أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي العباس - العرب نظرة الى المستقبل















المزيد.....



العرب نظرة الى المستقبل


سامي العباس

الحوار المتمدن-العدد: 1133 - 2005 / 3 / 10 - 10:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ينبلج المستقبل العربي من تصدع تحالف ثلاث قوى رئيسية منظمة:
الولايات المتحدة الأمريكية ــ نظم الاستبداد العربية ــ الأصولية الإسلامية ..
وهي قوى أمسكت بخناق العالم العربي بعيد الحرب العالمية الثانية ,ومنعته من أن يحدث نقلة نوعية في الوضع التاريخي للعرب .. ان تحالف هذه القوى الثلاث هو في خلفية ما يمكن تسميته" بالنهضة المعاقة" .وهي شكل نموذجي لحالة تناغم ين الشروط المحلية والشروط الدولية لإعادة إنتاج العطالة . ولعل الإحساس بانسداد الأفق التاريخي لدى الراديكالية العربية بطيفها الواسع (الليبرالي ,الماركسي ,والقومي ) هو وليد هذه المعادله اللتي تشكلت بعيد المرحله الكولونياليه . السؤال الذي يطرح نفسه,هل لدى العرب فرصة للخروج من هذا الستاتيكو؟.
سأترك الإجابة على هذا السؤال إلى مكان آخر ,وسأحاول إضاءة ما يبدو أنه تصدع حقيقي قد لحق بالتحالف الذي تحطمت على صخرته قرون الراديكالية العربية .. * * * *
تحركت الولايات المتحدة الأمريكية بعد نهاية الحرب الثانية للدخول إلى العالم العربي من النافذة بعد أن غادرته الجيوش الكولونيالية الإنكليزية والفرنسية..إلخ.. من الباب .. وقد كان لهذا الدخول الملتبس إلى الملعب فرصة الوصول إلى أهدافه بهدوء ,وفي إطار مساومة مع القوى والشرائح التي تأثر وعيها إلى هذا الحد أو ذاك بالحداثة العقلية التي يحملها في طياته مشروع التوسع الرأسمالي . إلا أن هذا الدخول لكي يستمر هادئا كان عليه أن يلتف حول معضلتين تثيران في مواجهته الكثير من الصخب ,وتوقظ حياله لدى سكان المنطقة الكثير من المشاعرالعدائيه. كانت المعضلة الأولى: إسرائيل بوظيفتها التي أسالت لعاب بريطانيا ,ولاحقا لعاب جزء من العقل الاستراتيجي الأمريكي الذي يخطط لكيفية إدارة شؤون المنطقة..
ولقد ترنح هذا العقل قبل أن يحسم خياراته حتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين. والمفارقه أن حسم حالة الترنح لدى صانع القرار الأمريكي كان محصلةللتعاون بين نمطين من السلوك متناقضين من حيث الأهداف والوسائل ومتفقين من حيث النتائج :
1ـ سلوك اللوبي اليهودي الذي يضع تحت العين الأمريكية مغريات الوظيفة الإسرائيلية.. 2ــ سلوك الراديكالية العربية بعد أن أصبح حاملها الاجتماعي البرجوازية الصغيرة العربية بخطابها القومي ـالاشتراكي ,ومؤسساتها السياسية الأكثر فاعلية "الجيش "وميلها الفطري للتحالف مع المعسكر الاشتراكي كمورد للسلاح والأفكار والممارسة السياسية..
و كانت المعضلة الثانية: ظهور الاتحاد السوفييتي كقطب موازي نقيض بدأ ينقل ميدان مواجهته مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى العالم الثالث, حيث التأثيرات الأيديولوجية للماركسية بتلاوينها اللينينية و الماوية و الكاستروية .. إلخ.. بدأت تشاغب على الليبرالية داخل وعي الأنتلجنسيا العربيه اللتي اتسع طيفها ( الاجتماعي) ..
بدأت الليبرالية تخسر مواقعها الفكرية داخل الأنتلجنسيا و مواقعها السياسية بتقدم الجيوش لاحتلال البرلمانات تحت غطاء كثيف من وعود التنمية السريعة و إعادة توزيع الامتيازات ..
