أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - خمسون وهماً للإيمان بالله [1]















المزيد.....

خمسون وهماً للإيمان بالله [1]


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 3869 - 2012 / 10 / 3 - 10:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


50 وهماً للإيمان بالله
غاي هاريسون
ترجمة إبراهيم جركس

مقدّمة
((الآلهة عبارة عن أشياء هشّة، يمكن قتلها والقضاء عليها بنسمة واحدة من العلم أو جرعة من المنطق والحس السليم)) [تشابمان كوهين]
((لم تتعرّض أي آلهة للخطر أو تصاب بالأذى خلال تأليف هذا الكتاب))
[غاي هاريسون]

لطالما طرحت على العديد من المؤمنين في جميع البلدان التي زرتها على مدى سنوات عديدة السؤال الرئيسي التالي: لماذا تؤمن بإلهك أو بالآلهة؟ وهذا الكتاب بمثابة رد على خمسون من أكثر الإجابات التي سمعتها شيوعاً. العديد من الناس قدّموا لي أسباباً مشابهة عملياً لاعتقادهم، بالرغم من كونهم أتباع ديانات متعارضة. لقد تعلّمت أنّ الآلهة يمكن أن تكون مختلفة بشدّة والمؤمنون قد يكرهون ويقتلون بعضهم البعض معظم الأحيان، لكنهم متفقون على نحو مذهل حول سبب إيمانهم.
لقد اكتشفت أيضاً أنّك إذا سألت المؤمنين في شوارع القدس، القاهرة، باريس، نيروبي، نيودلهي، أثينا، سوفا، نيويورك، وبورت مورسبي عن سبب إيمانهم بآلهتهم، فالإجابات التي تسمعها مختلفة بشكل كبير عن الضجة الصادرة عن علماء اللاهوت وفلاسفة الدين. أغلب المسيحيين الذين قابلتهم حول العالم _على سبيل المثال لا الحصر_ لا يبقون بالاً لأعمال القديس توماس أكويناس أو سي إس لويس. والحال أنهم سيخبرون أي شخص يسألهم أنهم يؤمنون أنّ يسوع هو الإله الحقيقي والفعلي لأنّ الكتاب المقدّس يقول ذلك أو لأنهم يشعرون به وبحضوره أثناء صلاتهم. هناك في العالم الواقعي أنا أرى أنّ المؤمنين غير مهتمين بالحجج الملتوية بعض الشيء للآلهة والتي تتضمّن تخيّلاً للكمال، التعقيد غير القابل للنقصان، أو قوانين الديناميكا الحرارية. بخلاف التكوينيين المحترفين والمدافعين عن نظرية الخلق والتكوين، فإنّ معظم المؤمنين الذي تحدّثت معهم لا يشعرون بحاجة للاستشهاد بقوائم طويلة لا تنتهي من الدلائل المشكوك في صحتها في محاولة منهم لإثبات أنّ إلههم هو الحقيقي والفعلي الوحيد. إنهم "يعرفون" أنّ آلهتهم حقيقية لأنّهم "يؤمنون" بأنها كذلك. إنهم يؤمنون لأنهم يعتقدون بأنهم يجب أن يقوموا بذلك إذا أرادوا أن يكونوا أشخاصاً صالحين. إنهم يؤمنون لأنّ العالم "مثالي وكامل" أو "جميل" على الأقل. إنهم يؤمنون بإله لأنه الطريق الوحيد الذي عرفوه.
