أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عبدول - علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية















المزيد.....

علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 4028 - 2013 / 3 / 11 - 21:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يخطيء الظن من يتصور ان مفردات ومصطلحات سياسية برزت الى السطح في الآونة الاخيرة هي مصطلحات لم يشهدها القاموس السياسي من قبل ولو على مستوى المضمون يخطيء الظن من يتصور ان كثيرا من المصطلحات السياسية اليوم لم تكن موجودة ابان عهود غابرة فاننا لو دققنا النظر واعملنا الفكر لوجدنا كثيرا من المصطلحات اليوم تمتلك جذورا عميقة داخل المشهد التاريخي الغابر , وان وردت بعبارات وصيغ مختلفة, لتعود في زماننا الحاضر بحلة جديدة ولتجد لها مرة اخرى سوق رائجة على السنة السياسين وتداولا واضحا في ادبياتهم بالاضافة الى تداولها بين اوساط العامة من الذين باتوا يتاثرون بكل ما يصدر عن السياسين سواء كان هذا التاثر على صعيد ما يصدر عنهم من افعال او اقوال او طروحات .يخطيء الظن من يتصور ان مصطلح (المصالحة )على سبيل المثال وهو المصطلح السياسي الاكثر انتشارا منذ التاسع من نيسان حتى هذه الساعة لكنه في ذات الوقت لربما كان الاقل تاثيرا داخل الساحة السياسية ولاسباب عدة لعل ابرزها هو عدم وجود شخصيات سياسية تنهض بمسؤولية (المصالحة )بشكل فاعل ومؤثر ,بحيث يكون النهوض بتلك الامانة التاريخية نهوضا يستوعب كافة الجوانب ذات الصلة بملف (المصالحة )والتي هي بالاساس مصالحة سياسية صرفة على اعتبار انها تقع ضمن محيط الساسة الذين كثيرا ما يتعارضون ويتدابرون ولربما يتقاتلون حول كعكة السلطة بلبوس قد تكون دينية او حزبية او فئوية ضيقة .ان مصطلح (المصالحة )وغيره من المصطلحات السياسية الاخرى مثل (المحاصصة والتوافق والمشاركة في الحكم )تعد مفردات لها جذور ضاربة في تربة التاريخ الاسلامي حيث كان لها اكبر الاثر واوضح المصاديق في صدر الدعوة الاسلامية الاول , الا اننا لم ننتبه لمقدار تاثيرها انذاك عندما كانت تلك المصطلحات تسمى بغير مسمياتها,كذلك فنحن لم نفهم مثل تلك المصطلحات على حقيقتها وبشكل عملي واضح بمثل ما نفهمها اليوم بسبب ولوجنا تجربة حافلة بالطروحات والمتبنيات السياسية ,اي اننا اصبحنا قبالة تنامي وعي سياسي اتاح لنا ربط الكثير من المصطلحات بمنعطفات وحوادث ذات طابع سياسي صرف والذي ترتبت عليها اثار كلية وجانبية على مستوى رسم ملامح التاريخ الاسلامي فيما بعد.ان مصطلح (المصالحة )الذي يلتقي حوله الفرقاء السياسيون تارة ويختلفون حوله تارة اخرى هو مصطلح سياسي تاريخي اسلامي كان له اثر ملموس داخل ساحة الحراك الاسلامي سواء كان ذلك الاثر ابان عهد صاحب الدعوة او على عهد (علي بن ابي طالب )عندما وجد مثل هذا المصطلح تجربة ثرة ومتقدمة على يد ابرز رجالات الاسلام عندما أجتمعت عدة ظروف وعوامل وملابسات كانت تتطلب من يقف ويتصدى بكل اخلاص وحكمة ومسؤولية لحمل هكذا مشروع .لقد تبلور مصطلح (المصالحة )ابان صدر الدعوة الاسلامية باسم اخر وورد بهياة مغايرة عندما كان يعبر عنه ضمنا بمقولات اعتبرت حدا فاصلا بين مرحلة سياسية واخرى مثل المقولة الشهيرة (اذهبوا فانتم الطلقاء )تلك المقولة التي صدح بها مؤسس الدعوة ابان فتح مكة وقد كانت تدل بوضوح تام على ما تقصده (المصالحة )من معنى وما تتضمنه من مقاصد ومرامي وغايات ,مثل هكذا مقولات كانت تمثل الدعوة العلنية والصريحة التي مهدت الطريق لبناء واستقرار الدولة الاسلامية في مكة ضمن مظلة المصالحة التي أسهمت بدورها الى انتشار الاسلام في انحاء المعمورة .