و فيما عدا الشطر الأكثر بداوة, أو الأقل تأثرا بالعامل الإسرائيلي من العالم العربي صعدت البرجوازية الصغيرة إلى السلطة عبر مؤسسة العنف, لتضرب محليا الحامل الاجتماعي لليبرالية –الطبقه البرجوازيه - و لتحل محلها" الليبراليه" تلفيقة محلية للماركسية الأيديولوجية هي الأيديولوجية" القومية – الاشتراكية" ..
في كل مكان من العالم العربي كانت التحديات الخارجية تأخذ طابعا عسكريا كان الجنوح إلى الاستبداد الطبقي و الأيديولوجي فاقعا .و في مواجهة هذا السيل الجارف للماركسية الأيديولوجية بنسختها المحلية: القومية – الاشتراكية , مدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأصولية – الإسلامية يد التحالف لمواجهة العدو المشترك للطرفين : المعسكر الاشتراكي و حليفه المحلي الراديكالية العربية المسلحة بالأيديولوجية القومية – الاشتراكية و بالجيش..
* * *
بين انسحاب الليبرالية من التداول تحت الضغط المشترك للماركسية الأيديولجية"الاحزاب الشيوعيه" و حليفتها الأيديولوجية القومية – الاشتراكية"البعث-القوميون العرب –الناصريون" أواسط القرن العشرين, و بين نهاياته جرت الكثير من المياه تحت قنطرة العبور بالعالم العربي إلى المستقبل . إلا انه هو نفسه لم يستطيع العبور . ظل قبل القنطرة يغضب ويحمحم,ولكن "كغضب الخيل في اللجم"كماينسب للامام علي بن ابي طالب ..
و رغم الضجيج العالي الذي أثارته الأيديولوجية القومية – الاشتراكية حول إمكانية حرق المراحل و إدغام الثورة القومية الديموقراطية بالثورة الاشتراكية, بتأثير من الفبركة اللينينية لمقولة"الثورة المركبة" فإن ماأفضت إليه هذه المحاولة, سواء في روسيا السوفيتية أو في شتى أصقاع العالم الثالث برهن أن نقل الماركسية إلى المناطق التي تأخر فيها التحول إلى الرأسمالية 0 هو نقل للتخلف إلى الماركسية ..
ذلك أن الماركسية في جوهرها ,نقد للمجتمع البرجوازي. و هي تكتسب مشروعيتها كفلسفة تغيير من قدرتها على تعرية عيوب الليبراليه لجهةالتخوم النهائيه اللتي سترسمها لسيرور ة تحسين الشرط البشري. و تصبح الماركسية أداة لتكريس التخلف عندما تمارس عملها النقدي ل.. الليبراليه في شروط التحول المتأخر إلى الرأسمالية ,لأنها –في هذه الشروط- تضع نفسها في مواجهة التقدم التاريخي و ليس بجانبه ..
لقد سقط من الماركسية في طريق رحلتها إلى العالم الثالث الكثير من عناصرها:
لقد سقطت العقلانية و سقطت الديموقراطية و سقطت نسبية الحقيقة و سقطت الأنسيةو سقط المنهج المادي الجدلي التاريخي
و و صلت الماركسية إلى العالم العربي نصوصا مقتطعة من سياقها يسهل حفظها و اجترارها و لا ينقصها إلا استخدام أحكام النون الساكنة و التنوين لتصبح نصوص جماهيرية..
لقد تحولت الماركسية من عدة شغل فكرية متطورة قادرة على طرح الأسئلة, إلى اجوبة جاهزة تريح العقل. و جرى تطويق تخومها الخارجية بسلسلة من الاستحكامات و الأسلاك الشائكة لمنعها من أي حوار مفيد مع الورش الفكرية الأخرى التي افتتحها العقل البشري في درب مغامرته لإنتاج المعنى..
* * *
أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية /60/ مليون دولار لصالح تبديل مناهج التعليم في أفغانستان بعد سقوط الحكومة الشيوعية في كابل . كانت تلك هي القمة التي بدأ بعدها الإنحدار في العلاقة الأمريكية مع الأصولية الإسلامية . هذه العلاقة التي استهلكت معظم النصف الثاني من القرن العشرين. و كان ذلك جزءا من استراتيجية أمريكية لاستخدام الدين داخل فسيفساء الملل و النحل في الحوض العربي- الإسلامي , لمواجهة مفهوم علماني للقومية يلعب على الصراعات الدولية ليحمي مشروعه التحديثي ..
