أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المشهد السياسي العراقي: 4 تحدّيات في الأفق















المزيد.....



المشهد السياسي العراقي: 4 تحدّيات في الأفق


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4019 - 2013 / 3 / 2 - 12:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تجتاح محافظات العراق الغربية والشمالية تظاهرات احتجاجية عارمة، بدأت شرارتها من الأنبار وامتدّت إلى مناطق أخرى بما فيها العاصمة بغداد، ولقيت دعماً وتأييداً متفاوتاً من قوى مختلفة، بعضها جزء من العملية السياسية، وبضمنهم كتلة السيد مقتدى الصدر "الأحرار" والقائمة العراقية وكتلة التحالف الكردستاني، إضافة إلى أطراف من خارجها أيّدت المطالب التي يمكن تلخيصها بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، ولاسيما المعتقلات وإعادة النظر بقانون المساءلة والعدالة الذي أدى تطبيقه السيء إلى حرمان الآلاف من حقوقهم، وإلغاء المادة (4) من قانون الإرهاب التي تستخدم كيدياً وثأرياً ضد الخصوم السياسيين وإلغاء اعتماد " المخبر السري"، إضافة إلى رفع الحيف الذي وقع على أبناء هذه المحافظات ووضع حدّ لسياسة التهميش وغير ذلك.
وإذا كانت الشعرة التي قسمت ظهر البعير كما يُقال، هي ملاحقة طاقم حماية وزير المالية رافع العيساوي المتهم بالارهاب وقبله الحكم على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالاعدام غيابياً واعتقال حماياته للتهمة ذاتها، فإن للمسألة جذورها السياسية والأمنية البعيدة المدى، لا سيّما علاقة تنظيم الصحوة بالحكومة العراقية، وهو التنظيم الذي أُنشئ لمقاتلة الارهابيين، وخصوصاً تنظيم القاعدة بهدف طردهم من هذه المناطق، والتخلّص من شرور الارهاب، وبانتهاء هذه المهمة واستيعاب نحو 20% منهم في أجهزة الدولة، تم الاستغناء عن القسم الأكبر من تنظيم الصحوة، الأمر الذي ساهم في زيارة التوتر بين هذه المناطق وبين الحكومة الاتحادية، وهي مناطق متوترة أصلاً، بسبب مقاومتها للأمريكان الذين نكّلوا بها، وحينها اكتسبت الفلوجة شهرة كبيرة سواءً في مقاومتها للاحتلال أو في الاستباحة التي تعرّضت لها بعد تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة وما تبعها.
ولعلّ من أسباب التوتر الأخرى هو سوء العلاقة بين القائمة العراقية وكتلة دولة القانون، فبعد أن حصل النزاع بشأن تفسير الكتلة الأكبر، والذي حسمته المحكمة الاتحادية لصالح كتلة دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي، حيث حظي نوري المالكي بمنصب رئيس الوزراء وترك غريمه د. أياد علاوي قعيد حسرات، وجرت محاولات توفيقية بعد أن كاد تشكيل الوزارة يصبح استعصاءً، وذلك بإبرام اتفاق إربيل، بين قادة الكتل والقيادات السياسية، وتم وضع نقاط لتسوية الخلافات، لكنهم في واقع الأمر وقعوا في مطب آخر، أو واجهوا عقبة جديدة، إذ كيف يمكن الاعلان عن تشكيل مجلس أعلى لرسم السياسات يضم الرئاسات الثلاث ويرأسه د.أياد علاوي، الذي سيكون بهذا المعنى رئيسا للرؤساء، وهو الأمر غير الممكن دستورياً.
وهكذا وصل اتفاق إربيل إلى طريق مسدود حتى قبل تشكيله وإقراره برلمانياً، لأنه ولد ميتاً بالأساس، الأمر الذي فجّر الأزمة وجعلها مفتوحة على كل الاتجاهات، وقد حاولت القائمة العراقية لاحقاً وبالتعاون مع كتلة التحالف الكردستاني الاطاحة بالمالكي دستورياً، وذلك عن طريق سحب الثقة منه بواسطة أغلبية 163 صوتاً في البرلمان، لكن هذه المحاولة لم تلق النجاح.
من جهة أخرى شهد المسرح السياسي احتكاكات جوهرية بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، ولا تزال المشاكل مستمرة ومعلقة وأهمها: احتدام وتوتر العلاقة بخصوص عقود النفط واستثماراته وموضوع عائدية محافظة كركوك ومصير المادة 140 وما سمي "بالمناطق المتنازع عليها" وعلاقة البيشمركة الملتبسة بالجيش العراقي، وغير ذلك من الأمور التي وردت في الدستور، لكنها كانت مبهمة ومثيرة للاختلاف، فضلاً عن تفسيراتها الخاصة أو الضيقة.
إن ما يحصل اليوم من توتر في الوضع السياسي هو الأخطر منذ احتلال العراق في 9 نيسان (ابريل) 2003 ولحد الآن، ويندرج ذلك في إطار تحدّيات الدولة العراقية ككل ولا يقتصر على مستقبل العملية السياسية في لحظة من لحظات اقترابها من الحافة.