هذا الكتاب ليس محاولة لنفي وجود الآلهة. كما أنه ليس محاولة لمهاجمة أي دين معين. بل إنه عبارة عن رد مهذّب لأشخاص محترمين حول العالم أطلعوني على الأسباب التي دفعتهم للإيمان بالله أو بالآلهة، ليس أكثر. هناك العديد من الكتب التي تسعى لتحدي الاعتقاد بالله أو الآلهة والتي تعتبر من قبل المؤمنين بأنها عدائية ومتغطرسة. لقد عزمت على القيام بمحاولة مخلصة لكي لا يشعر المؤمنون بتلك المشاعر حول هذا الكتاب. فهذا الكتاب يخلو من أيّة نداء أو نغمة تنازل. أنا لا أعتقد بأني أذكى من المؤمنين، كما أني لا أتفق مع أي أحد يظن أنّ عقول المؤمنين مغلقة وغير قابلة للانفتاح. ردودي الخمسون على التبريرات الشائعة للإيمان بالله يمكن قراءتها كأحاديث صداقة الغرض منها تحفيز ملكة الفكر النقدي على الناس. أنا لست مهتماً بالفوز في الجدالات أو في إهانة أي شخص. أنا فقط أرغب بتشجيع القرّاء للتفكير بشكل أعمق حول أسباب إيمانهم بالله.
سيلاحظ القرّاء بأني لا أسعى لتضييق مجال هذا الكتاب وجعله مقتصراً على الأديان الشائعة في الوقت الحالي في الغرب. برأيي جميع الآلهة متساوية، بغضّ النظر عن عدد الناس الذين يؤمنون بها في هذه اللحظة من التاريخ. إنّ شكوكي حول كلٍ من رع وأبوللو، على سبيل المثال، لا تقل أو تزيد عن شكوكي حول يسوع أو الله. فخلال هذا الكتاب سأكتب عادةّ عن الإله بصيغة الجمع بدلاً من المفرد. قد يبدو ذلك غريباً بعض الشيء بالنسبة للقرّاء الذين اعتادوا السماع والحديث عن إله واحد فقط. وحقيقة الأمر أنّ هناك آلاف الآلهة الأخرى والتي يزعم أتباعها وبثقة عمياء بأنها الآلهة الحقيقية الوحيدة. إنّ عدم لقدرة على الاعتراف بهذه الحقيقة البالغة الأهمية هو بمثابة تحامل جاهل تاريخياً وثقافياً. إنّ الإنصاف والمنطق يتطلّبان منا أن نحترم مشاعر المؤمن الملتزم والغيور على دينه والذي يرى العديد من الآلهة في الغابة والإغريقي القديم الذي رأى عدّة آلهة وهي تجلس فوق قمّة جبل تماماً كما يفعل موحّدو اليوم الدين يرون إلهاً واحداً يعيش في السماء.
أغلب الناس يظنون أنّ الإيمان الديني يجب أن يتعالى عن الشك والسؤال أو أنّه حصين بطريقة ما. أنا أخالفهم الرأي. هناك الكثير من النقاط الجيدة التي يمكن أن تتخلّل كل دين من أديان العالم. وأنا لا أنكر ذلك. لكنّ الجانب السيئ والأسود من الدين فلا يمكن التغاضي عنه. فعندما يكون لادعاءات وجود الآلهة والخلافات الناجمة عنها وقع سيء وسلبي على السلام العالمي، تربية الأطفال، تطوير علاجات وأدوية حديثة، سلامة المرأة وتحسين أوضاعها، وعملية التقدم العلمي، عندها يجب تحديها ووضع الحدود اللازمة لها.

الوهم الأول: إلهي واضح وحقيقي
((إذا تكلّم الله، فلماذا لم يقتنع العالم؟)) [بيرسي بيشي شيللي]

على الأرجح إنّ السبب الأكثر شيوعاً الذي يدفع الناس للإيمان بالله هو زعمهم أنّ إلههم حقيقي بشكل واضح. إنّ وجود الله بسيط جداً وواضح لغاية لدرجة أن مجرّد الاستماع للحجج المضادة أو الشكوك ما هو إلا مضيعة للوقت. على الأرجح أنّ أغلبية مؤمني العالم غير مهتمين في بحث واستقصاء مسألة وجود آلهتهم ومناقشتها لهذا السبب بالضبط. فهم لا يرون أي إمكانية بأنهم قد يكونون مخطئين بشأن افتراضاتهم لأنّه من الواضح بالنسبة لهم أنّهم محقّون. ففي النهاية، إنّ إلههم في كل مكان. وهو الذي خلق كل شيء. إلههم يستجيب للصلوات. ويدير الكون ويسيّره. ولا شيء آخر أكثر وضوحاً من إلههم، كما يقولون. أغلب المؤمنون ينظرون إلى الاقتراح القائل بأنّ إلههم غير موجود مثيراً للضحك والسخرية.
