أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - دور الشبكات الصهيونية في فرنسا















المزيد.....



دور الشبكات الصهيونية في فرنسا


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 3837 - 2012 / 9 / 1 - 23:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دور الشٌبكات الصٌهيونية في فرنسا - الطاهر المعز - آب 2012

نشرت في بريطانيا نتائج استطلاع للرأي، سنة 2009، تتلخص في أن 59 بالمائة من البريطانيين يعتقدون أن الفلسطينيين هم الذين هاجموا "إسرائيل" واحتلوا أراضيها، وهي تحاول استرجاع ما افتكوه منها... وهذا يعكس ما تلقاه البريطانيون وما اختزنته الذاكرة الجماعية من أخبار ومعلومات...
كما قامت طالبة فرنسية بسبر آراء طلبة السنة الثانية في قسم التاريخ في جامعة "مونبيلييه" حول معلوماتهم عن تاريخ وجغرافية فلسطين، أثناء إعدادها أطروحة دكتوراه حول فلسطين، خلال شهري نيسان وأيار 2009 (أي بعد فترة وجيزة من القصف المحموم على غزة)، وعكست مجمل الإجابات ما كانت تروجه وسائل الإعلام والأحزاب السياسية من مغالطات وتبسيطات مقصودة، تبرر شرعية الإحتلال الصهيوني وتقدم الفلسطينيين (والعرب) كمعتدين، وتبرئ الإحتلال من مآسي اللاجئين والشعب الفلسطيني، ويعتقد ثلث المستجوبين أن "شعب غزة اعتدى على الإسرائيليين المسالمين، الذين ردوا الفعل، دفاعا عن النفس" الخ... وإذا قارنا بين مختلف استطلاعات الرأي التي نشرت بين سنتي 2009 و 2011 حول ما سمي "بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي"، نستنتج أن وسائل الإعلام هي المصدر الرئيسي لما لدى المستجوبين من معلومات وآراء، وأن الإيديولوجيا السائدة هي استعمارية معادية للشعوب المستعمرة والمضطهدة والمهيمن عليها، ومعادية للفقراء والكادحين... وتتكفل وسائل الإعلام بترويجها وتشكيل أو "صناعة" رأي عام معادي للأفكار التقدمية وللعدالة الإجتماعية، ولحركات التحرر ... وتصبح "الأخبار" دعاية مجافية للحقائق التاريخية، وتعتيما على بعض الأحداث أو تقديمها بشكل مظلل يجعل من المعتدي مدافعا عن نفسه ومن الضحية جلادا، ونظرا لسيطرة الإحتكارات على وسائل الإعلام، وانعدام التنوع وقلة البدائل، فإن الرأي العام مهيأ لقبول وتبرير الإحتلال والإعتداءات العسكرية والعنصرية واحتقار الشعوب الأخرى الخ، وبالمقابل لا يعرف معظم الفرنسيين شيئا عن اللاجئين الفلسطينيين والأسرى، ومصادرة الأراضي والقوانين والممارسات العنصرية ضد فلسطينيي الداخل (أراضي 48)الخ... أما على صعيد المؤسسات الرسمية فإن مجلس بلدية باريس صوت بالإجماع (أحزاب اليمين والحزب الإشتراكي والحزب الشيوعي وحزب الخضر...) على تسمية إحدى ساحات باريس (في موقع استراتيجي، على ضفاف نهر "السان")، باسم "ديفيد بن غوروين"، أول رئيس وزراء لحكومة العدو الصهيوني، ودشنها رئيس البلدية "الإشتراكي" بحضور المجرم "شمعون بيريس"، وكانت بلدية باريس قد أعطت اسم "ثيودور هرتزل"، مؤسس الحركة الصهيونية، و "إسحاق رابين"، لساحات أخرى في باريس، واعتقلت الشرطة 41 من المحتجين الذين تظاهروا ضد تسمية إحدى الساحات باسم "ديفيد بن غوريون"... كما بادر 112 نائب برلماني من اليمين واليسار الفرنسي إلى تنظيم مهرجان مساندة للكيان الصهيوني، وضد محاولة "السلطة الفلسطينية" تقديم ملف عضوية في الأمم المتحدة، وأنشدوا واقفين النشيد الرسمي لدولة الإحتلال... وفي الميدان الإعلامي هناك مجموعة من الصحفيين والكتاب المدافعين عن الكيان الصهيوني في كل الحالات وبدون أي تحفظ، واتهام من ينقده بمعاداة السامية، منهم آلان فنكلكروت وأندريه غلوكسمان، وإيفان ريوفول وألكسندر أدلار وفليب فال (الذي أصبح مديرا لإذاعة القطاع العام "فرانس انتار") وبرنار هنري ليفي وإيفان لوفاي، وبرنار كوشنير... كما اشتهر بعض المثقفين والباحثين (غير اليهود) بمغالاتهم في الدفاع عن جيش الإحتلال، "الجيش الأكثر أخلاقية وديمقراطية في العالم" حسب ادعائهم، مثل "بيار أندريه تاغييف"، الذي اشتهر لعدة سنوات ب"مكافحة العنصرية"، وزميلته "ميشيل تريبالا"، والمخرج "رومان غوبيل"... وقد شهروا بعدد من المثقفين والصحفيين وتسببوا في محاكمتهم، بدعوى معاداة السامية، منهم الفيلسوف إدغار موران وبيار بيان وفليب كوهين ودنيال مرميه وباسكال بونيفاس وجاك بوفراس وشارل أندرلان، والباحث في علم الإجتماع بيار بورديو (قبل وفاته)... وجميع هؤلاء المتهمين، كتاب وصحفيون "معتدلون" في نقدهم للكيان الصهيوني، ويقر جميعهم بشرعية احتلال 1948، وما نتج عنه من تهجير وتشريد وتدمير، ويعيبون على الكيان الصهيوني "الإفراط في استعمال القوة"، أو "عدم احترام المواثيق والشرعية الدولية"... وقام عدد من المثقفين والصحفيين ونواب البرلمان وممثلي الأحزاب (يمين ويسار، منها الحزب "الشيوعي") بترويج عريضة تندد بالدعوة لمقاطعة الكيان الصهيوني، ونشرت صحيفة "لوموند" افتتاحية تستنكر من خلالها نداءات المقاطعة، مما شجع الحركة الصهيونية على المضي قدما في سياسة التهديد والوعيد...
لذا فلا غرابة أن تتغلغل الأفكار الصهيونية في مختلف أوساط المجتمع، ويصبح الكيان الصهيوني، في الوعي الجمعي الفرنسي والأوروبي، امتدادا لأوروبا "المتحضرة" في قلب الوطن العربي "المتخلف والهمجي" (ويصبح الشعب الفلسطيني واللاجئون والأسرى، رمزا لهذه الهمجية ولهذا التخلف والإرهاب)، وتحاول هذه الدراسة أن تتناول الجذور التاريخية للتغلغل الصهيوني في فرنسا وموقف مختلف التيارات السياسية، ومكونات الشبكات الصهيونية في فرنسا، وإظهار العلاقة الجدلية وارتباط المصالح بين الإمبريالية والإحتكارات الرأسمالية، والكيان الصهيوني الخ...

بين الإعتداءات العنصرية وفزّاعة "اللاسامية"

تتعمّد السلطات الفرنسية التقليل من خطورة الإعتداءات العنصرية والإغتيلات ضد العرب والأفارقة، أو من تعتبرهم "مسلمين"، والانتقاص من (أو نفي) مغزاها السياسي، وتنتهج التعتيم والحصار الإعلامي والأمني والقضائي على الدوافع العنصرية لهذه الإعتداءات المتكررة، التي يقترفها في كثير من الأحيان عناصر اليمين الفاشي أو أفراد الشرطة، أو عصابات صهيونية (مثل "بيتار" أو "رابطة الدفاع اليهودي") ونادرا ما يحاكم مقترفوها، كما تتعرض المساجد ومقابر المسلمين ومنازل العرب باستمرار إلى عمليات تخريب وإلقاء النفايات ورؤوس الخنازير على عتباتها، وكتابة الشعارات والرسوم العنصرية على جدرانها وأبوابها، واعترض عدد لا بأس به من رؤساء البلديات على تملك العرب لمنازل في مدنهم ( منهم رؤساء بلديات ينتمون إلى الحزبين الشيوعي والإشتراكي)، وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة 69 بالمائة من ضحايا الإعتداءات الفاشية والعنصرية هم من العرب وأبنائهم، وذلك منذ أكثر من 40 سنة... ويتعرض العرب في فرنسا إلى هجومات عنصرية في وسائل الإعلام (محطات راديو وتلفزيون وصحف) من قبل صحافيين وكتاب و"فلاسفة" ومسؤولين سياسيين، ويدرج ذلك في خانة "حرية التعبير"، واقترفت عصابات صهيونية منظمة في شكل ميليشيات اعتداءات عنيفة (أدت إلى القتل) ضد متظاهرين أو طلبة أو مساندين للقضية الفلسطينية، وأحيانا ضد مواطنين يشتبه في أنهم عرب، ويبدو أن مقترفيها يتمتعون بحصانة أمنية وقضائية، إذ لم يقع إزعاج أي من هؤلاء المجرمين، بينما يحاكم سنويا عدد من الداعين لمقاطعة البضائع "الإسرائيلية"، القادمة من بعض مستعمرات الضفة الغربية فقط أو ما يسمونها مستوطنات غير شرعية، وتستثنى تلك القادمة من الجزء المحتل سنة 1948... كما سبق أن اغتالت المخابرات الصهيونية، في فرنسا (بمشاركة أكيدة لأجهزة الشرطة والمخابرات الفرنسية) عددا هاما من ممثلي الفصائل الفلسطينية أو المناضلين العرب المعروفين بمساندتهم للقضية الفلسطينية، ولم تعلن نتائج أي تحقيق ولم ينشر أي تقرير عن ذلك، بينما اتهمت حكومات إيران وليبيا وسوريا والعراق بتنفيذ جرائم في فرنسا ضد المصالح الصهيونية أو ضد الطائفة اليهودية، دون تقديم حجج وبراهين... وخلال الحملات الإنتخابية، تتفاقم المزايدات العنصرية والتصريحات ضد ما يسمونه "الغزو الأجنبي الذي يهدد الهوية الفرنسية" والمقصود بذلك العرب وأبناؤهم الذين يحملون الجنسية الفرنسية ... ويعتبر أي اعتداء حقيقي أو افتراضي على أي يهودي "مأساة وطنية" و"جريمة معادية للسامية" وفرصة لإفساح المجال للكيان الصهيوني للتحدث باسم كافة يهود العالم، بمن فيهم مواطني الدولة الفرنسية، وتهديد مواطنين فرنسيين آخرين، يفترض أنهم (كمجموعات) معادون للسامية وبالتالي للدولة الفرنسية وللكيان الصهيوني، وثبت فيما بعد أن هذه "الإعتداءات" وهمية، وإن حصلت فإن أغلبها لا علاقة له بالديانة أو الطائفة المفترضة لأحد أطراف الحادثة، وأحيانا أخرى هي أحداث مفتعلة من قبل الصهاينة لتأليب الرأي العام ضد العرب، ولمصلحة الكيان الصهيوني... ويتسابق ممثلو مؤسسات الدولة ورئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة، والهيئات التمثيلية والنقابات والأحزاب وممثلو "المجتمع المدني" إلى التنديد "بالجريمة (الإفتراضية) المعادية لليهود والجنس السامي" دون تريث أو تثبت من صحة الخبر ومن حقيقة وقوع الجريمة أو من مرتكبيها... وعادة ما يكتشف بعد الضجيج الإعلامي والإستغلال السياسي، أن الجريمة مختلقة وإن وقعت فإن دوافعها غير طائفية، ومرتكبوها مجرمون عاديون... ولا يقع التنويه (وإن بتأخير أو بعد فوات الأوان) أو التذكير بالحقيقة، بعد "اكتشافها"... وعرفت فرنسا عددا من قضايا الفساد والإختلاس والتلاعب بمليارات اليورو، من المال العام، هربها اللصوص والمحتالون إلى مصارف الكيان الصهيوني قبل أن يغادروا فرنسا، ولم تقع الإشارة إلى ديانة هؤلاء أو طائفتهم، ولا جنسيتهم الثانية "الإسرائيلية" (إضافة إلى الفرنسية)، وذهب ضحية هذه العمليات قضاة حاولوا متابعة التحقيق، كما جرى في قضية عرفت باسم Rue du Sentier في باريس (خلال تسعينات القرن الماضي)، على إسم شارع كان يؤم عددا هاما من مصانع ومحلات النسيج والأقمشة، تحايل أصحابها على المصارف، وأسسوا شبكة تحايل واسعة وشديدة الإحكام والنتظيم، ضمت مصرفيين وتجار كبار وقضاة وسياسيين... وهربوا أكثر من 6 مليار يورو إلى فلسطين المحتلة، قبل أن يهربوا إلى هناك... ومنذ أكثر من 10 سنوات، بدأ التواطؤ والتحالف واضحا بين اليمين المتطرف (حزب الجبهة الوطنية) والجمعيات الصهيونية في فرنسا، فعندما بلغ "جان ماري لوبان" الدور الثاني للإنتخابات الرئاسية سنة 2002، أعلن رئيس "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا" (وهو أكبر لوبي صهيوني في العالم بعد آيباك في أمريكا)، أن "هذا الحدث يعتبر تحذيرا واضحا يوجهه الناخبون للعرب والمسلين وليس ضد اليهود"، وقامت رئيسة وقادة هذا الحزب بلقاء عدد من ممثلي الكيان الصهيوني والإدلاء بأحاديث لوسائل الإعلام الصهيونية... وتعرض عدد من المثقفين ورجال الأعمال والسياسيين والصحفيين إلى تهديدات بالقتل واتصل بعضهم برسائل بداخلها رصاصة مع إشارة واضحة إلى علاقة محتوى الرسالة بالموقف من دولة الصهاينة... وطعن متطرفون صهاينة عددا من المتظاهرين ضد بعض ممارسات الكيان الصهيوني، وطعنوا ضابط شرطة كان متواجدا لحماية المتظاهرين، ولم تنشر وسائل الإعلام هذا الخبر، ولم يثر ذلك الحدث أي جدل في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، ولم يعرف مآل التحقيق، وعلى أي حال فلم يحاكم أو يسجن أحد، رغم معرفة الفاعل...

