أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - مجدى زكريا - عندما نتعرض للاساءة















المزيد.....

عندما نتعرض للاساءة


مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 3903 - 2012 / 11 / 6 - 20:55
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


يقال ان فى الانتقام لذة. ولا عجب فى ذلك, فمن الطبيعى ان تغمرنا مشاعر النقمة حين يجرحنا احد او يسئ الينا بطريقة ما. فاحساسنا الفطرى بالصواب والخطأ يقتضى ان يرفع الظلم. لكن السؤال الذى ينشأ : هل من سبيل الى ذلك ؟
ثمة درجات متفاوتة من الاساءة والظلم تتراوح بين الصفع او الدفع او الاستخفاف والتهجم الشفهى او الاعتداء الجسدى او السرقة او غير ذلك. فأية مشاعر تساورك حين تلحق بك اهانة ما ؟ كثيرون اليوم يهددون ويتوعدون قائلين : سأجازى الفاعل اشد جزاء.
ففى ميدان العمل, تعمد اعداد متزايدة من الموظفين الناقمين الى الثأر من ارباب عملهم باتلاف او شطب معلومات مهمة من شبكة الكمبيوتر التابعة للشركة. اما اخرون فيبيعون اسرار المؤسسة او يفشونها لمن يهمه الامر. وبالاضافة الى سرقة الملفات الالكترونية, كانت ولا تزال سرقة ممتلكات الشركة وسيلة شائعة يعتمدها الموظفون للثأر من مستخدميهم, حسبما تورد صحيفة ذا نييورك تايمز. وللحد من ذلك, تطلب شركات كثيرة من احد موظفى الامن ان يرافق المستخدم المطرود الى مكتبه وينتظره حتى يلملم حاجياته ثم يرافقه الى خارج المبنى.
ولكن فى معظم الاحيان, يميل المرء اكثر الى الانتقام حين يكون المسئ فردا من عائلته او احد اصدقائه او زملائه اللصيقين. فالمشاعر المجروحة جراء كلمة فظة او تصرف طائش تؤدى فى اغلب الاحيان الى ردود فعل انتقامية. فاذا خاطبك صديقك بلهجة قاسية, فهل ترد عليه بكلمة لاذعة ؟ وان ازعجك احد افراد عائلتك لسبب ما, فهل تخطط للنيل منه ؟ حقا, ما اسهل ان نتصرف بهذه الطريقة حين يكون المسئ واحدا من المقربين الينا ؟
عواقب الانتقام الوخيمة
غالبا ما يلجأ المتأذون الى الانتقام ليخففوا من الالم العاطفى الناجم من الاساءة. على سبيل المثال, يخبرنا الكتاب المقدس انه حين علم ابناء الاب العبرانى الجليل يعقوب ان شكيم الكنعانى اغتصب اختهم دينة, استاءوا وغضبوا جدا. وللرد على هذه الفعلة النكراء, دبرا ابنا يعقوب شمعون ولاوى مكيدة ضد شكيم واهل بيته. فعمدا الى خدعة ماكرة ودخلا المدينة الكنعانية ثم قتلا جميع الذكور بما فيهم شكيم.
وهل هدأت الاحقاد باراقة كل هذه الدماء ؟ لاحظ رد فعل يعقوب حين علم بالمجزرة التى ارتكبها ابناه, فقد وبخهما قائلا : " جعلتمانى منبوذا اذ اخبثتما رائحتى عند سكان الارض . . . فيجتمعون على ويضربوننى, فأفنى انا وبيتى ". فعوض تسوية الامور, كان لتصرفهما الانتقامى رد فعل معاكس. فقد وجب على عائلة يعقوب ان تتوخى حذرها من اى هجوم قد يشنه جيرانها المحتدمون غضبا مما كان سيعرضهم للابادة. وللحؤول دون ذلك على الارجح, امر الله يعقوب بالانتقال مع عائلته الى منطقة بيت ايل.
