أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عبدول - الشعوب ليست قطيعا















المزيد.....

الشعوب ليست قطيعا


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 4098 - 2013 / 5 / 20 - 09:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



بداية أختلف كثيرا مع العديد من الكتاب والمفكرين الذين يروجون لأطروحة إن الشعوب لا تخرج عن كونها قطيعا يتحكم في بوصلة اتجاهاته وقناعاته الملوك والقادة والحكام والأباطرة فحيثما كان هؤلاء كانت الشعوب ، بمعنى أخر إن صلح هؤلاء القادة والحكام صلح ما سواهم وإن فسد هؤلاء فسد ما سواهم ولا شك إن في هذا الطرح الشيء غير القليل من الواقعية والموضوعية لكننا على كل حال يجب إن نضيف كذلك إن الشعوب إذا صلحت صلح ما سواها وإذا فسدت فسد ما سواها , عندئذ سوف نكون قد وفينا الموضوع حقه وأحطنا بإبعاده وجوانبه المختلفة وعندئذ نكون قد خرجنا بصورة كاملة غير مبتورة ومجتزءه للموضوع برمته . إن طرح المسألة بشكل يخلي مسؤولية الشعوب من تبعات ما حل بها من ويلات ونكبات وحروب ومتاهات , والتركيز على جانب الحكام حصرا ينطوي على قدر كبير من التسطيح والتبسيط لمسألة بالغة الأهمية تتحمل الكثير من الجدل والاخذ والرد من قبل صفوة أبناء المجتمع من مفكرين وخبراء وعلماء دين واجتماع .إن الذين يحبذون عملية اختزال مشهد الشعوب فيمن يحكمها ويقبض على زمام أمورها من قادة وحكام وسلاطين ينسى أو يتناسى إن هؤلاء القادة والسلاطين لم يأتوا من فراغ مطلق وإنهم لم يهبطوا من كوكب اخر ليشيدوا ممالكهم فوق الأرض ,فقد قام المجتمع ذاته بترشيحهم وبلورة قيمهم وتوجهاتهم كما إنه رسم الكثير من ملامحهم الذاتية والنفسية .يمكن القول إن المجتمع إنما يمثل تلك الحاضنة المسؤولة عن إنتاج وتفريخ هؤلاء القادة والحكام بشكل واخر .أذن المسألة مسألة أثر ومؤثر حيث يتبادل الطرفان فعل التأثير (الحاكم ,الرعية ) لذلك فمن الصعوبة بمكان أن نفصل بين الحاكم ورعيته فقد يرث احدهما عن الأخر الكثير من الصفات والخصائص والمزايا حالهم في ذلك حال أفراد العائلة الواحدة والتي يرتبط أبناؤها بعدة صفات مشتركة بفعل عامل الوراثة . وعليه فان اعتبار الشعوب مجرد قطيع ليس له أي دور أو أثر في صيرورة مجرى حوادث التاريخ هو طرح غير واقعي للغاية ,قد يبدو مثل هذا الطرح حقيقة ماثلة للعيان في جانب منه عبر صور تمسك الحكام بتلابيب شعوبها والتحكم بمصير أبنائها ,لكن بنظرة أبعد من ذلك بقليل نجد ان الشعوب كانت ضالعة بقدر غير هين بعملية وصول هؤلاء الحكام وتلاعبهم بمقدرات هذه الأمة أو تلك ,فالشعوب في اغلب المواطن هي من تأتي بهؤلاء المتجبرين إلى سدة الحكم وذلك عبر قلة وعيها وركونها إلى الدعة والضعف والخنوع والاتكالية والاستسلام,إضافة إلى عوامل أخرى قد تساعد على سيادة هؤلاء الحكام وتمكن لهم في الأرض فالحكام شئنا أم أبينا هم نتاج موروث ديني وتربوي واجتماعي .كما تؤكد العلوم النفيسة والتربوية والاجتماعية في مقرراتها وأدبياتها .
والشعوب مسؤولة بشكل واخر عن إنتاج هؤلاء الحكام .عندما ننعت الشعوب بالقطيع فإننا نجردها من إية شخصية اعتبارية وقيمية , عندما ننعت الشعوب بالقطيع فإننا نصادر حقيقة ان هذه الشعوب تمتلك حزمة من الصفات والمقومات والخصائص والمزايا والتاريخ والعادات والتقاليد .صحيح إن الشعوب غالبا ما تخضع لإرادة قادتها وحكامها بما تشتهي أنفسهم ورغباتهم لكن مثل هذه الحالة لا يكتب لها الاستمرار وذلك لان الشعوب ليست قطعانا ولو كانت كذلك لخلدت خاضعة خانعة إلى يوم يبعثون .