سواءٌ أكان واضحاً أم لا، فالإيمان بالآلهة يجب تحدّيه ووضعه أمام الاختبار. المؤمنون يدينون للعالم ولمستقبلنا الجماعي على الأقل لسماع واعتبار الأسئلة الرئيسية عن الآلهة. هذه المزاعم لا يمكن تمريرها لأنّهم مرتبطون بنوع من أخطر أنواع السلوك الإنساني وأكثرها خلافيةً. إذا أصرّ قسم كبير من جنسنا على التمييز، الكراهية، القتل، والتخلّف العلمي باسم الآلهة، عندئذٍ ألا نكون نحن مدينون بذلك لأنفسنا للمحاولة على الأقل تأكيد ما إذا كانت هذه الآلهة حقيقية أم ليست حقيقية؟
لقد وجدت أنّ أغلب المؤمنين هم في الحقيقة أناس متشكّكون جداً. لقد تحدّثت مع مسلمين والذين يشكّلون فئةّ عالمية لديها شكوكها حول موضوع المسيحية. إنّهم يعرفون عملياً كيف يصنعون الكثير من الثقوب والفجوات في كل مقولة من مقولات ذلك الدين. وأغلب المسيحيين الذين التقيتهم تحليليين بشكل قاسي وهمجي ومليئين بالشك عندما يتعلّق الأمر بمقولات الإسلام. بإمكانهم تفكيك أي حجة إسلامية بفعالية كبيرة. لقد قرأت القرآن وهو لا يبدو لي ككتاب كامل منزل من عند الله. والمسيحيون أيضاً يشعرون بذلك نحوه. إنهم يوافقونني الرأي بأنّ على المسلمين أن يكون متشكّكين أكثر حول مزاعم محمد وادّعاءاته وأن يسعوا خلف الدليل والإثبات. لكنني أيضاً قرأت الكتاب المقدّس وقد اتضح لي بأنه ليس كتاب مثالي أو كامل أو أنه منزل من عند الله. والمسلمون يوافقونني الرأي بأنّ المسيحيين يجب أن يكونوا أكثر حذراً وتشكّكاً حول الكتاب المقدّس وأن يلتمسوا الدليل أيضاً. طبعاً كل هذا الشك سرعان ما يختفي ويزول عندما يتمّ تسليط الضوء على ديانة كل منهم. والحقيقة، تظهر فقط عندما يكون الجميع متشكّكين باستثناء عندما يتمّ تسليط ضوء التمحيص والنقد على "حقائقهم الواضحة". لسوء الحظ، إنّ دينهم أو معتقدهم هو الشيء الوحيد الذي ينبغي عليهم تحدّيه وطرح الأسئلة حوله. من غير المنطقي على الإطلاق أن يقوم المؤمن بإعفاء دين معيّن من السؤال والبحث وبشكل اعتباطي من بين آلاف الأديان الأخرى. فجميع الأديان تستحقّ نفس الدرجة من البحث والتمحيص، حتى ذلك الدين الذي أخبرك أبواك عنه خلال فترة طفولتك بأنّه الدين الصحيح.
