أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - انسحاب . . ولكن















المزيد.....

انسحاب . . ولكن


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3960 - 2013 / 1 / 2 - 16:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في أواخر العام 2011 أعلنت القوات الأمريكية رغبتها بالانسحاب من العراق بعد احتلال مباشر وغير مباشر دام تسع سنوات، دفع الشعب العراقي أثمانه الباهظة، ولا سيما تدمير الدولة العراقية، وحل الجيش وأجهزة الأمن والشرطة، وانتشار الفوضى والعنف والإرهاب والفساد المالي والإداري على نحو واسع، فضلاً عن تشظي المجتمع العراقي خصوصاً، بتفشي الطائفية التي ارتقت بصيغة بول بريمر إلى المحاصصة والتقاسم الوظيفي المذهبي والإثني .

جاء الاحتلال بعد سنوات طويلة من الاستبداد والحروب والحصار، حيث تعطّلت التنمية وتدهورت أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية، وخصوصاً بعد فرض نظام العقوبات الدولية على العراق الذي أسهم في تمزيق النسيج المجتمعي، فضلاً عن التراجع المريع في قطاع الخدمات، ولا سيّما الصحية والتعليمية واستشراء البطالة .

وخلال السنوات التسع المنصرمة تعرّضت القوات الأمريكية في العراق لخسائر مادية وبشرية هائلة وربما كانت السبب الأول في انسحابها، وخصوصاً أنها تعمل في بيئة وعرة ومحيط رافض، فضلاً عن اهتزاز صورتها الأخلاقية، الأمر الذي أسهم في زيادة ضغط الرأي العام الأمريكي والعالمي، ولا سيما بانكشاف زيف الادعاءات بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، فضلاً عن ضعف حجة العلاقة بالإرهاب الدولي، وعن تبدّد الوعود الوردية بالديمقراطية والتنمية والرفاه، وكان ما حدث في سجن أبو غريب، وكذلك السجون السرّية الطائرة والسجون السرّية العائمة التي هي امتداد لسجن غوانتانامو، هو بداية للعدّ العكسي والتنازلي للوجود الأمريكي في العراق .

ولعلّ من الأسباب الأخرى لانسحاب القوات الأمريكية، الأزمةَ الاقتصادية والمالية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في أواخر العام 2008 ومطلع العام 2009 التي لاتزال مستمرة، مع تصاعد المقاومة السلمية المدنية في العراق، إضافة إلى المقاومة المسلحة .

كل ذلك أجبر واشنطن على المسارعة في إعلان الرغبة بالانسحاب بعد أن بلغ عدد جنودها 170 ألفاً، وكانت تبريراتها تقول إنها أكملت مهمتها وحققت برنامجها، على الرغم من استمرار هشاشة الوضع الأمني وتفشي العنف وشيوع ظواهر الفساد المالي والإداري التي أحرجتها على نحو شديد، فضلاً عن التقاسم الطائفي والإثني وغير ذلك من عوامل الانقسام المجتمعي .

وإذا كان الرئيس أوباما قد وفى بوعده ونفّذ خطة الانسحاب، إلا أنه استعاض عن الاحتلال العسكري باحتلال تعاقدي، وذلك من خلال اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي هي ليست بعيدة عن الاتفاقية الأمنية، بل إنها الإطار الأوسع والأشمل لها، إذ جاءت بصيغة مفتوحة وغير مقيّدة بتاريخ زمني لكيلا ينتهي نفاذها، لا سيما ما ورد فيها من تأكيدات ل “الدعم والإسناد والمساعدة الإدارية واللوجستية للجانب العراقي في شتى الميادين” .

ولعل مثل هذا النص واضح في عموميته من جهة وخطورته على استقلال العراق من جهة ثانية، خصوصاً أن هناك العديد من المستشارين والمدرّبين الذين يتجاوزون عشرة آلاف مازالوا يعيشون في بغداد وفي أكبر سفارة للولايات المتحدة في العالم، علماً أن العدد الحقيقي لا يزال غير معروف، ولم تعلن واشنطن أو بغداد عن عدد العسكريين الأمريكيين .

وجاء في اتفاقية الإطار الاستراتيجي أنها تبقى سارية المفعول ما لم يقدّم أي من الطرفين إخطاراً خطياً إلى الطرف الآخر بنيته على إنهاء العمل بها، ويسري مفعول الإنهاء بعد عام واحد من تاريخ هذا “الإخطار” . ومثل هذا النص يعني أن ليس بإمكان العراق إلغاء الاتفاقية حتى وإن لحقه ضرر بسببها أو اكتشف خداعاً أو تدليساً فيها، إلاّ بعد مرور عام كامل . وخلال هذا العام يمكن لواشنطن الطرف الأقوى أن تقوم بما يؤمّن لها مصالحها، خصوصاً أن السيادة العراقية حتى الآن غير مكتملة، وأن العراق لايزال يخضع للفصل السابع منذ القرار 661 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بعد احتلال قوات صدام حسين الكويت في 2 آب (أغسطس)،1990 وأن سيادته مجروحة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، والمقصود بذلك خضوعه الشرطي للمواد 39 ولغاية المادة 42 وصولاً إلى المادة 50 .

ومثل هذا التوصيف القانوني الذي هو أقرب إلى الوصاية الدولية يجيز استخدام جميع الوسائل ضد العراق فيما إذا اتهم بخرق قواعد القانون الدولي، أو تهديده للسلم والأمن الدوليين، حيث يمكن لمجلس الأمن الدولي استخدام صلاحياته دون إصدار قرار جديد، طالما بقي العراق محكوماً ومكبلاً بالفصل السابع .

ولكن المؤيدين لاتفاقية “الإطار الاستراتيجي” يرونها اتفاقية صداقة وتعاون، لأنها تنسجم مع الرغبة المشتركة لإقامة علاقات طويلة الأمد ومستقبلية بين البلدين وفي جميع المجالات، وخصوصاً الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية وغيرها، في حين أنها مثل الاتفاقية الأمنية الموقعة في أواخر العام 2008 أثارت جدلاً واسعاً بدأ ولم ينقطع، وخصوصاً أنه لم يتم الاستفتاء عليها شعبياً كما كان يفترض عند توقيعها، كما أن الولايات المتحدة عَدّت الاتفاقيتين تنفيذيتين وليستا بحاجة إلى إقرارهما من جانب الكونغرس، وهكذا أصبحتا ملزمتين للعراق وغير ملزمتين لواشنطن، إلاّ باعتبارهما اتفاقيتين تدخلان في إطار تنفيذي .

ومن الإشكاليات التي لها علاقة بالماضي والمستقبل، فضلاً عن الحاضر، إسقاط حقوق العراق بالتعويض، تلك التي سكتت عنها الاتفاقية الأمنية واتفاقية الإطار الاستراتيجي، خصوصاً أن واشنطن عُدت صديقاً وحليفاً وضامناً للمسيرة العراقية التنموية، في حين كان يقتضي الأمر مطالبتها بالتعويض عن احتلال العراق وتدمير منشآته ومرافقه الحيوية والكثير من بنيانه التحتي، علماً أن مجلس الأمن كان قد اعترف بالقرار 1483 الصادر في 22 مايو/أيار 2003 بأن القوات الأمريكية محتلة، وهو ما يتطلب تنفيذ أحكام اتفاقيات جنيف للعام 1949 وملحقيها للعام 1977 بشأنها .

وبموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي سيبقى نفوذ واشنطن كبيراً في العراق سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً بما فيها تسليح الجيش العراقي، ولعلّ ما أثير مؤخراً عن موضوع الأسلحة الروسية ليس بعيداً عن يد واشنطن بغض النظر عن شبهة الفساد، كما أن ابتزازه بالفصل السابع سيبقى سيفاً مسلطاً على رقبته .

وإذا كان أنصار الاتفاقية يعدّونها الحاضنة المستقبلية للتقدم العراقي، مستندين بذلك إلى تجربتي ألمانيا واليابان، فإن القانون الدولي يذهب باتجاه آخر وذلك طبقاً لاتفاقية فيينا للعام 1969 التي تعرّف الاتفاقية الدولية بكونها اتفاقاً حراً ورضائياً بين طرفين متكافئين، وألا يشوبها أحدُ عيوب الرضا، أو أي شكل من أشكال الإكراه أو التدليس أو غير ذلك .