لكن مصطلح المصالحة انما وجد له من الظروف الموضوعية ما جعله يشغل مساحة اكبر داخل الساحة الاسلامية السياسية آبان عهد الامام علي ,أي ان هذا المصطلح وجد له مصاديقا اكثر نضجا ووضوحا وتطبيقا على يد (علي بن ابي طالب )بسبب جملة من العوامل التي حتمت ان يصاغ ذلك المصطلح بشكل جلي وواضح آنذاك . ان طبيعة المصالحة التي نهض بها علي انما كانت مصالحة بين اهل الدين الواحد اي انها كانت مصالحة ضمن محيط المومنين بنفس الدين والعقيدة ,فاذا ما كانت المصالحة آبان فتح مكة تقوم على التقريب بين اصحاب الدعوة وبين مناؤي الامس خوفا او طمعا وفي درجات اقل ايمانا خالصا فان المصالحة التي اسس لها علي كانت مصالحة من نوع وشكل اخر فهي مصالحة باتجاه الصحابة انفسهم ,ولا شك ان هكذا مصالحة سوف تتطلب جهودا مضنية واستثنائية يجب ان تقوم بها جماعة او مؤسسة او حزب ,لكن ان ينهض باعبائها شخص بمفرده فذلك امر قلما نجد له وجودا على مر التاريخ .لقد جسد الامام علي من خلال مشروعه الاصلاحي مصالحة تختلف عن سائر اي مصالحة اخرى على مر الدهور ,ولعل اهم ما يميز تلك المصالحة هي انها كانت تتضمن امرين مهمين اولهما انها اي المصالحة لم تفرض من اي طرف او مؤثر خارجي على شخص الامام , عندما جاءت منبثقة من داخل ايمان ووعي الامام شخصيا بمدى ضرورة تفعيل هكذا مشروع يصب في مصلحة الامة وان كان من طرف واحد ,ثاني الامرين اللذين اتصفت بهما المصالحة انها كانت خالية من اية مآرب سياسية او نفعية ضيقة بل انها على العكس من ذلك كانت تقوم على تقديم مصلحة الاسلام على ما سواها .لا يخفى على أحد مقدار ما حدث بعد وفاة الرسول من تباين حاد في وجهات النظر حول أفضلية من سيخلف الرسول بعد ان انتقل الى الرفيق الأعلى في الوقت الذي كانت فيه الأغلبية تنظر لعلي على انه الأكفا والأمثل وأنه أحق ممن سواه لتبؤ وشغل مثل ذلك المنصب الديني المرموق .يروي الراغب الأصفهاني إن عمربن الخطاب قال لأبن عباس ذات يوم (أما والله يابني عبد المطلب لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر ولكن خشينا أن لا تجتمع عليه العرب لما قد وترها )ص213 محاضرات الراغب الأصفهاني.
كما روي أبن أبي الحديد المعتزلي إن عمر تحدث الى ابن عباس حول حادثة الخميس فقال(لقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرح بأسم علي فخشيت من ذلك حيطة على الاسلام ).
وهكذا تم تأخير استلام ملف الخلافة من قبل الامام علي في الوقت الذي اتخذ منه الخلفاء الذين حكموا قبله ناصحا ومشيرا ودليلا ومرشدا لا سيما في الأوقات العصيبة والازمات والمحن التي كانت تحيط بالامة من حين لاخر ولعل هذا ما حدا بعمر أن يقول قولته الشهيرة (معضلة وليس لها أبو حسن )أو قوله (لولا علي لهلك عمر ) .كانت شخصية علي هي الشخصية الكفوءة والمؤهلة للتصدي لمستجدات الساحتين الدينية والسياسية لا سيما ما حدث من فتنة كبرى أنتهت بمقتل الخليفة الثالث (عثمان بن عثمان ) حينما أدى مقتله الى خرق ذلك الاجماع الاسلامي المتحقق من بيعة المهاجرين والأنصار لصالح الامام علي فيما بعد من قبل الأنتهازين والوصوليين (معاوية وجنده ) متخذين من قميص الخليفة الثالث ذريعة للوصول الى مآربهم الدنيوية الضيقة وغير المشروعة .