أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد بولس - أكذبُ من جيش الإنقاذ














المزيد.....

أكذبُ من جيش الإنقاذ


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4038 - 2013 / 3 / 21 - 17:58
المحور: القضية الفلسطينية
    


كم كنتُ سعيدًا اليوم. مجموعة من طالبات الصف الحادي عشر في المدرسة الثانوية التركية في رام الله جعلن صبحيَ أبهى.
مع معلّمتهن حضرن إلى غرفتي في مركز نادي الأسير الفلسطيني ليجرين مقابلةً في إطار أحد مساقات دراستهن. بدأت أسئلتهن تتوارد كأسئلة خبيرات في علم الصحافة والإعلام وفي قواعد القانون الدولي الإنساني.أرّقتهن مسألة عزل الأسرى الفلسطينيين لمدد فاقت في بعض الحالات العشرة أعوام. سألنَ كيف ولماذا يصمت العالم عن هذه الممارسات الاحتلالية القمعية، وسألن كيف يفلت احتلال إسرائيل من العقاب ودفع ثمن تلك السنوات التي قدّمها شباب فلسطين مهرًا للنور ولخدَّي فلسطين الأسيلين؟
لقائي بهن لم يشبه لقاءاتي بالصحافيين البالغين الموغلين في التجربة أو أولئك الذين يعشقون "التشرّق" على ضفاف الحقيقة ويدمنون البحث عن خدعة وفضيحة. جئن بحثًا عن وجع آدمي. طيبة البراءة الأولى لهنّ مقودٌ، والظلم حافزٌ للاستكشاف ولممارسة دورهن في الحياة كبنات للشمس وللحرية البكر.
على هامش اللقاء،الذي كاد أن لا ينتهي،وقفت سمراء من فلسطين وبفطرة الألم الساكن فيها، تلت بعضًا مما قد يصير، إذا أدمنت الحرف، شعرًا قويمًا سالمًا. كادت الصادقة أن تبكيني لولا "لمى" التي سارعت وأيقظتني متسائلة: بعد هذه العقود، وأنت تجابه الرمادي والدخان وتبحث عن "جيش إنقاذ" وعن "هيئة عربية عليا" ألم تيأس؟ في تلك اللحظة، وهن يحطن بي، سقطت إجابتي من جفني: تعبت نعم، لكنني لم أيأس، فأنا لا أجيد إلا الرقص مع العواصف ولا أنام قرير العين إلّا عندما أمسح دمعة من عين أم معذبة لفراق غواليها.
ودّعتهن. تركن في غرفتي بقايا من فلسطين الأمل ويدًا خفية، أو عساها يد أيمن الشراونة، ابن الجوع والمواجهة، تربِّت على كتفي، تهمس ببعض عزاء وحكمة: "لا يستوي داعي الضلالة والهدى/ ولا حجة الخصمين حقٌ وباطلُ".
يا ليتني بقيت وعالم السنابل الخضراء ولم أعد إلى محجري وفأسي. استعذبت أنفاس صدى مَن تركن الغرفة ونقر صوت "دانيال" الخليلي، الذي بإيمانه وشجاعته واجه الوحش وباستقامة فارس من ذلك الزمن قارع الافتراء والكذب والخديعة. في غرفتي لم أكن وحدي. صوت أيمن في أذني ردّد درس فلسطين الحاضر: لم ننتصر يا رفيقي إلّا وهمًا أو مجازًا ولم ننكسر إلّا مجازًا أو من خيانة.
يجيء الأمل في فلسطين كالحُبِّ بغتةً ومثل الحب نادر. فلسطين كانت موطنًا كالحلم مشتهى ووطنًا "يباع ويشترى". فلسطين اليوم كما في ذلك النيسان من عام النكبة، عشّ عصفور وديع تزحف الحيات إليه وعليه، من فوق، عين العقاب.لا يحبون الحقيقة في فلسطين ولا يحترمون إلا كما يحترم العاجزون على عتبات سلطان. الجحود اليوم سيد. المروءة، من يوم "شموئيل بن عاديا"، لم تعرف لها عنوانًا واستوطنت عالم النسيان. لا يعترف القوم بفرح الإنسان العادي يفلت من جهنّم إلى قطعة منفى أو ربما ما سيكون يومًا حضن وطن. أبطالنا أموات. "عرساننا" شهداء.أكفاننا بألوان عصافير الجنة، ملوّنة إلا بالأبيض، لا يناسبها فهو لون البراءة والطهر وهذه فينا كالعنقاء في التمنّي والنشيد.