وبغض النظر عن الاختلاف بين المؤيدين والمعارضين للاتفاقية، فإن فحص الظروف والأوضاع العراقية والإقليمية والدولية، ستبيّن البون الشاسع بين الرغبات والواقع، فألمانيا واليابان نمتا في ظل الصراع الأيديولوجي العالمي، وفي إطار الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، وهو الأمر الغائب حالياً، ولم تكن ألمانيا أو اليابان تعاني مشكلة وجود “إسرائيل” التي هي بؤرة التوتر والعدوان ومعطّل التنمية والديمقراطية في المنطقة، سواء كان ذلك بمبرر واقعي، أو للتعكز عليه بحجة المواجهة مع العدو، فضلاً عن هدر الأموال والموارد على التسلح والعسكرة، ومقايضة كل ذلك بانتهاك حقوق الإنسان وتكميم الأفواه والاعتداء على حرية التعبير وتعطيل مشاريع التنمية والإصلاح .

وحتى لو افترضنا أن ارتباط ألمانيا واليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية بالتبعية لواشنطن، وهي تبعية مفروضة على العراق أيضاً، لكن حرمانهما من بعض مظاهر السيادة لم يَحُلْ دون جني الثمار الاقتصادية والتنموية والعلمية للعالم الرأسمالي، في حين أن الانقسام الطائفي والمحاصصات المذهبية والإثنية ومظاهر التخلف الاجتماعي، ستكون عائقاً أمام الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي والحضاري الغربي، فضلاً عن عوائق واشنطن ذاتها، لا سيّما ارتباط ذلك بالصراع العربي- “الإسرائيلي” .

وعلى افتراض أن الاتفاقية تضمنت نصوصاً نظرية عامة تؤكد الالتزام بقواعد القانون الدولي ومبادئ احترام السيادة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، إضافة إلى دعم وتعزيز الديمقراطية والمؤسسات العراقية، لكن ذلك كلّه مجرد مبادئ عامة فضفاضة، لاسيما أن الاتفاقية تأتي بعد الاحتلال ومن نتاجه، وبين طرفين يختل بينهما ميزان القوى، فأحدهما محتل والآخر محتلة أراضيه، الأمر الذي يرجّح كفّة الطرف القوي على حساب الطرف الضعيف حتى وإن اضطرّ القوي إلى الانسحاب، علماً أن أعين أغلبية القوى السياسية العراقية كانت تتطلع إلى إبقاء قواته وعدم مغادرتها العراق، بل إن قسماً من هذه القوى ناشد واشنطن بعدم الاستعجال أو التسرّع بزعم الخوف من انهيار وتصدّع العملية السياسية، وكلّما كانت تثار مشكلة حادة في العراق، نجد طرفاً أو أكثر يعرض القضية على واشنطن مطالباً بتدخلها .

وإذا كانت واشنطن قد غادرت العراق مضطرّة، ولا سيّما بإنهاء احتلالها العسكري، فإنها استمرت فيه بصيغة تعاهدية تضمن لها ما فشلت في تحقيقه عسكرياً، من خلال نفوذ سياسي واقتصادي وعسكري اتخذ شكل اتفاقية للإطار الاستراتيجي .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيء عن الدبلوماسية “الإسلامية”
- الدستور العراقي الحالي حمّل أوجه وألغام
- اختبار جديد للحرب الباردة
- حلف الفضول!
- شكراً... للضمير الجامع
- الحلم الفضي يعود إلى بنغازي
- حكمة الضوء وشهادة التاريخ
- منصور الكيخيا والرهان على «سلطة» الضوء!
- مصر والإسلام السياسي
- هل ترسو سفينة مصر الدستورية؟
- ماذا عن أكراد سوريا؟
- غزة وعمود السحاب!
- غوته وسحر الشرق
- اعتراف هولاند الخجول بجرائم قتل الجزائريين
- دلالات الديمقراطية وحقوق الإنسان في فكر أمين الريحاني
- عن تونس والدين والدولة
- العدالة الانتقالية والعدالة الانتقامية
- الشبيبي والبنك المركزي: قضية رأي عام!
- برزخ العنف والوعي الشقي
- ما ينتظره مسلمو ميانمار


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - انسحاب . . ولكن