من إندونيسيا سوكارنو ,وحتى جزائر بن بيلا مرورا بمصر عبد الناصر ,كان معسكر عدم الانحياز" منحازا" في العين الأمريكية إلى المعسكر الاشتراكي .. وبدت النزعة القومية العلمانية ملاطا مناسبا لتعبئة الشقوق بين الأكثرية والأقليات الدينية داخل هذا الحوض ,لنخب اختارت منهجا اكثر استقلالية عن الولايات المتحدة الأمريكية.
و في كل مكان من الحوض العربي – الإسلامي اختارت نخبة الحاكمة هذا النهج كان الطريق مفتوحا بين الولايات المتحدة و تنظيمات الإخوان المسلمين في هذه البلدان لبلورة تحالف طويل الأمد ضد ما يجري.
كانت براغماتية متبادلة في أساس هذا التحالف. و لذلك فإن الأصولية الإسلامية عندما شبت عن الطوق في المرحلة اللاحقة كانت تهمة العمالة للأمريكان وراءها و ليست أمامها, بدليل أن الجمهور الذي فقد الثقة بالخطاب القومي- العلماني للحداثة لم يشكل له ما ضي هذه العلاقة حاجزا لا يمكن اجتيازه ..
لقد أخذت الأصولية الإسلامية عن القومية- الاشتراكية نزعتها الشعبوية و برنامجها المعادي للإمبريالية الأمريكية. و لكنها داخل الأيديولوجية النضالية للقومية - الاشتراكية استبدلت المفردات العلمانية بالمفردات الإسلامية الأكثر إلفه لأنها مستقاة مما يسميه محمد أركون بالرأسمال الرمزي للمجتمعات المتأثرة بالظاهرة الإسلامية..
و هي من هذه الزاوية قد استخدمت اللغة الأكثر توصيلا و ما يعنيه ذلك من قدرة على التجييش لا تقارن بما استخدمته ضرتها"القومية – الاشتراكية"
* * *
تنافس المفهوم العلماني للقومية – الذي تطعم بالصيغة السوفيتية للاشتراكية- مع الايديولوجية الإسلامية , للهيمنة على الفضاء العقلي .."للبرجوازية الصغيرة" - و هي في الشروط التاريخية لبلدان العالم الثالث الشريحة الأكثر راديكالية من باقي الشرائح الاجتماعية-. و قد ادى التنافس بين الطرفين للدخول في مباراة تملق للنزعات الزئبقية للبرجوازية الصغيرة .
لقد تعاركت القومية – الاشتراكية مع الاشتراكية الإسلامية و الديموقراطية – الاجتماعية مع الشورى .
و عندما أصبحت الأجزاء العليا من البرجوازية الصغيرة في مجرى تحولها إلى برجوازية دولة ميالة للتصالح مع قوى السوق ظهرت البنوك الإسلامية التي مررت مفهوم الربا من عنق زجاجة اللاهوت الإسلامي ..
و هكذا برهن الإسلام عن تنوع رأسماله الرمزي و جاهزيته لأن يمنح طيفا واسعا من الشرائح الاجتماعية, التنويعات المناسبة من الخطابات الأيديولوجية الصالحة للاستخدام في المعركة السيسيولوجية الدائرة للإستحواز على راية الصراع مع الغرب بمنظومتيه الرأسمالية و الاشتراكية ..
عندما ننظر للخطاب الإسلامي و الخطاب العلماني " الليبرالي - القومي- الماركسي " بأنها خطابات تتنافس على جر نفس العربة تصبح جهة الجر هي المعيار ..
فليس الجر إلى الماضي كالجر إلى المستقبل . و ليس التقدم بخطوات متزنة قوية كالقفز المكلف و الخطر .. ولكنها البرجوازيه الصغيره وحدها من تمتلك هذه الرشاقه !!!
كان عقد الخمسينات من القرن العشرين عقد الممكنات المبذولة على قارعة الطريق العربي نحو التحديث ..
و كانت الصيغة السوفيتية للتحديث هي الأوفر حظا بتضافر عدة عوامل:
1-) العامل الإسرائيلي: الذي أعطى لمنّظري البرجوازية الصغيرة العربية المسلحين بالماركسية الأيديولوجية الفرصة لنزع الصفة الوطنية عن البرجوازية و إزاحة مشروعها الليبرالي للتحديث من الطريق.