وإذا أردنا الحديث عن أهم التحديات فيمكن إجمالها بـ:
التحدي الأول ويكمن في الطائفية السياسية، التي تكرسّت بعد الاحتلال، لا سيما بصيغة مجلس الحكم الانتقالي، الوصفة التي جاء بها بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق ليلغي الهوّية الوطنية العراقية ويستبدلها بمكوّنات طائفية وإثنية، حين اعتبر العراق مجرد مكوّنات لا يجمعها جامع وكأنها ملصقة بمادة صمغية سرعان ما تذوب، وخصوصاً عندما تتعرض للشمس، وإن هذه المادة اللاصقة تفككت وانحلّت بسقوط النظام، الذي كان يفرض عليها مثل هذه الوحدة الاجبارية أو أنها موحدة بالإكراه، وبدلاً من الوحدة الوطنية العراقية فقد حاول إبراز ثلاث كيانات طائفية وإثنية هي (الشيعة والسنّة والأكراد).
وقدّر بول بريمر باعتباره "الحاكم المطلق" أن الشيعة "أغلبية"، فمنحهم 13 مقعداً في مجلس الحكم الانتقالي ووهب السنّة 5 مقاعد والكرد مثلهم 5 مقاعد، وأعطى التركمان مقعداً واحداً ومثلهم أعطى للكلدو آشوريين مقعداً واحداً، ليكون مجلس الحكم الانتقالي من 25 مقعداً (عضواً).
وبفعل هذه المحاصصة امتدّت صيغة التقاسم المذهبي- الإثني من أعلى المستويات إلى أسفلها، لتصبح عرفاً سائداً من خلال الوزارات والمناصب الأخرى، ابتداءً من الوزير إلى الخفير كما يقال، والطائفية السياسية أحد أسباب البلاء الحالية، وإذا كنّا قد قلنا منذ الأيام الأولى للاحتلال أنه صائر إلى زوال، إن آجلاً أم عاجلاً، فإن خطر الطائفية أكثر إيذاء، لأنه سيصبح مجتمعياً بعد أن كان سياسياً، بفعل الامتيازات والمصالح، ولا سيما التي يحصل عليها أمراء الطوائف والمستفيدون من هذا التقاسم.
ومثلما في السابق، فإن الأمر في الحاضر أيضاً وعلى نحو أشد، هناك طائفيون بلا دين على حد تعبير عالم الاجتماع العراقي الكبير علي الوردي، لأن المتديّن الحقيقي لا يمكن أن يكون طائفياً، مثله مثل المسلم الصادق والمؤمن الصحيح.
لقد ضربت الطائفية المجتمع العراقي بالصميم، بل إنها سعت لنخره من الداخل، وقد كان تفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء العام 2006 الشرارة التي اندلعت وكادت أن تحرق السهل كله كما يقال، وقد اجتاحت العراق على أثرها موجة عنف وتطهير جنونية وطائفية شملت مئات الألوف من العراقيين من الطرفين المسلمين (الشيعة والسنّة) وأدّت إلى نزوح وهجرة أكثر من مليوني عراقي في الداخل والخارج.
ومثلما صعد الاتجاه الطائفي، فإن الاتجاه الديني المتطرف من الفريقين وجد طريقه إلى الواجهة أيضاًَ، ولهذه الأسباب استهدف المسيحيون في العراق، وفجّرت كنائسهم وأديرتهم ولوحقوا على نحو لم يحصل في تاريخهم الوسيط والحديث، لا سيما علاقتهم بالمسلمين، بل وصل الأمر بالبعض إلى الطلب منهم دفع الجزية، والاّ فإن عليهم مغادرة العراق أو الموت، وقد اضطرت عشرات الآلاف منهم إلى الهجرة عن بلدهم قسراً.
وبالعودة الى الطائفية فيمكن القول: أن بذرة الطائفية كانت موجودة في الدولة العراقية منذ قانون الجنسية الأول رقم 142 لعام 1924، وهو القانون الذي سبق إبرام الدستور العراقي الأول العام 1925 والذي عُرف باسم "القانون الأساسي"، خصوصاً بتحديد "من هو العراقي"؟ الأمر الذي استمرت تأثيراته اللاحقة بخصوص مشكلة الجنسية واللاجنسية وتهجير عشرات الآلاف من العوائل العراقية إلى إيران بحجة التبعية الإيرانية، لا سيما خلال الحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988.
وإذا كانت صيغة بيرسي كوكس- مس بيل وراء فلسفة إصدار قانون للجنسية التي حملت بذرة التمييز في جنباتها، لا سيما حين اشترط القانون " شهادة الجنسية العراقية"، وذلك طبقاً للتبعية العثمانية وغير العثمانية، فمن كان من التبعية العثمانية أصبح من الدرجة "أ" ومن كان من أصول غير عثمانية حتى وإن كان عربياً أصيلاً، فهو من الدرجة "ب" ، أي أن عراقيته ستكون أدنى، وإذا كانت المسألة شكلية في حينها، لكن تأثيراتها السلبية ظهرت لاحقاً بحملة التهجير الشهيرة بسبب الأصول والتبعية السابقة لقيام الدولة.
