على غرار الذات الإنسانية الدنيا التي تكون على الدوام عرضة للتقلبات ووجهة لعدم الاستقرار والضعف والتلون والتأرجح والتحزب والانحياز يعد مشكلة أزلية سوف لن يتخلص من أحابيلها الإنسان بحال من الأحوال لكنه قد يحد من بعض تبعاتها الفكرية والثقافية وذلك من خلال عملية زيادة الوعي وتوسيع دائرة المعرفة والتي تعتمد على تغيير نظرته الكلية للذات العليا واستبدال كثير من الأدوات التقليدية التي درج عليها الفرد عبر أساليب التلقين والترديد والاجترار .
يبدو من كل ما تقدم ان الإنسان هو من يحدد ويقرر مسالة انحياز الله إليه دون غيره والبرهان على ذلك إننا كل يوم نلتقي بمن يحلف لنا جاهدا ان الله قد انحاز اليه بدلالة ذلك الخير العميم والفضل الجسيم الذي فتحت له أبوابه بينما غلقت أبواب الرزق في وجه غيره حب الإنسان لذاته يجعله مستعدا كل الاستعداد للإيمان بفكرة انحياز الله له .
مشكلة الإنسان انه يسقط جميع خصائصه وسائر مزاياه على من يعبد وبما ان الإنسان لا يستطيع ان يعيش بدون ان ينحاز لهذه الجهة دون تلك فانه قد اسقط تلك الخصلة على معبوده الذي يعلو عن هكذا خصال علوا كبيرا ان فتح باب الانحياز على مصراعيه من قبلنا قد أجاز لكل من هب ودب في ان يدعي ان الله اقرب إليه من ظله بما في ذلك السراق والمزورين والقتلة والمجرمين والمعتاشين على دماء البسطاء والمحرومين فضلا عن الحكام والطغاة والمتجبرين .



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المترحمون على الطغاة
- عقدة الهلال
- رسالة عاجلة الى السيد رئيس الوزراء
- شيوخ الظل
- حديقة الدار
- دماء العراقيين هل تحتاج إلى فتوى لتحريمها ؟
- رجل دين ، رجل سياسة
- هل تقف امريكا وراء تقسيم العراق؟
- هل من معجزة؟
- وماذا عن المرجعية ؟
- ما الذي يجري في العراق واقعا ؟
- هل تعيد المصافحة للعراقيين قتلاهم؟
- مزامير الاغنياء
- الصحابة في ميزان علي ( عليه السلام )
- الشعوب ليست قطيعا
- البعث مرة اخرى
- شعب الله الثرثار
- الطائفية السياسية ..بين الواقع والشعار
- علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية
- ثنائية الخوف والطمع


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عبدول - الله ليس رغيفا