2-) الشغب الذي مارسته الماركسية الأيديولوجية على وعي أنتلجينيسيا لم تبلغ مرحلة النضج أو بعبارة أخرى مستعارة من الراحل ياسين الحافظ لم تمتلك بعد ما يسميه " بالوعي المطابق"..
3-) فقدت الليبرالية بريقها في العين الأمريكية نظرا لأن الحامل الاجتماعي للمشروع الليبرالي في المنطقة قد نشأ وترعرع في المرحلة الكولونيالية .. و بالتالي فقد كان بشكل عام أوروبي الهوى.
4-) قاد الصراع الأوروبي- الأمريكي على النفوذ ما بعد الحرب العظمى الثانية إلى ظهور الجيوش على المسرح السياسي بدعم أمريكي شبه علني للديكتاتوريات العسكرية.
5 ــ)حكمت هذه"الاستراتيجيه " السياسة الأمريكية- رغم ظهور الجنرالات ذوي الجذور ألفلاحيه- ذلك لأنها فضّلت أن تتقاسمهم مع منافسها القوي "الاتحاد السوفيتي" على دعم برلمانات لا تستطيع ضبط الشارع الهائج بفعل تشرنق علاقات الانتاج الرأسمالي داخل المدن .التشرنق الذي خلّق الشروط السسيولوجيه لاعادة انتاج التجربه السوفييتيه"تعميق التحول الراسمالي عبر بوابة راسمالية الدوله "..
6ـ) كانت لعبة الدومينو مع السوفييت تخلق شرط خارجي ممانع لتجذّر الليبراليه عربيا في المستويات الثلاث "السياسه,الايديولوجيه,الاقتصاد " وتفتح الطريق عريضا لاستبدال البرلمانات بالدكتاتوريات العسكرية ,وصبّ هذا المزاج الأمريكي ـ السوفييتي "زيتا على زيتون "الشروط السسيولوجية المحليه السائدة ..
7ـ) في ظل التخلّي الأمريكي عن الخطاب الليبرالي, وفي ظل التحالف السوفييتي مع الخطاب القومي ـالاشتراكي انفتح الطريق لتحالف أمريكي مع الأصولية الإسلامية لمواجهة الديكتاتوريات الموالية للسوفييت ولمواجهة الطابع الشعبي للخطاب القومي- الاشتراكي بخطاب منافس له في شعبيته..
إن تضافر هذه الظروف قد شدّ المنطقة نحو الديكتاتورية العسكرية كنقطة تقاطع إرادات كل من السوفييت والأمريكان والبرجوازية الصغيرة كطبقة مسيطرة داخل عملية التحول المتأخر نحو الرأسمالية .
* * *
إن موقف ماركس النقدي من البرلمان كوسيلة سياسية في يد البرجوازية ينسجم مع كامل الموقف النقدي الماركسي من نمط الإنتاج البرجوازي بعد أن أصبح نمطا مهيمنا في مجتمعات أوروبا الغربية. و الماركسية عندما تواجه الليبرالية في إطار هذا الشرط الموضوعي فإنها تضع نفسها في خدمة التطور التاريخي لا في مواجهته..ذلك أن نقدها ينصب حينئذ على الليبرالية بعد أن تحولت إلى أيديولوجيا تزيف وعي الطبقة العاملة وتمنعها من رؤية موقعها الحقيقي في عملية الإنتاج, وكمية الغبن التي تلحقها بها علاقات الإنتاج الرأسمالية..
إن الماركسية بهذا المعنى هي وعي الطبقة العاملة لذاتها كطبقة(1 ) مهيمنة, قادرة على أن تكون الحامل الاجتماعي لنمط الإنتاج الإشتراكي, مثلما أن الليبرالية هي أيضا وعي البرجوازية لذاتها كطبقة مهيمنة قادرة على أن تكون الحامل الإجتماعي لنمط الإنتاج الرأسمالي. وعلى ذلك فإن الماركسية في شروط الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية يمكنها أن تتحول بسهولة إلى وعي زائف إذا فقدت حسها التاريخي ,ذلك لأنها ستكون وعيا بدون بوصلة ,وستصبح جزأ من الضوضاء الفكرية التي تلف المجتمعات المتخلفة..
لقد أنتجت الماركسيةالايديولوجيه أو شاركت في إنتاج الكثير من الزوابع الثورية العالم ثالثية ,ولكنها كانت في نتائجها أقرب إلى" زوبعة في فنجان" بمقاييس الأحلام التي راودت المناضلين السياسيين تحت راية الماركسية ..

و لا يمكن تفسير ذلك إلا بانتفاء الطابع الجدلي لعلاقة الوعي بالشروط الموضوعية في ذهن ماركسيي العالم الثالث.. فالإرادة التي هي مشتق الوعي احتلت في هذه النسخة المتخلفة من الماركسية دور المارد المحبوس , يكفي أن تحك الأنتلجنسيا المسلحة بالماركسية وعي الجماهير لتنطلق إرادة هذه الأخيرة, من قمقم الشروط الموضوعية و تبدأ بخلق المعجزات ..
لقد تلاقت الماركسية العالم ثالثية مع القومية – الاشتراكية على معاداة الليبرالية من منطلق الإدعاء بتجاوزها. و لقد أزال ذلك ما تبقى من عقبات أمام الديكتاتوريات العسكرية. لا بل إن البركات الماركسية قدمنحت لكل جنرال قرر لهذا السبب أو ذاك أن يمد يد الصداقة" للمعسكر الاشتراكي" , ومنح انقلابه العسكري لقب ثورة.إن الفشل الذي لاقته الماركسية في العالم الثالث لا يمكن تفسيره إلا في إطار ما يسميه محمد أركون (بسسيولوجيا النجاح او الفشل) (2) .
بمعنى أن فكرا معينا يمكنه أن ينجح هنا وأن يفشل هناك تبعا لتمايز الشرط السوسيولوجي . فالرشدية على سبيل المثال ذوت في العالم الإسلامي و أينعت و أعطت ثمارها في أوروبا.
و أظن أن العقلانية الرشدية قد وئدت في العالم العربي- الإسلامي مع اندحار الإرهاصات الأولى للتحول الرأسمالي الذي شهدته الخلافة العباسية( الفاصل البويهي)
إن الرشدية هي الذروة التي وصل إليها الخطاب العقلاني في الثقافة العربية – الإسلامية , الذي شكل" الاعتزال" عموده الفقري . و لقد غادرت الرشدية العالم العربي – الإسلامي إلى أوروبا بعد أن خسر حاملها الاجتماعي( الرأسمالية التجارية) معركته بفعل الاجتياحات الرعوية " التركيه ,المغوليه" للحواضر الإسلامية و التي منحت لنمط الإنتاج الخراجي دما جديدا بتوليدها لعصبيات رعوية جديدة ,حافظت على الصيغه الامبراطوريه للدوله في العالم العربي –الاسلامي وصولا الى المرحلة الكولونياليه(3)..
إن فشل العالم العربي -الإسلامي في إنجاز التحول من نمط الإنتاج الخراجي , إلى نمط الإنتاج البرجوازي في القرون الأولى من الألفية الثانية الميلادية , و نجاح هذا التحول لاحقا في أوروبا الإقطاعية , قد بدأ يوسع الفجوة بين ضفتي المتوسط بالمعنى الاقتصادي – الاجتماعي، و بالمعنى الثقافي أيضا ..
و لعل الغربة - التي تعيشها الثقافة الأوروبية عند محاولتها الانغراس في الفضاء الثقافي العربي – الإسلامي - نتاجا لانغلاق و تحجرا لثقافة الإسلامية على لحظة ما قبل الرشدية. و لذلك فإن إعادة الديناميكية للثقافة الإسلامية انطلاقا من إعادة ري الجذر العقلاني فيها, و إعادة استحضار اللحظة الرشدية بجذورها الممتده في القرن الرابع الهجري "يسميه اركون الفاصل البويهي " من ركام الثقافة الإسلامية , قد يسّرع كثيرا في تقليص مساحة الاغتراب التي تعانيه الثقافة الأوروبية الوافدة و تمهد التربة لانغراسها عميقا في الفضاء الثقافي الإسلامي ..
و لا حاجةللتذكير أن الإصلاح الديني في أوروبا قد جرى في مجرى تحول أوروبا الغربية إلى نمط الإنتاج البرجوازي . أما المآل التراجيدي للإصلاح الديني الذي باشره الأفغاني, فقد يجد تفسيره في الاكراهات الإقتصادية – الأيديولوجية المرافقة للتحول المتأخر الى الرأسمالية.
لقد كان الخط البياني انحداريا من الأفغاني إلى محمد عبده إلى رشيد رضا إلى حسن البنا .....الى مسك الختام ألزرقاوي.
و مع التقدم الذي أحرزته الثقافة المكتوبة على الثقافة الشفهية في العالم العربي – الإسلامي , شهدت حركة إحياء التراث خللا خطيرا في التوازن لمصلحة الجناح الاتباعي على الجناح الإبداعي.كما ان المعركة على احتلال الفضاء الثقافي الإسلامي التي اندلعت في القرون الهجرية الخمسة أو الستة الأولى بين الجناحين, تجدد كسبها من قبل الجناح الاتباعي في القرن المنصرم. و يكفي التأكد من ذلك بإجراء استبيان بسيط بين جمهور المؤمنين لقياس مستوى معرفتهم بابن رشد الغزالي أو ابن الإسكافي ابن قيم الجوزية على سبيل المثال . و يكفي تتبع المرجعية العقائديه للحركات الأصولية الإسلامية الراهنة, لاكتشاف أن جذورها تمتد الى ابن حنبل و تلامذته من فقهاء الموجة الرعوية التركية, التي ساهمت في قطع سيرورة التحول من نمط الإنتاج الخراجي إلى الرأسمالية قبل عشرة قرون..
إن إعادة استلهام تجربة التنوير الإسلامي التي باشرها المعتزلة , عبر إضاءة ما راكمته في الثقافة العربية- الإسلامية ,هي نقطة انطلاق جيدة لمباشرة إصلاح ديني احتاجه الإسلام قبل ألف عام, و يحتاجه العالم الإسلامي الآن ليخفف آلام مخاض خروجه من رحم القرون الوسطى إلى العالم المعاصر..فالكثير من التشنجات و التمزقات في الوعي التي نعيشها كعرب ومسلمين لا نجد تفسيرها إلا في شروط الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية, حيث الضغوط الخارجية هائلة على القشرة المتكلسة لكل من البنيتين :
التحتية و الفوقية لنمط الإنتاج الخراجي ..
* * *

يكشف إلقاء الضوء على لحظتين مفصليتين من تاريخ التدخل الأوروبي بشؤون المنطقة تمايزا يقتضي تفسيره..
اللحظة الأولى في مطلع الألفية الميلادية الثانية " الحملات الصليبية الأولى "
اللحظة الثانية قبل خواتيم هذه الألفية بقرنين " المرحلة الكولونيالية "
فالتدخل الأول كانت نتائجه تجديد شباب نمط الإنتاج الخراجي السائد في المنطقة ..
أما التدخل الثاني فقد أدى إلى تحطيم هذا النمط من الإنتاج, و الانتقال إلى شكل خاص من نمط الإنتاج الرأسمالي هو نمط الإنتاج الكولونيالي (4)..
في اللحظة الأولى كانت المجابهة عسكرية بحتة بين مؤسستي العنف في كل من نمطي الإنتاج الإقطاعي السائد في أوروبا و الخراجي السائد في المنطقة .
كان العمود الفقري لمؤسسة العنف الإقطاعية هم النبلاء المفلسون, أي الأبناء غير الأوائل الذين حرمهم نظام التوريث السائد من حقهم في التملك . و هو النظام الذي حفظ لنمط الإنتاج الإقطاعي قدرته على البقاء بتعطيل آلية تفتت الملكية .
وبمعنى آخر كان جيش النبلاء المفلسين – من احد الوجوه - تعبيرا عن محاولة نمط الإنتاج الإقطاعي للتوسع على حساب نمط الإنتاج الخراجي .
الملفت للنظر أن هذا المشروع بمجرد اندحاره عسكريا في نهايات القرن الثاني عشر ,دخلت المنطقه في سيرورة -1- سياسيه: ادت لاعا دة إنتاج الامبراطورية -2-أيديولوجيه: ادت الى هيمنة الاسلام السني داخل الامبراطوريه العثمانيه ,والاسلام الشيعي داخل الامبراطوريه الصفويه- 3-اقتصاديه: تسّيد علاقات الانتاج الخراجيه .. وبإختصار فإن نمط الإنتاج الخراجي لم يتأثر جراء احتكاكه العنيف طيلة ثلاثة قرون مع نمط الإنتاج الإقطاعي رغم أن التوازن بين مؤسستي العنف فيهما ظل مختلا لثلاثة قرون لصالح نمط الإنتاج الإقطاعي ..
هذه الواقعة تلفت النظر إلى ضرورة التمعن في علاقة أنماط الإنتاج بعضها ببعض بالاستعانة بالماركسية. ذلك أن خللا مماثلا في التوازن العسكري - أنتج اللحظة الثانية بعد ستة قرون - أدى إلى نتائج مباينة على صعيد مصير نمط الإنتاج الخراجي.
لقد تحطم هذا الأخير بواسطة الضغط على مؤسسة العنف فيه .
السؤال: لماذا صمد نمط الإنتاج الخراجي في الحالة الأولى و لم يستطيع في الحالة الثانية ؟
قبل البدء في الإجابة نلفت النظر إلى أن الإصلاحات, سواء التي بوشرت في مركز السلطنة العثمانية في عهد السلطان محمود الثاني, أو في مصر محمد علي , بدأت بمذبحة للإنكشارية عام /1826/ في مركز السلطنة و بمذبحة مشابهة للمماليك في مصرعام -1811-. و الآن لنتفحص في الطابع الاقتصادي لما يسمى بالإصلاحات :
لقد نشأت الضرورة للانتقال إلى الملكية الخاصة تحت ضغط مارسته الرأسمالية(الانجليزية- الفرنسية- الألمانية) بعد تحولها إلى إمبريالية على السلطان العثماني, في سياق الإمتيازات التجارية التي كانت تطالب بها هذه الدول السلطان العثماني. و كان طابع الملكية العامة السائد في نمط الإنتاج الخراجي المهيمن, يشكل عائقا كبيرا أمام تشكل مراكز ثروة منفصلة خارج السياق الهرمي لتجميع الفائض الذي يتربع على رأسه السلطان. ذالك إن جوهر ما يسمى ببيت مال المسلمين’ و الذي يحتكر الخليفة حق التصرف بمحتوياته, هو كونه نقطة تلاق للجداول التي يتم فيها بزل الفائض الذي ينتجه المنتجون في إطار نمط الإنتاج الخراجي المهمين. و الخليفة الذي يحتكر سلطة التحكم بهذا الفائض المتجمع في بيت مال المسلمين, يظل ممسكا بزمام هذه العملية الاقتصادية طالما ظل ممسكا بزمام مؤسسة العنف في إطار عصبية ما .
ورغم أن الإسلام قد أقرّت تشريعاته بوجود الملكية الخاصة , إلا أنه في مجرى تحوله إلا مشروع إمبراطوري, مارس قيودا على تحويل الأرض كوسيلة إنتاج إلى ملكيات خاصة,و أبقى بشكل عام على الأرض كملكية عامة للأمة , و للخليفة حق التصرف بخراجها . ( تعود جذور هذا الموقف دينيا الى أسلوب تصرف النبي محمد بعيد فتح خيبر, ولاحقا الى موقف عمر بن الخطاب حيال اراضي السواد بعد فتح العراق ) إلا أن هذا المنصب الذي تحول في سياق الجدل اللاهوتي / العسكري الذي اندلع بعد وفاة الرسول محمد ,إلى محور دوران العصبيات المتغلبة, أصبح هو أيضا " المنصب" مركزا لتجمع الفائض المبزول من قبل المنتجين في إطار علاقات الإنتاج الخراجية السائدة قبل الفتح الاسلامي بقر ون.