وإذا افترضنا أن ذلك كان وفقاً لسياسة بريطانيا " فرّق تسد"، فإن الصيغة الأمريكية هي من أوجدها بول بريمر – نيغروبونيتي- زلماي خليل زاد، تلك التي جاءت بنظام المحاصصة الطائفية والإثنية، والتي أدّت إلى استفحال الطائفية على نحو لا مثيل له بعد الاحتلال، خصوصاً بعد أن تكرست سياسياً في مجلس الحكم الانتقالي، ومجتمعياً من خلال إثارات وشحن طائفي واستعداء مذهبي، وصل إلى درجة الاحتراب والقتل على الهوّية.
التحدي الثاني- انهيار الدولة وضعف هيبتها
سادت قبيل الاحتلال نظرية أمريكية مفادها ضرورة تفكيك الدولة العراقية السابقة بزعم طبيعته المركزية الاستبدادية الدكتاتورية، ولكن ليس وفقاً لمتطلبات المصلحة الوطنية العراقية، بالحفاظ على وحدة العراق وسيادته وموارده، والتوجّه بها نحو التنمية والديمقراطية وإعادة إعمار ما خربته الحروب وما تركته من تأثيرات بما فيها الاحتلال نفسه. وإذا كان الاحتلال قد صمم على الاطاحة بالنظام الشمولي السابق، فقد استهدف الدولة ككيان قائم، الأمر الذي سيسهّل إعادة بنائها وفقاً للصيغ الأمريكية، وذلك بعد الفوضى الخلاّقة التي بشّر بها المشروع الأمريكي بخصوص العراق.
وكان هذا المدخل التمهيدي ضرورياً لنشر الصيغة الطائفية والإثنية، بإعلاء الهوّيات الفرعية بعد غياب مرجعية الدولة، بل واستصغار وتغييب الهوّية العراقية الجامعة والموحِّدة، ولا شك، فإن الناس سيتجهون إلى مرجعيات تقليدية سواءً كانت دينية أو طائفية أو إثنية أو عشائرية أو مناطقية لحمايتهم.
وكان أول إجراء لتفكيك مؤسسات الدولة هو إصدار الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر 13 أيار (مايو) -28 حزيران (يونيو) 2004 القرار القاضي بحل الجيش، وكان ذلك ثاني قرار بعد توليه إدارة العراق مباشرة، كما أقدم على حل الأجهزة الأمنية، بما فيها شرطة مكافحة الجريمة وحرس الحدود وشرطة النجدة التي تفككت من الناحية العملية وغيرها.
ومنذ ذلك الحين ولحد الآن (أي نحو 10 سنوات) ولا تزال الدولة شبه غائبة وهيبتها متدنية وضعيفة، لا سيّما وهي تعاني من الشحن الطائفي والتمترس المذهبي والإثني وتعدّد الولاءات، وخصوصاً وجود ميليشيا مسلّحة، كانت ترفع السلاح تحت عناوين مختلفة باسم "مقاومة" الاحتلال أو "الدفاع عن النفس" أو ضمن الموجة الطائفية، لا سيما بوجود التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً تنظيم القاعدة.
وقد شكّلت الحكومة تنظيمات ميليشياوية مسلحة أسمتها تنظيمات الصحوة لمقارعة تنظيم القاعدة، وبعدها عمدت على تشكيل "مجالس الاسناد"، ولا شك أن امتلاك السلاح يوازي أحياناً استخدامه، فما بالك عندما يكون استخدام السلاح " مشروعاً" ومقنناً من جانب الدولة، الأمر الذي أصبحت فيه مظاهر العنف والعنف المضاد مستشرية إلى حدود كبيرة.
وعلى الرغم من كل ذلك فقد عجزت الدولة حتى الآن على القيام بوظائفها الأساسية، والمقصود بها حفظ الأمن والنظام العام وحماية أرواح وممتلكات المواطنين، والاّ فإنها ستكفّ أن تكون دولة بغيايهما أو بغياب أحدهما ، فما بالك ونحن نشهد انفلاتاً أمنياً بين الحين والآخر، ومع أن الوضع الأمني قد تحسّن نسبياً، الاّ أن الانفجارات والمفخخات وكواتم الصوت والعمليات الانتحارية وأعمال الارهاب الأخرى لا تزال مستفحلة، بل إنها تطلّ برأسها عند كل أزمة سياسية.
وقد ارتفع منسوب العنف والارهاب عند محاكمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وزاد رصيدها عند ملاحقة وزير المالية رافع العيساوي، واليوم فإن التوتر الأمني على أشدّه بسبب تظاهرات محافظة الأنبار التي امتدت لتشمل محافظات صلاح الدين ونينوى (الموصل) وديالى وكركوك وأجزاء من بغداد وتململات في محافظات أخرى، فضلاً عن نشاط جديد لتنظيم القاعدة والجماعات الارهابية الأخرى.
إن قضية الأمن هي قضية سياسية بامتياز، ودون تحقيق توافق سياسي حقيقي وحلّ المشكلات القائمة على أساس مشترك، فإنه سيبقى هشًّا والنظام العام بما فيه أرواح وممتلكات المواطنين رخواً، بل عرضة للاختراق في أية لحظة، طالما هناك غياب لعقيدة أمنية وعسكرية موحّدة، فضلاً عن أن إعادة تأسيس الجيش بالصورة التي تمت فيها كان أقرب إلى "اتحاد ميليشيات" بزعم التوازن بين المكوّنات، وخصوصاً القوى المتنفّذة التي أرادت تضخيم حجمها في الجيش والأجهزة الأمنية، التي كان ينبغي ابعادها عن السياسة والاستقطابات الطائفية والحزبية، خصوصاً وقد عانى الجيش السابق من مظاهر الأدلجة بحجة كونه "الجيش العقائدي"، وإذا به يقع اليوم إضافة إلى ذلك بالتوجّه الطائفي، المصحوب بصيغة التقاسم الوظيفي والمحاصصة الطائفية، تلك التي ستبعد الجيش عن أدائه المهني وحرفيته المطلوبة، فضلاً عن الانقطاع في الخبرة والتدرّج.
