أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق عوده الغالبي - حق ضائع تحت كراسي البرلمان.....!! ؟؟















المزيد.....

حق ضائع تحت كراسي البرلمان.....!! ؟؟


عبد الرزاق عوده الغالبي

الحوار المتمدن-العدد: 4094 - 2013 / 5 / 16 - 00:56
المحور: الادب والفن
    



موقف انساني

- "ماذا فعلت بحياتي حتى تجازيني الدولة بهذا الشكل القاسي..!؟"
قالها رجل وقر الملامح، طويل القامة ,لا تجد اثر للسواد في شعره المهندم ، يرتدي بدلة انيقة سوداء وربطة عنق تكاد تلتهم الهواء من شدة الانسجام، ينتعل حذاء اسود لماع ، يبدو في الستين من العمر قد كان مديرا او موظفا ذو درجة عالية في دوائر الدولة وقد احيل على التقاعد الآن ، و ذلك واضح من الدائرة التي يراجع فيها لترويج معاملة التقاعد.
اثارتني كلماته كثيرا وقررت ان اعرف سبب سخطه وان اقف عند حد المشكلة التي تكاد ان تخرجه عن وقاره. اقتربت منه وبادرته التحية ، فردها بأدب وبطريقة تنم عن انزعاج وغضب كبيرين قلت:
- " تبدو منزعجا كثيرا يا اخي...خير..!!؟" اجاب بغضب وبصوت عال محاولا توصيل معاناته للواقفين في صالة الانتظار المكتظة في مديرية التقاعد:
- "من اين يأتي الخير يا اخي ، بعد ان خدمة طويلة امدها اربعين سنة لم اتمتع فيها باجازة ليوم واحد خلال تلك السنين التي قضيتها بجد و حرص وبعد هذا كلة جردوني من وظيفتي تحت ذريعة قانون جائر، لا انساني هو (بلوغ السن القانوني اي بلوغ الموظف الثالثة والستين من العمر) وهذا العمر الذي يقتضي على الدولة ويفترض عليها مواخاة المبادئ الانسانية والاعراف العامة ان تهتم بتلك الاعمار، وما زاد الطين بلة انهم جردوني من راتبي الشهري ، قوت عائلتي الوحيد ، وقد مضى على انفكاكي من الوظيفة مدة سنة كاملة وانا اركض من دائرة الى اخرى ولم استلم فلسا واحدا مع العلم لدي مسؤوليات عائلية ثقيلة وابنائي طلبة في المدارس الثانوية والجامعات.....ماذا افعل يا اخي ، لقد نفذ صبري وقلت حيلتي ،اكاد ان اخرج من ملابسي....!!؟؟"
فكرت في نفسي بكلام هذا الرجل ووجدت ان كل كلمة قالها صحيحة وحقيقية وهي واقع يومي نعيشه ونحس به لان معنى التقاعد الحقيقي هو اراحة الموظف عند بلوغه سن الشيخوخة ليقضي ما تبقى من عمره سعيدا براتب معقول وامتيازات تعوض السنين التي قضاها في خدمة وطنه ولكن ما يحدث في العراق شيء عجيب وغريب خالي من الانسانية فالتقاعد بالقانون العراقي جائر وشوفيني لأنه يقرر نهاية محزنة لحياة الموظف بانتهاء خدمته ولم تنتبه المؤسسات الانسانية لهذا القانون القسري والذي يتلخص مفعوله بالكوارث التالية :
1- طرد الموظف من وظيفته بشكل قسري وبقانون غريب (بلوغ السن القانوني) بمعنى انه في العراق من يصل عمره الى الثالثة والستين تتخلى عنه الدولة نهائيا ويصبح اجنبي فيطرد من الوظيفة ويعاد الى البطالة مرة اخرى ليبحث عن عمل من جديد لأعالة نفسه وعائلة.....!؟... وهل يوجد قانون في العالم يحيل الانسان العامل الى البطالة لكن هذا يحدث في العراق فعلا وليس تخيلا او خيالا و بفعل الحكومة واعضاء البرلمان وتحت عيون وزارة حقوق الانسان (يقال ان في العراق وزارة بهذا الاسم) ،
2- لا تحترم الخبرة في العراق ولا كبر السن فعندما يكبر الموظف ويدخل عمر الشيخوخة تحاول الدولة التخلص منه والقاءه في الشارع كالقمامة و كالخيل عندما تكبر يحاول اصحابها التخلص منها بالقتل رميا بالرصاص...!!؟؟
3- تجريد الموظف من راتبه حال انتهاء خدمته ،وتبتر عائلة كاملة من المجتمع وتقوم بأذلال وتجويع افرادها دون سبب او مبرر، وكأن هذا الموظف المتقاعد وعائلته عدوا للدولة واحالة على دائرة فقيره اسمها دائرة التقاعد وبعد الصراعات والمراجعات التي لا تنتهي والتي تستمر اشهر طويلة و احيانا سنين تأتي قائمة الراتب بشكل سري لا يعلم احد بمبلغ الراتب وهو خمس او سدس الراتب الذي كان يتقاضاه الموظف قبل احالته على التقاعد ،و يقال ان الدولة تصرف 80% من الراتب الاسمي بعد تطبيق نظرية فيثاغورس عليه وظرب نصف الراتب بقاعدة باسكال وتقسيم ثلثيه على قانون ارخميدس وتعريض الباقي للنظرية النسبية ، لان لجان سن القوانين في مجلس النواب خبراء في السياسة وعلم الاقتصاد والعلوم الاخرى وقد اثروا العراق بالمخترعات والاكتشافات العلمية اخرها تطوير عملية الشجار في مجلس النواب بالتراشق بالأحذية....!!؟؟ بعد هذا السجال يستلم الموظف المتقاعد الذي خدمته اربعين سنة 400 الف دينار لكل شهرين اي 200 الف دينار في الشهر الواحد ما يكفي لأعالة شخص واحد لمدة ثلاث ايام.....!!؟؟....وهذا طبعا راتب مجزي جدا لو قورن براتب متقاعد من اعضاء مجلس المحافظة او مجلس النواب الذين معدل خدمتهم التقاعدية 3 سنوات وكم شهر قضوه في الجدال والفتن والعراك والتصريحات الرنانة والايفاد خارج القطر والامتيازات طبعا لخدمة العراق........!!؟؟ هذا هو الحال القراقوشي في بلدنا وهذا ما افرزته الحرية و الديمقراطية....!!؟؟
4- اما الاعلام العراقي لا تثيره قضايا الانسان العراقي المسحوق اكثر من متابعة اثارة الفتن بين الطوائف العراقية والمواضيع التي تخدم بعض الاجندات الخارجية التي ترمي لموضوع واحد هو مبدأ تسقيط الحكومة . فالأعلام الآن مشغول بجهاز كشف المتفجرات التي يزرعها السياسيين ببعضهم البعض ونسى انه السلطة الرابعة وانه لسان ويد الشعب التي تدافع عن المظلوم وانشغل بمتابعة لصوص جهاز كشف المتفجرات ولم يكلفوا انفسهم بموضوع او خبر صغير بخص شريحة المتقاعدين والجور والظلم الذي يتعرضوا له هم وعوائلهم التي تشكل تقريبا خمس المجتمع العراقي وهو الحالة الحتمية التي يؤول اليها كل واحد من افراد المجتمع...هو حالة قدرية و حتمية كالموت....!!؟؟"
انتبه الرجل لي حين تحسرت حسرة طويلة وسألني:
– "ما بك يا اخي..!؟" اجبت بارتباك وتلعثم وكادت الكلمات تهرب من لساني: وقلت
- انا...انا... مثلك يا اخي تقاعدت قبل عشرة ايام وهمي همك وستكون مصيبتي
كمصيبتك..!!" واضفت متسائلا :
- "هل قدمتم شكوى عن طريق ممثليكم في البرلمان او اعضاء مجلس المحافظة للدفاع عن قضيتكم ..!"
ضحك الرجل بقهقهة عالية جلبت انتباه جميع المراجعين وقال:
_" رحم الله والديك يا اخي....هل تعتقد ان هؤلاء يمثلوا الشعب العراقي ، انهم يمثلوا انفسهم و مصالحهم الخاصة فقط....!؟ اعتقد انك لا تشاهد التلفزيون ولم تسمع اخبار الفضائيات وتصريحاتهم الرنانة.....ان هؤلاء و منذ اليوم الاول لفوز احدهم ، يرتدي البدلة الانيقة وربطة العنق ويصعد السيارة المظللة ويقفل باب داره ولا تراه الا بعد اربع سنوات اي في الدورة التالية للانتخابات يستجدي او يشتري الاصوات، اما عملهم في مجلس النواب هو العراك الدائم وتهديد احدهم الآخر بفضح السرقات والتجاوزات على المال العام وقوت الشعب..!؟...حتي البطاقة التموينية لم تنجو منهم فقد ساوموا عليها وسرقوها.....!؟...وقد مضت عشرة سنوات على تعديل قانون التقاعد ولم يقروه او يوافقوا عليه حتى ضاع بين اقدامهم...!!.....اذا اردت ، يا اخي ، ان تبحث عن حقك يجب ان تبحث بين اقدام ممثلي الشعب او في قمامة البرلمان او تحت الكراسي ستجد هناك حقوقك المسروقة وعن تعديل قانون التقاعد......!!؟؟ "
هذه المرة خنقتني العبرة ورطبت الدموع جفوني واحمرت عيناي وتكسرت الكلمات في صدري ولم استطع الرد ،وخرجت من الدائرة هاربا افكر في كلمات هذا الرجل وبالمصير الذي ينتظرني وعائلتي بعد تقدمي بالسن وبلوغي الرابعة والستين من العمر وبدأ الخوف يتسلل لمخيلتي والاسى والاحباط يغزو سريرتي وخاب ظني بكل شيء وشرخت كل القيم و المبادئ التي احملها في ذهني عن الوضع السياسي والحرية والديمقراطية والتقدم و التحرر والوعي السياسي ....!! وبدأت اتساءل ، هل يعقل ان التغيير الذي حدث في العراق هو اكذوبة كبيرة صنعها السياسيين للضحك على ذقون الشعب العراقي....!!؟؟ واعدت النظر بكل شيء وبدأت انظر الى الاشياء بشكل مختلف ومعكوس وسوداوي..!!؟
مر اسبوع وعدت الى دائرة التقاعد مرة اخرى لترويج معاملتي وحين دخلت الدائرة تملكني الفضول وسالت الموظفين عن ذات الرجل فجابوا بصوت واحد:
- "من تقصد الاستاذ علي"
واتضح ان اسمه معروف لجميع سكان الدائرة لكثرة مراجعاته ..!!؟" قلت :
- "نعم !؟"
اجاب الموظف المسؤول عن ارسال المعاملات الى بغداد واستلامها :
-" لقد حدث خطأ في معاملته وصحح الخطأ ، ثم اعدنا المعاملة الى بغداد للتدقيق مرة اخرى..!!؟؟"
فغرت فاهي تعجبا واسفا لحظ هذا الرجل التعس و الذي ارى نفسي فيه وسألت ! :
- "كم يستغرق من الوقت ،ذهاب المعاملة وعودتها من بغداد..!!؟؟ "
ابتسم الموظف وقال:
- "حوالي ستة اشهر..!!؟"
جفلت و شعرت بألم في خاصرتي وكانه طعنة سكين ووخز في قلبي وقلت في تفسي، اعتقد اننا سنموت قبل استلام الراتب التقاعدي وان هذه المديرية هي مقبرة لمن افنى عمره في خدمة هذا الوطن.....ويجب ان تغير الدولة اسم هذه الدائرة من مديرية التقاعد الى ...مقبرة المتقاعد......!!؟؟
عبد الرزاق عوده الغالبي



#عبد_الرزاق_عوده_الغالبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراقي انا...!!؟؟
- الواقع.......!؟
- هدف سياسي بناء.....!!؟
- رحلة سومرية
- رهان الخاسر
- الشحرور ازرق العينين
- كنا......و....صرنا....!!؟؟
- اسنان الزمن
- الطريق ........وخارطة الطريق...!!
- مصائب قوم عند قوم فوائد
- الزهرة الحمراء
- المرأة جمال واصل الجمال امرأة
- الحذاء البرلماني
- منصة الفرهود
- ادب مترجم - عندما ياتي الشتاء
- البحث عن مخرج
- كان يا ما كان......
- الانهيار
- رؤيا
- في يوم.......؟؟!


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق عوده الغالبي - حق ضائع تحت كراسي البرلمان.....!! ؟؟