تبرز الاحداث المحيطة باغتصاب دينة ابنة يعقوب درسا مهما, غالبا ما يجر الانتقام مزيدا من الانتقام, فتكر السبحة ومثالها حوادث الثأر فى صعيد مصر. وهذا ما يبرهن صحة المثل الالمانى القائل : " المنتقم لن يفلت من الانتقام ".
حلقة مفرغة من الالم
اذا وضع المرء الانتقام نصب عينيه وصب اهتمامه على الثأر ممن اخطأ بحقه, يخرب نفسه ويحطم حياته. يذكر كتاب المسامحة - كيف تتصالح مع ماضيك وتواصل حياتك : " السخط يأكلك, انه يستنزف وقتك وطاقتك فيما تقلب فى عقلك تجارب الماضى المؤلمة, تلعن فى باطنك الذين اساءوا اليك, وتحيك المكائد لتجازيهم بمثل شرهم ". ويصف الكتاب المقدس هذا الوضع وصفا حيا بالقول : " الغيرة نخر للعظام ". امثال 14 عدد 30.
فكيف للانسان ان ينعم بالسعادة اذا كان صدره يجيش بغضا وحقدا ؟ اوضح احد الكتاب : " ان كنت ترى فى الانتقام لذة. فتفرس فى وجوه الذين كرسوا حياتهم له طوال سنوات ".
تأمل ايضا فى ما يحصل فى بقاع كثيرة من الارض حين تشتد حدة التوترات الاثنية والدينية. فاعمال القتل غالبا ما تجر فى اعقابها اعمال قتل اخرى, مما يغرق الناس فى دوامة لا تنتهى من البغض والموت.
مثلا, حين اودت قنبلة بحياة 18 شابا وشابة خلال هجوم ارهابى, صرخت امرأة مفجوعة : " ينبغى ان نكيل لهم الصاع الف صاع ". وهكذا تتفاقم الاعمال الوحشية وينجرف عدد متزايد من الناس فى تيار الحروب.
" عين بعين "
يتذرع البعض بالكتاب المقدس لتبرير مواقفهم الانتقامية, مستندين الى شريعة " العين بالعين والسن بالسن ". للوهلة الاولى, يبدو ان هذه الشريعة تعزز الاخذ بالثأر. لكنها فى الواقع ساهمت فى كبح اعمال الانتقام المتهورة او الحد منها. فكيف ذلك ؟
اذا هاجم الاسرائيلى اسرائيليا اخرا واقتلع عينه, قضت الشريعة ان تنزل به عقوبة عادلة. ولكن لم يكن من حق الضحية ان يعاقب هو بنفسه المهاجم او احد افراد عائلته. فقد اوصت الشريعة برفع المسألة الى السلطات الملائمة, اى القضاة المعينين, لتسويتها حسب الاصول. ومعرفة الجانى انه سيعاقب بالمثل اذا ما ارتكب عمدا اعمالا اجرامية او عنيفة شكلت رادعا قويا عن الاخذ بالثأر. الا ان الامر لا يقتصر على ذلك.
فقبل ذكر شريعة العين بالعين والسن بالسن. قال الله لأمة اسرائيل بفم موسى : " لا تبغض اخاك فى قلبك . . . لا تنتقم او تضمر ضغينة ". لاويين 19 عدد 17 و 18.نعم, لا ينبغى ان ينظر الى هذه الوصية على حدة بل على ضوء الشريعة بأكملها التى اوجزها يسوع المسيح بوصيتين : " تحب الهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل عقلك وتحب قريبك كنفسك ". فكيف ينبغى اذا ان نتصرف فى حال ارتكبت بحقنا اساءة ما ؟
اتبع سبيل السلام
يصف الكتاب المقدس الله ان " اله السلام " ويحث عباده ان يطلبوا السلام ويسعوا فى اثره. لكن هل هذه الوصية عملية فى ايامنا ؟
خلال خدمة يسوع على الارض, بصق عليه وضرب على رأسه. كما اضطهده اعداؤه وخانه احد اصدقائه الاحماء وتخلى عنه اتباعه. فماذا كان رد فعله ؟ كتب الرسول بطرس : " ما كان يرد الشتم وهو يشتم, ولا كان يهدد وهو يتألم. بل بقى مسلما امره لمن يدين بالبر ". بطرس الاولى 2 عدد 23.