المأزق الذي يفرض نفسه في حالة من يؤمن وبأي إله وكيف يؤمن به يجب أن يشغل تفكير الناس المتديّنين، أو على الأقل يجعلهم فضوليين. فمثلاً، لماذا الإله "الواضح" بالنسبة لأكثر من مليار مسلم غير معروف أو معترف به بالنسبة للخمس مليارات الباقية من غير المسلمين الموجودون على سطح الكرة الأرضية اليوم؟ حوالي خمسة أسداس البشر لا يؤمنون به. لا شيء أكثر وضوحاً عند المسيحيين من يسوع. إذن لماذا هناك أكثر من أربع مليارات إنسان لا يؤمنون بألوهيته؟ حوالي مليار هندوسي يؤمنون بأنّ آلهتهم حقيقية وبوضوح. لكن هناك خمس مليارات آخرون من إخوانهم البشر لا يعترفون بذلك. سوء الترتيب هذا للاعتقاد يهدم المزاعم والادعاءات التي تقول أنّ إله أي شخص أكثر وضوحاً من غيره. أليس بمقدور الإله الواضح إقناع أغلبية _إذا لم نقل جميع_ سكان العالم بأنّه موجود وأنّه هو الإله الحقيقي؟
المؤمنون الذين يقولون أنّ إلههم حقيقي بوضوح ينبغي عليهم تفسير ذلك وتبريره. فالشجرة التي تنتصب أمامك حقيقية بوضوح. الحذاء الذي ترتديه في قدميك حقيقي بوضوح. فكيف يمكن لإله مستتر خفي وصامت (بالنسبة لنا جميعنا على الأقل) أن يكون حقيقاً وبوضوح؟ لا ينبغي أن يكون صعباً إقناع الآخرين إذا كان الإله حقيقياً بالفعل؟ طبعاً، سرعان ما بذل المؤمنون جهوداً كبيرة وجبّارة في محاولتهم إظهار للآخرين الآلهة "الساطعة بوضوح". كل شيء من الأغاني والكتب المصوّرة إلى المهمات التبشيرية والغزو العسكري، جميع هذه الأمور تمّ اللجوء إليها واستخدام لإثبات أنّ إله معينّ هو "الإله الواضح والحقيقي". بطبيعة الحال، ولسبب ما كانت النتائج مختلطة. اليوم، بعد انقضاء ألفي سنة على المسيحية وألفٍ وأربعمائة عام على الإسلام، على سبيل المثال لا الحصر، ما زال هناك أكثر من نصف سكان الأرض يعتقدون أنّ هاتان الديانتان خاطئتين وغير حقيقيتين. كيف يمكن تفسير ذلك إذا كان كل من يسوع والله إلهان واضحان وحقيقيان؟
أي إله حقيقي وواضح يجب أن يون مُدْرَكاً ومعترفاً به بالنسبة لأي شخص, حتى الملحدين. أنا لا أعتقد أنّ أغلب الملحدين سينكرون الواضح. لا يمكنني التحدث نيابةً عن جميع الملحدين لكن بالطبع أنا منفتح على احتمال أن تكون الآلهة موجودة. فأنا لن أغلق عيني أو عقلي أبداً على الأدلة والبراهين الساطعة والحجج المنطقية المقنعة. فأنا شخص فضولي وأودّ أن أعرف قدر الإمكان حول كل شيء. لن أنكر أي تأكيد علمي على وجود الله. فإذا قام الإله الإفريقي فيدي موكولو بالنزول فوق متنزّه التايمز سكوير غداً، وسأهرع من فوري إلى أقرب تلفاز أو شبكة إنترنت لأعرف كل تفصيل يتعلّق بهذا الحدث التاريخي. سأكون متحمّساً ومسروراً، ولن أكون مستاءً. وأول رد فعل لدي سيكون محاولتي اللقاء به ومخاطبته وتعلّم كل شيء منه قدر الإمكان. أنا شخص شغوف جداً بالعلم وأجد متعة كبيرة في تعلّم كل شيء عن آخر الكائنات المجهرية المكتشفة في أعماق المحيطات أو السلوك الغريب جداُ للذرات. لا يمكنني أن أدير ظهري وأنفر من أي اكتشاف غير عادي _ومن ضمنه وجود الله_ حتى وإن حاولت. إذا قام المجتمع العلمي العالمي بتقديم دليل قاطع ومؤكّد بأنّ فيدي موكولو أو أي إله آخر بأنّه حقيقي، عندها لن أبقى متمسّكاً بآرائي بعناد. بل سأكون ممتمنّاً للغاية بأني عرفت شيئاً جديداً ومهماً. فإذا كان هناك آلهة حقيقة بالفعل فإنني عندها سأكون راغباً جداً بمعرفتها وبصدق.
