أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حسين سرمك الحلقة 9 الأخيرة: رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين















المزيد.....

حسين سرمك الحلقة 9 الأخيرة: رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3864 - 2012 / 9 / 28 - 17:23
المحور: الادب والفن
    


رواية – الإرسي - لسلام إبراهيم:
نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق..

حسين سرمك حسن*




# التقسيم والعناوين :
———————-
.. يمكن أن نعدّ القصة القصيرة فنّاً ، ولكن الرواية “علم” إذا جاز الوصف ، فالروائي يجب أن يتحلى بصبر عالم في مخبره (ألهذا لا يتحمل الكاتب العراقي الرواية – كتاب القصة القصيرة أضعاف الروائيين – هو الذي لا يتحمل الصبر والمطاولة ؟!).. عليه أن يخطط لعمله بصورة كلّية ، ويضع تصوّرا لأدق التفاصيل – الرواية فن التفاصيل والجزئيات – .. عليه أن يحدد وظيفة ودور ودلالة أي مكوّن من مكوناتها . ويبدو أن (سلام إبراهيم) قد خطط لكل هذه النواحي بدرجة معقولة كفلت له تقديم نص روائي متماسك ومتفرّد. لقد قسم الكاتب عمله إلى قسمين : الأول أسماه : في برزخ الإرسي، أما الثاني فهو “في برزخ الجبل”.
البرزخ في كلام العرب هو الحاجز بين الشيئيين ، والمانع من اختلاطهما وامتزاجهما . قال تعالى ( وجعل بينهما برزخا) أي حاجزا، والبرزخ في الشريعة ؛ الدار التي تعقب الموت إلى البعث، فكل من مات من مؤمن أو كافر دخل في البرزخ، وتتكون دار البرزخ من عذاب القبر ونعيمه وعرض أرواح المؤمنين على الجنة، وأرواح الكافرين على النار. وقال ابن القيم: عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، قال تعالى ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) وبرزخ (سلام إبراهيم) هو برزخ الخراب والعذاب سواء أكان في علية الإرسي أم على قمم الجبال .. والفارق عن المفهوم الديني الشائع هو أن مكوث سلام في قبره / برزخه قد طال .. طال كثيرا فأخذ حياته بكاملها.. ثم أنه لم “يُعرض” لتنتهي محنته ويخلص.. استغرق “حسابه” عمرا كاملا. وإذا كان البرزخ لغة واستعمالا قرآنيا يعني ما يحجز بين شيئين ويمنع امتزاجهما، كما يفصل عالم القبر بين موت الإنسان وبعثه يوم القيامة، فإن برزخ "سلام" كان يفصله عن الحياة.. عن الناس .. عمّن يحب .. عن الأمل .. لا هو في عالم الأحياء ولا هو في عالم الأموات .. إنه “في البرزخ” يتقلب على جمر العذاب.. في برزخ الإرسي حُوسِبَ وأدُخِلَ الجحيم وشوي – بعد أن كان رخاما – روحا وجسدا وآمالا على ألسنة لهيب الخيبة والإنخذال والإنهجار والخسران . ولكنها كانت جزءا من أخيلة واستيهامات قبر الإرسي المفزعة التي عاد منها إلى جحيم أكثر بشاعة وهولا. ومن في البرزخ يُحاسب لينتهي به الأمر إما في الجنة وإما في النار .. هكذا ببساطة.. أما "سلام" فقد عاش عمره وهو ينتظر الحساب .. وحساب على ماذا ومن ؟ ومتى .. لقد كان يُعاقب.. نعم يُعاقب من دون أدنى ذنب.. عوقب على أفكاره وعلى انتمائه وعلى إخلاصه لرفاقه وحبّه لهم وثقته بهم . ولد "سلام" ليخسر وليُعذب .. والبرزخ عالم آخر كما بين القرآن الكريم بين الموت والحياة .. مرحلة انتقالية.. لكن في حكاية (سلام إبراهيم) .. حكاية جيلنا .. ظهر أن العراق كله.. وطننا بأكمله ما هو إلا برزخ عظيم تشوى فيه الأرواح بلا نتيجة.. وبلا سبب.. وتستغيث بلا رجاء: (ولـﭾ يمّه الحـﮕيلي) .. هذا نداء العراقي الأزلي والأبدي منذ فجر خليقته وحتى قيام ساعته التي لن تقوم ابدا..
ثم نأتي إلى عناوين الأقسام الفرعية ، لنمسك أيضا بقصديتها العالية، والمحتويات الدلالية التي تتناغم والزمان والمكان والمناخ النفسي الذي ألقي فيه بطل الرواية وواقعه الانفعالي. فقد تكون القسم الأول من الرواية : “في برزخ الإرسي” من تسعة فصول حملت العناوين التالية : المخبأ، أشواق، العمّة الجميلة، فوهة الخلاص، نافذة المساء، أخيلة الرغبة، رؤيا المدينة، رؤيا الحجر، وصرخة. وكلها عناوين ترتبط بمحدودية المكان وعزلته ومحتوياته (بشرا ومواد) واستجابات المعزول الاستيهامية بفعل العزلة ولإشباع حرماناته.
