أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حليمة زين العابدين - خيط الريح// قصة قصيرة















المزيد.....

خيط الريح// قصة قصيرة


حليمة زين العابدين

الحوار المتمدن-العدد: 4008 - 2013 / 2 / 19 - 20:12
المحور: الادب والفن
    


ذات أحد مشمس، استيقظت على غير عادتي، أشعر بفرح يغمرني وبطعم للحرية انتشي له. أرشف فنجان قهوتي الصباحي له لذه غير معتادة... ذكرتني بلحظة موغلة في القدم، انفتح باب السجن الكبير، أخرج منه وبيدي ورقة الخلاص، ركبتاي ترتعشان من اهتزاز الفرح بين أضلعي. أجلس في مقهى غير بعيد، أشرب فنجان قهوة مرة، أتأمل الورقة، شبيهة تماما برسالة رقمية توصلت بها ليلة ذاك الأحد. غرقت في مقابلة بين يوم أحد أعيشه وأحد مر عليه ربع قرن وبضع سنوات، نفس الإحساس. متعة التحرر من قيود اختارتني وأخرى اخترتها.
رن الهاتف على الطرف الآخر، رشيدة تقول:
_ إني بفينسيا أنتظرك ومعي تذكرتَيْ السفر.
في الموعد بالضبط كنت إلى جانبها بالمقهي، أنيقة كعادتها، عيناها ضاحكتان، وكأن الزمن وقف هناك، هي ذاتها من عرفت طفلة وكنت أنا يومها، امرأة تئن من ثقل حملها. رشيدة انضافت لعمرها أعداد والقلب منها يرتعش للمطلق، يرتجف من أيام متقلبة، وبين والفعل والفعل، تصر الطفلة على حب الحياة. أمامها فنجان قهوه كبير. سألتني الناذلة وابتسامتها تملأ المقهى فرحا:
_ما تشربين ؟
_ قهوة كريم تيري بالشكلاط
_ مثل صديقتك؟
_ فنجان أصغر. أريد أن يكون وداعها في حجم نَفَسين من سيجارة، أرشفهما قبل وصول القطار، يكون الكأس فارغا والسيجارة خمد دخانها.
القطار القادم من فاس ممتلئ عن آخره، لا فسحة ببمراته تسع قدمي وصديقتي.
_ كيف يمكن أن نجد أسماء وسط هذا الازدحام؟
_ أخبرتني أنها بالمقصورة "س" وهذه المقصورة "س" وهي غير موجودة بها.
_ متأكدة أنها أخذت نفس القطار؟
_ نعم، تعالي نبحث عنها؟
سرنا خلف سائق العربة المقصف، يفسح لنا الطريق، يتحرك نتحرك، يقف نقف، نتفحص الجالسين والواقفين، قد تكون في زاوية ما. لم نكد نجتاز المقصورة الثانية حتى كان القطار في مرمى وصولنا. وقفنا بالمحطة ننظر يمينا ويسارا بحثا عن أسماء بين المسافرين الصاعدين القطار والنازلين. خلت المحطة إلا منا.
_ كان عندي شبه يقين أنها ليست على متن هذا القطار، لو كانت به، لرأيناها تراقب وصولنا من باب المقصورة المتواجدة بها.
_ لو عرفنا، كنا أخذنا القطار "المكوك". كنا على وشك الاختناق في هذا القادم من فاس.
_ انظري أرى امرأة قادمة من مؤخرة القطار لعلها هي.
كانت تتقدم نحونا، يسبقها شعاع ابتسامتها.
_ صديقتاي، كان القطار مختنقا بالركاب، وقلت في نفسي عند الوصول سنلتقي. سرحت عيناي في الرواية التي بين يدي ، لذة القراءة نشبت مخالبها في، أوشك القطار أن يذهب بي إلى مراكش لولا أن نبهتني المرأة الجالسة بجانبي.
تضحك نضحك.
بمدخل المحطة، كانت بانتظارنا لطيفة ونزهة، نزلتا قبلنا بقليل من القطار القادم من الجهة الأخرى. لطيفة صداقة عريقة في التاريخ، وإرث جميل بقي لي من صديقة رحلت عن عالما، ونزهة عرفت الإسم، وارتويت من نبع فكر ثري على حائطها الفيسبوكي، كنت أحببت روحها المحلقة فوق جدراننا بالحب بالسلام بالعطاء في سخاء لا يجد الحدود، لم أربط بينها وبين نزهة صديقتي الافتراضية التي أحببتها فكرة مجردة، صنعت لها بذهني صورة، صورة جميلة وكانت بالواقع أبهى وأرق وأجمل من رسم الذهن وتمثلاته.
ونحن ننتظر صديقتنا رشيدة لتوصلنا إلى بيتها، نعم هما رشيدتان، الأولى روح هائمة تبحث عن الجميل في عالمنا والثانية روح استوطنها عشق القراءة، عشق الإنسان... كنا نضحك من كلامنا وكأن المحطة لنا وحدنا، وكأن كل واحدة منا تنثر ضحكاتها زهرات بين أحراش من أحزان تعشوشب سامقة في دغل نفسها. هكذا خيل لي.
وجهي خائن، شيعت صباحا أعز كائن ومشيت لا ألتفت ورائي، لا أعرف في أي ركن من خلاء دفن، لقطات فيلم تعود مسرعة للخلف، جرح ينزف بداخلي لا مخرج لدمه، امتص مغصي والكثير من الألم وأضحك.
أوقفت رشيدة سيارتها، عانقت الواحدة تلو الأخرى منا، شدت وجهي بيديها تقول:
_ تعرفين يا حليمة أن في الكثير منك!
_ قد نتشابه يا رشيدة في كل شيء الا الغباء، ليس في الكون غبي يسبح في نفس ماء النهر أكثر من مرتين سواي.
ضحكنا... ضحكنا كثيرا.
استقبلنا زوج رشيدة وأبناؤهما بالكثير من الحفاوة... شغل جهاز الموسيقى وضع بين أيدينا حاملات لها متنوعة. البيت منفتح على الحياة، ألوان جدرانه من صباغة زاهية، أفرشة موردة، تحف فنية وضعت بإتقان فوق حاملات من عود صقيل هو ذاته عود مكتبة تغري بالغرق واللاعودة منه. كل البيت يبتسم...
في الصالون المشرق بشرفاته المشرعة على حديقة سامقة النخيل، كانت مائدة تنتظرنا، معدة سلفا بأطباق حلويات وكؤوس عصير الفواكه.
_ هي عادتنا نستقبل ضيوفنا بالحلوى: قال زوج رشيدة، وأضاف ضاحكا لا تأكلن منها كثيرا، فانا سآتيكن حالا بقصعة الكسكس صنع يدي، هيأتها لزوجتي وصديقاتها.
كان الفرح بحجم صداقتنا. "اليوم يوم مهرجان الحب" قالت رشيدة الهائمة. وكان مساؤه حفلا بعيد ميلاد صديقتنا أسماء. مفاجأة أحكمت إتقانها رشيدة القارئة وزوجها. طفلة كانت أسماء وقد نسيت كل هموم الأم والزوجة والأستاذة، ونسينا همومنا الكبيرة والصغيرة. توقفت لحظاتنا عند حد الفرح... كانت أسماء تغني ونغني معها. نرقص جماعة وفرادى. فجأة، توقفت نزهة عن الرقص حملت حقيبتها يدها، تلوح من عينيها إشارة وداع مباغث. لم تنتظر رد فعلنا، سحبت من الحقيبة علبة ملفوفة بسلفان ملون، قدمتها لأسماء. من فرط اتساع عينيها من بهجة ودهشة توقف كل شيء. توقف انسياب الموسيقى توقف رقصنا، ننظر إليها تسحب بتكتيك محكم خيط السلوفان، لم تنتظراسماء هدية، لم ننتظرها. وضعت نزهة السلسلة في عنق أسماء والاقراط في أذنييها وعقد خيط ريح على جبهتها، عروسا كانت.
_ ماهذا... رشيدة القارئة تفاجئنا بحلوى عيد الميلاد ونزهة بالهدية، تواطؤ مكشوف هذا. لم تقلن لنا سوى انها لمة على قصعة الكسكس. تحتج لطيفة وهي تلتقط لها، لنا صورا.
ضحكنا، ضحكنا، عادت الموسيقى تنساب من جديد، نرقص و نتناوب على أخذ صور لنا بخيط الريح هدية نزهة لأسماء في عيد ميلادها...
تركنا البيت الدافئ إلى المحطة، أنا ورشيدة ولطيفة. القطار كان مختنق الازدحام لم نجد وقوفا أمكنة متقاربة... غرقنا في صمتنا. أرسم في ذهني أخر صورة من قصيدة ، أتحسس أشلاء منه لازالت عالقة بصدري يرتوي منها نبع مجازي، وكانت قاحلة باهتة ووقفة بياض... لقد اندثر في الزحام آخذا معه ظله وبقاياه. توارى في بياض القصيدة .



#حليمة_زين_العابدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعبة السرد في الساحة الشرفية لعبد القادر الشاوي
-   قراءة في -مديح الصدى* - لأحمد الزنيبر
- اشتهاء المرارة، قراءة في المحكي السجني -ملح وابزار- لعزيز ال ...
- قراءة الشخصية في حديث العتمه  لفاطنة البيه
- المرأة في روايات أحمد التوفيق
- اعترافات امرأة أمام محكمة رمزية للانصاف
- المرأة والكتابة عن السجن والاعتقال بالمغرب
- حب رجل ثائر
- رأي حزب العدالة والتنمية المغربي حول موضوع، الكحول وعقوبة ال ...
- مدونة الأسرة وسؤال الحداثة
- الحركة النسائية المغربية الواقع والآفاق


المزيد.....




- كيف استغلت مواهب سوريا الشابة موسيقى الدراما التصويرية في ال ...
- -فنان العرب- محمد عبده يعلن إصابته بالسرطان
- ترام الإسكندرية و-أوتوبيس- القاهرة..كيف يستكشف فنان الجمال ا ...
- تردد قناة بطوط كيدز Batoot Kids 2024 بجودة HD وتابع أجدد الأ ...
- مسلسل المتوحش الحلقة 32 على قصة عشق باللغة العربية.. موت روي ...
- اخيرا HD.. مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 ( مترجمة للعرب ...
- مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر قناة الفجر الج ...
- -من أعلام الثقافة العربية الأصيلة-.. هكذا وصف تركي الفيصل ال ...
- خطوة جرئية من 50 فناناً امريكياً وبريطانياً لدعم فلسطين!
- الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حليمة زين العابدين - خيط الريح// قصة قصيرة