أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - هل هذه صلاة أجر ومغفرة؟















المزيد.....

هل هذه صلاة أجر ومغفرة؟


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3956 - 2012 / 12 / 29 - 22:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في مارس 2009 حكمت محكمة إيطالية على طيار تونسي بالسجن لمدة عشر سنوات بسبب توقفه لأداء الصلاة والدعاء خلال تعرض طائرته لحالة طوارئ قصوى ناتجة من فراغ خزانات الطائرة من الوقود مما أدى إلى توقف محركات الطائرة، وذلك بدلاً من توجيه إهتمامه وجهوده إلى اجراءات الطوارئ المعتمدة في هذه الحالات. وقد تسبب عمله هذا في قتل 16 شخصاً من ركاب الطائرة. هذا التصرف من جانب هذا الطيار يُلقي بظلاله على إشكالية خطيرة في الذهنية العربية تتعلق أساساً بمفاهيم مترسخة في الثقافة الإسلامية بحاجة إلى إعادة نظر وتنقيح أو ربما إلغاء.

هناك نزعة واضحة في الثقافة الإسلامية تنحو بصورة لا لبس فيها نحو الفردية في العمل في سبيل الخلاص الأخروي. المحور الرئيس في تلك الذهنية هو المصطلح الذي يرد في الحديث المنسوب للنبي محمد (الفرار بالدين)، أي أن يحافظ الإنسان على دينه (آخرته) في وجه الآخر المختلف الذي يريد أن يفتنه عنه بصورة ما. ففي صحيح البخاري مثلاً يرد حديث (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)، وحديث آخر (ستكون فتن، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي) وفي صحيح مسلم سوف تأتي زيادة معبرة على هذا الحديث: (فإذا نزلت أو وقعت، فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه) وهناك أحاديث مشابهة أخرى، وآثار منسوبة لصحابة النبي محمد، وأيضاً مجهود فقهي سلفي كثير في هذه الجزئية بالذات. فـ "النجاة" من هذه الدنيا والاحتفاظ بالدين والفوز بالجنة يستدعي "عزلة" عن الفتن، ويستدعي "عمل" فردي من نوع ما. وقد يعترض معترض هنا بأن مصطلح (الجماعة) يرد أيضاً في الحديث المنسوب للنبي محمد. إلا أن هذا الاعتراض لا يصمد أمام النقد الذي يُسلط الضوء على معنى (الجماعة) في تلك الأحاديث التي نُسبت للنبي محمد لسبب سياسي أموي بحت. فمن ناحية، فإن مصطلح (الجماعة) لا يعني بالضرورة أن هناك أفراد كثيرون يتحلق الإنسان حولهم، فابن مسعود يؤكد: (إنّ الجماعة من كان على الحق وإن كنت وحدك)، ويقول أبو شامة: (حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتِّباعه وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً). كما أن المصطلح عند دارسته دراسة نقدية في نصوص الحديث المنسوب للنبي محمد يعني تحديداً (الاجتماع على الإمام)، أي الخليفة الإسلامي، أو بالمصطلح الحديث هو رئيس الدولة، ومن هنا أتت تسمية "عام الجماعة" بعد تنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان عن الخلافة. يقول الدكتور رضوان السيد في كتابه (الجماعة والمجتمع والدولة): "الأمويين رموا إلى التنفير من الخروج على السلطة أو معارضتها بالدعوة إلى (الجماعة)، والتخويف من الفتنة. فعلوا ذلك في مواجهة تمرد الحسين بن علي، كما فعلوه تجاه أحداث المعارضة الأخرى طوال أيام سلطتهم مثل حركة ابن الأشعث والقرّاء، وخروج يزيد بن المهلب، وزيد بن علي بن الحسين، والحارث بن سريج"، كما أن رسائل الكُتّاب الأمويين كانت تستخدم الجماعة على أنها تعني الاجتماع على طاعة الخليفة. وليستنتج من هذا الاستعراض لتطور المصطلح عند الأمويين أن "هناك ميلاً سلطوياً واضحاً للتوحيد بين الأمة والإمام، والجماعة والإمام، أو دمجهما لصالح الإمام، بحيث تعني (الجماعة): الإمام القائم". كما أن أبو سليمان الخطابي كان واضحاً جداً في تقسيمه للجماعة عندما كتب يقول: "الجماعة جماعتان. جماعةٌ هي الأئمة والأمراء، وجماعةٌ هي العامة والدهماء"، فكل من ليس في صف الأئمة والأمراء هو في صف الدهماء بالضرورة. وعلى هذا المعنى بالذات يجب أن نفهم الحديث المنسوب للنبي محمد (من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية، ومن نكث العهد ومات ناكثاً للعهد جاء يوم القيامة لا حُجة له). فلا وجود حقيقي في الذهنية الإسلامية لـ "جماعة" على المعنى الذي يطرق الذهن مباشرة من هذا المصطلح، وإنما (الجماعة) هي صورة أخرى من صور (الفردية) الواضحة في الثقافة الإسلامية.