لا تزال الدولة لحد الآن غير قادرة على بسط سلطانها على أجهزتها ومرافقها الحيوية، وتتنازعها عوامل صدام وألغام مختلفة، ابتداءً من دستورها حمّال الأوجه والمليء بالألغام، ومروراً بقانون انتخابي يعيد انتاج الطبقة السياسية ذاتها، ووصولاً إلى الاحتقان السياسي والاجتماعي ذي البعد المذهبي، إضافة إلى التداخلات الخارجية الاقليمية والدولية ودورها في ضعضعة الوضع السياسي.
ولا تزال سيادة العراق مكبّلة ومجروحة بموجب الفصل السابع وموارده مرتهنة، خصوصاً لجهة دفع التعويضات، إضافة إلى ارتباطه باتفاقية الاطار الاستراتيجي الأمريكية وهي اتفاقية غير متكافئة بين طرفين أحدهما قوي ومحتل والثاني ضعيف ومحتلة أراضيه، وعلى الرغم من الانسحاب الأمريكي من العراق في نهاية العام 2011 فإن واشنطن لا تزال لها اليد الطولى في سياساته، في المجالات السياسية والاقتصادية والستراتيجية الأساسية، كما أن لإيران نفوذ كبير في العراق لوجستي وأمني ومذهبي واقتصادي، إضافة إلى دور سياسي، لا سيما مع الطبقة الحاكمة.
وبعد كل هذا وذاك فقد فشلت الدولة من تأمين الخدمات الضرورية: الصحية والتعليمية، إضافة إلى الكهرباء والماء الصافي وخدمات الصرف الصحي في العديد من أنحاء البلاد، بل حتى في بعض أحياء العاصمة بغداد، إضافة إلى مشاكل البطالة والفساد المالي والاداري المستشري.
وإذا لم تتمكن الدولة من ردّ اعتبارها كدولة حامية وراعية، ولاسيما حافظة للأمن والنظام وساهرة على أرواح وممتلكات المواطنين، فإن هيبتها تظل منقوصة وكيانيتها مهددة، خصوصاً باضطراب المفاهيم والآراء بخصوص شكل الدولة، مركزية أو اتحادية، وإن نصّ عليها الدستور كدولة اتحادية " فيدرالية"، لكن البعض ينظر إليها باعتبارها مقدمة للانفصال، في حين يرى الآخر أن الوحدة الحقيقية للدولة هي بحماية المواطنين وبالمواطنة السليمة والمتكافئة واحترام حقوق الانسان، سواء كانت دولة مركزية أو فيدرالية، وإن كان هناك اتجاه آخر أميل إلى الدولة المركزية، وهو ما لمّح له رئيس الوزراء في أكثر من مناسبة.

التحدي الثالث- التقسيم
لعل الأخطر في مشروع التقسيم العراقي أو العربي هو ما يجري حالياً في العديد من البلدان العربية وبقدر ما يتعلق الأمر بالموضوع العراقي، فإن استمرار التظاهرات والاعتصامات دون حلول سريعة سيؤدي إلى تكريس الأمر الواقع، مع تقديري أن الزمن يسير باتجاه التباعد والاختراق، كلّما استمرّ الحال على ما هو عليه، ولم تعالج المشاكل المتفاقمة.
وإذا كان جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي لم يعطِ جواباً واضحاً أو قاطعاً على سؤال طرحه على عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس حول احتلال العراق: هل كان الأمر يستحق 4439 قتيلاً في صفوف الجنود الأمريكيين وجرح 32 ألف شخص من بينهم 16 الفاً سيحتاجون للرعاية الدائمة؟ واكتفى هو بالمناورة في الإجابة على تلك الأسئلة المثيرة والحارقة، بل أشار إلى أن هذا السؤال الذي قد يطرحه بعض منكم، لا تظنّوا أنني لا أطرحه على نفسي أيضاً!
جو بايدن هو صاحب مشروع تقسيم العراق بدم بارد وبكل أريحية، يعرب عن تشككه في مآل احتلال العراق، لاسيما من خلال إستدراكه بقراءة ارتجاعية للماضي بالقول: فيما إذا قدّر لنا العودة إلى الوراء ربما ما كنّا فعلنا ذلك! رامياً التقويم النهائي على ذمّة التاريخ "التاريخ وحده يحمل الجواب!"، فإن في ذلك إجابة بليغة بعد نحو ثماني سنوات من الاحتلال، الذي قرعت له كل الطبول.