يجرى حثنا على التمثل بيسوع وتبنى موقفه من المعاملة الظالمة التى قاساها. قال يسوع نفسه فى الموعظة على الجبل : " احبوا اعداءكم وصلوا لاجل الذين يضطهدونكم, لتكونوا ابناء ابيكم الذى فى السموات ".
فكيف يتصرف الذين يتحلون بمحبة شبيهة بمحبة المسيح حين يؤذيهم احد او يخيل اليهم ذلك ؟ تذكر الامثال 19 عدد 11 " بصيرة الانسان تبطئ غضبه, وجماله ان يتجاوز عن المعصية ". كما انهم يحملون على محمل الجد الحض التالى " لا تدع السوء يغلبك, بل اغلب السوء بالصلاح ". روما 12 عدد 21. فيا للتباين الصارخ بين هذه الكلمات والروح الانتقامية المتفشية فى عالمنا اليوم. فالمحبة الاصيلة تساعدنا ان نكبح الرغبة العارمة فى الانتقام وبالتالى نتجاوز عن المعصية لأن المحبة " لا تحفظ حسابا بالأذية ". كما تقول كورنثوس الاولى.
ولكن هل يعنى ذلك ان علينا تقبل الوضع بخنوع فى حال وقعنا ضحية جريمة ما او هددت حياتنا ؟ طبعا لا, فعندما قال الرسول بولس " اغلب السوء بالصلاح " لم يقصد ان نتوق الى مقاساة العذاب. ففى حال تعرضنا لهجوم, من حقنا دون ريب ان ندافع عن انفسنا. وحين يعتدى علينا او تنتهك ممتلكاتنا, فقد نستنجد بالشرطة, اما اذا صارت الاساءة من زميل لنا فى العمل او المدرسة, فبامكاننا ان نلتفت الى المسؤولين المعنيين.
ومع ذلك, يحسن بنا ان نبقى فى ذهننا ان العدل الحقيقى فى نظام الاشياء هذا صعب المنال. وفى الواقع, يفنى كثيرون حياتهم بحثا عنه انما ليستولى عليهم اخر الامر شعور بالمرارة والاستياء وتذهب امالهم وجهودهم ادراج الرياح.
فضلا عن ذلك, مامن شئ احب الى قلب الشيطان من ان يرى الانتقام والاحقاد تمزق الناس. لذا من الاولى بنا ان نتذكر كلمات الكتاب المقدس : " لا تنتقموا لأنفسكم ايها الاحباء, بل اعطوا مكانا للسخط, لأنه مكتوب : " لى الانتقام, انا اجازى يقول الرب ". روما 12 عدد 19. وكم تثبت الايام صحة هذا القول الحكيم. وحين نترك المسألة بين يدى الله, نوفر على انفسنا الكثير من الالم والغيظ والعنف,



#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ينبغى ان يختار الاولاد دينهم الخاص ؟
- قسطنطين الكبير - هل كان نصيرا للمسيحية ؟
- لاتكونوا تحت نير غير متكافئ
- التكيف بفرح فى عالم محموم (3)
- ثمن محاولة انجاز الكثير (2)
- نمط حياة هذا العالم المحموم (1)
- اكتشافات مذهلة - عند خط الاستواء
- هل افلت زمام السيطرة على الشر ؟
- خرطوم الفيل
- وجه المسيحية المتغير - هل يرضى الله ؟ (2)
- وجه المسيحية المتغير - هل يرضى الله ؟
- المتطوعون وهم يعملون (2)
- المتطوعون - هل يفيد وجودهم ؟ (1)
- هل يعقل ان تحدث العجائب ؟
- حياة ذات معنى - كيف نجدها الان ؟ (2)
- ما السبيل الى حياة ذات معنى حقيقى ؟ (1)
- موت احد الاولاد
- كيف تجعل زواجك ناجحا ؟ (2)
- زيجات على شفير الانهيار (1)
- المذكرات - صديق جدير بالثقة


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - مجدى زكريا - عندما نتعرض للاساءة