أما القسم الثاني من الرواية الذي أسماه الكاتب ” “في برزخ الجبل” فقد أشتمل على خمسة فصول خصص لها العناوين التالية: ذلّ العاشق، التسلل إلى الفردوس ليلا، أحقاد المحبة، جحيم في غروب رائق، وساحة الحشر. وكلّها تنطبق عليها الاستنتاجات السابقة آخذين بالاعتبار دخول الزوجة كموضوع للحب والتمزق ، وتحوّل المكان من الإرسي إلى الجبل، وضربة الدمار الأخيرة. وبـ “ساعة الحشر” نعود إلى اللبّ الأسود لموضوعة البرزخ العراقي، لتنغلق دائرة العذاب التاريخية علينا ونحن في برزخنا مرة أخرى وإلى الأبد.
# أنموذجان محيّران :
———————–
يحضرني هنا أنموذجان محيّران يقفزان إلى ذاكرتي وأنا ألاحق تفصيلات محنة "سلام". الأول هو أنموذج واقعي يتمثل في صديق مناضل من حزب إسلامي عراقي معارض.. رفض مغادرة العراق على الإطلاق.. ركب زورقا واقترب من الشاطئ الإيراني المقابل للخلاص في عام 1991 لكنه طلب من قائد الزورق العودة إلى البصرة!!. هُدم بيته في عام 1991 على أيدي القوات العراقية .. سُجن في معتقل “الرضوانية” الرهيب وأفلت من الإعدام بقدرة الله وحده.. والمصيبة أنه كان آخر جندي عراقي ينسحب من الكويت في عام 1991.. وعندما سألته عن السبب وهو معارض للسلطة البعثية وكاره لها ، أجاب : في عائلتنا يعدون الانسحاب عاراً!!
أما الأنموذج الثاني فهو أنموذج سردي متخيّل في رواية من أدب الحرب الكبير في أوروبا ويتمثل في بطل رواية “كل شيء هادئ" في الميدان الغربي” لريمارك الروائي الألماني الذي اختص في أدب الحرب الذي يدعو بعض الكتاب العراقيين – وقسم منهم جنود فارون – إلى حرقه. هذا البطل الحقيقي ذاق أبشع العذابات .. الموت.. الحرمان.. الانفصال عن أمه المريضة وأخته.. قتل رفاقه الستة أو بُترت أطرافهم واحدا بعد الآخر.. سيقوا إلى الخدمة العسكرية وهم في ذروة مراهقتهم بفعل غسيل أدمغتهم من قبل مدرسهم الذي ضحكوا عليه لاحقا عندما سيق بدوره إلى الجيش.. تعرضوا لضربة كيمياوية مدمّرة بال على نفسه بسببها جندي مستجد معهم.. لم تكن لدى الجيوش الغربية إجازات دورية وكان الجندي لا يرى أهله إلا بعد انتهاء الحرب.. عاد إلى مدينته بتكليف رسمي لأيام وجيزة لم يستطع فيها التآلف حتى مع كتبه ومحتويات غرفته التي كانت أليفة فصارت غريبة ومقززة.. عاد ليجد عائلته وأهالي مدينته يعيشون الذل والهوان ويعانون المجاعة ويقفون طابورا للحصول على “عظم”!! ومع ذلك كان مدرّسوه يعتقدون أنه بطل وأن النصر قريب (ويردس حيل الما شايفها) ، في حين يعرف هو أن الهزيمة مؤكدة.. كانت كل نقاشاتهم الشخصية، هو ورفاقه، تنصب على إدانة الحرب التي “تحصد الشباب وتجعل الشيوخ يثرثرون”.. رفضوا الحرب وجعلوا العريف المستفحل الذي دمرهم في التدريب “يخرى” ويبول على نفسه عندما واجه الموت فعلا لا استعراضا.. لكنهم قاتلوا جميعا.. وقتلوا.. بعد أن أدّوا واجبهم.. فلماذا؟.. أنا شخصيا محتار.. وأنا أؤيد تساؤلات "سلام" الصاعقة كلها لأنه يمثل جيلنا .. جيل التمزقات والضياع والخراب وأقبية الأمن العامة والبراءات (التي استعيدت بعد الاحتلال) وكيبلات الحارثية(9) والرضوانية(10)وجلاليق التسفيرات(11) وبراغيثها برغم أننا دافعنا عن وطننا .. نحن محطّمون أيها السادة .. ويمثلنا بطل "سلام"، أو "سلام" نفسه.. فهل سترمّمون وجودنا ؟
لكن هيهات .. فقد خُتم على أبواب أرواحنا بشمع الخراب الأسود.. “تحجّرنا” .. ونبذنا بلا رحمة في “إرسي” الخراب الأبدي .
تحية لسلام إبراهيم ممثل جيلنا، جيل الخراب العراقي، سلام الذي نطق بالشهادتين: شهادة الخراب، و ………….. شهادة إرسي العذاب ..
هوامش :
————
* ناقد عراقي صدر له الكثير من الكتب في النقد