وإذا ما استمرت الحرب الأهلية واتسعت نارها لتأكل الجميع فقد يصلوا جزعاً وبعد عناء طويل إلى أن يسأل كل فريق نفسه: فهل سيصبح تقسيم العراق " أحسن" الحلول السيئة؟! وهل حان موعد القطاف بحيث أصبحت الدولة العراقية برسم التقسيم بعد تجاوزنا مرحلة التنظير إلى التفسير وصولاً الى مرحلة التشطير؟ وفي هذا السياق، يتم استعادة تفاصيل مشروع جوز بايدن في 9 آب (أغسطس)2007، فلم يعد الحديث عن البلقنة أو اللبننة أو الصوملة أو الغسلفة أو الأفغنة مجرد حديث نظري، بعد أن دخلنا في حديث العرقنة بجزئياته وتفاصيله.
وعلى الرغم من بعض النوايا الطيبة في دفع ما هو أسوأ أو بهدف إخفاء بعض الحقائق بما فيها فشل الاستراتيجية الأمريكية وامتداداتها العراقية، فإن العراق منذ الاحتلال وخصوصاً سنوات 2005-2006 دخل مرحلة الحرب الأهلية، وبخاصة بعد أحداث سامراء بتفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في 6 شباط/فبراير 2006، ولم تنفع معها الرغبات أو التمنيات، طالما بدأ التطهير المذهبي والطائفي والعرقي والتشظي المجتمعي، بفعل وصفة بول بريمر لمجلس الحكم الانتقالي عام 2003 وما ترتّب عليها من محاصصات وتعزيز دور الميليشيات واستشراء الفساد والرشوة وانفتاح الصراع على مصراعيه وصولاً الى المصارعة على الطريقة الرومانية، بحيث يموت أحد الطرفين ويُنهك حدّ الموت الطرف الآخر.
وعلى الرغم من أن الكثير اعتبر سؤال غراهام فولر (مؤسسة راند الأمريكية) العام 1992: هل سيبقى العراق موحداً للعام 2002، استبطانياً وقد يحمل بعضاً من الرغبات المكبوتة أو اسقاطات على الواقع، الى أن جاء موعد الحديث عنها بصوت عالٍ، خصوصاً بوقوع العراق تحت الاحتلال، فبعد أكثر من عقدٍ ونصف من الزمان على سؤال فولر أخذ موضوع التشطير ووحدة العراق الإقليمية يوضعان على بساط البحث ليس للتنظير حسب بل للتنفيذ، وإن كان مثل هذه الأطروحات قد بدأ الترويج لها من قبل تروست الأدمغة ليس بشأن العراق فحسب، بل بشأن العالم العربي الذي وصفه الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور بأنه "أقيم قطعة عقار في العالم"!! وهو ما تحدث عنه برنارد لويس في مطلع التسعينيات أيضاً الذي قسّم العالم العربي إلى 41 ولاية أو دوقية أو كانتون.
وكان كيسنجر قد تحدث عن دويلات ذات هوية آحادية، عرقية أم دينية أم طائفية أم مذهبية أم غير ذلك لسهولة تطويعها والاستيلاء على مصادر الثروة فيها ولمنع تهديدها لحليف الولايات المتحدة الاستراتيجي " إسرائيل". وكان الرئيس بيل كلينتون ونائبه آل غور وزير خارجيته كريستوفر قد طرحوا فكرة الشك ببقاء العراق موحداً، خصوصاً بعد معاقبة العراق كأول دولة بعد انتهاء الحرب الباردة، وكأخطر منتهكي الحظر على انتشار الأسلحة المحرمة دولياً.
وقد علّقت ادارة كلينتون الوحدة الإقليمية للعراق على سياسة المجتمع الدولي، خصوصاً باستمرار الحصار الدولي ونظام العقوبات اللذين أديّا الى التآكل التدريجي للمجتمع والدولة بإضعاف مقوّمات استمرار الدولة وذبولها مع عوامل هدم داخلية (سياسات الاستبداد)، بحيث يمكن الانقضاض عليها وتقسيمها وإلغاء نموذجها المركزي سواءًا عبر الفيدرالية أو الولايات أو غيرها.
ترافق مشروع إنهاك الدولة العراقية تمهيداً لتقسيمها بإصدار قرارٍ من الكونغرس الأمريكي أطلق عليه اسم " قانون تحرير العراق" عام 1998، وخصص الكونغرس للجماعات العراقية المتعاونة مع واشنطن أنذاك مبلغاً قدره 97 مليون دولار، وانعقدت على أساسه اجتماعات في وندسور وواشنطن، وكان اجتماع لندن المحطة الأخيرة عشية ضرب العراق، خصوصاً بصدور قرار مجلس الأمن 1441 الذي رغم أنه لم يرخّص للولايات المتحدة القيام بالغزو، لكنه كان فاصلاً لانتهاء الترتيبات اللازمة لتنفيذ المشروع، وبعد اجتياح العراق أصدر مجلس الأمن القرار 1483 في 22 أيار/مايو 2003 الذي " شرعن" الاحتلال، وكان حل المؤسسة العسكرية الإعلان الأول للبدء بفكرة تعويم الدولة تمهيداً لعملية التشطير.