المشكلة هنا هو أنّ ما يبدو واضحاً وحقيقياً بالنسبة للعديد من المؤمنين سيبدو أبعد ما يكون عن الوضوح بالنسبة لغير المؤمنين. فالقصص والروايات التي وردت في الكتاب المقدس لم تقنع غالبية الناس بأنّ إلهاً ما معين هو الإله الحقيقي. كما أنّ مجرّد الإشارة إلى تعقيد الكون لم يكن كافياً أيضاً. عند هذه النقطة من الزمن يبدو من المشكوك فيه أن يأتي أي شخص بأي شيء يثبت أنّ إلهاً ما حقيقي وواضح بشكل لا يقبل الإنكار أو الشك. فعلى مدى قرون طويلة، بذل الكثيرون _رجال دين لامعين، رهبان، أئمّة، كتّاب ومؤلّفين، وحتى العديد من العلماء_ أقصى جهودهم ليثبتوا للعالم كله بأنّ إلههم هو الحقيقي والواضح. لكن لم يستطع أي منهم أن يقترب من النجاح ولو حتى قليلاً. اليوم بات بإمكان أي طالب في المرحلة الثانوية يمتلك فهماً كافياً للمزاعم والادّعاءات الدينية وتعليماً علمياُ جيداُ، أن يهزم، أو على الأقل أن يلقي بعض ظلال الشك، على كل حجّة لله تمّ وضعها من قبل أعظم العقول الدينية على مرّ التاريخ. لا أقول هنا أنّ توماس أكويناس، أو مارتن لوثر، أو سي إس لويس، أو جوناثان إدواردز، جميعهم كانوا أغبي من شاب في المدرس الثانوية. إنّما ما أريد قوله هنا أنّ هناك حاجة ماسّة للعتاد عندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن أيّة مزاعم تدّعي أنّ إلهاً ما حقيقي وواضح.
ومع ذلك، قد يقول لنا المؤمن، أنّ هناك أحد ما في الأعلى. ربمّا نكون قد فهمنا الاسم بشكل خاطئ أو ربّما قد تكون الأديان المنظّمة قد أفسدت القصص وحرّفتها، لكن لابدّ أنّ الله قد خلق كل شيء. لابدّ أنّ الله قد خلق العالم بشكل دائري. وهذا واضح بالفعل. والحال أنّه حتى الادعاء المبهم كهذا الادّعاء ليس واضحاً بالنسبة للجميع. فهناك الكثير من الناس حول العالم الذين لا يؤمنون بأي إله من الآلهة. فحسب عالم الاجتماع فيل زوكرمان، من بين خمس مليارات وسبعمائةٍ وخمسون مليون شخص حالياً لا يؤمنون بأيٍ من الآلهة (Zuckerman 2005). هذا عدد ضخم طبعاً. وهو أكثر إثارة ممّا يبدو من اللمحة الأولى لأنّ زوكرمان لم يشمل ضمن حساباته سوى ما أسماه بـ"الإلحاد العضوي organic atheism". فالملحدون العضويون، كما يقول، هم غير مؤمنون بحق يعيشون ضمن مجتمعات حرّة نسبياً وقادرون على الإيمان أو عدمه من دون خوف أو وجل من عقوبة صارمة تنزلها عليهم حكومة مستبدّة.
إذن من هم أولئك الخمسمائة للسبعمائة وخمسون مليون كافراً من دون أي إله في حياتهم؟ هل هم معقّدو العالم ومجانينه؟ هل هم تلك النوعية من البشر التي تملأ السجون؟ الأمر لا يبدو كذلك. إنّ بحث زوكرمان يظهر أنّ هؤلاء الكفّار جاؤوا في الغالب من أأمن، وأصح، الأمم وأكثرها تعلًماُ، وخيريةً، وتقدّماً تقنياُ، وأقلّها جرائم في العالم. فالبلدان التي تشتمل على أكبر نسبة من غير المؤمنين ومن ضمنها البقع اللامعة كالسويد، الدانمرك، النرويج، اليابان، كندا، وفرنسا. هؤلاء الناس هم ليسوا من أغبياء العالم. فإذا كان إله ما حقيقي بالفعل، فالأرجح أنهم سيكونون أذكياء بما يكفي لمعرفته ونزيهين بشكل كافٍ للاعتراف به.
