أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ما قصة روبرت فيسك؟ ماذا يريد؟















المزيد.....

ما قصة روبرت فيسك؟ ماذا يريد؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3845 - 2012 / 9 / 9 - 18:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ذهب روبرت فيسك برفقة قوات النظام السوري إلى داريا يوم قتل 245 من سكانها بحسبه هو (نحو 500 في الواقع). من قتلهم؟ "المتمردون"، حسب فيسك. نراهم في مقالته يقنصون الناس، ويقصفون بقذائف المدفعية القاعدة العسكرية الوادعة التي انطلق منها الصحفي البريطاني برفقة القوات المقتحمة للبلدة، ويطلقون الرصاص على السيارة العسكرية المصفحة التي كانت تقله مع ضباط في الجيش الأسدي. الفعل الوحيد الذي ينسبه فيسك للجيش النظامي، غير الاضطرار إلى اقتحام البلدة بعد فشل عملية تبادل أسرى لم يسمع بها أحد في العالم غير فيسك نفسه، هو الاستحمام في العراء تحت أشعة الشمس.
وبعد أيام قليلة كتب الصحفي الذي يبدو مقيما في دمشق مقالة مشينة في لا أخلاقيتها، حتى أن الإندبندنت البريطانية التي تنشر للصحفي مقالاته لم تتح، خلافا للمعتاد، مجالا لتعليقات القراء عليها (بطلب منه، يا ترى؟). تتحدث المقالة عن زيارة فيسك لسجن ما، أحد فروع المخابرات السورية على الأرجح، حيث يلتقي بأربعة معتقلين يفترض أنهم نفذوا تفجيرا في منطقة القزاز في دمشق في آذار الماضي. يجري اللقاء في مكتب ضابط المخابرات المسؤول، ويخبره السجناء أشياء تناسب السلطات السورية: أنهم سلفيون، أن بينهم مقاتلين غير سوريين (من الأربعة واحد فرنسي جزائري الأصل، وواحد تركي)، أن أحدهم تلقى تدريبا في أفغانستان على أيدي طالبان، أحد السوريييْن قال له إن المقاتلين المزعومين لصوص وقتلة ومغتصبون؛ وفوق هذا صورة بالغة اللطف للمخابرات السورية: امتثل ضابط المخابرات لطلب فيسك إخلاء مكتبه بينما الصحفي يستجوب السجناء فيه، وحين رفض فيسك اطلاع مسؤولي الفرع الأمني على ما سجل من كلام السجناء، لم يكن في وسع هؤلاء غير الامتثال لإرادته الصلبة مجددا، هذا فوق أن أحد السجناء تلقى زيارة من أبيه وأمه وأخته، وهو أمر لا يقبل التصديق استنادا إلى ما نعلم من سيرة معتقلي فروع الأمن السوريين، الإسلاميين بخاصة، إلا إن كانت القصة كلها عرْضا show مصمما حصرا لتسهيل مخادعة السيد فيسك لضميره.
هذه تغطية إعلامية جديرة بقناة "الدنيا" التي بلغ من أمانة فيسك أن يصفها في إحدى مقالاته الأخيرة بأنها... ليست مناهضة للأسد.
لكن لماذا يفعل الصحافي البريطاني ذلك؟
قد يكون هناك ما لا نعلمه، لكن بناء على ما نعلم يمكن أن نجازف بتقدير تحليلي.
يشغل فيسك موقعا انشقاقيا حيال المؤسسات السياسية والإعلامية الرسمية في الغرب. وهو يهتم كثيرا بهجاء كاميرون وهيغ، والسخرية من أوباما وكلينتون، والتعريض بميركل... والتشكك فيما تقوله الصحف والمنابر الإعلامية الأميركية والغربية. سياسات القوى الغربية أنانية، والمؤسسات الإعلامية الغربية غير مستقلة ولا تقول الحقيقة، ولدى فيسك أقوى دافع ممكن للتمايز عن مواقفهما وسردياتهما: يبني هويته بالذات على هذا التمايز. وصحيح أن الرجل الذي يعرف "الشرق الأوسط" منذ أربعين عاما ليس ساذجا جدت ليصدق ما يقوله إعلام النظام السوري وأشباهه، إلا أن اهتمامه بنقد هذا الإعلام عارضٌ لضعف صلته بما يرغب من تعريف لنفسه ودوره. لتكذيب السردية الغربية قيمة مطلقة في عين فيسك، فيما بالكاد يشغل التحفظ على السردية الأسدية قيمة نسبية. ما الذي يضيع من هذا التقابل؟ كل شي مهم وجديد. الثورة السورية التي يناسب منظور السيد فسك المتمركز حول الغرب بدرجة لا تقل عن عتاة يمينيي الغرب أن تبدو مؤامرة غربية، وهو ما يناسب النظام السوري تماما. ما يضيع أيضا هو شبكة واسعة جدا من التغطية الذاتية لها على يد إعلاميين غير محترفين في أكثريتهم الساحقة، ويقبع بعضهم اليوم في معتقلات النظام حيث يرجح أن يتعرضون لتعذيب ومعاملة لا يشتهي المرء مثلها للسيد فيسك.