إن مشروع مرشح الرئاسة السناتور الديمقراطي جو بايدن، هو استكمال للتنظيرات التي سبقت الحرب، خصوصاً عندما يُراد القول إن التقسيم هو البديل عن الدولة المركزية، مثلما يقال اليوم إنه بديل عن الإرهاب، فالدولة المركزية حسب وجهة النظر هذه ويُراد دائماً مقارنتها بحكم صدام حسين تعني الاستبداد والديكتاتورية، وبالتالي لا بد من وضع ضوابط لعدم العودة اليها. وفي الوضع الحالي يعطي الدستور العراقي للأقاليم صلاحيات تفوق صلاحيات الدولة الإتحادية (المركزية ) أحياناً، خصوصاً إذا ما تعارضت قوانينهما، فلا بدّ إذاً من التقسيم الامر الذي تعتبره الحركة الكردية نتيجة منطقية لمشروع بايدن ولواقع الحال الفيدرالي، حسب تفسيراتها.
ولكن هل سيقف التقسيم عند حدود العراق؟ أم أن عدواه ستنتقل إلى دول الجوار العربي والاسلامي وعند ذاك سنكون أمام المشهد الذي تصوّره وسعى إليه هنري كيسنجر : عالم عربي وإسلامي يتشظى وينشطر الى دويلات وكانتونات وطوائفيات !! والكل أقليات!!. وإسرائيل دولة " الأقلية" اليهودية النقية الأكثر تقدماً وعلماً وتكنولوجيا!!
التحدي الرابع – الفساد الإداري والمالي
إذا كان الفساد المالي والاداري موجوداً في ظل النظام السابق، لاسيما في فترة الحصار الدولي الجائر التي دامت 13 عاماً، وخلال ما سمّي باتفاق " النفط مقابل الغذاء" بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، وترافق ذلك مع ما أطلق عليه فضيحة " كوبونات النفط"، وامتداداتها العربية فإن هذه الظاهرة تفشّت واستشرت على نحو لم يسبق له مثيل بعد الاحتلال، واتهم الكثير بها، بمن فيهم نحو 1000 من كبار المسؤولين وبضمنهم 15 وزيراً، لدرجة أن أحد المسؤولين الأمريكان وصف الفساد "بالتمرد الثاني" بعد الارهاب، وكانت السفارة الامريكية في بغداد قد أصدرت تقريراً اعتبرت فيها " أن العراق غير مؤهل حالياً حتى لتطبيق قوانين مكافحة الفساد تطبيقاً بدائياً"، فالمحاكم ما زالت ضعيفة وعرضة للترهيب السياسي وأسهمت أموال النفط المهرب في تغذية الميليشيات، وفي وقف عملية إعادة الاعمار.
وقد أوردت صحيفة الانديبندنت البريطانية على لسان أحد الخبراء الماليين والاقتصاديين وهو باتريك كوكوبورن ان بعض المسؤولين في ادارة الرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش، متورطون في جرائم نصب ونهب لمبالغ تصل الى 152 مليار دولار امريكي بالتعاون مع بعض المسؤولين العراقيين، وهو رقم مخيف حتى بمعايير الفساد المعروفة على الصعيد العالمي.
لقد أسهم الاحتلال في تعميق ظاهرة الفساد بحيث أصبح أحد الآفات الخطيرة بشتى صورها وأشكالها، وأصبح العراق مناخاً ملائماً وصالحاً لتفريخها، فضلاً عن أنه الأكثر اغراءً، لاسيما والمال السائب كما يقال يغري بالسرقة، وذلك بعد حل الدولة ومؤسساتها العسكرية والامنية وتعريض ممتلكاتها وآثارها للنهب والتبديد بدون مساءلة أو مسؤولية، خصوصاً بعد تدمير البُنى والهياكل الارتكازية، والمرافق الحيوية وتفكيك العديد من مؤسسات القطاع العام وسرقة ممتلكاتها وبيعها بما فيها من أجهزة ثقيلة، كما تم تخريب الكثير من المنشآت والجسور والطرق، فضلاً عن تراجع الخدمات كالماء والكهرباء ومؤسسات الصحة والتعليم وصرف المياه وغيرها.
وكانت فضيحة الأسلحة الروسية التي حدثت قبل أسابيع قد فتحت الباب على مصراعيه بخصوص قضايا الفساد، الأمر الذي أثار ردود فعل متبادلة من داخل الأوساط الحكومية بما فيها " الأخوة الأعداء" حول الفساد المالي والإداري والمتورطين فيه.
ولعل آثار الفساد تمتد إلى أبعد من الجوانب المالية والادارية، بحيث تصل إلى المساس بالقيم الانسانية والاجتماعية، فضلاً عن التجاوز على القوانين المنظمة للحياة العامة، بما يؤدي الى تعطيل دور القانون والقضاء ويسهم في تضليل الرأي العام، وعندما تختفي مؤسسة الدولة الحامية والضامنة وتضعف وتتفكك هيبتها يتم اللجوء الى المؤسسة التقليدية الدينية والطائفية والعشائرية والجهوية على حسابها، بما يسهم في تعميق الانقسام الاجتماعي ويساعد في تعزيز الكراهية والأحقاد داخل المجتمع، خصوصاً بغياب مرجعية الدولة ودورها في حسم نزاعات الأفراد والمؤسسات.