في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم عندما كانت الحياة الاجتماعية داخل العراق تتسم بطابع العفوية والبساطة والتواضع وتقوم على أسس المحبة والتآلف والإيثار وتماسك عرى الإخوة ونكران الذات .عندما كانت الحياة تقوم على هكذا أسس وتعتمد هكذا قيم ومعايير فان المجتمع آنذاك كان قد رشح لسدة الحكم والسياسة رجالات من طراز (عبد المحسن السعدون ونوري السعيد ومحمد فاضل الجمالي وعبد الكريم قاسم إلى اخر أولئك الرجال الذين تميزوا بالابتعاد عن ملذات الحياة والنأي عن زخرفها وزبرجها وطيباتها ,فكانوا قمة في العطاء والإحساس العالي بالمسؤولية والوطنية ، حينما نغادر عقود الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات ونأتي إلى واقعنا اليوم فإننا سوف لن نجد شبيها لرجالات العقود السالفة والسبب في ذلك هو تحول المجتمع العراقي في جوانب عديدة منه بعد ان شهد خلال العقود الأربعة الأخيرة سلسلة من الصراعات السياسية والانقلابات العسكرية والحروب العبثية وهذا ما انعكس بدوره على واقع وطبيعة حياة أبناء المجتمع العراقي , لنصبح وجها لوجه مع جيل من الانتهازيين والمزورين والطائفيين والمفسدين والمتلاعبين بمقدرات العباد والبلاد مما أدى إلى دخول العراق في نفق ليس من السهولة الخروج من ظلماته المتراكمة .
يتبين من كل ما تقدم إن للمجتمعات أدوار مهمة ورئيسية تساهم من خلالها في عملية صنع الحكام وصياغتهم وهي بذلك لن تكون مجرد قطيعا بلا وعي وإرادة واختيار ,ولو انك نظرت إلى جميع طغاة الأرض ودققت في سيرهم لوجدتهم في الأعم الأغلب منهم قد عكسوا ما كانت مجتمعاتهم تتمثله من قيم وأعراف وتقاليد وأخلاقيات كذلك فهم قد ورثوا من تلك المجتمعات تناقضاتها وتعقيداتها وطائفيتها وبالتالي فأنهم قد استمدوا جزءا كبيرا من تهافتهم وتناقضاتهم وطائفيتهم بالإضافة إلى أسباب قوتهم وجبروتهم وتسلطهم من تلك الشعوب بشكل واخر . صحيح إن الحكام ينتهون إلى إن يختزلوا الرعية في شخوصهم لكن كل هذا إنما يأتي عبر سلسلة من المراحل التي تكون الشعوب فيها صاحبة الباع الكبير فيما انتهى إليه هؤلاء الحكام من تجبر وتسلط.
الشعوب مسؤولة عن إنتاج حكامها وقادتها وسلاطينها بمستوى من المستويات كما هي مسؤولة عن إنتاج روادها ومثقفيها ومبدعيها .وسوف لن يسجل التاريخ حاكما لم يتأثر بمنظومة القيم والمعايير والأخلاقيات التي يعتمدها هذا الشعب الذي ترعرع الحاكم بين ظهرانيه خلال حقبة من الزمن .المجتمع يترك أثاره وبصماته على شخصية الحاكم كما تترك أشعة الشمس أثارها على بشرته وطباعه وميوله النفسية . ولعل من النافع والمفيد إن نختتم مقالنا هذا بذلك الحديث النبوي الذي ينطوي على حقيقة اجتماعية كبرى يقول الرسول (ص وآله ) (كيفما كنتم يول عليكم )إي انكم إذا أحسنتم وأقمتم موازين القسط والعدل والإنصاف وشيدتم منظومة متكاملة للأخلاق والفضائل والشمائل الحسنة فلابد إن يتولى أموركم ويسوس شؤونكم حاكم فاضل على شاكلة رعيته وغرار معيته . إما إذا ظهر الفساد ودب الخراب بين أظهركم فتفشت قيم المحسوبية والمنسوبية وتعاظم أمر الرشا وشراء الذمم وارتفعت مناسيب البغضاء والكراهية والطائفية فلا بد إن يتولى أموركم ويسوس شؤونكم حاكم فاسد على شاكلة رعيته وغرار معيته .
يمكن القول إن هنالك علاقة تفاعلية بين الحاكم ورعيته ولا يمكن الفصل بينهما سوى في عالم الوهم والخيال .أخيرا فان الشعوب الصالحة سوف تنتج حكاما صالحين كما إن الشعوب الفاسدة سوف تنتج حكاما فاسدين والعكس هو الصحيح ولعل من المفيد ان نستشهد هنا بما قاله مؤسس الدولة العراقية الملك فيصل الاول رحمه الله في ذلك الصدد يقول فيصل (ولا يغرب عن الاذهان انه اذا كان الناس على دين ملوكهم فالملوك على دين شعوبهم فعلى قدر التضامن يكون النهوض )23 أغسطس 1921 خطاب التتويج , فاعتبروا يا أولي الألباب .



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعث مرة اخرى
- شعب الله الثرثار
- الطائفية السياسية ..بين الواقع والشعار
- علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية
- ثنائية الخوف والطمع
- موتانا وموتاهم
- النص والمرأة
- مطر السوء
- القوم الكافرون
- أضغاث أحلام
- الإنسان أم الأديان
- هل يمتلك العراقيون دينا خالصا
- طقوس كربلاء من منظار اخر
- ما هو المطلوب من رجال الدين تحديدا؟
- شيوخ العطب والهلاك


المزيد.....




- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...
- ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
- بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و- ...
- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عبدول - الشعوب ليست قطيعا