(1) الإرسي – سلام إبراهيم – رواية – دار الدار للنشر والتوزيع – القاهرة – الطبعة الأولى – 2008 .
(2) و(3) و(4) لمحات من تاريخ العراق الحديث ـ علي الوردي – الجزء السادس
(5) الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان – د. عبد الوهاب المسيري – دار الفكر – الطبعة الرابعة – 2006 .
(6) المعجم الموسوعي في علم النفس – نوربير سلامي بمشاركة مئة وثلاثة وثلاثين اختصاصيا – ترجمة : وجيه أسعد – ثمانية أجزاء – دمشق – وزارة الثقافة – 2001 م .
(7) و(8) تفسير الأحلام – بيير داكو – ترجمة وجيه اسعد – دار البشائر – دمشق – الطبعة الثانية – 1992
(9) و (10) و (11) أسماء معتقلات وسجون مشهورة زمن الدكتاتور



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسين سرمك حسن8: الإرسي نطقت بالشهادتين
- حسين سرمك 7 رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين
- الإرسي 6 حسين سرمك حسن: الرواية نطقت بالشهادتين
- في مديح العمة حسين سرمك: الإرسي نطقت بالشهادتين -5-
- حسين سرمك حسن: الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة ...
- رواية – الإرسي - لسلام إبراهيم: نطقت بالشهادتين: شهادة الخرا ...
- نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق-2-..
- الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العرا ...
- مريم رواية العراقي - سنان أنطوان - العراقي جاء إلى بيْتِهِ، ...
- رواية الإرسي - الفصل 14 الأخير - ساحة الحشر
- رواية الإرسي - الفصل 13 - جحيم في غروب رائق
- الإرسي - الفصل 12 - أحقاد المحبة
- الإرسي - الفصل 11 - التسلل إلى الفردوس ليلاً
- ندوة في القاهرة عن رواية -الإرسي- لسلام ابراهيم
- الإرسي - في برزخ الجبل - الفصل العاشر - ذل العاشق
- رواية الإرسي - الفصل التاسع - صرخة
- رواية الإرسي الفصل الثامن - رؤيا الحجر -
- رواية الإرسي - الفصل السابع - رؤيا المدينة
- الإرسي - الفصل السادس - أخيلة الرغبة -
- الإرسي - الفصل الخامس - نافذة المساء -


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حسين سرمك الحلقة 9 الأخيرة: رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين