أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - عقدة المهاجر















المزيد.....

عقدة المهاجر


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4085 - 2013 / 5 / 7 - 20:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن العالم كله يعتقد أننا نرحل للتمتع بحياة سهلة . لايعرفون كم من الصعب أن تشقّ(ي) طريقك في عالم غريب
¤ ميلان كونديرا

عندما يخرج الطفل في نزهة أو الذهاب للمدرسة فإنه يحن بعد مدة للعودة إلى البيت، وعندما يكبر ويصبح شابا فيسافر إلى مدينة أخرى للدراسة أو العمل فإنه يحن كذلك بعد مدة للعودة إلى مدينته، ونفس الأمر يحدث إن غادر دولته فإنه بالتأكيد سيحن للعودة إلى بلده. بل حتى لو سافر الإنسان خارج الكرة الأرضية فإنه لسرعان مايحن للعودة إليها، كما في قول فيليكس بوغمارتنر : "دعني أقول لك - عندما وقفت هناك عند قمة العالم.. أنت لاتعود تفكر في تحطيم أرقام، أو كسب بيانات علمية - الشيء الوحيد الذي ترغبه هو العودة سالما"(1). بدل أن تكون الرغبة (كما يتصور أي شخص) البقاء على الأقل هناك لمدة، فآخر شيء سيفكر فيه (أي شخص) هو العودة، لأن الأهم هو الاستمتاع بالمنظر !!. لكن عندما يجد الشخص نفسه في عالم(مكان) جديد وغير مألوف فكل ماسيرغب به هو العودة لعالمه الذي يألفه والذي يحس فيه بالأمان، فالعالم الجديد يمثل المجهول والإنسان بطبعه يفضل المألوف على المجهول. فالعالم المجهول قد يتعرض فيه (زيادة عن الأخطار) للرفض ككائن غير مرغوب عكس عالمه المألوف المُتقبّل فيه بلا مجال للشك.

لهذا نود أن نوضح فكرة أن الغربة إحساس وليس بالضرورة تغيير أمكنة.

وبعودتنا للتدرج الذي اسردناه في البداية، فالطفل يحن للبيت لأن الأماكن الأخرى تظل بالنسبة له مجهولة، ونفس الشي في المدينة الجديدة أو البلد الجديد، فهما يعتبران عالما مجهولا بالنسبة للمهاجر، هذا العالم الذي لم يألفه بعد يمكن أن يتعرض فيه لاحتمال القبول أو الرفض، بعكسه عالمه المألوف كالبيت والوطن أو حتى الكوكب، أي المكان الذي يتقبله ككائن وينتمي إليه. ولنوضح نقطة هنا قد تبدو ملتبسة وهي اغتراب الإنسان في بلده (كمثال الهجرة من مدينة إلى مدينة)، فالأمر هو أن الإنسان كلما زاد في اختراقه للمجهول صار كل ماسبق مألوفا، فالبلد الأجنبي الذي قد يجد الإنسان نفسه فيه مغتربا، يصبح عالما مأوفا إن وجد نفسه خارج الكوكب، فالمكان الأخير(الفضاء) باعتباره أكثر غموضا يغطي على ماسبقه، فلكم سيُسعد الإنسان بعودته (من خارج الكوكب) سواء وقع في كوريا أو في فنزويلا ! . ونفس الأمر قد يحدث لو غادر الإنسان المجرة، فسرعان ماسيحن لدرب التبانة كحنينه للوطن أو المدينة !! .

فالحنين إن نقّبنا عن أصوله في طبيعة الإنسان، سنجده حنينا لحضن الأم، الحضن الذي يحقق الأمان والرعاية والاهتمام. وهو المكان الذي يستحيل (ربما !) أن يلقى الإنسان فيه الرفض. وهذا ما نجده على المستوى الشِّعر (كتعبير انفعالي) بتشبيه الوطن بالأم و أرضه بحضنها. و بحسب وجهة نظر الفرويدية الكلاسيكية فإن الحنين هنا قد يكون رغبة الشخص في العودة لرحم الأم، لكن هذا الأخير كرمز، تعبير عن الانسحاب والعودة للعدم وليس بحثا عن الأمان كما يعبر عن ذلك الحضن، فليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضن الأم بتعبير لشكسبير.

من الداوفع التي تحض الشخص على الهجرة هي صعوبة العيش في الوسط المألوف، فغالبا مايقوم بذلك مضطرا كالنفي واللجوء السياسي أو عدم ايجاد عمل مناسب. أو في حالة الدراسة، وهنا قد نجد الدافع طالما أن المهاجرين شبان خرجوا للتو من فترة المراهقة أو لازالوا فيها، فإن الرغبة(سواء عن وعي أو لاوعي) هي الاستقلال والانفصال عن الأسرة وما تفرضه من سلطة ومراقبة وتضييق للحرية. زيادة على أن الوِجهة المستهدفة قد تكون بيئة متحررة ومتقدمة تناسب الفترة العمرية الثورية والمتمردة عن رجعية المجتمع الذي ينتمون له.

إذا سافر الإنسان سائحا فإنه يأخد صفة الزبون للمكان الذي سيزوره، أما إذا سافر(هاجر) من أجل البحث عن عمل فهنا يأخذ صفة خادم ماعدا طبعا من تتم دعوتهم. فهنا إحساس الدونية الذي هرب منه المعني في عالمه، يجده منتظِرا في العالم الجديد، فغالبا ما نجد الدافع لترك الوطن هو الكره الناتج عن الإحساس بقلة الشأن داخل المجتمع. فإن كانت(الدونية) في الموطن محسوسة، فإنها في الغربة تكون متوقعة ليبدأ المهاجر بترصد أي سلوك قد يؤكد ذلك. بل قد يتم تأويل بعض تصرفات أفراد البلد المضيف على أنها احتقار أو رفض. وهذا لاينفي طبعا وجود احتقار(واعي أو لاواعي) للمهاجر، فهناك أحزاب سياسية تُعلّق سبب الأزمة الاقتصادية أو تدهور الأوضاع بصفة عامة على المهاجرين. فتبدأ بنسج تخاريف تفيد أن إرجاع المواطنين كافي لتحويل البلد إلى فردوس. غير أن مثل هذه النوعية تشبه الطفل الصغير الذي يصد ويكره كل من يشاركه أمه، إلا أن هؤلاء(الأطفال كذلك) يقومون بفس الشيء لمن يشاركهم حليب الأم وثديها.

اندماج المهاجر يتطلب تكيّفا مع طقوس المجتمع الجديد، لكن أغلب الأشخاص كرد دفاعي يرفضون ذلك باعتبار أنهم سيضحون بهويتهم أو ثقافتهم وأناهم، ومن المعلوم أنه يصعب الإندماج في أي جماعة طالما أنك لا تتقبل أفكارها وممارساتها. فهنا يحس المعني بأنه مُبعد وغير مرغوب، لدى يقوم بخلق رمز الوطن(الأم) طالما أنه بعيد. فيظهر الدين كطوق ينقذ من الغرق في ثقافة المجتمع المحتضن، لهذا كثير ما يستغرب الأهل لدى عودة الشخص اكثر تدينا مما كان. فالمعبد كمسجد أو كنيسة يمثل حضنا يمنح الأمان، فيتجمّع حوله الأفراد كما يتجمع الصغار حول الأم.
فإخوة الدين وإخوة الوطن يلتحمون ليشكلوا بذلك أقلية تدافع عن هويتها المهددة بالتفسخ داخل المجتمع الجديد، فكثيرا ماتجد مهاجرين عاشوا لسنوات دون أن يتقنوا اللغة بشكل جيد، فالتواصل يدور غالبا بين أبناء الوطن و أبناء الأوطان الشقيقة.

قد لايتعرض المهاجر لأشكال من العنصرية من أبناء الوطن المستضيف فقط، بل أحيانا قد يتعرض لها من مهاجرين من بلدان أخرى أو حتى من أبناء وطنه وعالمه. وهنا يمكن أن يلعب التحويل دورا، فالمهاجر الأقدم أو الأغنى قد يمارس فعلا عنصريا على مهاجر جديد أو أقل مكانة اقتصاديا منه، كمحاولة للتخلص(تحويل) من تقليل الشأن الذي مورس أو يمارس عليه من السكان الأصليين ! . فبقلب الدور على المهاجرين الآخرين يوهم نفسه أنه صار ينتمي للمواطنين الأصليين، كمحاولة لإخفاء عقدته الدونية.
إن كنا نتحدث عن المهاجرين للعمل، فالأمر لايختلف كثيرا عن المهاجرين بغرض الدراسة، فحتى هاته المجموعة تحس بدونية في المجتمع الجديد بدءً بأنها هاجرت بسبب واضح هو أن مؤسساتها أقل شأنا ومستوى من مؤسسات الوجهة المستهدفة. ففي كلتا الحالتين يَنظر المهاجر للمجتمع الجديد بأنه عالم أقوى وأفضل، فهو عالم متفوق بأفراده ومؤسساته، لدى تلازم المهاجر عقدة دونية(نقص شأن) خلال فترة تواجده، ليَظهر الحنين(حلم العودة) كتخفيف عن وطأة الإحساس بالغربة. دون أن ننفي طبعا قدرة البعض على الاندماج رغم أن اللعنة قد تُصب من "أصدقاء الأمس" كخيانة للانتماء وتضحية بالهوية ! . وذلك بسبب عجزهم عن إدراك أن "الهوية بنتُ الولادة لكنها في النهاية إبداعُ صاحبها، لاوراثة ماضٍ"(2).

من أهداف المهاجر في العودة (بغض النظر عن رؤية الأهل) هو تغيير نظرة المجتمع الأم له(المهاجر)، فالدونية التي فر منها لعالم الغربة، عاد لينتقم ويُظهر أنه صار فردا يستحق الاحترام. وهذا مايبدو في تصرفات بعضهم المضحكة لدى عودتهم ومحاولتهم إظهار الثروة والرفاهية كتعويض عن عقدهم المكبوتة. فيُظهر لمجتمعه أن الشخص المحتقر عاد ليزورهم كأن الزائر أمير موناكو، لكن ما لا يروه هو أن منهم من كان يقلب سلة قمامة كبيرة لينام فيها أو في المحل الذي يشتغل به، وأنه يخرج متسللا كالمجرم حتى لا تمسكه الشرطة وتعيده، زيادة عن القيام بالأعمال التي تبدو بالنسبة له وضيعة إن عمل بها في بلده. لكن كل شيء يهون أمام العودة والانتقام. وكثيرا ما يرفض البعض العودة مبررين ذلك بكرههم لعالمهم القديم أو أنهم صاروا ينتمون بأُسرهم للعالم الجديد، غير أن السبب الخفي هو العجز عن العودة وتحقيق الانتقام، فما يتوفرون عليه اقتصاديا لايكفي لتحقيق المطلب كما يتخيلون.

تقول إلينور وهي زوجة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت : لا يستطيع أحد أن يجعلك تشعر بالدونية دون رضاك. فالإحساس الذاتي بقلة الشأن هو مايساعد الآخرين أو يسهل لهم تحسيسك بذلك. أما بالنسبة للفاشلين الذي يحلمون بأنهم سيخلقون واقعا إن غيروا عالمهم وأن سبب فشلهم هو المجتمع الحالي، إنما هم يُخفون مسؤوليتهم عن وضهم، فالفاشل يظل فاشلا أينما رحل وارتحل طالما لم يغير نظرته وتفكيره ولم يتحمّل مسؤولية أفعاله. الاختلاف البسيط هو أن منهم من يقبل بوظائف(مضطرا) لايرضى أن يعملها في موطنه. وغالبا مايعتمد أشباه سندريلا هؤلاء، على أميرة تأتي من البلاد البعيدة لتلبسهم الحذاء وتأخدهم لعيش حياة النعيم. تباً لسندريلا وعقدتها ! تباً لبيتر بان الطفل الذي لايكبر ! تباً للرسوم المتحركة !! .

الوطن ليس هو المكان الذي وُلدت أو نشأت فيه، وليس الذي يوجد به أهلك أو أصدقائك. وطنك هو المكان الذي تُعامل فيه باحترام وكرامة. الوطن هو المكان الذي لاتحس فيه بمهانة أو فقر. فإن كان فولتير يقول أن : خبز الوطن خيرٌ من كعك الغُربَة. فإن علي ابن ابي طالب يجيبه : الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن. لكن ما يحل هذا الخلاف هو أريستوفان بقوله الجميل : الوطن هو حيث يكون المرء في خير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1 :Skydiver Felix Baumgartner.. - Jonathan Amos _ Website Of BBc News
2 : محمود درويش - قصيدة طباق ـ موقع أدب.. الموسوعة العالمية للشعر




#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استعراض السادية
- صراع الوجه مع البثور
- الطفل والعلاقات الغير شرعية
- تشريح الكراهية
- الحسد اللاشعوري
- التطرف كمرض نفسي
- التعري.. احتجاج أم دعوة جنسية ؟
- كشف حيلة المستغل
- الجنون الجماعي الحديث
- الحيض بين الطب والدين
- لما النساء تكره العاهرات ؟
- سيكولوجية الحب : الذل كشرط
- عقدة لوقيوس والنرجسية
- عقدة لوقيوس أو اللوقيوسية
- تحليل نفسي للصوص المقالات والنصوص
- سيكولوجية الخيانة : تحليل لدور الضحية
- سيكولوجية تدمير المرأة
- الكوتش أو المُخدر اللغوي العصبي
- سر العين الثالثة
- سيكولوجية البيدوفيلي أو المتحرش جنسيا بالأطفال


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - عقدة المهاجر