هذه الذهنية العربية التي يتم تنشأتها من الصغر على "الفردية" إلى حدود الأنانية التي تُلغي الآخر حتى في أمور الدين في مقابل تهميش قيم "العمل المجتمعي" و "إنكار الذات" و "صالح المجموع" و الرغبة في أداء الواجب تجاه الآخرين قبل النفس، هي ما يغلب على مجتمعاتنا كلها وبلا استنثاء. وخير دليل على هذه الذهنية البائسة هو ما نراه عندنا مثلاً في شهر رمضان. فالمجموع العام للشعب (يـحـتـال) على كل واجبات العمل المجتمعي والوظيفة الرسمية وأداء ما للآخرين من حقوق لصالح توهمهم بأن هذا (مغفور عنه) بالضرورة عندما يتسابقون على صلاة التراويح أو قيام الليل أو الإمتناع عن الطعام والشراب. فلا فرق حقيقي بين هذا الطيار الذي توهم بأن صلاته سوف تسهل له المغفرة والنجاة أمام الرب تعالى حتى وإن كانت على حساب أرواح بشر آخرين فقدوا فرصتهم بالنجاة بسبب إنشغاله بالصلاة بدلاً من (العمل) الملقى على عاتقه القيام به وبين كل مئات الآلاف من الموظفين عندنا في وطننا العربي الذين يختلقون أعذاراً وهمية كاذبة لا أول لها ولا آخر للإفتئات على واجباتهم في العمل أيام شهر شهر رمضان بسبب صيامهم (!!!) الذي هو موجه أصلاً لله. لا فرق أبداً بين هذا الطيار وبين شعوبنا في وزاراتنا وقطاعاتنا الحكومية التي تأخذ أكثر من نصف ساعة، وأحياناً ما يقارب الساعة، لصلاه الظهر التي لا تستغرق أكثر من عشرة دقائق مع الوضوء. لا فرق أبداً في تلك الذهنية.

مسألة "العمل" يتم التركيز عليها في الخطاب الديني على أنها عمل "للآخرة" فقط، بينما الدنيا لا يجب أن تكون إلا جسراً للعبور. وهو خطاب كارثي يهدم الحاضر ويعيقه. والنتيجة لهذا الخطاب الذي ما أنزل الله به من سلطان هو لا أقل من "بؤس" وعلى كافة المستويات ومنها المستوى الأخلاقي أيضاً، وينتج عنها لا محالة تشوه في الضمير رأينا مثالاً عليه في فعل هذا الطيار الذي تسبب بمقتل ستة عشر مسافر. وأنا لا اجرؤ حتى على التفكير في التألي على الله رحمته، ولكنني من منطق بشري بحت اتسائل: هل مثل هذه (الصلاة) تستحق أجراً وثواباً ومغفرة أم عقوبة وسوء سبيل؟

نحن نحتاج إلى مراجعة شاملة للخطاب الديني. نحن نحتاج إلى رجال دين يعرفون ويقدرون أن الخطاب الحالي قد رسخ مفاهيم كثيرة مشوهة لا مكان لها ضمن المعايير الأخلاقية المتعالية الراسخة في ضمائر البشر. نحن نحتاج إلى "فرد" مسلم، إلى "إنسان" مسلم، يستطيع أو يتجرأ أن يُقدّر ويزن ويعي خطاب ما هو (خارج حدود علم رجل الدين وقدرته) متى ما سمع فتوى أو رأي يحمل الصبغة الدينية ثم ليرفض صراحة هذا الخطاب ويترفع عنه. نحن نحتاج إلى شجاعة في الرفض للكثير من المفاهيم التي تحمل الصبغة الدينية ولكنها تخالف معايير كثيرة لا يجب أن تكون فاعلة في مجتمعاتنا المعاصرة.

مثال الطيار المسلم الذي أزهق أرواحاً بريئة هو مثال صارخ لذهنية كلنا مساهمون في الترويج لها وترسيخها في محيطنا. كلنا مذنبون أمام أرواح الستة عشر نفساً أزهقت بسبب هذا الذي توقف لأداء الصلاة لصالح "نجاته" هو، دون غيره، والتي رخصت أمامها أرواح وأجساد ودماء لا ذنب لها إلا أنها اصطدمت من دون قصد منها بذهنية وثقافة بحاجة لإصلاح جذري.




#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في إشكالية الشعوب العربية
- سؤال غير بريئ لما يسمى ب -القوى الشبابية- في الكويت
- بصراحة … رأيي في أحداث مسيرة يوم الأحد
- كلمة قصيرة لمن يخاف -ثورة- في الكويت
- لأنكم مجتمع يمثل شذوذاً في كل شيء
- حتمية الصدام بين المنهج السلفي والدولة المدنية
- ميسون سويدان ... أيتها الرائعة
- أيها السياسيون الكويتيون العباقرة … يا أيها الشعب
- باغافاد غيتا – المعرفة السرية القصوى
- التدليس في الخطاب الإعلامي الديني ... محمد العوضي كنموذج
- إشكالية النص المسيحي وشخصية يسوع
- مَنْ كتب الإنجيل؟
- في نقد الطب الإعجازي المسيحي والإسلامي
- حوادث أكل لحوم البشر في التاريخ الإسلامي
- شذوذ مفهوم الوطنية في الذهنية العربية
- في إشكالات السيرة النبوية
- في إشكالية العصمة النبوية
- من إشكالات المجتمع الكويتي
- هل لا تزالون أمة ً أمّية؟
- رسالة يهوذا، الذي خان المسيح، إلى الحُكام العرب


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - هل هذه صلاة أجر ومغفرة؟