لقد فشلت ادارة بول بريمر الحاكم المدني الامريكي للعراق (أيار/مايو 2003- حزيران/يونيو 2004) في وضع المعايير والضوابط لانفاق المال العام، لاسيما وقد تمتع هو بصلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية، ومن مجموع المبالغ المخصصة للانفاق على اعادة الاعمار ضاعت وتبددت وصرفت بدون وصولات 8 مليار و800 الف مليون دولار، وكان قد صرف خلال فترة أقل من عام واحد لمؤسسات المجتمع المدني نحو 750 مليون دولار، وهو ما أثار موجة استياء كبرى واتهامات وشكوك شديدة وكثيرة، خصوصاً للجماعات المتعاونة مع واشنطن، الأمر الذي أسهم في تعميق النظرة السلبية السائدة حول دور المجتمع المدني والتي تستغلها الجهات المعادية له ولمؤسساته.
وقد فضح المفتش العام الامريكي لبرنامج اعادة الاعمار في العراق ستيورات ايوين الكثير من حالات الفساد من الطرف العراقي أو الطرف الامريكي، حيث كان يكتب تقاريره كل ثلاثة أشهر إلى الكونغرس، وهو فساد تواصل من بول بريمر إلى الحكومات اللاحقة المؤقتة والانتقالية ثم المنتخبة (الحكومات الثلاث)، يضاف إلى ذلك تدنّي كفاءات من تولى المسؤولية وانعدام الرقابة أو ضعفها وصولاً إلى الحكومة الحالية.
السيناريوهات المتوقعة
ما حصل في الفلوجة قبل أيام بمقتل 7 من المتظاهرين وجرح عشرات قد يتكرر في مناطق أخرى من العراق سواءً في المحافظات الشمالية أو الغربية أو في غيرها، الأمر الذي قد يؤدي إلى قطع حبل الوصل بين سكان هذه المناطق والحكومة العراقية، ولا سيما الاتجاه المتنفذ فيها والمقصود هنا قيادة المالكي وكتلة دولة القانون، وهناك احتمالات عديدة:
الاحتمال الأول أن تلتجئ حكومة المالكي إلى شن حملة عسكرية ضد المناطق الخارجة على سلطاتها، وعندها يصبح الصدام حتمياً، وإذا ما استمر فيمكن من خلال التوظيف الطائفي أن يتحوّل إلى احترابات أهلية أو نزاعات مسلحة تشمل مجاميع مذهبية أو باسمها تلعب فيها الميليشيات الدور الأكبر.
ولعل الوجه الآخر لهذه العملية بافتراض بسط سلطة الدولة على هذه المناطق عسكرياً وأمنياً هو استمرار هشاشة الوضع ألأمني والهجمات المسلحة، لا سيما وأن رفضاً شعبياً يكاد يكون شاملاً عشائرياً ودينياً ومدنياً بل غلياناً يكاد يجمع عليه سكان هذه المحافظات ضد ممارسات حكومة المالكي، وهو ما بدى خلال الاعتصامات والتظاهرات الأخيرة، الأمر الذي لو غامرت الدولة وسلكت هذا الطريق فستحكم على نفسها بالفشل المحتّم في إدارتها، بل فشل مستقبلها السياسي بالكامل.
من جهة أخرى فإن كردستان وحكومة الاقليم تعتبر شبه مستقلة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وإلى حدود كبيرة خارج نطاق الدولة العراقية، ووضعها أقرب إلى الكونفدرالية، فهل ستتصرف حكومة المالكي باتجاه كونفدرالية في المناطق الغربية والشمالية، وربما كونفدراليات، أقرب إلى الانفصال منها إلى الوحدة إذا افترضنا اختيارها الطريق الكردي.
وعلى افتراض وجود مصاعب فنية وعقبات عملية وتحدّيات اقتصادية، لكن امتيازات أمراء الطوائف، سواءً في بغداد أو في هذه المناطق قد تدفع الامور باتجاه الافتراق لاحقاً، ولعلّ هذا هو الاحتمال الثاني، بحيث يصبح الأمر الواقع واقعاً.
أما الاحتمال الثالث فهو أن تقدّم حكومة المالكي تنازلات وتلبي ما طالب به المتظاهرون، لكن العدّ العكسي سيكون جاهزاً، لأن الوقت مثل السيف إنْ لم تقطعه قطعك، وكان عليه أن يستجيب خلال الأيام الثلاثة الأولى لمطالب المتظاهرين وأن يتعامل معهم بطريقة أخرى، أكثر رهافة وحساسية، متجنباً أي استفزاز يتعلق بالكرامة، لا أن يقوم بصبّ الزيت على النار بدلاً من تبريدها، وللأسف فإن مجموعة دولة القانون بقيادة المالكي سارت بهذا الاتجاه، وبالمقابل فإن بعض القوى المتطرفة والتي لا تريد التوصل إلى حلول حاولت الضرب على الوتر الحساس لإحداث المزيد من التباعد بين المتظاهرين ومطالبهم العادلة والمشروعة وبين الحكومة ودولة القانون تحديداً.
وعلى الرغم من تحفظات بعض قوى الائتلاف الوطني، مثل السيد مقتدى الصدر والخطاب الوسطى للسيد عمّار الحكيم، فضلاً عن خطاب المرجعية الدينية في النجف، الذي نحى منحىً توفيقياً عاماً، في حين كان ينبغي أن يكون أكثر حزماً، الأمر الذي سيلقى عندها ارتياحاً كبيراً، انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية والقلق على مستقبل العراق ووحدته، ولدرء الفتنة الطائفية التي تدّق على الأبواب.
والاحتمال الرابع هو الضغط على المالكي لتقديم استقالته، لا سيما من طرف كتلة الائتلاف الوطني في إطار الحفاظ على ما هو قائم والاستمرار في التمتع بمنصب رئيس الوزراء للكتلة ذاتها، ومحاولة لمنع الاحتراب وتسوية الأمور بتلبية مطالب المتظاهرين، وإعادة النظر بالعملية السياسية، لا سيما بالدستور وقانون الانتخابات وإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين الأبرياء وحل القضايا المتعلقة الأخرى مثل قانون المساءلة والعدالة والمادة 4 ارهاب وإلغاء فقرة المخبر السرّي وغيرها من المطالب، إضافة إلى إيجاد توازن في أجهزة ومراتب الدولة، خصوصاً معالجة قضايا وعقد التهميش والإقصاء وغير ذلك.
لعلّ مثل هذا السيناريو قد يحدث ارتباكاً وتغييراً جديداً في توازن القوى، وفي تقديري سيتم بعده إعادة تركيب وتحالف واصطفاف القوى والجماعات السياسية على نحو مختلف عمّا هو قائم، حيث سينسحب بعض أعضاء كتلة دولة القانون، وقد ينظم بعضهم إلى كتلة الصدر " الأحرار" أو إلى المجلس الإسلامي الأعلى " كتلة مواطنون" أو يكوّنون تكتلات جديدة، كما من المرجح انسحاب بعض أعضاء القائمة العراقية وتشكيلهم كيانات جديدة، وانضمام بعض قادة التظاهرات إلى كيانات قائمة أو تكوين كيانات جديدة، يمكن أن يلتحق بها الآخرون.
وباستثناء الكتلة الكردية "التحالف الكردستاني" الأكثر تماسكاً، وإن كانت تعاني من إشكالات جدّية مع كتلة التغيير المعارضة من داخلها في الإقليم وعلى مستوى العراق، فإن جميع الكتل والتجمعات ستظهر عليها تغييرات سريعة ولاحقة، ستكشف عنها انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، التي ستكون مجسًّا أولياً لانتخابات العام 2014 النيابية.
وبما أن حركة اليسار وبعض الشخصيات والمسمّيات الديمقراطية والليبرالية ضعيفة، فإنها يمكن أن تلعب دوراً تنويرياً ضاغطاً باتجاه الدعوة لدولة مدنية تضع مسافة بين الأديان المختلفة وتقوم على أساس المواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان، ولعلّ ذلك ما يحتاج إليه العراق بجميع قومياته وأديانه ومكوناته الثقافية واللغوية السلالية، ومثل هذا الدور ظلّ غائباً ومغيّباً لأسباب ذاتية وموضوعية.
بتقديري لم يعد بالإمكان إبقاء القديم على قدمه أو إعادة التشكيلة الأولى أو طاقمها، فتظاهرات الأنبار ستطيح بأركان كثيرة، وقد تلغي أدواراً سياسية سابقة، مثلما قد تفتح الأبواب للاعبين سياسيين جدد، فثمة اختلالات غير قليلة ستجري على توازن القوى، حيث تتصدع الكتل والجماعات وستبدّل بعضها تحالفاتها، لكن تحدّيات الدولة تحتاج إلى وقت لمواجهتها، وهذا يتطلب استقراراً وسلاماً أهلياً وصراعاً مدنياً طويل الأمد!.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عملية إيمرلي!
- التغيير والمأزق الحضاري
- سايكس بيكو -الثانية- أو ما بعد الكولونيالية !
- المفاضلة بين -ضحيتين-!
- المظاهرات حق مشروع والمطالب مشروعة وعادلة
- - الأخوة الأعداء - في العراق!
- ماذا يريد المتعصبون والمتطرفون من المسيحيين؟
- كردستان: العنف بضدّه
- فيتو النفط
- في نقد الموقف اليساري من القضية الفلسطينية
- أكاديميون وبرلمانيون
- نعيم الهوّية أم جحيمها في العراق؟
- سياقات الخصوصية والعالمية
- ما بعد الصهيونية مجدداً!
- ما بعد الصهيونية
- انسحاب . . ولكن
- شيء عن الدبلوماسية “الإسلامية”
- الدستور العراقي الحالي حمّل أوجه وألغام
- اختبار جديد للحرب الباردة
- حلف الفضول!


المزيد.....




- السعودية.. مكتب محمد بن سلمان ينشر فيديو على قارب وينعى بدر ...
- السعودية تقتص من الغامدي بقضية وفاة شعيب متأثرا بطعنة آلة حا ...
- ماكرون يواصل -غموضه الاستراتيجي- تجاه روسيا
- أميت شاه: استراتيجي هادئ، يخشاه الجميع، وكان وراء صعود مودي ...
- عالم روسي يتحدث عن تأثير التوهج الشمسي
- مركبة كيوريوسيتي تكتشف ماضيا شبيها بالأرض على الكوكب الأحمر ...
- أسباب الرغبة الشديدة في تناول الجعة
- أيهما أسوأ، أكاذيب إسرائيل بشأن غزة أم الداعمين الغربيين لتل ...
- البيت الأبيض يعترف بأن المساعدات الأمريكية لن تغير الوضع في ...
- تقارير: لا اتفاق حتى الآن في مفاوضات القاهرة بشأن غزة والمنا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المشهد السياسي العراقي: 4 تحدّيات في الأفق