هناك فئة أخرى من الناس تستحق منا أخذها بعين الاعتبار وهم العلماء. لماذا لا يرى هؤلاء العلماء تلك الآلهة "الواضحة" التي يتحدّث عنها أتباعها؟ بالرغم من الحقيقة القائلة أنّ الولايات المتحدة من أكثر الأمم تديناً، إلا أنّ غالبية النخبة العلمية والمثقفة من الأمريكان هم من غير المؤمنين. كشف كل من الباحثان إدوارد لارسون ولاري ويتهام عن هذه الحقيقة بدراسة على أعضاء الأكاديمية الوطنية للعلوم عام 1998. وقد وجدا أنّ حوالي 7 بالمئة فقط من هؤلاء العلماء المحترمين يؤمنون بوجود إله. أمّا 93 بالمئة البقية فقد أشاروا أنّ لا وجود لإله واضح بالنسبة إليهم [American Atheists 1999]. لكن كيف حدث ذلك؟ إنّ قدرة العلماء المعاصرين على اكتشاف وملاحظة الأحداث والظواهر البعيدة والقريبة هائلة.فالعلماء قادرون على دراسة الفيروسات، الجزيئات، الذرات، وحتى أجزاء الذرة. وهم قادرون على الرؤية لماوراء نظامنا الشمسي ومجرّتنا لمسافات شاسعة. يمكنهم حتى الرؤية للخلف عبر الزمن من خلال تصوير الفضاء البعيد. لكن بالرغم من كل هذه القدرات والإمكانيات، لم ينجح أي أحد في اكتشاف ولو أثر ضئيل على وجود الإله في كل هذا الزخم الكوني. فبعد كل هذا البحث، الاستماع، والتقصي، ما زلنا نمتلك مجرّد حجج ضعيفة وروايات شهور عيان تفتقر للمصداقية لدعم فكرة وجود الله. أنا لست متأكّداً كيف يمكن لأي شخص يظنّ إلهه واضحاً تفسير ما يدور في عقول هؤلاء العلماء غير المؤمنين. يمكننا الافتراض وبأمان أنّ هؤلاء أشخاص أذكياء جداً. ولهذا السبب هم من النخبة. فإذا كان هناك إله حقيقي وواضح خلق الكون، والأرض وكافة أشكال الحياة عليها، ألا تظنّ عزيزي القارئ أنّ أفضل علماء الفلك الأمريكان، الجيولوجيين، والبيولوجيين سيكونون هم أول من يؤمنون بذلك الإله؟ ألا تعتقد أنّ المحترفين الأذكياء الذين كرّسوا حياتهم وجلّ وقتهم للبحث والاستكشاف والتجريب والتفكّر حول الحياة والكون سيكونون هم أول من يتعرفون على الله؟ كيف يمكن تفسير حقيقة أنّ أذكى وألمع الأشخاص على سطح الأرض لم يتوصّلوا حتى الآن إلى سبب مقنع للإيمان بالله؟ كل ذلك يعني على أقل تقدير أنّ مسألة عدم وجود الآلهة بعيدة كل البعد عن الوضوح.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله والعلم (2/2)
- الله والعلم (1/2)
- الله والإلحاد
- اختلافات التجربة الإلحادية: بول كليتيور
- الإله: الفرضية الخاطئة
- فيروس الإله [4]
- فيروس الإله [3]
- فيروس الإله [2]
- فيروس الإله: مقدمة
- فيروس الإله [1]
- القرآن في الإسلام (بحث في معصومية القرآن وموثوقيته)
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 3 ترجمة: إبراهيم جركس
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 2
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 12 ترجمة: إبراهيم جركس
- المأزق الأخلاقي للحروب
- القرآن المنحول [1]
- التاريخ النصي للقرآن (أرثر جيفري)
- الله: فيروس عقلي مميت [2]
- الله: فيروس عقلي مميت [1]
- قفشات -أمّ المؤمنين-: هنيئاً لكم


المزيد.....




- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - خمسون وهماً للإيمان بالله [1]