في انشداده إلى معارضة "المينستريم" الغربي يعرض فيسك في الواقع تمركزا تاما حوله، لا يقف عند التجاهل التام لتمثيل الثورة السورية لنفسها (لا يحيل في عشرات من مقالاته التي اطلعت عليها إلى التغطية الذاتية للثورة، ولا إلى أي كتاب أو ناشطين سوريين)، بل يتدنى حتى تمايزه النسبي عن سردية النظام إلى حد تبنيها وترويجها عالميا. هل يمكن لهذا الحد من العمى أن تكون أسبابه فكرية وسياسية فقط؟
ولا يقتصر الأمر على أن الرجل يعمى عن أكبر حدث في التاريخ السوري المعاصر، أو يضعه في منظور ضال إلى هذا الحد، بل إنه يشكل قفا منقوديه في "المينستريم" الغربي من حيث اقتصار منهجه في التحليل على الطائفية والجغرافيا السياسية حصرا. يحرص بصورة وسواسية على أوصاف علوي ومسيحي وسني... لكل شي يعرض في سبيله: الأحياء، القتلى، المقابر، الشخصيات... إلى حد أن تبدو سورية مسرحا سلبيا لوجود طوائف متنازعة، تنازعها طبيعي ونابع من وجودها ذاته، وليس له علاقة بأشياء أخرى، نمط ممارسة السلطة مثلا، أو هيكل توزيع الثورة مثلا، أو تحالفات إقليمية ودولية مثلا. أما وجود شيء سوري إيجابي، يجمع السكان ويشدهم إلى بعضهم، بحيث يكون مشروعا، ولو بقدر ما، التكلم على مجتمع سوري وعلى شعب سوري، فليس مما يقع في عالم فيسك. ترى، ماذا يقول باري روبن وروبرت كابلان وأضرابهما خلاف ذلك؟ وبأي شيء يختلف العنصر الآخر في "منهج" فيسك، الجيوسياسي، عن تفكير "المحافظين الجدد" الأميركيين؟ هناك إسرائيل وإيران وتركيا ولبنان وحزب الله... وهناك أميركا وأوربا وروسيا...، وهناك البترول والمشروع النووي الإيراني والإرهاب، ولا يكاد يكون لبلدان المنطقة داخل اجتماعي وسياسي أو تاريخ خاص بها. وهو في هذا وفيّ لمقاربة ما سماه في إحدى مقالاته الـtink thanks اليمينية الغربية، والتفكير الغربي الرسمي منذ أيام "المسألة الشرقية".
ليس شيئا عارضا أنه ليس هناك ما هو تقدمي أو إنساني في هذه المقاربة المزدوجة التي تسقط المجتمع والاقتصاد والسكان والبيئة الطبيعية والطبقات والسياسة والأحزاب السياسية والتغير الاجتماعي والتاريخ، أي كل شيء تقريبا. ولا ينبغي أمن يكون أمرا عارضا أن يؤول الأمر بفيسك صحفيا مصاحباembedded لدبابات واحد من أشد نظم العالم وحشية، وهو يقتل محكوميه، أو أسوأ بألف مرة يزور فروع مخابرات همجية لينقل رواية لا سبيل لأحد في الدنيا إلى التيقن من صحة أية حرف منها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الصورة واضحة-: مؤامرة خارجية وإرهاب داخلي!
- سياستان موضوعيتان وسياسات ذاتية للثورة السورية
- المسألة السورية والنظام الدولي
- نظام الإبادة: من الإبادة السياسية والأخلاقية إلى القتل الجما ...
- بخصوص الثورة السورية والأخلاق
- في الجذور الاجتماعية والثقافية للفاشية السورية
- الدولة الظاهرة والدولة الباطنة في سورية
- حلب
- حوار حول مشكلة الطائفية وسياسة الأقليات
- مشاهد سورية الجديدة وملامحها
- تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة
- حقوق الأقليات أم جمهورية المواطنين؟
- فصل رابع من الصراع السوري
- على درب القيامة الكبرى في دمشق
- لماذا، وضد من يثور السوريون؟
- الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟
- في عالم انفعالات الثورة السورية
- الثورات العربية وصعود الإسلاميين السياسي
- إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-
- في جذور الحرب وامتناع السياسة...


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ما قصة روبرت فيسك؟ ماذا يريد؟