في غرفتي أجلس، خفيفًا وبي شوق طائر وأمنيةٌ أن أحلق وأحط بجانب سرير"أيمن". في غزة يستعيد صحّته بعد أن خسر نصفَ وزنِه في إضراب عسير عنيد خطير. في الأيام الأخيرة وصلت حالته إلى حافة الموت. أطباء مستشفى "سوروكا" عاشوا ساعات من الخوف الحقيقي معه وعلى حياته. سجّانوه راوغوا وناوروا حتى اللحظة الأخيرة. في البداية رفضوا التعاطي مع أيّ حلّ ومخرج. أصرّوا كعادتهم على الفوز الناصع؛ على إعادته للسجن لمدة ثمانية وعشرين عامًا. محكمة الاحتلال العسكرية أثبتت مرة أخرى أنها مقبرة لآمال من هم في وضع أيمن، وكانت قاب قوس من إصدار حكمها وأسره مجددًا، بعد أن عاد إلى عائلته واستظل بفيء حرية وبرائحة تراب بلاده.
أزِفت الساعة. على الفرقاء أن يحزموا الأمر:أطباء خائفون يحذّرون من وقوع الأسوأ. محكمة عسكرية تتأهّب لتضرب بسوطها وتقبر حلمًا، سجّانون يصطدمون بإصرار إنسان لا يبحث عن بطولة في أسطورة ولا عن جناحي ملاك، بل عن كرامة في رحم وطن. ينظر إليّ وبصوت مستعدّ للنداء يقول لي: انتظرنا أن يأتي الفرج من العرب ولكن هيهات، انتظرنا أن تنزل البشرى على درجات طائرة ومن جيب رئيس دولة عظمى ولكن هيهات، انتظرنا عدل محكمة لن تعدل وهيهات. ما العمل إذًا؟ أشهادة أم ظلام زنزانة؟ إصرارنا ووقفة أبناء شعبي وأحرار العالم فرضت على السجّان أن يقبل غزة حلّا ومخرجًا.في البداية رفضوا الحلول وراهنوا على سقوطي شهيدًا أو خانعًا. خسروا. لقد اخترتُ الحياة يا أستاذ في وطني وبين أهلي.
لا لوم عليك يا أيمن.لا عتب ولا تثريب. نحن هكذا،كلما سقط فينا "قسطل" نبحث عن ضحية،عن عريس وعن بطل. تاريخنا شعار. فليحيَ الوطن. كأننا لم نقل: الإبعاد جريمة. سجن الأحرار جريمة.. ولكن، أتكفي اللازمة يا منشدين والنص واضح وينضح.في عرس الشعار كنا ولذا أقول اليوم ما لم تقله تلك العرب: "أكذب من جيش إنقاذ"، يوم لففنا عجزنا والهزيمة في أكفان بألوان عصافير الجنة ورقصنا على الجرح. أنتم سادة أسواق المزادات والمزايدات، وفي عرفها نحن لم نهزم إلا مجازًا أو في الرواية.
عُد للحياة يا ابن معدتك، معافى قويًا ولا تأبه يا أيمن للطنين، ألم نتّفق على ما قاله المجرِّب قبلنا:"أوَكلّما طنَّ الذباب طردتُه؟/ إن الذباب إذًا عليّ كريم!". مثلك هم أبناء الحياة وللمزايدين الهوامش كالزبد.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلامٌ على منسف يوحّد بيننا
- في انتظار عنترة
- انت عربي، انت خطير!!
- ليس للدهر صاحب
- إليكَ أيّها الأشرف
- درس في الديماغوغية
- والدنيا لمن غلبا
- دَبّة صوت
- إنتخابات في اسرائيل
- تحطِّمُنا الأيامُ حتّى كأنّنا....
- عندما يكون العدل ورطة
- أما في الأرض من لبيب
- صوت صارخ في الصندوق
- تقاسيم على صبا تشرين
- شرعية على صفيح ساخن
- الضياع في غزة
- هل سنحبك يومًا أمريكا؟
- ونجّنا من الشرير
- في وحدتكم ضعفنا
- خسارتنا أمام -البارسا-


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد بولس - أكذبُ من جيش الإنقاذ