إن هذا التطابق بين المركز: اللاهوتي – العسكري- المالي, هو حالة مستمرة في التاريخ القديم و المتوسط للاجتماع البشري في المنطقة. فمن الملوك الآلهة إلى الخلفاء المسلمين ظل محور دوران الاقتصاد و الأيديولوجية و السياسة موحدا بواسطة مؤسسة العنف, و هو الذي يفسر بقاء الديكتاتورية الصيغة المهيمنة لممارسة السياسة .. * * *
إن التحول الى الراسماليه الذي أنجز شوط منه في البنية الاقتصادية لازالت أمامه أشواط في البنيتين:الايديولوجيه والسياسيه.في اطار هذا الفهم يمكن اعادة النظر جذريا في احكام القيمة, التي أطلقت جزافا في الخمسين سنة الماضيه على الانجازات في الايديولوجيه وفي السياسه اللتي تحققت ....إن الزحزحه على صعيد الايديولوجيه من الليبراليه الى القوميه –الاشتراكية, بفعل اثر الفكر الاشتراكي على حركة التحرر الوطني العربيه الذي كرّس له مهدي عامل مؤلفيه التنظيريين(في التناقض –في نمط الانتاج الكولونيالي)" لم تتمخض في البنيه السياسيه عن نقلة الى الأمام..بل ّ ولدت اوهاما غطت التراجعات في البنية ألسياسيه عن الانجازات التي تحققت في المرحلة الكولونيالية (( الدساتير, البرلمانات ..الخ ..)).. لا بل ان الانزياح الايديولوجي هذا تحول الى حالة استعصاء عقلي- -نفسي للانتلجنسيا اليساريه .. لفكفكته يجب استحضار لوكيش وابحاثه في "الدوغما , والصرامة العقلية".أصبحت إشكالية التحول من نظام راسماليةالدولة الى الدولة الرأسمالية, نقطة انطلاق لداحس وغبراء لاهوتيه, داخل هذا الاستعصاء العقلي الذي تمخض عن دخول الماركسية الى المنطقه عبر الفلتر السوفييتي .. الا ان الحجاب الايديولوجي يصبح اكثر سماكة حيال العولمة, وما تعنيه من تبد ل نوعي في التوسع الراسمالي (( انتقال التوسع من دائرة التبادل الى دائرة الانتاج )) وانعكاس ذلك على بنية البرجوازيه في الاطراف ,التي شلّحتها اللينينية ومشتقاتها دورها, وأعطته للبروليتاريا ألمقدسه ..كيف لهذا الركام الايديولوجي ان يعيد ترتيب نفسه, ليصبح أداة شحذ للإرادات الجمعية للأمة, باتجاه تعميق التحولات الراسماليه في البنيتين الاقتصاديه والسياسيه ؟..تلك هي مهمة الانتلجنسيا التي لم تضيع حسها النقدي حيال النصوص مهما كانت مصداقيتها ..

مراجع:
1-مهدي عامل-مقدمات نظرية-ج2-في نمط الإنتاج الكولونيالي.
2- للتوسع-انظر أعمال أركون-ترجمة وتعليق هاشم صالح.
3-مهدي عامل-مصدر سابق.
4-= = = =

سامي العباس



#سامي_العباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب العقائدي
- برسم الانتلجنسيا العربية
- ملاحظات على هامش الماركسية الايديولوجية
- الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط
- مشتركات الوعيين الاسلامي - السوفييتي
- رد على لؤي حسين
- قصة من مجموعة -ابطال من هذا الزمان
- بيان من اجل الليبراليه
- الماركسيه في الاستخدام
- أزمة الرأسمالية ثانية
- ملاحظات حول مسودة الورقة السياسية للجنة الوطنية لوحدة الشيوع ...
- أزمة اليسار السوري – محاولة للرؤية


المزيد.....




- نتنياهو يعلق على قبول حماس وقف إطلاق النار والسيطرة على الجا ...
- لوكاشينكو: العالم أقرب إلى حرب نووية من أي وقت مضى
- غالانت: عملية رفح ستستمر حتى يتم التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح ...
- الرئيس الجزائري: لا تنازل ولا مساومة في ملف الذاكرة مع فرنسا ...
- معبر رفح.. الدبابات تسيطر على المعبر من الجانب الفلسطيني مع ...
- حرب غزة: هل يمضي نتنياهو قدما في اجتياح رفح أم يلتزم بالهدنة ...
- اتحاد القبائل العربية في سيناء.. بيان الاتحاد حول رفح يثير ج ...
- كاميرا مثبتة على رأس الحكم لأول مرة في مباراة الدوري الإنكلي ...
- بين الأمل والخوف... كيف مرّت الـ24 ساعة الماضية على سكان قطا ...
- وفود إسرائيل وحماس والوسطاء إلى القاهرة بهدف هدنة شاملة بغزة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي العباس - العرب نظرة الى المستقبل