كان الظرف السياسي ملبدا بغيوم الفتن فعلي بن أبي طالب وبعد إن تعرض لدرجات من الاقصاء على امتداد أكثر من عقدين من الزمن لم يكد يعتلي دست الحكومة التي اتته طائعة راغبة بينما كان هو كارها لها أشد الكره لم يكد يعتلي منبر الحكم حتى تجددت بوجهه فصول اخرى أشد وقعا على نفسه من تلك الفصول السابقة ,حيث وجد الامام نفسه وسط دوامة من التآمر والانقلاب والتمرد علي أيدي (المارقين والقاسطين والناكثين ) لكن كيف كان هو تصرف الامام علي وسط هكذا أجواء مشحونة بالفتن والاضطراب والسعي الحثيث للاطاحة بحكومته التي تعد أول حكومة اسلامية تأتي عن طريق الانتخاب الحر والمباشر ,بأي نفس وفكر ومنطق تعامل علي مع ذلك الأرث الموجع والممتد من لحظة وفاة الرسول حتى ساعة استلامه لدفة الخلافة .لقد تعامل علي مع هكذا ملفات شائكة بمنتهى الدقة والموضوعية والانسانية .ولعل أبرز ما مكنه من النجاح بتلك المهمة الشاقة هو ذلك الفكر السياسي المتقدم الذي كان يحمله ويستطيع ترجمته بشكل عملي واضح على أرض الواقع .لقد كان علي يمتلك أهم مقومات الفكر السياسي ولكن ليس بمعناه (البراغماتي ) الذي يقوم على نسيان الحقائق والالتفاف حولها لغرض الوصول الى أهداف ومآرب سياسية أو حزبية ضيقة كما يفعل رجال السياسة في كل زمان ومكان .لقد حمل علي على كتفيه قضيته العادلة كاشفا عن مظلوميته بشكل علني وسافر غير قابل للتفسير والتأويل ,لذا نجده يقول في أحد خطبه (أللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ) وفي خطبة أخرى يقول (فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه حتى يومنا هذا ).لقد أستطاع (علي بن أبي طالب )أن يجمع بين كونه رجل مبدئيا لا يداهن ولا يجامل على حساب تبيان الحقائق وكشف الوقائع الى جانب كونه رجل وحدة وداعية سلام وصوت للإعتدال ولم الشمل ,وقد مثل بمشروعه هذا مساحة عريضة يمكن أن يلتقي في رحابها ويستظل بخيمتها جميع الفرقاء وسائر المتخاصمين , ففي قضية الخليفة (عثمان بن عفان )على سبيل الحصر لا المثال كان لعلي بن أبي طالب حضورا فاعلا ودورا ملحوظا في الوساطة بين الناقمين على سياسة عثمان من جهة وبين الخليفة من جهة أخرى , وذلك لؤد الفتنة وتقريب وجهات النظر بين الفريقين المتقابلين فقد استسفر الثوار عليا بينهم وبين الخليفة ليكلمه فما كان من علي الا إن كلم الخليفة بمنتهى النصح والأشفاق من نشوب الفتنة ووقوع المحذور بين صفوف المسلمين ولنستمع اليه وهويخاطب عثمان قائلا (إن الناس ورائي وقد استسفروني بينك وبينهم ووالله ما أدري ما أقول لك ؟ما أعرف شيئا تجهله ,ولا أدلك على أمر لا تعرفه .أنك لتعلم ما نعلم .ما سبقناك الى شيء فنخبرك عنه ,ولا خلونا بشيء فنبلغكه وقد رأيت كما رأينا ,وسمعت كما سمعنا ,وصحبت رسول الله صلى الله عليه وآله كما صحبنا .وما أبن أبي قحافة ولا أبن الخطاب أولى منك ,وأنت أقرب الى رسول الله وشيجة رحم منهما .وقد نلت من صهره ما لم ينالا فالله الله في نفسك فانك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل ) .وقد نجح علي في مسعاه لرأب الصدع بين الخليفة والثوار أيما نجاح الا إن وجود جهات وأطراف وقوى كانت تعارض مثل ذلك التوجه قد عملت على الاطاحة بتلك الجهود بكل ثقلها , سعيا منها لفتح باب الفتنة على مصراعيه لينتهي الأمر بمقتل الخليفة . وهنا نرى الامام يحمل الجميع تبعات ما جرى وعواقب ما كان وما سيترتب على مقتل الخليفة من تداعيات جمة فقد شخص ما كان في شأن الخليفة والثوار بقوله (أستأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع ) .هذا هو اسلوب علي وهذا هو ديدنه وهذه هي أخلاقه ومدى ومقدار حرصه على درء الفتن وتتطويق الأزمات .لقد مثل علي بسياسته تلك ذلك الجدار العازل أمام أي شكل من أشكال الخروقات التي كانت تطفو للسطح بين أونة وأخرى ,أما هو فكان لا يبالي إن مسه الضر أو لحق به الأذى ما دام مثل ذلك الأمر لا يؤدي الى ذهاب هيبة الاسلام ,ولا يهدد كيان الأمة ,ولا عجب بعد ذلك أن نراه يرفع ذلك الشعار (ولقد علمتم إني أحق الناس بها من غيري ووالله لاسلمن ما سلمت امور المسلمين ولم يكن فيها جور الا علي خاصة التماسا لأجر ذلك وفضله وزهدا فيما تنافستموه من زخرفة وزبرجة ) من هنا انطلق الامام مؤسسا بذلك لثقافة الايثار وتقديم المصلحة العليا على مصلحته الذاتية وإن كانت هي من صميم مصلحة الدين ومصلحة أبناء الأمة .ولو إننا تصفحنا جميع البيانات التي أدلى بها الامام على مسامع المسلمين لا سيما بعد توليه الخلافة لوجدناه يعلنها بكل صراحة انه دفع عن حقه لكننا في ذات الوقت نجده طودا شامخا يتعالى فوق الأنا ومساحة الذات فلا يبلغ به الامر أي درجة من درجات التعريض أوالاساءة لمن ساهموا بشكل وبأخر باقصاءه عن مسرح مزاولة شؤون الحكم ,بل اننا نجده وعلى العكس من ذلك يترحم ويترضى ويستغفر على سائر الصحابة الأوائل من (المهاجرين والأنصار ) ثم يعرج على ذكرهم بكل خير ويحرص على استذكارهم بكل رحمة ومودة . فمن كلام له يذكر فيه الصحابة يقول الامام (ولقد كنا مع رسول الله نقتل آبانا وابنائنا واخواننا واعمامنا ما يزيدنا ذلك الا ايمانا وتسليما ومضيا على اللقم وصبرا على مضض الالم وجدا في جهاد العدو ولقد كان الرجل منا والأخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان انفسهما ايهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا فلما رأى الله صدقنا انزل بعدونا الكبت وانزل علينا النصر حتى استقر الاسلام ملقيا جرانه ومتبوئا اوطانه ولعمري لو كنا نأتي ما اتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للايمان عود ) يروى إن (معاوية ) بعث الى (علي )كل من (حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد الأخنس ) ليكلموه في أمر عثمان وأنه قتل مظلوما فلما سمعهم الامام رد عليهم قائلا بعد ان حمد الله وأثنى عليه (وقد قبضه الله اليه وقد ادى ما عليه ثم استخلف الناس أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر فعدلا في الامة وقد وجدنا عليهما إن توليا علينا ونحن آل رسول الله فغفرنا ذلك لهما وولي عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه فساروا اليه فقتلوه )الطبري حوادث سنة 37 ج6 .ومن كتاب للامام علي لمعاوية جاء فيه (فهيهات ما أنصفتنا قريش وقد كانوا ذوي فضيلة في الدين وسابقة في الاسلام ولا غرو الا منازعتك ايانا بغير حق في الدنيا معروف ولا أثر في الاسلام محمود )حياة الامام ص 56محمد باقر القرشي .فالامام يوجه كلامه في ذلك المورد الى معاوية بما معناه اذا كانت قريش لم تنصفنا من قبل فقد كانت ذات شرف رفيع ومقام معروف في الاسلام ,اما أنت فمن المستغرب أن تنازعنا هذا الأمر وانت غير أهل لذلك ,الامام علي يمتلك معايير غاية في الدقة عندما يفرق بين معاوية ومن كان على شاكلته وبين سائر المؤمنين من الذين شهدوا بدرا واحد وحنين والخندق وسائر معارك الاسلام .هكذا هو الامام كان لا يتوقف عند تقصير أحد لكنه كان يتجاوز ذلك كله الى ما يجمعه مع الأخرين وما يربطهم به من أواصر وعرى متينة على مستوى العقيدة والمصالح المشتركة العليا سياسيا واجتماعيا وحتى أسريا .
لقد انطلق علي من ذاته العليا نحو مشروع عملي واضح المعالم يقوم على الصفح والمغفرة والتماس الأعذار للأخرين وحملهم على أحسن المحامل ,ولعل ذلك ما يبرر كثرة ما كان يردده الامام من عبارات وحكم بليغة كقوله (ما كل مفتون يلام )أو قوله (وإنما سميت الشبهة شبهة لانها تشبه الحق ),كما كان ينهي عن الوقوف على عيوب الناس والخوض في زلاتهم ومثالبهم ويحث على تجاوزها الى ما يصدر عنهم من حسن صنيع فهو يقول (يا عبد الله لا تعجل في عيب أحد بذنبه فلعله مغفور له ,ولا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلك معذب عليه ).بل إننا نراه يذهب ابعد من ذلك كله عندما يعلنها بوضوح تام إن من قاتلهم إنما كانوا أخوة له في الدين وشركاء في العقيدة حيث يقول (ولكنا إنما أصبحنا نقاتل أخواننا في الاسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتاويل فاذا طمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا ونتدانى بها الى البقية فيما بيننا رغبنا فيها وأمسكنا عما سواها )ص236 ج1 النهج .
والمراد من عباره الامام هذه إننا ومع كل ذلك الاختلاف بسبب الشبهة والتأويل لكننا نبقى أخوة في الاسلام نطمح الى لمّ الشمل وبلوغ التقارب بسبب ما يجمع بيننا من علائق وعرى لا يمكن بحال من الأحوال أن لا نعول عليها ونرجع الى جادتها .يروي الطبري في حوادث عام 36 إن أبو سلامة الدالاني سأل الامام عن أصحاب الجمل قائلا (فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا )فقال علي (إني لأرجو أن لا يقتل أحد نقى قلبه لله منا ومنهم الا أدخله الله الجنة )حتى اذا وضعت الحرب أوزارها أخذ الامام كلما مر برجل فيه خير يقول (زعم من زعم أنه لم يخرج الينا الا الغوغاء هذا العابد المجتهد )ثم شرع يصلي على قتلاه وقتلى أصحاب الجمل.
هكذا كان منهاج ‘(علي بن أبي طالب ) اتجاه كل من اختلف معه في الرأي أو من رفع بوجهه السيف ,انه منهاج الرجل الذي يريد أن يرسم للأجيال القادمة معالم الطريق المفضية الى الود والألفة والأجتماع بديلا حضاريا عن العداوة والبغضاء والتنافر والتدابر .أنه منهاج الرجل الذي أوصى من يأتي بعده أن يكمل مشواره ويواصل مصالحته مع كل من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان يقول علي في كلمة له بشأن الخوارج (لا تقتلوا الخوارج بعدي ,فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه )ج1ص108 حيث جعل الخوارج متأولين في الوقوع في الخطأ والتمس لهم العذر كونهم طلبوا الحق فأخطؤوه ,حتى اذا أقترب أجله على يد أحدهم أخذ يوصي ولده وأصحابه بقوله (إن أبق فأنا ولي دمي وإن أفن فالفناء ميعادي وإن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة فأعفوا الا تحبون أن يغفر الله لكم )ج3ص21 .
فاذا كان هذا هو منهاج علي بن أبي طالب واذا كانت هذه ثقافته المبنية على أسس التسامح والأعتدال والوسطية فما بال سائر المسلمين لا يسيرون على هديه ولا يسلكون مسلكه ولا يقتدون بأفعاله ، الا يمثل لنا علي قدوة حسنة يجب الاقتداء بها على شتى المستويا ت ومختلف الصعد الفكرية منها والعملية على حد سواء.



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثنائية الخوف والطمع
- موتانا وموتاهم
- النص والمرأة
- مطر السوء
- القوم الكافرون
- أضغاث أحلام
- الإنسان أم الأديان
- هل يمتلك العراقيون دينا خالصا
- طقوس كربلاء من منظار اخر
- ما هو المطلوب من رجال الدين تحديدا؟
- شيوخ العطب والهلاك


المزيد.....




- أجزاء من فئران بشرائح خبز -توست- تدفع بالشركة لاستدعاء المنت ...
- مسؤولون يوضحون -نافذة فرصة- تراها روسيا بهجماتها في أوكرانيا ...
- مصر.. ساويرس يثير تفاعلا برد على أكاديمي إماراتي حول مطار دب ...
- فرق الإنقاذ تبحث عن المنكوبين جرّاء الفيضانات في البرازيل
- العثور على بقايا فئران سوداء في منتج غذائي ياباني شهير
- سيئول وواشنطن وطوكيو تؤكد عزمها على مواجهة تهديدات كوريا الش ...
- حُمّى تصيب الاتحاد الأوروبي
- خبير عسكري: التدريبات الروسية بالأسلحة النووية التكتيكية إشا ...
- التحضير لمحاكمة قادة أوكرانيا
- المقاتلون من فرنسا يحتمون بأقبية -تشاسوف يار-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عبدول - علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية