أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - الحديث مع الله















المزيد.....



الحديث مع الله


أحمد القبانجي

الحوار المتمدن-العدد: 4194 - 2013 / 8 / 24 - 02:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اعداد: حيان الخياط

هناك حقيقة مهمة في علاقتنا مع الله تعالى، وهي أن الله تعالى يتحدث معنا دائماً، فهل سمعنا حديثه يوماً، وهل أصغينا الى ما يقول؟ القرآن الكريم يصرّح بهذه الحقيقة الرائعة عندما يحكي لنا عن بني إسرائيل:
(واتّخذ قوم موسى من حليّهم عجلاً جسداً له خوار ألم يروا انّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلاً).
ماذا يعني هذا الكلام؟ انّه صريح في أنّ الإله الذي يجب أن يعبده الإنسان يجب أن يتحدّث ويجيب على أسئلة العبد وكلامه، وبما انّ العجل لا يجيبهم ولا يتحدّث معهم فهو ليس بالإله، أي انّ الله الحقيقي هو الذي يتحدّث مع الإنسان، ولكنّنا مع الأسف لا نصغي لحديثه ولا نهتمّ لذلك لإنشغالنا بالحديث مع الآخرين حتّى في حالة الوحدة، وحتّى لو تحدّثنا مع الله ودعوناه فانّنا نتحدّث مع الله الذهني وندعوه، ولذلك لا نسمع له جواباً، لأنّه صورة وهمية لله تعالى ومخلوق من مخلوقات القوّة الخيالية في الذهن، والحديث يجب أن يكون مع الوجدان، فهناك يكمن سرّ الله ونوره، ولذلك ورد في الحديث الشريف: «قلب المؤمن عرش الرحمن».
وإذا أصغى الإنسان إلى وجدانه لسمع حديث الله معه حتماً، وما يقال من أوامر الوجدان الأخلاقية، أو عتاب النفس اللوّامة بعد أن يواقع الإنسان الخطيئة، أو الإلهامات القلبية للمؤمنين وأمثال ذلك كلّها عبارة عن حديث الله مع الإنسان مباشرةً وبدون حجاب.
علينا أن نتوجّه في حديثنا مع خالقنا إلى محلّ الأنوار الإلهية وهو القلب، لا إلى السماء، ولا إلى الذهن، لأنّ مهمّة الذهن هو مساعدتنا في السلوك إلى الله والحديث معه وإرفادنا بالكلام في عملية المحادثة لا بالصور.
ولكن كيف نتحدّث معه؟ وماذا نقول في ساحة قدسه؟ ألا يكفي انّنا ندعوه كلّ يوم ونطلب منه الرزق والعافية والهداية وكلّ ما نحتاجه في حياتنا الدنيوية والاُخروية؟
هنا يكمن الخطأ، فنحن نتصور أن الدعاء هو المراد من مقولة الحديث مع الله، في حين أنّه حديث من طرف واحد ولا يتضمّن تفاعلاً ثنائياً بين العبد وخالقه كما هو الحال في قضية المحادثة، ولكن يمكن القول بأنّ الدعاء ذريعة وأداة وطريق للتحدث مع الله، لأنّ الله تعالى لا يحتاج إلى أن نخبره بحاجتنا وفقرنا ليجيب طلبنا ويرزقنا، فالكريم كلّ الكريم هو الذي لا يدع الفقير يكشف له عن فقره وحاجته، بل يعطيه بمجرّد علمه بذلك، ولذلك يذكر القرآن هذه الحقيقة:
(وآتاكم من كلّ ما سألتموه).
فهنا إخبار عن حقيقة العطاء الإلهي المترتّب على مجرّد الحاجة لا على السؤال اللساني، فمن الواضح انّه تعالى لم يعطنا كلّ ما سألناه بلساننا، وهذا يعني أنّ الله تعالى قد أعطانا كلّ ما نحتاج إليه واقعاً، وما لم يؤتنا فليس من احتياجاتنا الحقيقيّة وانّ تصور الإنسان ذلك. إذن فلماذا نطلب منه أكثر ممّا أعطانا؟
ولولا أنّ الله طلب منّا أن ندعوه وأجاز لنا أن نطلب منه الرزق والصحّة وسائر ما نحتاجه في مسيرة الحياة لأمكن القول أن طلب هذه الاُمور من الله في الحقيقة من الذنوب الكبيرة، بل يساوق الكفر بالله ونسبة الجهل إليه بما نحتاج أو نسبة البخل إلى ساحته المقدّسة، ولكنّه تعالى عالم بجهلنا وضعفنا وقلّة صبرنا فلذلك أجاز لنا ذلك رغبةً في أن نتحدّث معه ونتوجّه إليه لا أكثر، وفي هذا التوجّه إليه يكمن سرّ الخلاص من «الأنا».

ذكر الله والجواب
العارف «المولوي» يورد في ديوانه «المثنوي» حكاية ذلك الشخص الذي كان لهجاً بذكر الله ولم يكن يعرف من الدعاء سوى كلمة «ياالله، ياالله» ويردّدها باستمرار، إلى أن عرض له الشيطان في مخيّلته وقال له: إلى متى تظلّ تنادي من لا يجيبك ولا يعير لندائك أهميّة؟ فأخذت هذه الوسوسة منه مأخذها وسكت لسانه عن الذكر واستشعر الحزن، ولمّا آوى إلى فراشه تراءى له في المنام من يقول له: لماذا انقطعت عن ذكرنا؟ فقال: لي سنوات اُنادي الله، ولكن لم أسمع الجواب ...
فقيل له: إنّ نفس دعائك وذكرك لنا هو جوابنا لك، أي أنّ الله قد جعل فيك الرغبة في التوجّه إليه.
وهناك ثمرة اخرى للدعاء غير ما ذكرناه، وهي أن الانسان كثيراً ما يتصور أن ما لديه من اشكال النعمة والرزق قد حصل عليه بحوله وقوته وذكائه كما قال قارون: (انما أوتيته على علم عندي) أو من الوسائط كالطبيب في عملية الشفاء، والصديق الغني في الحصول على المال، والدعاء قبل تحصيل الشفاء أو المال أو أي نعمة اخرى يذكّر الانسان بالمنعم الحقيقي ويربطه به فلا يقع في العجب والغرور بقدراته وذكائه، ولا في الشرك الخفي بأن يتصور الواسطة هي الاصل، أي ان الله تعالى لما يرى حاجة العبد للنعمة الفلانية فانه سيعطيه ويرزقه حتماً سواء دعا أو لم يدعُ: «يا من يعطي من سأله ومن لم يسأله تحنناً منه ورحمة» ولكن طلب منا أن ندعوه حذراً من الوقوع في الغفلة عن مصدر النعمة والرزق، فاذا كنّا قد دعوناه ثم حصلنا على ما نريد نعلم أن ذلك منه تعالى فنشكره ونتعاطف معه اكثر.
على أية حال، الدعاء وجه من وجوه الحديث مع الله، ولكن قبل معرفة صيغة الحديث مع الله لابد من معرفة كيفية حديث الله معنا وبأية صورة، فالآية التي ذكرناها في بداية الحديث تقرر حديث الله مع الانسان كحقيقة مسلمة، وأحد صور حديث الله مع الانسان هو القرآن الكريم، ولكنه غير مقصود الآية حتماً. حيث لم ينزل القرآن في ذلك الوقت، وهو الوقت الذي وقع ظرفاً لخطاب الآية مع بني اسرائيل، ولم تكن التوراة قد نزلت بعد، لأن عبادة العجل حسب مدلول الآيات الكريمة كانت قد تزامنت مع ذهاب موسى إلى الطور (الجبل) وبقائه هناك اربعين يوماً ثم رجوعه مع ألواح التوراة الى قومه، فلما رآهم يعبدون العجل ألقى بالألواح وأخذ برأس أخيه هارون يجرّه اليه كما تقول الآية.
وحينئذ يتضح لنا أن الله تعالى يتحدث مع الانسان في سرّه وأن هذا الحديث نفسه من علامات الربوبية ولذلك لا يستحق العجل ولا أي مخلوق آخر هذا المقام لأنه لا يكلّم مخلوقه ولا يجيب على اسئلته.

كيفية كلام الله مع الانسان
ويمكن تصوير حديث الله مع الانسان بثلاثة انحاء كما تقول الآية الشريفة:
(وما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي باذنه ما يشاء)
الكثير من المفسّرين ظنّوا أن المقصود بهذا التكليم هم الانبياء عليهم السلام، إلاّ أنّه لا داعي لحصر الخطاب بالانبياء خاصة وأن الآية لم تقل «وما كان لنبي أن يكلمه الله» بل قالت «وما كان لبشر أن يكلمه الله» فالكلام الالهي يمتد ليشمل جميع افراد البشر بأحد الانحاء الثلاثة المذكورة في الآية وهي: الوحي، من وراء حجاب، ارسال الرسول.
وكل فرد من افراد البشر يتعرض لحديث الله وكلامه بأحد هذه الطرق الثلاثة، أي ان الله تعالى لا يتكلم معنا بطريق واحد بل بثلاثة طرق، وهذا يدل على عظيم اهتمامه تعالى بالانسان وعنايته به، فيحتمل أن يوصد الانسان على نفسه باباً للحديث الالهي لجهله أو عناده، فيفتح الله تعالى باباً آخر للتحدث مع العبد وهكذا. اذن فالكلام الالهي يصلنا بأحد طرق ثلاثة:
أولاً: الكلام المباشر، وهو الوحي الى قلب الانسان، وهذا يعني أن كل انسان يوحى اليه من الله تعالى ويتحدث الله معه فى سرّه، والعرفاء يؤكدون هذا المعنى من الوحي ويقسمونه الى: الوحي العام ويشمل الوحى والالهام لجميع الاحياء ومنها الحيوانات كما قال تعالى: (وأوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً). واستخدم القرآن الكريم هذه المفردة ايضاً في حديث الله مع غير الانبياء من البشر مثل «ام موسى» حيث قال: (وأوحينا الى ام موسى أن أرضعيه) فمن هذا نعلم أن الوحي هنا عام ولا يختص بالانبياء.
وهناك «الوحي الخاص» وهو المصطلح المشهور من الوحي الالهي إلى الانبياء والمرسلين بتبليغ الرسالات والشرائع السماوية.
ثانياً: الكلام غير المباشر، وهو المراد بقوله تعالى «أو من وراء حجاب» يعني أن الكلام كلام الله تعالى بلا شك الاّ انه ليس بصورة مباشرة كالأول، بل من وراء شيء من قبيل تكليم الله تعالى لموسى من وراء الشجره، أو في المنام الذي حدث لإبراهيم (عليه السلام)حيث رأى في المنام أن احداً يأمره بأن يذبح ابنه، فعلم أن هذا المتحدث هو الله تعالى، ومن هذا القبيل القرآن الكريم بالنسبة لنا ولجميع افراد البشر فهو كلام الله تعالى للبشرية ولكن من وراء حجاب، أي حجاب الكتابة، فهو خطاب الهي مكتوب على الورق كما في خطاب الانسان لآخر من خلال رسالة أو كتاب. فهو ليس من الخطاب المباشر كما هو واضح.
ثالثاً: الكلام بالواسطة، وهو قوله تعالى (أو يرسل رسولاً فيوحي باذنه)، فالكلام هنا للرسول من ملك أو بشر وليس لله تعالى، ولكنه باذنه وبمشيئته، وذلك من قبيل أحاديث الانبياء والاولياء عليهم السلام وكذلك نصائح وتوجيهات العرفاء والوالدين والمعلمين والمبلغين وامثال ذلك، فهي ليست كلام الله تعالى كالأول والثاني (الكلام المباشر وغير المباشر) ولكنها باذنه ومشيئته ومقتبسه من الكلام الاول والثاني لله تعالى، فلهذا يصح أن يقال عنها أنها «كلام الله» لأنها تمتد في جذورها الى كلام الله المباشر الى الانسان، فالحديث القدسي الذي يرويه الامام (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله تعالى هو كلام الله للانسان بواسطة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي نقله الينا بالمعنى، فالكلمات والالفاظ هي كلمات النبيّ والفاظه ولكن المعنى هو كلام الله، فالنقل بالمعنى لا باللفظ. وهذا هو الفرق ايضاً بين القرآن وبين التوراة والانجيل، حيث أن الكتب السماوية المقدسة وان كانت خطاب الهي مباشر للنبي موسى وعيسى، الاّ أنه خطاب الهي بواسطة ومن النوع الثالث لعامة الناس، ولهذا نجد اربعة اناجيل كتبها تلامذة عيسى من الحواريين يحكون فيها مواعظ عيسى ونصائحه وتوجيهاته، والمسيحيون لا يدّعون أن هذه الاناجيل هي كلام الله بألفاظها كما نقول نحن بالنسبة للقرآن، بل يقولون انها كتب مقدسة وكلام الله بالواسطة كما في الاحاديث القدسية الواردة في الروايات الشريفة. هذه نظرة اجمالية على كيفية حديث الله مع الانسان وانحائه، أمّا تفصيل الكلام في هذا الموضوع فيحتاج الى دقة وتأمل ولا ينبغي أن نمرّ على مثل هذا الموضوع المهم مرور الكرام لأنه يتصل مباشرة بمسألة علاقتنا مع الله تعالى وكيفية تفعيل هذه العلاقة في حركة الحياة وترجمتها الى واقع عملي وزخم معنوي لاصلاح الخلل النفسي في شخصياتنا وسلوكياتنا.

نظرة الفلاسفة والانبياء الى المبدأ
لو تصفحنا آراء الفلاسفة في مقولاتهم عن الله تعالى لوجدنا أن «الله» الذي يتحدثون عنه لا يعدو عن كونه خالقاً للكون وواجب الوجود وازلياً وأبدياً ولا تطرأ عليه الحوادث من العشق والغضب والعواطف وما الى ذلك، وهذا المعنى هو ما ورثه الفلاسفة المسلمون من فلاسفة اليونان كأفلاطون وارسطو، فالهدف هو اثبات أن لهذا الكون خالقاً مدبراً وانه واحد لا اكثر، بينما لا نرى مثل هذه الكلمات في الاديان السماوية ومنهج الانبياء في تعليماتهم اللاهوتية، بل نجد صياغة اخرى مختلفة تماماً عن صياغة الفلاسفة في دائرة وجود الله تعالى، حيث يشكل الوحي وكلام الله مع الانسان الحمور الاساس لجميع المفاهيم الدينية وتعليمات الانبياء عليهم السلام للبشر، فالوحي يمثل الرابطة الخاصة بين الله والانسان، وكما قلنا أن مقولة الوحي لا تختص بالانبياء بل تمتد لتشمل كل فرد من افراد البشر، وعندما نقول أن الوحي هو محور العلاقة بين الله والانسان، فهذا يعني أن الله الذي أرشدنا إليه الانبياء يقيم علاقة خاصة مع الانسان بأن يتحدث معه على الدوام، ويرتبط برابطة عاطفية مع الانسان ويمتد الى قلبه ومحتواه الداخلي ليناجيه في سرّه ووجدانه، بينما إله الفلاسفة هو (العلّة الاولى) وواجب الوجود لا اكثر، وهذا المعنى يتساوى بين الانسان والحجر وسائر المخلوقات على السواء، فكما أن الانسان معلول وممكن الوجود، فكذلك سائر المخلوقات من جمادات ونباتات وحيوانات، فكلها من حيث الامكان والمعلولية على السواء ولا توجد رابطة خاصة حينئذ بين الله والانسان. واما الوحي فيقوم على وجود رابطة خاصة بين الله والانسان لا توجد في سائر الكائنات. وهذه الميزة تقوم في الاساس على وجود المحتوى الداخلي للانسان والبعد الروحي فيه خلافاً لغير الانسان، أي ان للانسان عالماً آخر في قلبه وروحه، ولا يوجد مثل هذا العالم المعنوي في المادة، وحتى بالنسبة الى الحيوانات التي تتمتع بروح حيوانية ويمكن أن يوحي اليها الله تعالى من وراء الغرائز والجواذب النفسانية لا تمتلك قدرة على التفاعل الحرّ مع الله تعالى، بل هي مأمورة كما هو الحال في حركة الجمادات وفق القوانين الطبيعة، وهذه الميزة الاساسية الخاصة بالانسان هي التي تجعله لائقاً للحديث مع الله تعالى وحديث الله معه على اساس من الرابطة العاطفية.
بينما على التصوير الفلسفي فرابطة الانسان مع الله هي رابطة الانسان مع شيء خارجي، فكما أن الانسان يقيم علاقة مع العلل الطبيعيّة لاستخدامها في قضاء حاجاته الدنيوية، فكذلك حاله مع الله تعالى والعلة الاولى، أي أنه يريد استخدامه في قضاء حاجاته فقط.
ومع الاسف فان هذه الحالة المتدنيّة في العلاقة مع الله تعالى هي الحاكمة في مجمل ارتباطنا مع الله تعالى من خلال الدعاء لاقامة ارتباط عاطفي مع الله تعالى أو لإشباع رغبة روحية في الاتصال بالله تعالى لمجرد الاتصال نفسه لا لشيء آخر، أي ان الهدف الاول والاخير من الدعاء يجب أن يكون هو الله نفسه، والدافع الحقيقي من وراء الدعاء يجب أن يهدف نحو التوجّه الى الله تعالى وطلب الاتصال به، لا أن نريده وسيلة وأداة لتحقيق رغباتنا وطموحاتنا اللامتناهية ويكون حالنا معه كحالنا مع العلل والاسباب الطبيعية التي نستخدمها لقضاء حاجاتنا، فنحن نطلب النار للتدفئة، ونطلب من السيارة أن توصلنا الى المكان الفلاني، فاذا تحقق الغرض المطلوب نتركها فوراً، وكما يقول بعض العرفاء اننا لا نعرف من الله سوى اسم «الرزاق» فنحن نريده ليرزقنا المال والصحة والعمر والامان وغير ذلك، والحال أن المفروض أن نفكر فيما يريده الله منا لأنه هو الذي خلقنا، وحتماً له غاية وغرض من هذا الخلق، فكما اذا أشعلنا النار فنحن نريد منها غاية معينة، واذا صنعنا سيارة فنريد منها غرضاً خاصاً، فنحن يحق لنا أن نطلب منها ونتوقع منها وليس العكس، فلا يصح للنار أو السيارة أن تتوقع من صانعها شيئاً سوى ما تؤدي وضيفتها تجاه الصانع، فلو لم يعطها ذلك، فهذا يعني انه ليس بحاجة إليها ولا يحق للمصنوع أن يتوقع من صانعه، ولكننا في علاقتنا مع الله نلاحظ العكس، فنحن دائماً نتوقع من الله تعالى ونطلب منه مع علمنا بأنه أرحم بنا من انفسنا وأعلم بنا منّا، فاذا لم يعطنا ما نطلب فذلك حتماً يعود الينا والى مصلحتنا، ومع ذلك فنحن نصر على ما نريد، وهذا التوقع هو السبب في زوال الحب والعشق في علاقتنا مع الله تعالى، فنحن نريده لنا ومن أجلنا، وعندما ندعي اننا نحبّ الله فهذا الحب يعود الى أنفسنا، أي اننا نحب انفسنا أولاً وبالذات، وبما أن الله يقضي لنا حاجاتنا فنحن نحبه ونريده، فالغاية الاولى والاخيرة من هذا الحب هو حب الذات لا حب الله.
وكلامنا الآن يدور حول موضوع المحادثة مع الله، أي حديثنا مع الله وحديث الله معنا. وقلنا بأنّ حديث الله معنا بصورة مباشرة متحقق دائماً في قلوبنا، فالله يتحدث معنا دائماً في سرّنا ولكننا لا نصغي لحديثه وكلامه ولذلك نتصور أن الله ينظر الينا فقط، ونحن ندعوه من طرف واحد ونتحدث معه من طرف واحد، في حين أنّ الامر ليس كذلك قطعاً، فعندما تريد القيام بعمل منكر تشعر بأن احداً يكلّمك في قلبك ويقول: لا تفعل ذلك، واذا ارتكبته تسمعه يقول لك: ألم أقل لك لا تفعل، فقد جنيت على نفسك وخسرت من حظك وايمانك، ولهذا يشعر الانسان بالندم بعد ارتكاب المعصية.
وهكذا الحال في علاقاتك مع الآخرين وسلوكك في المجتمع وجميع خطواتك في الحياة تجد أن هناك من يرشدك الى الخير ويريد صلاحك في كل واقعة، ولا تشك في اخلاصه لك، وهذا هو حديث الله معك.

الحديث مع الله سفر الى الاعماق
ويتبين لنا من ذلك أن الحديث مع الله افضل وسيله لمعرفة الله والارتباط معه، فالحديث مع أي شخص يعني التوغل الى اعماق قلبه بخلاف الرؤية والعلم بوجوده وقدرته وسائر صفاته، بل إن الكلام هو الطريق الوحيد للمعرفة القلبية، لأن التفكير والتحقيق في هذا المجال انما يفيد الانسان على مستوى علمه بوجود الله ومعرفة صفاته في دائرة الذهن والفكر، اما المعرفة القلبية والارتباط القلبي فلا يتحقق الاّ بالاتصال مع الله تعالى من خلال الكلام.
وقد ورد عن الامام علي (عليه السلام) أنه قال: «المرء مخبوء تحت لسانه»، وهذا الكلام الدقيق في بيان حقيقة أن الكلام يكشف عن شخصية المتكلم يأتي هنا ايضاً، فيمكن القول بأن: «الله مخبوء تحت لسانه» أي مستور خلف كلامه، وهذا يعني أن معرفة الله لا تتيسر للانسان الا من خلال إصغائه لكلام الله والتحدث معه، وهذه المعرفة معرفة حيّة ومتحركة ومتفاعلة مع الانسان في عواطفه بخلاف معرفة الفلاسفة الجامدة عن الله تعالى.
ثم إن الانسان اذا استمر في الحديث مع الله وسماع كلام الله معه فسوف يشعر حقيقة بالحضور الالهي دائماً، وهذا من شأنه أن يوصد امامه الكثير من ابواب الذنوب ويمنعه من السلوكيات المنحرفة لأنه يشعر بقلبه بأن الله معه، في حين أن العلم الذهني بذلك لا يكفي قطعاً في منع الانسان عن المعصية، لأن الادراك الذهني لوجود الله وخطوره سيزول عند تفكير الانسان بشيء آخر، فالذهن لا يستوعب تفكيرين في آن واحد، ولكن الشعور القلبي يجتمع مع جميع الوان الفكر والادراكات الذهنية، فالعاشق أو المتألم أو العطشان رغم انه يتكلم مع الناس أو يعمل في دكانه ويفكر في الكسب، ولكن الاحساس بالعطش أو العشق لا يفارقه لحظة، فكذلك الاحساس القلبي بوجود الله تعالى.
وبالنسبة الى كلامنا مع الله فكما قلنا اننا لا ينبغي أن نؤكد على الدعاء والطلب، بل نتكلم معه بكل شيء ونفتح صدورنا وقلوبنا له ولكلماته وحديثه، ونطلب منه فقط أن يوفقنا لخدمته وتحقيق ما يريده منا، أي ان يكون السؤال هكذا:
ـ الهي ماذا تريد منّي أن اكون؟ وماذا تطلب مني أن أقوم به من عمل؟ فقد آتيتني كل شيء وكل ما احتاج اليه، والآن جاء دورك لتطلب منّي، فانا صنيعتك ورهن اشارتك.

حكاية موسى والراعي العاشق!
ينقل العارف «المولوي» في ديوانه المثنوي، حكاية موسى (عليه السلام) والراعي العاشق الذي كان يتحدث مع الله في الصحراء دائماً وكأنه بشر مثله، فكان يقول في مجمل حديثه مع الله: الهي اين انت حتى اقوم بخدمتك .. أغسل لك ملابسك، اُهيىء لك الطعام وأغسل قدميك .. واذا اردت أن تنام أهىء لك السرير ، امشط شعرك واجلب لك الماء .. الهي لقد عظم اشتياقي اليك فلماذا تخفي نفسك عني؟!
وهكذا كان هذا الراعي يتحدث مع الله بهذا الاسلوب حتى مرّ عليه موسى ذات يوم، فسمعه يتكلم مع الله بهذه الكلمات، فغضب عليه وانتهره بشدّه وحذره من عاقبه هذه الكلمات الصريحة في الكفر، فلما سمع الراعي ذلك، وكان يعلم بأن موسى نبي الله ومرسل من الله خاف وسكت، وأخذ اغنامه وابتعد بها في المفاوز وهو مطرق واجم.
فلما رجع موسى عاتبه الله على سلوكه مع الراعي وقال له: ألم تعلم بأن لكل انسان طريقته في التحدّث معي؟ فقد كنت مسروراً جداً من حديثه معي بتلك اللهجة، لأن حديثه كان نابعاً من قلبه وفطرته، ولم يتوصل عقله إلى ما توصلت اليه في عالم المعرفة والتنزيه والتقديس، اما الآن فقد انقطع لسانه عن ذكري فارجع اليه حتى تجده وتقول له بأن يكلمني كيف يشاء فاني سامع ومجيب.
فقام موسى (عليه السلام) من فوره واخذ يبحث عن الراعي حتى وجده مهموماً محزوناً، فبشره بما خاطبه الله تعالى في شأنه.

حديث الله مع الانسان بالواسطة
اما النحو الثالث من انحاء كلام الله معنا فهو حديث الله معنا بالواسطة، فكل كلام سليم وحديث حق ونصيحة صادقة نسمعها من أحد الناس فهو كلام الله معنا ولكن بواسطة مخلوقاته، فقد لا ننتبه لحديث الله معنا في القلب وبصورة مباشرة، وقد لا نقرأ القرآن، فالله تعالى لشدة اهتمامه بنا وعنايته بايصال كلامه لنا فانه يلقي بذهن الآخرين ما يريد ايصاله لنا ويخاطبنا بواسطتهم وعن طريقهم، كما قال أحد العرفاء بأنني ولمدّة عشرين عاماً لم أتحدث الاّ مع الله، ولم اسمع الاّ من الله، رغم انه كان يعاشر الناس ويتحدث معهم ويحدثونه، الاّ انه لا يرى هذه الوسائط بالاستقلال، فعندما يدعوه شخص لتناول طعام الغداء عنده فانه يدرك أن الله يأمره بالذهاب الى بيت صديقه، وعندما يسمع احداً يزجره ويعيب عليه عمله الفلاني يفهم بأن الله ينهاه عن ذلك العمل وهكذا.
الامام الحسين (عليه السلام) عندما توجّه الى الكوفة بدعوة من أهلها شعر بهذا المعنى وأن الله يدعوه للتوجه الى الكوفة ولكن عن طريق رسائل وكتب اهل الكوفة، والاّ لكان اقدامه ذلك خلاف العقل كما أوصاه اكثر من واحد بعدم الاصغاء لنداءات اهل الكوفة بعد أن خانوا بأبيه واخيه.
الامام علي واهل بيته عليهم السلام حينما جاءهم المسكين واليتيم والاسير يطلبون منهم طعاماً لهم لسدّ جوعهم اعطوا افطارهم لثلاث ليال متوالية لهم وافطروا بالماء فقط، لماذا وقد كان بامكانهم اعطاء رغيف واحد في كل ليلة الى أحد أولئك الفقراء؟
السبب هو انهم عليهم السلام يسمعون كلام الله من فهم هؤلاء المساكين يطلب منهم التصدّق بطعامهم، ولهذا صنعوا ما صنعوا من الايثار العظيم بحيث انزل الله تعالى سورة كاملة في ذكر هذه الفضيلة، وهي سورة «الدهر».
عندما يقول الله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) فالمقصود ان أحداً من المحتاجين لو استقرضك قرضاً واعطيته ما يريد فكأنما أقرضت الله تعالى، وهذا يعني ان الله طلب منك اقراضه على لسان ذلك المحتاج.
حديث الله معك بالواسطة لا يقتصر على حديث الناس بعضهم مع البعض الآخر، بل قد تسمع كلام الله بواسطة مخلوقات اخرى ومن خلال اصغائك لصوت المطر والرياح وأمواج البحر وامثال ذلك، فتدرك مالا يدركه غيرك من الناس، وهذا هو ما يسمى بالوحي الانكشافي في مقابل الوحي الكلامي المتقدم.
ويتضح من ذلك أن الوحي الانكشافي يرتبط بالآيات الآفاقية والوحي الكلامي يرتبط بالآيات الانفسية كما هو المصطلح القرآني في تقسيم الآيات الالهية الى: آفاقية وانفسية في قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق).
فالآيات الآفاقية ليست مجرد الدقة في الصنع والنظم في الكائنات كما يتصور بعض الكتّاب والمفكرين المسلمين لأن الدقة والعظمة في الصنع موجودتان دائماً امام البصر وفي كل صغيرة وكبيرة من مخلوقات الله، ولا داعي الى القول «سنريهم» حيث أنها موجودة وفي معرض النظر دائماً والكفار يرونها ويعرفون النظم في الكائنات اكثر منّا، ولكن المراد بالآيات هنا في الآية هي الآيات الكلامية، أي كلام الله سواء في الآفاق أو الأنفس أو عن طريق نزول الوحي بالقرآن، والله تعالى يقول بأنه سيريهم الآيات الالهية التي تتحدث معهم بأنها كلام الله وليس مجرد المخلوقات الجامدة والصامتة. فسوف يدرك الكفار وكل انسان يوماً من الايام بأن الله يحدثه ويخاطبه سواء عن طريق المخلوقات والكائنات الطبيعية وهو ما يسمى بالوحي الانكشافي، أو بواسطة الوحي القلبي والكلام مع الانسان في السرّ والوجدان، وهو الآيات الانفسية، وكلام الله هذا يكون الى درجة من الوضوح بحيث يعلم الانسان جيداً بأنّه كلام الله وان الله يتحدث معه ويعلم أنه الحق كما تقول الآية.

ماذا أعددنا للحديث مع الله!
بعد هذا نتساءل مع انفسنا: اذا كان الله تعالى بهذه الشفقة والعناية بنا بحيث لا يدع فرصة تمرّ الاّ ويتحدث معنا بصورة مباشرة وغير مباشرة .. واذا كان الله يتبع ذلك مشتاقاً الى أن نتحدث معه ونكلمه ونصغي لحديثه على الاقل، فقد ورد في الروايات الشريفة أن الله تعالى قد لا يستجيب للعبد ويؤخر استجابة دعائه رغبة في سماع كلامه ودعائه، فاذا كان خالقنا العظيم راغباً الى هذه الدرجة في سماع كلامنا معه، فهل يحسن بنا أن نبخل عليه حتى بالكلام؟! وهل يوجد أسوأ من سلوكنا مع الله تعالى بحيث انه يتحدث معنا ونحن لا نأبه لكلامه ونعرض عن حديثه وعن التكلم معه؟ وفي ذلك نقرأ في الدعاء:
«فلم أرَ مولى كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ يا رب، إنك تدعوني فاولّي عنك وتتحبّب اليّ فاتبغّض اليك، وتتودد اليّ فلا أقبل منك كأن لي التطول عليك فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والاحسان الي والتفضّل عليّ»
هل من السليم أن نجعل من الله وسيلة لتحقيق رغباتنا وقضاء حوائجنا، ثم اذا حصلنا على ما نريد نفرح بالنعمة اكثر من صاحب النعمة، بل بمجرد أن يستجيب دعاءنا نتوجه الى الدنيا والآخرين وكأننا لم نكن نعرفه وندعوه قبل قليل؟!
وهل تكفي هذه الركعات القليلة في اشباع حاجة الروح والقلب لمنهل عالم الغيب من المعنويات، في حين أن الامام الخميني كان يقول بأن نفس صلاتنا هذه هي من الذنوب الكبيرة ويجب أن نستغفر منها؟!
المفروض أن نخصص ساعة أو نصف ساعة يومياً على الاقل للحديث مع الله والتخاطب معه من منطلق المحبة وعرفان الجميل والاعتذار عن التقصير لا مجرد طلب الحاجات الدنيوية أو الاخروية ..

ـ من كتاب "الله والانسان"



#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضاء الاسلامي في الميزان
- حكم المرتد في الشريعة الاسلامية
- مالك الحزين والضفدع
- القمار مع الله!
- الغزو السماوي
- المنهج الاجتماعي والأخلاقي للسيد المسيح
- الفتاوى والروايات المتعارضة مع العقل
- هل بقي التوحيد الاسلامي سالماً من التحريف؟
- المجتمع المدني وحقوق الانسان
- ضلع ادم ... خلق المرأة في التراث الديني
- مهزلة نذر عبد المطلب
- نقد كتب الدعاء والزيارة
- من أدلة عدم وجود الله ... دليل وجود الشر
- التفسير التاريخي لظاهرة الايمان بالله
- حقيقة الوحي
- دور المرجعية في عصر الحداثة
- العقلانية في الفقه
- محاضرة العقلانية في عصر الحداثة
- محاضرة العقلانية في الاخلاق
- محاضرة اعرف نفسك


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - الحديث مع الله