تولى "ايلي فيزل" (جائزة نوبل للسلام وصديق حميم لبرنار كوشنار) منذ عدوان 1967، قيادة تيار أيديولوجي صهيوني في فرنسا، يهمل السياق التاريخي (الأوروبي) لمعاداة السامية، و يردد أطروحة مفادها أن دفاع الفلسطينيين عن وطنهم (ووجودهم) ضد الإحتلال الصهيوني، هو " استمرار للمشروع النازي، يهدف القضاء على دولة إسرائيل الضعيفة، المسالمة، ذلك الملجأ الأخير للناجين من المحرقة، في مواجهة العرب الهمج الساعين إلى رمي اليهود في البحر"، وأن أي نقد لسياسة الكيان الصهيوني هو بمثابة المحرمات "لأن إسرائيل باتت تمثل جميع اليهود مهما كانت اختلافاتهم، ضد الأغيار (الغوييم)، وكل نقد لها يعتبر «لاسامية»، واعية أو غير واعية"... ورغم ظهور الكيان الصهيوني بوضوح ككيان عدواني خطير على كامل المنطقة العربية وكوكيل للإمبريالية فقد تمكن الإعلام والمنظمات الصهيونية من قلب المعادلة لصالحهما، سواء بعد غزو لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا (1982) أو بعد الإنتفاضتين الأولى والثانية (1987 و 2000) أو بعد الغارات المحمومة على غزة (2008 – 2009)... ولولا السند القوي الذي يلقاه اللوبي الصهيوني من قبل المؤسسات الرسمية والصحافة والأحزاب، لما كان ذلك ممكنا، فالكيان الصهيوني جزء من الإمبريالية والإحتكارات والعولمة الرأسمالية، وممثلها في منطقة استراتيجية هامة هي الوطن العربي، ولذلك سخرت (وتسخر) كل الوسائل لتبرئته وتقديمه كقاعدة متقدمة "للحضارة" الأوروبية في المشرق العربي...
مثلت أحداث 11/09/2001، وما تلاها من حروب أمريكية، أطلسية على ما سمي «الإرهاب»، فرصة للكيان الصهيوني وأنصاره لتبرير سياسة الإحتلال والقمع والإغتيالات، ووضع النضال الفلسطيني في خانة الإرهاب، وبالتالي فإن كل معارضة لسياسة المحافظين الجدد هو "عداء بدائي للديمقراطية التي تجسمها أمريكا، وعداء لإسرائيل، قلعة الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط"... واعتبر اللوبي الصهيوني كل تعاطف مع الشعب الفلسطيني، بمثابة مؤشر على تنامي العداء للسامية أي "ليهود العالم وممثلهم الشرعي والوحيد، دولة إسرائيل"، رغم إدانة بعض المؤسسات الدولية لبناء جدار الضم والحواجز والمستوطنات في الضفة الغربية ومحاصرة وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة، ورغم بعض التقارير عن الممارسات والقوانين العنصرية ضد السكان الأصلانيين في الأراضي المحتلة سنة 1948...
وتعرض بعض الصحفيين الفرنسيين والباحثين والكتاب للتهديد وللتشويه والملاحقات والطرد من العمل، والمحاكمات الجائرة... لأنهم حققوا وكتبوا عن مجازر الاحتلال الصهيوني، رغم إعلانهم مرارا وتكرارا أنهم ليسوا بالضرورة أصدقاء للعرب أو للفلسطينيين‏، وإن ما قاموا به لا يتعدى الإطار المهني (الصحفي) أو في أحسن الحالات مجرد البحث عن الحقيقة ‏‏.‏..

مصادرة حرية الرأي والتعبير:

صدر كتاب بول إريك بلانرو "ساركوزي وإسرائيل واليهود " (بلجيكا 2009) بعد العدوان على غزة (أواخر 2008 وبداية 2009)... طبع الكتاب في بلجيكيا ولم ينشر ولم يوزع في فرنسا عبر مسالك التوزيع التقليدية، وإن لم يستصدر خصومه أي حكم قضائي، وبالتالي فهو منع غير معلن، وحصار إعلامي على الكتاب ومؤلفه، وهو مؤرخ عمل على إشاعة الفكر النقدي ودعم المنهج العقلاني، على أنقاض الفكر الغيبي أو الجامد، وسبق أن أصدر كتابا سنة 2008، عن خفايا العلاقة المصلحية بين ساركوزي وكارلا بروني، مما يفسر العداء الذي يكنه له ساركوزي وحاشيته... ولم تقع الإشارة للكتاب في وسائل الإعلام، لا بالسلب ولا بالإيجاب، ويبرر أحد الناشرين ذلك "بأن قرار الحصار سياسي، صادر عن أعلى السلطات في فرنسا، ولذا لن يشار إليه، ولن يكتب سطر واحد لفائدته (أو حتى ضده) في الصحافة المكتوبة، ولن يحظى بكلمة واحدة في محطات الإذاعة والتلفزيون... وأي تجاوز أو محاولة لكسر هذا المنع غير المعلن يشتمل على مخاطر جمة لا يستطيع تحملها أي ناشر (أو أي صحفي أو أية وسيلة إعلام)، لأنها قد تؤدي إلى التشهير بدار النشر في وسائل الإعلام وقطع مصادر رزقها، واتهام القائمين عليها بمعاداة السامية، بغية إفلاسها..."، ووجب التذكير بعمليات التشهير والاعتداءات والاغتيالات التي ينفذها الصهاينة في العديد من بلدان العالم ضد المثقفين والمبدعين، وهي ممارسات تشهر بها عادة وسائل الإعلام، ومنظمات حقوق الإنسان والدفاع عن حرية التعبير، لو حدث جزء يسير منها في بلدان مثل إيران وكوريا الشمالية وكوبا... ولكنها تحدث يوميا في أوروبا وأمريكا ولا تثير اهتمام هذه المنظمات، بل تباركها بعضها (مثل "مراسلون بلاحدود") وتقدمها على أنها "دعم للديمقراطية"، ضد الإرهاب...
يذكر "إيريك بلانرو" أن نيكولا ساركوزي كان عضوا في لجنة العلاقات الخارجية لمجلس النواب وعضوا في جمعية الصداقة الفرنسية الإسرائيلية ومدافعا شرسا عن الإحتلال الصهيوني، ووصل إلى الحكم بدعم من "المحافظين الجدد" واللوبي الصهيوني ... ثم بدأ بتعيين برنار كوشنار وزيرا للخارجية وقام بزيارات عديدة لفلسطين المحتلة واستقبل ساركوزي عديد المسؤوليين الصهاينة في باريس، أثناء قصف شعب فلسطين بقنابل الفسفور...
أمٌا رفض نشر وتوزيع أي كتاب ينقد الصهيونية وتاريخها أو دولة "اسرائيل" فهي عادة فرنسية مألوفة، إذ لم تترجم ولم تنشر وثائق وكتب عديدة كتبها مؤرٌخون وباحثون "اسرائيليون"، من داخل المؤسسة الصهيونية، تتحدث عن التطهير العرقي أو تهجير الفلسطينيين بالقوة أو المجازر الصهيونية وتهديم القرى الفلسطينية الخ، مع أنها نشرت بالعبرية والإنغليزية وغيرها، وهي لا تتجاوز استحضار الوقائع بالوثائق المؤكٌدة، ولا تتجاوز المنظومة الصٌهيونية في جوهرها... كما أن متظٌمات صهيونية فاشيٌة ممنوعة في الكيان الصهيوني وفي الولايات المتحدة، تنشط بكل حرٌية في فرنسا، وقام أعضاؤها بأعمال إجرامية موثٌقة ومثبتة في الجامعات وفي الشوارع وحتى داخل المحاكم، بقيت بدون تتبع أو عقاب...
أما الكتاب فهو غير ذي قيمة من حيث التحليل التٌاريخي أو السياسي، ولا يختلف مضمونه عن المألوف من الخطاب الإنساني وفي أحسن الحالات، يطالب بتطبيق "قرارات الشرعية الدولية" (التي هي جزء من نكبتنا)، أوتطبيق عقوبات ضد الكيان الصهيوني "إلى أن تطبق إسرائيل القانون الدولي" (والقانون الدولي هو نتاج ميزان قوى لصالح القوى الإمبريالية)... يحاول الكاتب أن يتلافى نيران المنظٌمات الصٌهيونية الفرنسية التي لها من المال والجاه والعلاقات والشبكات ما يكفي للإطاحة بكل من يتجرٌؤ من السياسيين والأدباء والصٌحافيين على الهمس ضد الكيان الصهيوني، كما ان القانون الفرنسي (والأوروبي) كثير التٌشدد ضد من ينقد الكيان الصهيوني، فيضعه في خانة "معاداة السٌامية" أي العداء المجاني لليهود... لذلك استشار المؤلف المحامي "جان باستاردي دومون"، الذي كتب مقدٌمة الكتاب، وخصٌصها للرٌعب الذي أصاب الصحفيين الفرنسيين كلما تناول أحدهم موضوع الصهيونية أو الإسلام والمسلمين أو مشاغل ومشاكل الشباب في ضواحي المدن الفرنسية الخ... للكتاب مزايا أخرى (إضافة إلى الجرأة) فهو يجمع أخبارا ووقائع كثيرة موثقة تؤكٌد بما لا يدع مجالا للشٌك التٌرابط العضوي بين اليمين الفرنسي الذي ينتمي إليه الرئيس نيكولا ساركوزي وتيٌار "المحافظين الجدد" والمنظمات الصهيونية، على صعيد داخلي وخارجي، كما يظهر الكاتب، بالوثائق، العلاقات الطبقية والمصلحية بين مجموعات من "المحظوظين طبقيا" منهم أصحاب وسائل الإعلام (وهم رأسماليون كبار، يستثمرون في عدد من القطاعات الإقتصادية الأخرى)، والمثقفون اليمينيون المدافعون عن الرأسمالية والإحتكارات والكيان الصهيوني، والصحفيون الذين يمارسون الرقابة الذاتية، كي يحافظوا على امتيازاتهم، والفنانون الأثرياء المتهربون من دفع الضرائب الخ، ثم كيف ساهم كل هؤلاء في صعود نيكولا ساركوزي للسلطة، بمساعدة الشبكات الصهيونية في فرنسا والولايات المتحدة وفلسطين المحتلٌة، ومن ثم عودة فرنسا إلى القيادة المندمجة للحلف الأطلسي، ومساندة السياسة العدوانية الأمريكية، بل المشاركة النشيطة في تنفيذها في أفغانستان وإيران، ولاحقا في ليبيا وسوريا... يطرح الكتاب بشكل عام قضايا لا يتصور مثقٌفو البلدان العربية والافريقية أنٌها مطروحة بهذه الحدٌة في فرنسا، مثل مسألة حرٌية التٌعبير ودور الطٌوائف (خاصة الطائفة اليهودية) ومجموعات الضٌغط التي لا يعترف أحد بوجودها رسميٌا، في رسم السياسة العامة للدولة، وبالخصوص تحديد اتجاهات السٌياسة الخارجيٌة الفرنسية، ويتساءل المؤلٌف: هل أصبح الحديث عن اسرائيل موضوعا محرٌما، لا يعني الرٌاي العام، وهل أصبحت فرنسا دولة صهيونيٌة؟ ... ردد المؤلٌف مرارا أن ما يكتبه هو لمصلحة الكيان الصٌهيوني وان نقده يندرج في إطار النقد البنٌاء من اجل إصلاح أخطاء دولة الإحتلال الصٌهيوني، وهذه لازمة لا بد منها، أكٌدها وكررها كل من كتب نقدا لسياسة "دولة اسرائيل" أو لبعض جوانبها الأكثر همجية وعنجهية. لذا فليس كل من وجٌه نقدا لدولة الإحتلال (أو لبعض ممارساتها) هو بالضرورة صديق لنا، بل لا يتعدى أن يكون حليفا مؤقتا (تكتيكيٌا) لا غير، بل هناك بعض الفاشيين الذين يغلفون أطروحاتهم، ليظهروا في صورة أعداء الصهيونية وحلفاء للشعب الفلسطيني، وما هم في الحقيقة سوى أعداء للعرب شعبا وحضارة وتاريخا وثقافة، وما معاداتهم لليهود سوى معاداة للسامية (والعرب ساميون) ... وبما أننا أصحاب قضية عادلة فلا حاجة لنا بمساندة الفاشيين والعنصريين، وإنما يجب التعويل على أنفسنا أولا لشرح وإظهار عدالة قضيتنا بالحجج والإقناع والنضال بكافة أشكاله، والبحث عن سند لنا لدى حلفائنا الموضوعيين، أي الفئات والطبقات الكادحة، المتضررة من السياسة الإمبريالية لرأس المال الإحتكاري المعولم، الذي يساند دولة الإحتلال ويوكلها على مصالحه في الوطن العربي... وكذلك الديمقراطيون والمثقفون المناهضون للإستعمار، المؤمنون بحق الشعوب في تقرير مصيرها...
هناك بعض المواضيع الهامٌة التي تهمٌنا كعرب، وكتقدميين، وكمناضلين من أجل مجتمع تسوده العدالة، والتي أهملها المؤلٌف أو تناولها بشكل عرضي، منها: نوعيٌة وماهيٌة الروابط بين الصٌهيونية والإمبريالية، وهل تسيطر الحركة الصٌهيونية على مسار السياسة الخارجية الأمريكية أو الفرنسية، أم أنٌ التقاء المصالح هو الذي متٌن الرٌوابط والتٌحالف بين هذه الأطراف؟ يكمن الجواب في هذا المقتطف، من رسالة وجٌهها "بنيامين زئيف"، المعروف باسم "ثيودور هرتزل"، مؤسٌس الحركة الصٌهيونية ومنظٌر "الدولة اليهوديٌة"، إلى البريطاني "سيسيل رودس"، مؤسٌس مستعمرة روديسيا (زمبابوي حاليا)، ورئيس حكومة الكاب (جنوب افريقيا)، في نهاية القرن التاسع عشر: " إنٌ برنامجي هو برنامج استعماري... نحن نريد تأسيس دولة لتصبح قلعة متقدٌمة للحضارة الغربيٌة، في مواجهة الهمجيٌة الشٌرقيٌة...ستمثل دولة اليهود جدارا فاصلا بين الحضارة والهمجية..."، وتوجٌه "هرتزل" بخطاب مماثل إلى رئيس وزراء بريطانيا ورئيس المجلس (الحكومة) الفرنسي، يطلب مساعدتهما على تحقيق مشروعه، باعتبارهما يتفهٌمان أهدافه، لأنٌه اتخذ من السٌياسة الإستعمارية لهاتين الدولتين الأوروبٌيتين، مثالا يحتذى...

عرض موجز للعلاقات الفرنسية- الصهيونية:

لم تبدأ العلاقات المتطوٌرة بين فرنسا والحركة الصٌهيونية بوصول ساركوزي للرٌئاسة، بل كان نابليون بونابارت أول من طرح فكرة "وطن قومي لليهود"، سنة 1799 وهو الذي دشٌن حقبة الإستعمار الحديث... وصدر"مرسوم إسحاق كريميو" (وزير القضاء الفرنسي وناشط صهيوني ملتزم) في 24/10/1870 في عهد "الجمهورية الثالثة"، ليجعل من اليهود مواطنين "عاديين" لهم نفس حقوق المسيحيين، وطبق المرسوم في المستعمرات أيضا (في المغرب العربي)، وفي الجزائر أصبح اليهود الجزائريون مواطنين فرنسيين كاملي الحقوق، خلافا للمسلمين، لاستخدام اليهود ضد المسلمين ( سياسة فرٌق تسد) واستفاد يهود الجزائر من هذا التمييز، مبتعدين بذلك عن مواطنيهم من أهل البلاد الأصليين (وغيروا أسماءهم لكي يخفوا يهوديتهم)، مما حدا بأغلبيتهم إلى مغادرة البلاد عند إعلان الإستقلال، لأنٌهم اختاروا صف الإستعمار وامتيازاته، على حساب بقيٌة المواطنين، وكان وضعهم الطبقي يجعلهم أقرب إلى الفرنسيين (تجار، موظفين، صناعيين)، ولم يذكر التاريخ مشاركة يهود الجزائر في الحركة الوطنية وحرب التحرير (رغم مشاركة عشرات الفرنسيين)، خلافا لما حصل في المغرب وتونس حيث شارك مواطنون يهود في الحركة النقابية والحركة الوطنية...
أشرف البارون "إدموند دي روتشيلد" على بدايات النشاط الصهيوني في فرنسا، حوالي 1880، وتشكل "التحالف الإسرائيلي العالمي" الذي كان يقوم بنشاط توطيني، من ذلك إنشاء شبكة مدارس فلاحية في فلسطين لتدريب يهود أوروبا الشرقية المستوطنين على أساليب الزراعة العصرية... وكان أغلب يهود فرنسا ينتمون إلى الفئات الوسطى من المجتمع ويعيشون وضعا مستقرا، لذلك لم يبدوا حماسا للمشروع الصهيوني، الذي لقي ترحيبا ومساندة من قبل اليهود المهاجرين من أوروبا الشرقية والوسطى، الذين تكاثر عددهم بعد 1880، وشكلوا أغلبية المستوطنين في فلسطين، وكذلك الدعاة الأوائل للحركة الصهيونية في فرنسا (إسرائيل يفرويكين ومارك ياربلوم وجوزيف فيشر...)، وأسست "جماعة بني صهيون" "التجمُّع اليهودي الأبدي" سنة 1886، واشترت أرضا وأسست مستوطنة في فلسطين، وحضر المؤتمر الصهيوني الأول (1897) 12 مندوباً فرنسيا معظمهم من اليهود المهاجرين من أوروبا الشرقية... وكان هناك صهاينة فرنسيون من الميسورين والمثقفين المشهورين مثل العالم البيولوجي ألكسندر مارموريك الذي ترأس الاتحاد الصهيوني الفرنسي منذ إنشائه سنة 1901 وحتى وفاته عام 1923، والكاتب "برنار لازار"، والنحـات "فردريش بير"، والكاتبة "ميريام شاخ"، لكن لم يتجاوز عدد اليهود في الحركة الصهيونية ومنظماتها العديدة في فرنسا بضع مئات من المثقفين حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918، حيث تمتنت العلاقة بين الحكومة الفرنسية والحركة الصهيونية وهاجر عدد كبير من يهود منطقة "الألزاس واللورين" ومن الفارين من ألمانيا النازية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وخلال أزمة 1929، وأدى تفتيت الإمبراطورية العثمانية واحتلال فرنسا لسوريا (بعنوان انتداب)، إلى توافق في الأهداف بين الحركة الصهيونية والقوتين المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى، بريطانيا وفرنسا، اللتين أصبحتا القوتين الإمبرياليتين الراعيتين للحركة الصهيونية، وشجع هذا الموقف الرسمي للحكومتين، يهود الدولتين (المنتمين للفئات المتوسطة الإنتهازية سياسيا، والتي لا تميل إلى المغامرة) على تأييد ومساندة الحركة الصهيونية والإنخراط في نشاطاتها...
في عقد الثٌلاثينات من القرن العشرين، بعد الأزمة الرأسمالية الكبرى، وبعد صعود الفاشية في إيطاليا والنٌازية في ألمانيا، اشتدٌ عود الحركات اليمينية الفاشية في فرنسا، وانتشرت معاداة اليهود، إلى جانب اغتيال اللاٌجئين الإيطاليين الفارٌين من الحكم الفاشي بقيادة "بينيتو موسلٌيني"، ممٌا ساهم في تقوية الحركة الصٌهيونية التي أصبحت ملاذا لعدد كبير من اليهود المضطهدين في أوروبا الوسطى والشرقية، ثم أوروبا الغربية بعد الإحتلال الألماني (النازي)، وأرسلت عددا كبيرا من اليهود، الذين اضطهدتهم النازية، لاستعمار فلسطين، بتمويلات متأتية من رأسمايين كبار مثل البارون "إدموند دي روتشيلد" ومصرف عائلة "لازار"، وحظيت الحركة الصهيونية بمساندة سياسية ومادية هامة، خصوصا من حكومة "اليسار" الفرنسي التي قادها "ليون بلوم" (1936 – 1938)، في حين قمعت الحركة الوطنية والنقابية في المغرب العربي... بعد الحرب العالمية الثٌانية نشطت حكومات فرنسا، التي قادها تيار المقاومة ضد الإحتلال النازي، في مساندة الحركة الصهيونية، بما فيها الحزب الشيوعي السائر في ركاب الإتحاد السوفياتي الذي اعترف بالكيان الصهيوني حال إنشائه... وتواصلت المساندة من كافة التٌيٌارات السياسية التي حكمت البلاد، وخصوصا الحزب الإشتراكي الذي تحالف مع الكيان الصٌهيوني ومع بريطانيا أثناء العدوان الثلاثي على مصر، ومكنه من حيازة الأسلحة النووية، وتقنيات تشغيلها وتطويرها ... تاريخيٌا كان التيار "الإشتراكي" (الأممية الثانية) متصهينا أكثر من اليمين، حتٌى نهاية القرن العشرين، حيث جرى تغيير في أوساط اليمين الذي كان ينتسب ل"شارل دي غول" (والمتحدر من تيار المقاومة ضد الإحتلال النازي)، وأصبح التٌيار المتصهين داخله قويٌا، إلى أن انتصر ساركوزي على منافسيه داخل اليمين نفسه، قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية، وهو التيار المتأثر بإيديولوجيا المحافظين الجدد، وبسياستهم وببرامجهم الإقتصادية وبنظرتهم للعالم...
على الصعيد الدٌولي، ضعفت بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت أمريكا القوة الرئيسية التي تقود الإمبريالية العالمية...
في المشرق العربي، شكٌل التدخٌل العسكري الأمريكي في لبنان سنة 1958 تحوٌلا في موازين القوى في المنطقة، وأصبحت الولايات المتحدة هي السٌند الرٌئيسي للكيان الصٌهيوني، تسليحا وتمويلا، وحطٌمت الرقم القياسي في استعمال حق النقض في مجلس الأمن للإعتراض على قرارات الإدانة (الخفيفة) له، خصوصا منذ عدوان 1967 ( 33 اعتراضا أمريكيا خلال 40 سنة)، المتزامن مع تصعيد الحرب الأمريكية ضد فيتنام وشعوب جنوب شرق آسيا... وصل شارل دي غول إلى الحكم سنة 1958، كأول رئيس للجمهورية الخامسة في فرنسا، واشتهر بإرادة استقلال القرار الفرنسي، وعدم الإصطفاف وراء السياسة الأمريكية، دون أن يكون صديقا للعرب أو غيرهم من الشعوب المستعمرة... وأطنبت الصٌحف الفرنسية سنة 1967، في الإعجاب بالكيان الصهيوني وقدرته على هزم الجيوش النظامية العربية، وكأنها رأت في ذلك انتقاما بالوكالة من مصر النٌاصرية (بعد عدوان 1956) وتعويضا عن استقلال الجزائر التي كانت تعتبرها الأوساط الإستعمارية (يمينها ويسارها) جزءا لا يتجزأ من فرنسا، خصوصا وأن مليوني فرنسي هاجروا من الجزائر، وأغلبيتهم الساحقة من الإستعماريين اليمينيين المغالين في العنصرية، أو من اليهود الذين ناصروا الحركة الصٌهيونية تاريخيا منذ بدايات القرن العشرين، واستفادوا من احتلال الجزائر، وهاجر منهم عشرات الآلاف إلى فلسطين بعد ذلك... وخلال حكم "شارل ديغول"، كسر الكيان الصهيوني الحظر الذي أعلنته فرنسا على صادرات الأسلحة إلى "الشرق الأوسط"، وهربت المخابرات الصهيونية سنة 1967(بمساعدة المخابرات الفرنسية) 5 بوارج حربية من ميناء "شيربورغ" (شمال غرب فرنسا)، ولم تعترضها القوة العسكرية الفرنسية إلى أن وصلت فلسطين المحتلة، ولم تثر القضية نقاشا حول انتهاك السيادة الفرنسية...

مساعدة فرنسا للحركة الصهيونية، خلال مرحلة التأسيس:

لعبت السلطات الفرنسية (تاريخيا) دورا أساسيا في تنظيم ودعم هجرة اليهود إلى فلسطين، التي كانت تتمّ من مرفأ مرسيليا، باعتراف "ديفيد بن غوريون"، بقوله في أيار 1945 "من المهم جداً أن نضم فرنسا إلى صف الصهيونية، إن كان على صعيد السلطة أو الرأي العام..."، وكان آنئذ رئيس المنظمة اليهودية والمسؤول عن منظمة «ياشوف» لهجرة وتوطين اليهود في فلسطين، وكان "مارك غاربلوم" زعيم الحركة الصهيونية في فرنسا، مقرّباً من شخصيات أساسية، مثل الرئيس السابق لمجلس النواب ومجلس الوزراء، "ليون بلوم" (وهو مناضل صهيوني كبير)، ومدير مكتبه المحامي أندريه بلوميل...
ترأس "أندريه بلوميل" منظمة "الإتحاد الصهيوني الفرنسي"، التي تأسست سنة 1947، وهو اشتراكي من أتباع ليون بلوم كما أنه قانوني شهير، ولعبت تلك المنظمة دوراً بالغ الأهمية في عمليات الهجرة غير الشرعية عَبْر الموانئ الفرنسية إلى فلسطين. كما قدَّمت مساعدات مالية هائلة للهاغاناه بمقدار يزيد عن 2 مليون فرنك وللاستيطان الصهيوني في فلسـطين، وخصوصاً بعـد صدور قرار التقسيم، وفي عام 1950، كان هناك 63248 مساهم فرنسي في تمويل الإستيطان وفي اختيار ممثليهم في المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرين. وتشكلت لجان تبرع عديدة لإسرائيل في فرنسا تحت اسم «مساعدة إسرائيل»، و«النداء الموحَّد» وغير ذلك.
واستغلت الحركة الصهيونية اندلاع حرب تحرير الجزائر عام 1954 (ومساعدة مصر لها) ونزوح عدد من يهود الجزائر إلى فرنسا، وأرسلت عددا هاما منهم، من ذوي التخصصات الدقيقة والأكاديمية إلى فلسطين المحتلة (عن عبد الوهاب المسيري "تاريخ اليهود واليهودية")

أما «المنظمة الفرنسية لفلسطين العبرية» (تأسست عام 1946) فكان هدفها استمالة الرأي العام الفرنسي وتعاطفه مع الأهداف الصهيونية، وتمكنت من استمالة عدد كبير من المفكرين منهم: جان بول سارتر ، سيمون دو بوفوار، ريمون آرون وبيار مندس فرانس، مما سهل عمل المنظمات اليهودية، وسمحت الحكومة الفرنسية بالهجرة الجماعية المنظمة لليهود إلى فلسطين (قبل قرار التقسيم) انطلاقا من أراضيها، وجمع الأموال وشراء الأسلحة ونقلها عبر الأراضي الفرنسية إلى فلسطين، وتدريب الشبّان اليهود على استعمال الأسلحة في مخيّمات ومعسكرات أمّنتها لهم السلطات الفرنسية... واشترت منظمة "الهاغانا" من أمريكا باخرة، نقلت إلى فلسطين، من مرفأ مرسيليا يوم 12/06/1946، حوالي 175 شاحنة مهاجرين جاؤوا من كل أنحاء أوروبا إلى فرنسا، بتأشيرات كولمبية مزيفة، وغضّت السلطات الفرنسية، ووزير الداخلية إدوارد دبرو، النظر عن صحة التأشيرات، واستمرت الهجرة "السرية" إلى فلسطين، انطلاقا من فرنسا، إلى حين إعلان إنشاء دولة "إسرائيل" يوم 14 أيار 1948...
واستقبلت فرنسا (سنة 1948) زعيم حزب العمل (وأول رئيس وزراء إسرائيلي) "ديفد بن غوريون" وغيره من أعضاء عصابات الـ "هاغاناه"، الذراع العسكرية للحركة الصهيونية، وساعدتهم على إرسال كميات كبيرة من السلاح إلى فلسطين... وبعد قيام دولة "إسرائيل" وفي سنة 1955، أشرف الخبراء الفرنسيون (في عهد الحكومة "الإشتراكية") على إقامة مفاعل ديمونة في صحراء النقب... ثم فترت العلاقات (نسبيا)، بداية من 1958، إلى أن تولى فرانسوا ميتران رئاسة فرنسا سنة 1981، كما اتسمت العلاقات الفرنسية الإسرائيلية في عهد الرئيس ساركوزي بالتأييد المطلق لدولة الإحتلال، إضافة إلى التصريحات الصحفية المتكررة لساركوزي والمؤيدة لإسرائيل، واعتبار أمن إسرائيل خطا أحمر واعتبار قيام دولة إسرائيل معجزة وأنه الحدث الأهم في القرن العشرين (مستعملا عبارات وخطاب "المحافظين الجدد" والمسيحيين الصهاينة)... وأحاط نفسه بمجموعة كبيرة من الوزراء والمستشارين الصهاينة في ميادين مختلفة (منها السياسة الخارجية وشؤون الهجرة)، وسخر إمكانات الدولة (أي المال العام) لحماية "إسرائيل" و مساعدتها و إرسال المعونات العسكرية لها ... وأرسلت فرنسا (وألمانيا أيضا) بوارج عسكرية لتشديد الخناق على قطاع غزة بذريعة "منع تهريب الأسلحة لحماس"...

اتسمت سياسة "الجمهورية الرابعة" (1946 – 1958)، التي شاركت فيها التيارات المقاومة للإحتلال النازي (الديغوليون والإشتراكيون والشيوعيون) بتواجد شخصيات صهيونية معروفة مثل "ليون بلوم" (رئيس حكومة سابق، ورد ذكره عدة مرات في هذه الدراسة)، ومساندة قوية للحركة الصهيونية، وكان لرئيس قسم شراء السلاح في الحركة الصهيونية ثم في دولة الإحتلال، مكتب علني في وزارة الحرب الفرنسية (من سنة 1946 أي قبل الإعلان عن دولة الإحتلال، إلى سنة 1958)، ملاصق لمكتب رئيس ديوان الوزير، إضافة إلى مكتب آخر في سفارة الكيان الصهيوني، بعد 1948...

"الجمهورية الخامسة" والكيان الصهيوني:

شهدت عودة "شارل ديغول" إلى الحكم وتأسيسه الجمهورية الخامسة يوم 04/10/1958، تغييرا طفيفا، وإن بقي التعاون قائماً بين فرنسا والصهاينة، فديغول نفسه كان متحمساً لـ"إسرائيل"، وقدم لها الدعم العسكري خاصة فيما يتعلق بسلاح الجو، وتزامن ذلك مع تراجع النفوذ الفرنسي في الوطن العربي، إذ فقدت فرنسا مواقعها سنة 1958، وأصبحت أمريكا تنافسها حتى في لبنان ، وتراجع نفوذها الثقافي، وهو أحد أهم أدواتها لبسط نفوذها السياسي، وساعدت حرب الجزائر، والعدوان الثلاثي (حرب السويس 1956) على تردي صورة فرنسا وانحسارها الثقافي في مصر وسوريا، فسعى ديغول إلى إعطاء انطباع عن "فرنسا جديدة"، واضطرته جبهة التحرير الوطني في الجزائر إلى البحث عن مخرج (خصوصا بعد المحاولة الإنقلابية للعسكريين الفرنسيين المتطرفين في الجزائر سنة 1958)، وبدأت مفاوضات طويلة بين الحكومة الثورية المؤقتة في الجزائر والحكومة الفرنسية أسفرت عن اتفاقيات "إيفيان" (آذار 1962)، ثم استقلال الجزائر في 5 تموز 1962، وقبلها انتقلت معظم المستعمرات الإفريقية من الإستعمار المباشر إلى الإستعمار الجديد، بين سنتي 1960 و 1962... وبقيت فرنسا مهيمنة اقتصاديا وعسكريا وثقافيا على كافة مستعمراتها تقريبا، ونصبت عملاء لها في الحكم، بعد أن ارتكبت مجازر رهيبة ضد مناهضي الإستعمار في الجزائر والسنغال (1945) وفي مدغشقر (1947)، والكامرون (1960)، وشاركت في اغتيال "باتريس لوممبا" وتقسيم الكونغو، إضافة إلى مجازر أخرى في سوريا وفيتنام...

على الصعيد الفرنسي الداخلي، ركز ديغول (إعلاميا) على أولوية المصالح الوطنية، والابتعاد عن صراع القطبين الأمريكي والسوفياتي والبحث عن موقع وسطي يمكن فرنسا من الحفاظ على مصالحها، وربما اكتساح مواقع جديدة... وهذا ما اصطلح على تسميته ب"السياسة العربية" لفرنسا، القائمة على تبجيل وتحقيق مصالحها الوطنية، والإيهام بالنأي شيئا ما عن بعض الحلفاء التقليديين مثل "إسرائيل" وأمريكا، وبذلك تمكنت فرنسا من كسب الرأي العام العربي ومثقفيه، خصوصا بعد عدوان 5 حزيران 1967، وواصل خلفه "جورج بومبيدو" نفس السياسة تقريبا (كان بومبيدو رئيس الحكومة، وأصبح رئيسا للجمهوية بعد استقالة شارل ديغول سنة 1969)... ورغم الضجيج الإعلامي فإن ديغول وبومبيدو قد حافظا على علاقات قوية مع "إسرائيل"، أما المثقفون والصحفيون، المناصرون في معظمهم للكيان الصهيوني فلم يتغيروا بين سنتي 1956 و1967، ووقف مثقفون من العيار الثقيل إلى جانب الكيان الصهيوني وعلى رأسهم "سيمون دي بوفوار" التي تعتبرها الحركات النسوية العربية قدوة لها، و"جان بول سارتر"، الذي ساند جبهة التحرير الوطني في الجزائر، لكنه دافع بشراسة عن الكيان الصهيوني و"ريمون آرون" وجان دانيال... غير أن ممارسة الفصائل الفلسطينية للكفاح المسلح وانتهاج سياسة إعلامية نشطة، وصعود اليسار الماوي والماركسي عموما، بدأ يكشف واقع الشعب الفلسطيني ، ويبين لجزء من الرأي العام فضائع الإحتلال، ويخلق تيارا مناهضا للإحتلال الصهيوني ومساندا للقضية الفلسطينية، وتميز عقدا الستينات والسبعينات ببروز حركات الإحتجاج في أوروبا وأمريكا واليابان، ضد الحرب في فيتنام، وضد بعض أساليب النظام الرأسمالي، وضد الإستعمار وطالت موجة الإحتجاج حتى اليهود العرب في فلسطين المحتلة، لكنها لم تعمر طويلا ... ومع ذلك ظلت الدعاية الصهيونية قوية، بسبب مكانة الكيان الصهيوني ووظيفته داخل النظام الرأسمالي العالمي والمنظومة الإستعمارية، وما ينجر عنها من سند مالي وإيديولوجي وإعلامي قوي...

بعض سمات السياسة الخارجية الفرنسية 1967-1980:

اتهمت إسرائيل الجنرال ديغول بمعاداة الساميّة لأنه صرّح في مؤتمر صحفيّ بعد حرب 1967 أنّ إسرائيل "دولة توسعيّة تسعى إلى مضاعفة عدد سكانها عن طريق هجرة اليهود إليها"، وطالب ب"جلاء القوات الإسرائيليّة عن الأراضي العربية المحتلة "، وقد أصر على رأيه هذا في مراسلاته مع بن غوريون، انطلاقا من رؤيته للعلاقات الدولية ومكانة فرنسا واستقلالية قرارها وبناء علاقات على أسس عقلانية تراعي مصالح فرنسا قبل أي شيء آخر، ويندرج انسحاب فرنسا من القيادة المندمجة للحلف الأطلسي (وليس الإنسحاب من الحلف كما يروج البعض) في هذا الإطار، إلى أن أصبح نيكولا ساركوزي رئيسا، فعاد بفرنسا إلى صفوف حلف شمال الأطلسي ودعَم سياسات جورج ولكر بوش العدوانية ضد شعوب العالم... لكن تصريحات الرئيس الفرنسي، الجنرال ديغول لم تتعدى طور التصريحات، إذ ساند الإعلام (الحكومي آنذاك) الإعتداء الصهيوني، وجمعت المنظمات الصهيونية 6,5 مليون دولارا لمساعدة الكيان الصهيوني، خلال شهر حزيران 1967، و"هربت" المخابرات الصهيونية البوارج العسكرية من ميناء "شربورغ" الفرنسي (ورد ذكره الحادثة في فقرة أخرى)، وكانت فرنسا حليفا رئيسيًّا لإسرائيل من ناحية التسليح، وساعدتها في بناء المفاعل النوويّ، والقنبلة النووية، وبعد سنة 1967، أصبحت الولايات المتحدة السند الرئيسي للكيان الصهيوني (وللرجعيات العربية في نفس الوقت) وكرر "جورج بومبيدو"، كلام ديغول حين تحدث أمام الكونغرس الأميركي يوم 25/2/1970، مؤكدًا أنّ إسرائيل هي المعتدية في حرب 1967 "لأنها كانت البادئة بحرب وقائيّة حقّقت لها نصرًا لا ينكر على الأرض، لكن لا يمكن أن يتأسس السلام باستعمال القوة واحتلال أراضي الغير" (وكأن هذا الكلام لا ينطبق على ما احتل سنة 1948 ) وبعد حرب تشرين الأول 1973، أعلن وزير الخارجية الفرنسيّ ميشيل جوبير "إن الدول العربية حاولت استعادة أراضيها التي احتلتها إسرائيل، وبالتالي فإن حربها مشروعة، ولا يمكن اعتبارها عدوانا..."، ورفع الحظر رسميا عن مبيعات السلاح الفرنسيّ لدول ما سمي الشرق الأوسط في عهد "فاليري جيسكار ديستان" سنة 1974، ضمن مساعيه لضمان التّزود بالنفط من الدول الخليجية، وسمح لمنظمة التحرير بفتح مكتب إعلاميّ رسمي في باريس بداية من 31 تشرين الأول 1974، بعد إقرار المنظمة مشروع الدويلة و"برنامج النقاط العشر" الذي يسلم باحتلال 1948... ووجه المرشح "فرانسوا ميتران" نقدا لاذعا لخصمه الرئيس "جيسكار ديستان" أثناء الحملة الإنتخابية سنة 1981، لأنه "ساند العرب ولم يقم بزيارة إسرائيل" (حسب رأي ميتران)، وتزامن فوز ميتران بالرئاسة مع وجود رونالد ريغان ومارغريت تاتشر في السلطة في أمريكا وبريطانيا، وكان الإتحاد السوفياتي يحتل أفغانستان، وكانت السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ميتران والحزب الإشتراكي منحازة للحلف الأطلسي والصهاينة، ومساندة لشق ياسر عرفات في منظمة التحرير الفلسطينية، ضد خصومه في "جبهة الرفض"، وحتى داخل حركة فتح...

الحزب الإشتراكي الفرنسي والصهيونية:

تتمتع "الاشتراكية الفرنسية" بتأثير كبير داخل "الإشتراكية الدولية" وكرست هذا الدور المميز، لمساندة الكيان الصهيوني، وتميز تاريخ "الاشتراكية الفرنسية" بالإنتهازية والدفاع عن سياسة الاحتكارات الفرنسية والعالمية على السواء وعن المنظومة الاستعمارية في العالم، وأصدق مثال على ذلك سياسة حكومة "غي مولليه" الدموية في الجزائر، ومساندة أو قيادة الحملات الإستعمارية في عدة بقاع من العالم (افريقيا والوطن العربي)...
كان ليون بلوم أحد زعماء الاشتراكيين في فرنسا، ورئيس الحكومة (1936/1938) حليفا لحاييم وايزمان، أما الزعيم الاشتراكي غي مولليه فهو رئيس الحكومة التي خاضت حرب السويس إلى جانب إسرائيل وبريطانيا سنة 1956... وبعد عدوان 1967، عبّرت شخصيات فرنسيّة من زعماء الحزب الإشتراكي عن تعاطفها مع الكيان الصهيوني (غي مولليه، وغاستون ديفير، وفرانسوا ميتران، ومنديس فرانس...)، وساهم الحزب الإشتراكي الفرنسي في تكريس هيمنة الكيان الصهيوني على دول وشعوب المنطقة وتمكينه من وسائل التفوق والتقدم العلمي، لإعاقة ومنع تطور الدول العربية الاقتصادي والاجتماعي، وجعل "إسرائيل" قوة إقليمية وأداة هيمنة عسكرية وأمنية واقتصادية، وتتنزل مساعدة الكيان الصهيوني على بناء مفاعل "ديمونة" النووي في صحراء النقب، ودعم المنشآت الزراعية (الكيبوتس) والصناعية (الموشاف)، في إطار هذا التعاون الوثيق، بين الحزب الإشتراكي الفرنسي (والإشتراكية الدولية)، ودولة الإستعمار الإستيطاني الجاثمة على أرض فلسطين...

تميز زعماء الحزب الإشتراكي بنظرتهم الفوقية المتعالية تجاه الطبقة العاملة (والعمال المهاجرون جزء منها) وضد الشعوب التي ترزح تحت نير الإستعمار، تتوافق مع تفشي العنصرية المتفاقمة في أوروبا ضد "الأجانب" أو أبناء الأجانب، وتتفق مع ماهية وطبيعة الحزب الاستعمارية، ومشاركته في تحقيق أهداف الإستعمار، ومساندته للكيان الصهيوني ولمشروع "حزب العمل" الصهيوني، الرامي إلى الهيمنة على المشرق العربي، أو ما يسمونه "الشرق الأوسط"... وعرف عن الاشتراكية الدولية في أوروبا (والحزب الإشتراكي الفرنسي، أحد أهم أقطابها) اصطفافها الطبقي، تاريخيا وراء البرجوازية الحاكمة، زمن الحروب والحملات الإستعمارية، كما تميزت بخيانة الطبقة العاملة الأوروبية والعالمية ولعبت دور السمسار والوكيل لتسويق مصالح الاحتكارات الأوروبية والعالمية ضد مصالح الطبقة العاملة الأوروبية ومصالح الشعوب المستعمرة والمضطهدة... ووصفها زعماء اشتراكيون مثل لينين وروزا لكسمبورغ بأنها أممية صفراء، قبل تأسيس الأممية الثالثة، مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى...
تخرج من صفوف الحزب الإشتراكي الفرنسي، في العقود الأخيرة، عدد هام من منظري العولمة الرأسمالية والمدافعين عن العلاقات غير المتكافئة بين الدول الفقيرة المهيمن عليها والدول الإمبريالية المهيمنة، وعن خصخصة المرافق العمومية، وإلغاء الدعم الحكومي لأسعار المواد الغذائية والخدمات، منهم "باسكال لامي" (منظمة التجارة العالمية)، و"ميشال كامبدسوس"، و"دومنيك ستروس كان" (صندوق النقد الدولي)، وأصبحت قاعدة الحزب وأنصاره من المنتمين إلى الشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة أو من كبار موظفي الدولة ومن المحامين والأطباء والباحثين والمدرسين وأصحاب الدخل المتوسط أو المرتفع الخ، وانخفض عدد العمال وصغار الموظفين، وضاقت الفوارق مع اليمين في برامجه...
من الشخصيات اليهودية (المناصرة للصهيونية) التي تبوأت مناصب سياسية (باسم الحزب الإشتراكي)، رئيس وزراء حكومة "اليسار"، ليون بلوم (1936) ومنديس فرانس (1954) وغي مولليه إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956... إضافة إلى عدد هام من الوزراء منهم جول موك الذي يحمل الجنسية الاسرائيلية... أما وزير القضاء "إسحاق كريميو"، عضو الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد فشل نابليون الثالث (1870)، فقد كان رئيساً للتجمع اليهودي العالمي آنذاك، وأنشأ أول مدرسة زراعية يهودية فوق أرض فلسطين... ولم تخلو حكومة فرنسية واحدة من وزراء صهاينة عرفوا بولائهم للمشروع الصهيوني... وكانت "سيمون فيل" (تيار الوسط) قد تولت رئاسة أول برلمان أوروبي، وتقلدت عدة مناصب وزارية خلال 3 عقود، كان آخرها وزارة الشؤون الإجتماعية في حكومة "إدوارد بالادور" سنة 1993، واقترحها الصهاينة لتولي منصب رئاسة دولتهم، خلفاً لإسحاق نافون، لكن ذلك لم يتحقق...
ويعتبر الرئيس ميتران من أكثر السياسيين الفرنسيين المتحمسين لـ(إسرائيل)، ووصل به الأمر (لما كان رئيسا للجمهورية الفرنسية) أن ساند موقف ميناحيم بيغن، رئيس الحكومة الصهيونية (اليمينية) ضد وزير خارجيته "كلود شيسون"، خلال شهر شباط 1982، وأثناء مداخلته في مجلس الوزراء، انبرى الرئيس "فرانسوا ميتران" (الإشتراكي، اللائيكي) يدافع عن "العقد الذي يربط اليهود بربهم، في يهودا والسامرة" (أما الفلسطينيون فلا رب لهم؟)، ويبرر عدم تنازلهم عن أي شبر من أرض الضفة الغربية ... ويقول البارون "دي روتشيلد": "لقد فعل ميتران كل ما يجب لكسب أصوات الطائفة اليهودية، وبذل جهوداً تميزت بالذكاء وتستحق التقدير، وعرف بأنه صديق اليهود"، ويعتبر "جاك أتالي" (اقتصادي صهيوني ومستشار الرئاسة في عهد ميتران) أن وصول فرانسوا ميتران إلى الرئاسة حدث سعيد لليهود ولإسرائيل...
سبق وصول الحزب الإشتراكي إلى سدة الحكم سنة 1981، حراك عمالي هام في قطاعات المناجم والحديد والصلب وقطاع صناعة السيارات... وحال وصوله إلى السلطة صفى الحزب الإشتراكي قطاعات المناجم والصلب، ونعت رئيس الحكومة "بيار موروا" العمال العرب المضربين في شركة "سيتروان" (قبل إدماجها في شركة بيجو) ب"الأصوليين المسلمين"، وكان العمال العرب في أسفل السلم وكان المشرفون على العمل (رؤساء الفرق) ينتسبون إلى "نقابة" فاشية، تمولها المؤسسة بهدف منع أي حراك أو احتجاج عمالي، وقامت الحكومة "الإشتراكية" بتشويه نضال العمال والتنديد بهم، متحالفة "موضوعيا" مع أرباب العمل ومع النقابات الصفراء الفاشية...
أما أبناء المهاجرين (وهم مواطنون فرنسيون) فكانوا (ولا زالوا) يعانون من العنصرية التي تمارسها أجهزة الدولة في عدة ميادين (التعليم، التشغيل، السكن، الشرطة، جهاز القضاء...) وقاموا بمسيرة سلمية تحت إسم "مسيرة المساواة"، ضمت آلاف الشبان والمتضامنين معهم، جابت فرنسا من الجنوب إلى الشمال، واستقبلهم الرئيس "فرانسوا ميتران" في قصر الإيليزيه، ونهر من كانوا يلتحفون بكوفية فلسطينية، وأمرهم بنزع هذه "الخرقة، رمز الإرهاب"... وعوض الإستجابة لمطالبهم، وإنصافهم كمواطنين فرنسيين كاملي الحقوق، التف على حركتهم (بمساعدة خبير الإتصالات، "جاك سيغالا" الذي أشرف إعلاميا على حملته الإنتخابية) وأنشأ منظمة "أس أو أس راسيزم"، وهي منظمة "مناهضة للعنصرية"، يشرف عليها عتاة الصهاينة في الحزب الإشتراكي، مثل "جوليان دراي" (وأخوه زعيم أحد فصائل الستوطنين الأكثر تطرفا في فلسطين المحتلة)، وتتمتع بدعم مالي وإعلامي هائل، والتفت على تحركات الشباب العرب قبل إقصائهم من قيادتها، ثم أصبحت جزءا من اللوبي الصهيوني في فرنسا وتخصصت في محاربة كل ما هو عربي أو مساند للقضية الفلسطينية واتهام من ينقد الكيان الصهيوني ب"معاداة السامية"، ومقاضاة عدد لا يحصى منهم ومن الداعين إلى مقاطعته، وشكلت حلفا مع "اتحاد الطلبة اليهود" و "اتحاد رجال الأعمال اليهود" و"الرابطة الدولية لمكافحة اللاسامية"، و"غرفة التجارة الفرنسية الإسرائيلية"، وجمعيات الصداقة مع الصهاينة الخ... وتمكنت في بداياتها من ضم عدد هام من مناضلي "المجتمع المدني" ومنظمات اليسار" (خصوصا من تيار الأممية الرابعة، التروتسكي)، ساعدها في ذلك الإمكانيات المادية الهائلة والسياسة الإعلامية المدروسة التي يشرف عليها محترفون من الدرجة الأولى عالميا، أشرفوا سابقا على الحملات لفائدة الشق اليميني في نقابة "تضامن" البولندية والحملات المطالبة بخروج "المنشقين" السوفيات من الإتحاد السوفياتي نحو فلسطين المحتلة، مثل تشارنسكي الذي أصبح وزير داخلية في حكومة الكيان الصهيوني... وكانت SOS racisme تروج في بداياتها إلى رفض الإقصاء وقبول الآخر ثم أصبحت بوقا لدولة "إسرائيل" وللإيديولوجيا الصهيونية، بدعوى "قبول الآخر المختلف، وعدم إقصائه"، واتهمت كل من نقد ممارسات إسرائيل بمعاداة السامية...
كانت العاصمة الفرنسية باريس ولا زالت تمثل معقلا لليهود الأثرياء وللحركة الصهيونية، ويقطن نصف أفراد الطائفة اليهودية منطقة باريس وضواحيها، مما شكل تربة خصبة للدعاية الصهيونية، وتظم كافة أحياء باريس مدارس يهودية خاصة وجمعيات عديدة ومحلات عبادة الخ ومنذ فوز الحزب الإشتراكي بالإنتخابات البلدية في العاصمة الفرنسية، ضاعفت مدينة باريس من تمويل الجمعيات اليهودية (دعامة الدعاية الصهيونية) والمدارس الخاصة ودور العبادة الخ ومولت نفقات حراستها ومراقبتها، ويشارك رئيس بلدية باريس (وعدد من رفاقه في مدن أخرى) في الإحتفالات الدينية اليهودية (مثلما يفعل ساركوزي)... كل ذلك في فرنسا "اللائيكية"، ومقابل سخاء بلدية باريس لصالح الجمعيات الصهيونية المغلفة بالدين، خفضت من دعم مراكز إيواء المسنين وفاقدي المأوى، ومراكز الصحة الأساسية والوقاية، ودور الحضانة والمطاعم المدرسية والمكتبات ودور الثقافة والشباب والترفيه الخ، بحجة "ضرورة ترشيد الموارد المالية" !!!

الحزب الاشتراكي الفرنسي والعرب:

تنبع مواقف الحزب الإشتراكي الفرنسي (وممارساته) في مجال السياسة الخارجية، بشكل عام، من جذوره الإستعمارية، ومعاداته للطبقة العاملة والشعوب المضطهدة (بفتح الهاء) والمستعمرة (بفتح الميم)، ومثلما استعمل الطبقة العاملة للوصول على ظهرها إلى دفة الحكم، ابتدع شعارات "التدخل الإنساني"، و"إنقاذ الشعوب"، للمساهمة في الحروب الإمبريالية والأطلسية في العراق ( 1991)، وفي يوغسلافيا (1992) وفي افريقيا (تشاد وافريقيا الوسطى والكونغو...) وفي لبنان (منذ 1982)

حكم الحزب "الإشتراكي" فرنسا من 1981 إلى 1995... وكان زعيمه فرانسوا ميتران الذي شغل منذ 1946 عدة مناصب حكومية، معروفا بوقوفه إلى جانب إسرائيل، وله علاقات شخصيّة بالزعماء التاريخيين لدولة الإحتلال الصهيوني، كشمعون بيريز وإسحاق رابين، وحتى بمناحيم بيغين، وعرف عنه دفاعه المستميت عن استعمار الجزائر، ووقع (كوزير للقضاء) أول حكم بالإعدام على مقاوم جزائري من جبهة التحرير، ومن أقواله المتداولة آنذاك "أن الحرب هي الشكل الوحيد للتفاوض مع الإرهابيين" (ويقصد بهم مناضلي جبهة التحرير الوطني في الجزائر)... وكانت الحكومة الفرنسية "الإشتراكية" التي شنت الحرب على مصر، ترى في العمل العسكريّ المشترك مع "إسرائيل" فرصة للسيطرة على قناة السويس، وفرصة للتخلص من نظام جمال عبد الناصر الذي قدم الدعم لجبهة التحرير الوطني في الجزائر، ومن نتائج هذه الحرب أن توطدت العلاقات الفرنسية مع الكيان الصهيوني وتوترت مع معظم الدول العربية، ودخل زعماء "اشتراكيون" فرنسيون في مواجهة صريحة مع "العرب"... ومنذ سنة 1965، أصبح "فرانسوا ميتران" الشخصية الرئيسية في الحزب الإشتراكي، ووطد علاقات حزبه مع "حزب العمل" الصهيوني الذي أسس زعماؤه دولة الإحتلال وقادوها منذ تأسيسها إلى سنة 1977 بدون انقطاع... وبدأ جناح "ميتران" في الحزب الإشتراكي "يتفهم" أيضا أطروحات ياسر عرفات (منذ لقائهما في القاهرة سنة 1974) حول "الحل السلمي" والدويلة، والتنازل عن حق العودة وعن حق تقرير المصير وعن فلسطين التاريخية والمحتل منذ 1948... وبدأ الحزب الإشتراكي يعترف ب"حق الشعب الفلسطيني في الوجود" بعد أن كان يعتبرهم "لاجئين عرب" (ياله من تطور !)... ولما وصل الحزب الإشتراكي إلى الحكم، سنة 1981، عين ميتران وزراء عقلانيين، يعتبرهم الرأي العام "متعاطفين مع القضايا العربيّة وقضايا العالم الثالث"، منهم ميشيل جوبير، وكلود شيسون، وميشيل روكار، وجون بيير شفينمان... وحرص الحزب الإشتراكي على تطوير العلاقات مع دول الخليج (التي بدأها جيسكار ديستان)، لضمان التزود بالطاقة، ولبيع الأسلحة والمنتوجات الفرنسية ( ورد الحديث عنها في فقرة أخرى)... وكان لميتران سبق تأسيس "منتدى المتوسط"، سنة 1988، وهو عبارة عن "مؤتمر لدول المغرب العربي ودول أوروبا الجنوبيّة، لبحث قضايا الأمن والتعاون الاقتصاديّ"، وهي الفكرة التي أعيد نقاشها خلال فترة حكم "جاك شيراك" (1995 - 2007)، ونفذها ساركوزي تحت اسم "الإتحاد من أجل المتوسط"، لكنها لم تعمر طويلا بسبب المساندة الفرنسية (والأوروبية) للعدوان الصهيوني على غزة أواخر 2008 وبداية 2009... وكانت السياسة الخارجية الفرنسية في عهد الإشتراكيين تهدف لإدماج "إسرائيل" في حوض البحر الأبيض المتوسط وفرض نوع من التطبيع القسري على العرب، شعوبا وحكومات، وطورت علاقاتها مع مصر بعد اتفاقيات "كامب دفيد" وتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، واصطفت فرنسا "الإشتراكية" وراء السياسة العدوانية الأمريكية ضد العراق وضد يوغسلافيا وأفغانستان، وتميزت فترة حكم الحزب الإشتراكي بشن حملات إعلامية عنيفة ضد بعض الأنظمة العربية، التي سجلتها أمريكا في خانة "الدول المارقة أو المساعدة للإرهاب" (في عهد رونالد ريغان) مثل ليبيا والعراق وسوريا، وضد إيران وضد المنظمات اللبنانية المقاومة للإحتلال الصهيوني في الجنوب، وضد الفصائل الفلسطينية المقاومة... وكان أول اجتماع دولي تحتضنه فرنسا "الإشتراكية" (بعد أشهر قليلة من انتخابات 10/05/1981) هو اجتماع "فرساي" للدول الرأسمالية الكبرى السبعة لمناقشة الأزمة الرأسمالية، وتحول بضغط من رونالد ريغن ومارغريت تاتشر إلى اجتماع لمكافحة الإرهاب (مثلما يحدث حاليا)، وكان محتوى البيان الختامي عبارة عن إعلان حرب على ما سمي إرهاب المجموعات والدول...
وتميزت السياسة الداخلية للحزب الإشتراكي الفرنسي بخصخصة القطاع العام (الإعلام، المصارف، الصناعات الثقيلة) وقضت على قطاعات المناجم والصلب، وخلقت ضرائب إضافية على الأجور والمعاشات، كما مكنت سياسة الحزب الإشتراكي فئة متوسطة من الإنتفاع من تسهيلات وقروض لتأسيس مكاتب استشارات أو مؤسسات خدمات أو تقنيات الإتصالات والإعلام أو المضاربة، وغيرها، واستثرت فئات متوسطة من الإستثمار في قطاعات غير منتجة... وعزز الحزب صفوفه بهذه الفئات التي مكنته من الفوز في الإنتخابات المحلية والإقليمية، وفاز ببلديات المدن الكبرى مثل باريس وليون وليل ونانت... التي اضطر العمال وصغار الموظفين والفقراء إلى مغادرتها، بسبب غلاء ايجار المسكن، والتوقف عن بناء مساكن عمالية وشعبية داخل المدن الكبرى، وتهجير الفقراء إلى الضواحي البعيدة...


وجهان للسياسة الفرنسية:

كانت فرنسا تستورد النفط الضروري لصناعتها سنة 1970، مناصفة بين بلدان المغرب العربيّ ودول المشرق، وبعد تأميم النفط الجزائري والليبي، أصبحت، بعد عقد ونيف، تستورد 75 بالمائة من السعودية والإمارات العربيّة وقطر والعراق، وتصدر إلى هذه الدول الثرية حوالي 60 بالمائة من إنتاجها الحربي، وبذلك ضمنت فرنسا التزود بالنفط الرخيص، مع بقاء الأموال في مصارفها، وامتصاص الفائض الخليجي، لتشغيل مصانعها الحربية (وغيرها) وإقناع المستثمرين الخليجيين بالمساهمة في المصارف والقطاعات غير الإستراتيجية وغير الحساسة... استمرت هذه السياسة منذ عهد الرئيس "فاليري جيسكار ديستان" (1974 – 1981) إلى اليوم، ومن المستبعد تغييرها، بما أن فرنسا (كدولة) هي المستفيد الأول من هذه السياسة، إضافة إلى تخلي الجامعة العربية والدول العربية وما تبقى من منظمة التحرير عن أي إشارة إلى "تحرير فلسطين" أو مقاطعة الكيان الصهيوني، بل شاركت دول عربية إلى جانب فرنسا في الإعتداء على دول عربية أخرى (العراق، ليبيا، لبنان، سوريا...)، ووطدت الحكومات العربية، وبالأخص الخليجية، علاقاتها مع دولة الإحتلال، وفتحت السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين وغيرها أجواءها ومياهها وأراضيها إلى القواعد الأمريكية والفرنسية والأوروبية، وأصبح عدوها الرئيسي إيران (أما "إسرائيل" فهي صديقة) ... وأصبحت الحكومات الفرنسية (والأوروبية) المتعاقبة تشترط توطيد العلاقات مع الكيان الصهيوني والتطبيع الثقافي والأكاديمي، وتغيير مناهج التعليم، ومحو أي إشارة إلى احتلال فلسطين أو تحريرها، قبل الموافقة على أي قرض أو "مساعدة" للدول العربية...
على الصعيد الداخلي، ومنذ تأسيس دولة الصهاينة، تعاملت الدولة الفرنسية مع الحركة الصهيونية، ثم مع دولة "إسرائيل" بعطف كبير، بسبب التقارب في الأهداف (الهيمنة والإستعمار)، وما أسماه بعض السياسيين والفلاسفة والمنظرين اليمينيين "الجدور اليهودية المسيحية" للحضارة الأوروبية (Les origines judéochrétiennes de la civilisation européenne) ، وسمحت الحكومة الفرنسية (وكذلك حكومات إيطاليا وبلجيكا وبريطانيا وهولندا وألمانيا...) لمخابراتها بالتعاون الوثيق مع المخابرات الصهيونية، لتصفية واغتيال المناضلين العرب والفلسطينيين، الذين يحاولون معارضة الدعاية الصهيونية...
اختطفت المخابرات الصهيونية، بالتعاون الوثيق مع المخابرات الفرنسية، سنة 1965 (في عهد الرئيس شارل ديغول)، المناضل الوطني المغربي "المهدي بن بركة"، المعارض للملك الحسن الثاني، والمعروف على الصعيد الداخلي والمغاربي كمناضل ضد الإستعمار، وعلى الصعيد العالمي كأحد أقطاب النضال ضد الإستعمار والإمبريالية وأحد أعمدة حركة عدم الإنحياز (عن كتاب شمويل سيغيف، "الرابط المغربي" (عن علاقات الكيان الصهيوني مع دولة المغرب)، الذي كتب مقدمته رئيس الموساد السابق "إفراييم هاليفي"، 2008)...
قامت المخابرات الصهيونية (بمساعدة المخابرات الفرنسية) بعمليات تصفية جسدية واغتيال المناضلين الفلسطينيين والعرب الذين يقومون بنشاط إعلامي سلمي في فرنسا (وحدث نفس الشيء في إيطاليا وبريطانيا وقبرص وبلجيكا، ولبنان وتونس...)، وتزامنت بداية هذه الإغتيالات مع حملة قتل واغتيال عنصرية ضد العمال المهاجرين العرب، وطرد وإبعاد العمال المناضلين من أجل حقوقهم إلى بلدانهم الأصلية... وكانت الجزائر قد أعلنت تأميم النفط، وإنشاء صناعة ثقيلة، وتعريب التعليم...مما خلق توترا في العلاقات مع فرنسا، التي كانت مهيمنة اقتصاديا وثقافيا، وترجم هذا التوتر بحملات إعلامية عنصرية ضد العمال المهاجرين العرب في فرنسا وضد أنصار القضية الفلسطينية، تجسمت على أرض الواقع في الإغتيالات والتصفيات الجسدية التي بقيت بدون عقاب، ولم تنشر نتائج التحقيقات... أما عن الإعتداءات والإهانات والشتائم اليومية في الشارع والمحلات العمومية وفي أماكن العمل، فحدث ولا حرج... وخلق هذا الجو المشحون ردود فعل المتضررين ( بمساندة بعض فصائل اليسار الجذري) الذين نظموا احتجاجات وتظاهرات وفعاليات مساندة لضحايا القمع والإضطهاد، وللشعب الفلسطيني، وكان للمهاجرين والمثقفين العرب الفضل الكبير في التعريف يقضية فلسطين باعتبارها قضية كل عربي وكل تقدمي وكل مؤمن بالعدالة والحرية، وعندما بدأ الرأي العام يتعرف على حقائق غيبها التعتيم الإعلامي والنشاط الصهيوني والمساندة الرسمية له، انتقلت المخابرات الصهيونية (والفرنسية والأوروبية عموما) إلى مرحلة أخرى تميزت باغتيال عدد من المناضلين في باريس (بالتزامن مع اغتيال المثقفين الفلسطينيين في لبنان)، منهم (خلال عشرية واحدة):

محمود الهمشري فلسطيني، ممثل منظمة التحرير الفلسطيني في فرنسا، قتلته قنبلة ناسفة وضعت في منزله في باريس يوم 8/ 12/ 1972 لأنه تمكن من بناء علاقات طيبة مع مختلف الأوساط السياسية والثقافية الفرنسية

باسل الكبيسي عراقي، أُستاذ في جامعة كاليغاري بكندا (1969)، عرف بنشاطه مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اغتالته عناصر جهاز الموساد في أحد شوارع باريس يوم 6/ 4/ 1973

محمود أبودية جزائري، كان يدير مسرحا في باريس، وعرف بدفاعه عن القضية الفلسطينية، وقربه من منظمة التحرير الفلسطينية، اغتيل في باريس يوم 28/ 6/ 1973

محمود صالح فلسطيني، من "يسار" منظمة فتح، مؤسس "المكتبة العربية" في باريس، كان يعتبر أحد قادة العمل الوطني السري في أوروبا. اغتيل في باريس يوم 2/ 2/ 1977

عز الدين القلق فلسطيني، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، اغتيل في مكتبه في باريس يوم 3/ 8/ 1978 (كان منفذ الإغتيال فلسطينيا)

الدكتور يحيى المشدّ مصري، عرف بمناصرته للقضايا العربية والفلسطينية، خبير طاقة ذرية، أسهم في تأسيس المفاعل النووي العراقي، وكان متخصصاً في بناء المفاعلات النووية، قُتل في غرفة الفندق الذي كان يقيم فيه، بعد مباحثات أجراها مع لجنة الطاقة الذرية الفرنسية في باريس يوم 14/ 6/ 1980 (تبنى الموساد اغتياله فيما بعد)

يوسف مبارك فلسطيني، أحد مناضلي حركة فتح، صاحب المكتبة العربية في باريس، اغتيل في باريس يوم 18/ 2/ 1980

فضل سعد عناني فلسطيني، نائب مدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في باريس اغتيل في باريس يوم 23/ 7/ 1982

كما اعتيل في روما: محمد طه فلسطيني، يوم 16/ 6/ 1980 ، وخالد نزال يوم 09/06/1986، ومنذر أبو غزالة يوم 21/10/1986، ووائل زعيتر يوم 17/ 10/ 1972 ، وماجد أبو شرار، كاتب ومناضل فلسطيني، كان يشارك في مؤتمر عالمي لدعم الشعب الفلسطيني في إيطاليا، وضع أعوان الموساد قنبلة تحت سريره في الفندق في روما يوم 9/ 10/ 1981
كما اغتيل عدد آخر من المناضلين والأدباء الفلسطينيين في بروكسل ولندن وفي قبرص... وفي الدول العربية، منها لبنان: غسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، ومحاولات اغتيال المفكر الفلسطيني أنيس صايغ (1931 ـ 2009)، مدير مركز الدراسات الفلسطينية، مرتين على الأقل، وفي تونس ( أبو جهاد وأبو إياد) إضافة إلى الغارات الجوية الصهيونية على ضاحية حمام الشط، الذي ذهب ضحيتها عدد هام من الفلسطينيين والتونسيين يوم 01/10/1985... الخ


الكيان الصهيوني وأوروبا:

تتنزل الممارسات الحالية للحكومة الفرنسية، لصالح الكيان الصهيوني، في سياق عالمي وأوروبي، تميز بضعف القوى التقدمية وهيمنة اللبرالية الإقتصادية المفرطة وإيديولوجيا "المحافظين الجدد" (صراع الحضارات والإنتصار النهائي للرأسمالية ولأمريكا...)
يستفيد الكيان الصهيوني من كافة امتيازات أعضاء الإتحاد الأوروبي دون الخضوع للإلتزامات والقيود التي يخضع لها الأعضاء (وكذلك الشأن بالنسبة للحلف الأطلسي)، في مجلات التبادل التجاري، فيصدر منتوجاته بدون قيود جمركية أو ضرائب، ويستفيد من كل الإتفاقيات التجارية والعلمية وتنقل الأشخاص، ويضغط الإتحاد الأوروبي (وخصوصا ألمانيا وفرنسا) على الدول العربية، ومصر والأردن بشكل خاص، من أجل التطبيع الشامل، قبل توقيع أي اتفاقية تعاون أو إسناد قروض... ومنذ سنة 1958 يشارك الكيان الصهيوني في البطولات الرياضية الأوروبية... وقرر الإتحاد الأوروبي، خلال شهر تموز 2012، تدعيم التعاون مع الكيان الصهيوني في 60 مجال منها النقل والسياحة والإتصالات والفلاحة والصناعة والطاقة والأمن والجمارك والطيران ومراقبة الفضاء... وصادف توقيع هذا الإتفاق أعلان الكيان الصهيوني إزالة 8 قرى فلسطينية، جنوب الضفة الغربية المحتلة، وتحويلها إلى منطقة عسكرية مخصصة لمناورات جيش الإحتلال... وتنص الإتفاقيات الأوروبية مع الكيان الصهيوني على احترام "القوانين الدولية" وقرارات الأمم المتحدة الخ... غير أن هذا لا ينطبق على الكيان الصهيوني حسب ما يبدو، بل بالعكس فقد ضاعف الإتحاد الأوروبي من قيوده على منتوجات المغرب العربي، مقابل التساهل مع الكيان الصهيوني (تمور، قوارص، خضار...)، و تمثل أوروبا أكبر سوق للمنتوجات الصهيونية...
للكيان الصهيوني مناصرون في البرلمان الأوروبي، من كل الجنسيات، ومن كل الإتجاهات السياسية، واشتهر عدد منهم بلعب دور الصدى للكيان الصهيوني وساندوا علنا أبشع ممارساته، كالقتل والحصار الخ، منهم الفرنسي (الإشتراكي) "فرانسوا زيمراي"، الذي عينه ساركوزي مستشارا له... وتحظى مساندة الكيان الصهيوني بشبه إجماع في بعض دول الإتحاد الأوروبي منها هولندا وألمانيا وبولندا وجمهورية التشيك الخ، وكذلك المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، ونجحت المنظمات الصهيونية في إستصدار قوانين أوروبية تعاقب الدعوة للمقاطعة، واعتبار نقد الكيان المحتل جريمة، تضاهي ما اقترفته الأحزاب الفاشية الأوروبية خلال فترة ما بين الحربين من جرم في حقه المواطنين اليهود الأوروبيين...
يقوم أعوان المخابرات الصهيونية بتفتيش المسافرين إلى فلسطين، في المطارات الأوروبية، وقامت الشركات الأوروبية (والكندية والأمريكية) بمنع مسافرين من الذهاب إلى فلسطين، خلال صائفتي 2011 و 2012، بناء على قائمة إسمية سلمتها لها المخابرات الصهيونية، بدعوى أنهم من المعارضين لبعض جوانب سياسة "إسرائيل" في جزء من الأراضي المحتلة... وهو أمر لا تتجرأ المخابرات الأوروبية على القيام به بهذا الشكل المفضوح ...
كما منعت العديد من الدول الأوروبية تظاهرات سلمية ومحاضرات وندوات وملتقيات عن القضية الفلسطينية أو عن ممارسات الكيان الصهيوني ( فرنسا، ألمانيا، إيطاليا...) كما فرضت على عدد من الفنانين والمبدعين أو المشاركين في ندوات علمية مشاركة مدعوين صهاينة، دون إعلامهم بذلك مسبقا، وحورت دول أخرى عنوان التظاهرات لتبدو "محايدة"، بينما تشير الوقائع إلى أن كل ذلك مدروس بعناية، للإيقاع ببعض المثقفين العرب الرافضين للتطبيع...
في فرنسا، منعت عدة جامعات، حلقات بحث حول "النزاع في الشرق الأوسط"، بعد أن رخصت لها وخصصت لها قاعات ومدارج، ورفضت بلديات عديدة من كافة التيارات السياسية توفير أو تأجير محلات من أجل القيام بنشاطات ثقافية عن فلسطين... وكان ضغط الحكومة والحركات الصهيونية، التي تهدد باستعمال العنف، أحد أسباب تراجع هذه المؤسسات الجامعية أو البلدية وإلغاء هذه التظاهرات... كما منعت كافة الدول الأوروبية، المطلة على البحر، مواطنيها من الإبحار إلى غزة "لكسر الحصار"، واحتجزت الزوارق في مياهها الإقليمية، بل شاركت فرنسا وألمانيا ببوارجها الحربية في تشديد الحصار، بدعوى "منع دخول السلاح"، وشاركت دول مثل اليونان وإيطاليا في احتجاز مواطنيها، كي لا يتسببوا في إزعاج الكيان الصهيوني...

ركائز الشبكة الصهيونية:

استقبل الفريق الفرنسي لكرة القدم نظيره الجزائري، لأول مرة في تاريخ الفريقين، لإجراء مباراة ودية، في باريس (سنة 2002)، حضرها عدد كبير من الشباب العربي المولود في فرنسا (ذو الجنسية الفرنسية)، وامتلأ الملعب بالأعلام الجزائرية... وأثناء أداء النشيدين الرسميين، ردد عدد هام من الحضور النشيد الرسمي الجزائري، بينما قابل البعض النشيد الرسمي الفرنسي بالتصفير والصياح... غادر الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" الملعب، احتجاجا، وثارت ضجة كبيرة في وسائل الإعلام وفي البرلمان وكان حديث وحدث الساعة لمدة أسابيع، وكانت فرصة ذهبية للتجريح العنصري العلني والشتائم ضد العرب...
خلال تصفيات كأس العالم لكرة القدم (جنوب افريقيا سنة 2010 )، التقى الفريقان الفرنسي والصهيوني ضمن نفس المجموعة، لاختيار الفرق الأوروبية التي ستشارك في المرحلة النهائية في جنوب افريقيا... جرت مباراة الذهاب والإياب بحضور عدد كبير من أهل الفن والأدب والصحافة الفرنسيين الذين رفعوا علم الكيان الصهيوني في باريس، وسافروا إلى تل أبيب في رحلات خاصة، لتشجيع الفريق الصهيوني (وهم فرنسيون يعيشون في فرنسا)، ورددوا النشيد الصهيوني "هاتيكفاه" واقفين، بكل حماس... ولم يثر الحدث أي تعليق، بل اعتبر الجميع أن اليهود الفرنسيين "صهاينة وإسرائيليون بالضرورة" ولا يعدو أن يكون تشجيعهم لفريق "دولة أجنبية" أمرا "عاديا"، كما اعتبر تدخل القادة الصهاينة في الشؤون الداخلية الفرنسية والتحدث باسم يهود فرنسا أمرا "عاديا"...
في الحالة الأولى كان الحضور من الشباب، أبناء المهاجرين الذين استعمرت فرنسا بلاد آبائهم وأجدادهم، طيلة 132 سنة، وينتمون للفئات الفقيرة من المجتمع الفرنسي... أما في الحالة الثانية فإن من انحازوا للفريق الصهيوني ضد فريق "بلادهم"، هم من مشاهير الفن والصحافة والتجارة والمال، ولم يكونوا من محبي كرة القدم، بل كانت مشاركتهم ذات صبغة عقائدية وسياسية، ولم يكتفوا بحضور المباراة في باريس، بل نظموا رحلات خاصة وتنقلوا إلى تل أبيب في فلسطين المحتلة، للتعبير عن مساندتهم لكل ما يرمز للإحتلال الصهيوني...
في الحالة الأولى، ثار "المجتمع السياسي والمجتمع المدني" ضد الشباب العربي الذي "أعلن ولاءه لدولة أجنبية"، وأهان العلم والنشيد الرسمي الفرنسيين، وكل رموز "الجمهورية"، حسب تعابير الصحف والقادة السياسيين، وفي الحالة الثانية، لم تتجاوز التعليقات (إن وجدت) مجرد الإعلام بوجود فلان وعلان في مدارج الملعب، وربما اعتبر تشجيع الفريق الصهيوني "عاديا"، بعد أن رسخت وسائل الإعلام والأحزاب، في الأذهان أن "إسرائيل" هي المتحدث الرسمي باسم كافة يهود العالم ولو كانوا فرنسيين أو أمريكيين، وبذلك تكون الدول الأوروبية والأمريكية وغيرها قد تخلت عن جزء من سيادتها لصالح الكيان الصهيوني، طوعا وعلانية...
تعتمد الشبكة الصهيونية في فرنسا على عدة ركائز منها الرموز المؤثرة في محيطها مثل القادة السياسيين، منهم الرؤساء مثل فرانسوا ميتران ونيكولا ساركوزي، والوزراء منهم دومنيك ستروس كان وبرنار كوشنار وفردريك ميتران و إريك راؤولت وبيار للوش، وكلود كوسغان، وصحافيين منهم فيليب فال (مدير إذاعة القطاع العام، "فرانس انتار") وآن سان كلير (زوجة ستروس كان) وكرستين أوكرانت (زوجة برنار كوشنار) وإيفان لوفاي وألكسندر أدلر، أو مالكين لوسائل الإعلام، ومنهم برنار هنري ليفي، وعائلة "عموري" (لوباريزيان، ليكيب...) وعائلة "داسو" (صحف + طائرات "رافال" الحربية)، ونواب في البرلمان الوطني الفرنسي أو الأوروبي وهؤلاء لا يحصى عددهم، في صفوف اليمين واليسار، وهناك شخصيات مؤثرة في الحياة السياسية الفرنسية منها "جورج فراش" (الحزب الإشتراكي) وكان حتى وفاته أواخر 2011 نائبا في البرلمان ورئيس بلدية مدينة كبرى (مونبيلييه) وهو معروف بمواقفه العنصرية الواضحة، والمناهضة للعمال والكادحين والفقراء، والشعوب المهيمن عليها، و"برتران دي لانويه"، رئيس بلدية باريس، وأحد أعمدة الحزب الإشتراكي (من عائلة مستعمرين فرنسيين في تونس)، ومن أكبر المدافعين عن الصهيونية كإيديولوجيا، وعن دولة الكيان الصهيوني كرمز للحضارة الأوروبية في المشرق العربي... ولا يتوانى الصهاينة عن التصريحات المؤيدة للكيان الصهيوني، دون إبداء أي تحفظ، ومن التصريحات المجسمة لذلك ما قاله دومنيك ستروس كان، لما كان وزيرا، وقبل أن يصبح مديرا عاما لصندوق النقد الدولي: "من واجب كل يهودي أن يساعد ويساند إسرائيل، ويجب علينا كيهود أن نسعى بكل ما أوتينا من قوة لتبوأ مناصب سياسية ، بهدف مساعدة إسرائيل... إن كل عمل أقوم به يصب في مصلحة إسرائيل، وعندما أنظر إلى وجهي كل صباح في المرآة، أتساءل عما يمكن أن أفعله هذا اليوم لصالح إسرائيل" ( من تصريح لإذاعة أوروبا رقم واحد، سنة 1991، أعادت نشره مجلة "لافي" (الحياة) 11/04/2002)... إضافة إلى تيار "الفلاسفة الجدد" (وهم مجموعة من مثقفي اليمين الذين يحتلون محطات الإذاعة والتلفزيون وصفحات الجرائد)، وتيار "الفرمسونية" الصهيونية "بني بريت" (أبناء التحالف) الذي يقدم نفسه على أنه تيار علماني "إنساني"، والواقع أنه ينحدر من تيار "الصهيونية الإشتراكية" وقد أسس مستعمرات صهيونية منذ العقد الثاني من القرن العشرين، بتمويل من كبار رأسماليي العالم، مثل مؤسسات "روتشيلد" و "مصرف لازار"، وهو منصهر حاليا في شبكات من "المجتمع المدني" المشبوهة، المشهورة بتشويه الإسلام والمسلمين (والمستهدف الحقيقي هم العرب)، والإشادة بالكيان الصهيوني، والتحالف مع الشق اللائيكي من تيارات اليمين المتطرف، وتمكن هذا التيار من استقطاب عدد من مثقفي المغرب العربي مثل الكاتب بوعلام صنصال (الجزائر) والمخرجة "نادية الفاني" (تونس)، والطاهر بن جلون (المغرب) وتيار "المؤتمر الأمازيغي العالمي"، وغيرهم ممن شوهوا ثقافتنا وحضارتنا، إرضاء للأسياد الأوروبيين...

منذ تأسيس الكيان الصهيوني (وقبل ذلك) تتخذ الصحف الكبرى الفرنسية مواقف مساندة للكيان الصهيوني، لكنها كانت تفتح صفحاتها من حين لآخر إلى بعض النقد الخفيف، الذي لا يمس بالجوهر وإنما يكتفي بنقد بعض الممارسات أو تطبيقات التطهير العرقي أو "الإفراط" في استعمال القوة الخ... لكن منذ أكثر من عقد أغلقت الصحف الكبرى المجال أمام كل نقد، مهما كان بسيطا للكيان الصهيوني"، بل ذهبت صحيفة "لوموند"، أشهر الصحف الفرنسية إلى نشر افتتاحية يوم 09/06/2010، تندد فيها بالدعوة إلى مقاطعة منتوجات الكيان الصهيوني، الذي تنعته بالإنفتاح والتنوع والديمقراطية الخ، وتزامن ذلك مع نشر بيان يصب في نفس الإتجاه (ضد المقاطعة) وقعه عدد من المثقفين والسياسيين و"نشطاء المجتمع المدني"، ينتمون إلى تيارات عديدة ( الحزب الإشتراكي والحزب الشيوعي وكافة أحزاب اليمين وبعض الرموز المحسوبة على اليسار الثقافي)، وفي المقابل أشادت الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية بافتتاحية كتبها رئيس حكومة أسبانيا السابق "خوسيه ماريا أزنار" (1996 – 2004) عبر فيها عن تخوفه من أن "انهيار الكيان الصهيوني سيكون انهيارا للغرب" (صحيفة التايمز البريطانية 17/06/2010) "... إن إسرائيل هي خط دفاعنا الأول، في هذه المنطقة الحيوية لأمن الطاقة، فإذا سقطت سنسقط معها، لأن مصيرنا متشابك بشكل لا ينفصم، لذا لا يجب أن ننفعل أو نتخذ مواقف خاطئة تضر بأمن إسرائيل، ولو بعد أحداث مثل أحداث أسطول الحرية"... وهذا الكلام واضح جدا، ولا يحتاج إلى تعليق، وهو بوضح العلاقة الوظيفية للكيان الصهيوني، وأفردت له الصحف الفرنسية مساحة هامة وفسحت المجال واسعا لمساندي هذا الرأي، و لا ننسى أن "خوسيه ماريا أزنار" كان شديد الحماس للإعتداء على العراق وساهم في احتلاله بإرسال عدد هام من الجنود، وهو من نفس طينة ساركوزي وبرلسكوني وطوني بلير وجورج بوش الإبن، الذين روجوا لنظرية "صراع الحضارات" واحتلوا أفغانستان والعرق وساروا على درب أسلافهم الذين خربوا وقسموا يوغسلافيا...
تميزت فترة رئاسة نيكولا ساركوزي بالدفاع المستميت عن نظريات (وتطبيقات) سياسة "المحافظين الجدد"، وبالعداء الشديد لكل الأفكار النيرة والإصطفاف وراء الأفكار السياسية والإقتصادية الأكثر يمينية، التي أنتجتها الأمبريالية... وفي ما يخصنا كعرب فإننا نلاحظ أن ساركوزي أحاط نفسه بعدد كبير من الوزراء والمستشارين الصهاينة المتطرفين، وإمعانا في الإستفزاز، عين جنديا إسرائيليا في منصب مستشار برتبة وزير مساعد للهجرة ( أرنو كارسفيلد) وعين "فاليري هوفنبيرغ" ممثلة "أميركان جويش كوميتي" في فرنسا، إحدى أكثر الجمعيات الصهيونية يمينية وتطرفا، في منصب "مبعوثة خاصة للشرق الأوسط، برتبة وزيرة"، كما عين "فرنسوا زيمراي" (ورد ذكره في فقرة أخرى) سفيرا لحقوق الإنسان، وهو نائب في البرلمان الأوروبي، عن الحزب الإشتراكي، ورئيس اللجنة السياسية في "المجلس الممثل للمؤسسات اليهودية في فرنسا"، اشتهر بترديد نظريات اليمين الصهيوني المتطرف، واعتبار أن لا وجود لشيء إسمه الشعب الفلسطيني، وعين "دوف زراح" (رئيس المجلس الديني اليهودي الفرنسي) ورئيس "الوقف الفرنسي الإسرائيلي"، رئيسا لوكالة التنمية الفرنسية، ومكلفا بملف "المساعدات الإقتصادية لافريقيا"، وآلان بويير مستشارا سياسيا له، مختص في شؤون الأمن، وهو يدير شركة أمنية خاصة مرتبطة بالمخابرات الأمريكية، قامت بعدد من الأعمال الإجرامية في أمريكا الجنوبية وآسيا... ويعتبر نيكولا ساركوزي" الرئيس الوحيد الذي لا يتحفظ أبدا في إبداء مساندته المطلقة للكيان الصهيوني، الذي وصف تأسيسه ب"معجزة القرن العشرين" (وفاق في ذلك تأييد فرانسوا ميتران لدولة الإحتلال)... وبالعودة إلى ما كتبه "خوسيه ماريا أزنار"، فإن الإرتباط وثيق بين اليمين والإحتكارات العالمية والصهيونية، إذ أحاط ساركوزي نفسه (لما كان وزيرا للإتصالات ثم للمالية والداخلية) قبل انتخابه رئيسا، بمجموعة من أهل النفوذ الصناعي والمالي والإعلامي (مجموعة داسو ولاغاردير وبويغ وبلوري... )، وأعلن انتسابه وولاءه المطلق للمحافظين الجدد وللإيديولوجيا الصهيونية، كإيديولوجيا استعمارية بامتياز، وبدأ حملته الرئاسية من أمريكا بخطاب في مؤتمر "آيباك"، وأمام أعضاء "المؤتمر اليهودي الأمريكي"، وأعلن من هناك ترشحه للرئاسة الفرنسية، وخصص له الكيان الصهيوني طابعا بريديا، أثناء الحملة الإنتخابية، وحصل على أكبر نسبة من التصويت لصالحه سنة 2007، في الكيان الصهيوني، حيث يفوق عدد الناخبين 65 ألف من ذوي الجنسية المزدوجة الفرنسية والإسرائيلية، المسجلين في القائمات الإنتخابية الخ
أما منظمات "المجتمع المدني" (وبقطع النظر عن حسن نية الأفراد المنتمين إليها) فإن هدفها المعلن هو "إشاعة السلام" و"جمع كافة الأطراف للتعارف والتحاور والعمل جنبا إلى جنب..." (من أجل تأبيد الإحتلال، وتحسين صورته؟)، وتساهم المنظمات غير الحكومية والحركات المناهضة للعولمة، وجمعيات الصداقة في التطبيع السياسي والإقتصادي وتحث على مشاركة جمعيات فلسطينية وصهيونية جنبا إلى جنب في المنتديات العالمية والتجمعات "المناهضة للبرالية"، ومختلف المهرجانات، بدعوى إقامة حلف "المعتدلين" ضد "المتطرفين من الجانبين"، وهكذا يصبح المعتدي والمعتدى عليه شركاء، متساويين في الجريمة وتصبح الضحية راضية بالإحتلال ونتائجه !!! وهذا يتماشى تماما مع المخططات الإمبريالية من "إعادة تشكيل المنطقة" وإنشاء منطقة تجارية "أمريكية، شرق أوسطية حرة، قبل 2015، تظم جميع دول المنطقة" يهيمن عليها الكيان الصهيوني، الذي يمثل المركز الإقتصادي والسياسي والعسكري، في انتظار أن يتعزز دوره بفضل اكتشافات الغاز في عرض سواحل مدينة حيفا، ومشروع مد خط أنابيب لنقل النفط من كركوك إلى حيفا، والغاز من جمهوريات آسيا الوسطى، ليصبح الكيان الصهيوني مركزا يرتبط به كل المشرق العربي... وتكفلت شركات معولمة منها "بوبليسيس" الفرنسية، لترويج هذه الخطط وتنظيم مؤتمرات وندوات ولقاءات دولية، لتمريرها (مثل مؤتمر دافوس في الأردن الذي تشرف على تنظيمه بوبليسيس)، وهذه ثاني أكبر شركة إعلام واتصالات وإشهار، في العاللم، بعد "هافاس"، وقد ورثتها "اليزابيث بادنتار" (زوجة وزير القضاء السابق في عهد فرانسوا ميتران، الذي اشتهر بمعارضته لحكم الإعدام، مع إهمال نضاله المستميت لصالح الصهيونية ودولة إسرائيل) عن عائلتها التي أسستها سنة 1926، وهي معروفة في فرنسا كمناضلة نسوية ولائكية، ولكنها كرست حياتها ونشاط مؤسستها للدفاع المستميت عن الكيان الصهيوني، وتنظيم حملات إعلامية لإبراز الوجه الحضاري للإستعمار الإستيطاني الصهيوني (بمساعدة نائب رئيس الشركة المناضل الصهيوني "موريس ليفي")، ونظمت جولة لبرلمانيين فرنسيين من الحزب الإشتراكي والخضر واليمين، لزيارة الجدار (الذي أدانته الأمم المتحدة وبعض المحاكم الدولية)، وإظهاره "كأداة سلمية لحقن الدماء من الطرفين"، والإشادة بالدور الحضاري للكيان الصهيوني في فلسطين... ونجحت الخدعة بشكل باهر، إذ قام المشاركون، عند عودتهم إلى فرنسا، بحملة إعلامية (نظمتها "بوبليسيس") لفائدة الكيان الصهيوني، وشاركوا في عدة فعاليات لإقناع المترددين، وللتنديد بالمشككين، وشتم المعارضين... ونظمت "بوبليسيس" كافة الحملات الهادفة إلى تلميع صورة الإحتلال وإظهاره في صورة إنجاز حضاري هام، كما نظمت الإحتفال بالذكرى ال 60 لإنشاء الكيان الصهيوني، وكذلك حملات الدعاية لمنتوجات الفلاحة والصناعة والسياحة الصهيونية...

"اللوبي الصهيوني"، تجمع يميني متطرف:

نشطت الحركة الصهيونية بكثافة في فرنسا، بين الحربين العالميتين، تحْت قيادة جوزيف فيشر (الذي أصبح سفيراً لإسرائيل في بلجيكا سنة 1949) وفتح "الصندوق القومي اليهودي" فروعا له في الجزائر، وانخرطت الحركة الصهيونية الفرنسية في الوكالة اليهودية الموحَّدة سنة 1929، وكان يمثلها ليون بلوم، رئيس حكومة "اليسار" لاحقا، من 1936 إلى 1938، ثم وزيرا سنة 1946...
نسجت الطائفة اليهودية في فرنسا شبكات اقتصادية واجتماعية وتربوية وقانونية ودينية وثقافية وسياسية، وأصبحت عبارة عن تجمع "ديني سياسي إيديولوجي"... وتوجد حوالي مائة جمعية واتحاد وتنظيم يهودي وصهيوني في باريس وضواحيها، ومكاتب لمختلف الأحزاب السياسية الصهيونية الموجودة في فلسطين المحتلة، ومنذ 1977 شكلت مختلف الجمعيات تنظيما موحدا يسمى "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية" في فرنسا ( Le Conseil Representatif des Institutions Juives de France (CRIF)، وهو تجمع ذو طابع سياسي يمثل الكيان الصهيوني في فرنسا، أكثر من تمثيله لمشاغل اليهود الفرنسيين، ويتمتع بنفوذ واسع يتعدى نفوذ أي حزب سياسي فرنسي، ساعده في ذلك امتلاك الصهاينة عددا هاما من الصحف والمجلات وقنوات الإعلام الإذاعي والتلفزي، ودور النشر ... والنفوذ الصهيوني واضح كذلك داخل المؤسسات الإقتصادية والمالية وبعض المهن مثل الطب والبحث العلمي والقضاء...
وأسس الصهاينة شبكة من المنظمات المختصة في تشويه ومطاردة ومحاكمة المتهمين بعدم مبايعة السياسة الإسرائيلية، منها اتحاد الطلبة اليهود واتحاد رجال الأعمال اليهود و"أس أو أس راسيزم" (التي أسسها الحزب الإشتراكي) و "الرابطة الدولية لمكافحة العنصرية ومعاداة السامية" و"محامون بلا حدود"، وغيرها من عشرات المنظمات، وتداخل نشاطها مع المشروع الصهيوني... وبذلك اندمجت الجمعيات اليهودية في الإيديولوجيا الصهيونية وفي دولة الإحتلال الصهيوني، وأصبحت سفارة ثانية للكيان الصهيوني في فرنسا، غير أنها أكثر خطورة بسبب امتداداتها في المجتمع وفي عدد من الميادين (الثقافية والحقوقية والطلابية والإعلامية...)، ونجحت في تبرير اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، "تعويضا لمعاناة اليهود في أوروبا" ! ... ورغم الحجج الدامغة والأدلة والوثائق العديدة التي تدين الإحتلال الصهيوني فقد تعرض كثير من المثقفين إلى ملاحقات قضائية، وفرضت المنظمات الصهيونية ‏الربط الميكانيكي بين اليهودية كديانة، والصهيونية كإيديولوجيا عنصرية استعمارية، وإسرائيل كدولة مبنية على الإحتلال وطرد السكان الأصلانيين ونفي "الآخر" (الأغيار)... ونظم اللوبي الصهيوني مظاهرات ضخمة لدعم جيش الإحتلال أثناء هدم مخيم جنين واغتيال المناضلين الفلسطينيين وحصار عرفات في "المقاطعة"، وتظاهر حوالي 80 ألف شخص (أكثر من 10 بالمائة من يهود فرنسا) لمساندة الجيش الصهيوني، ولم تجمع المظاهرة المنددة بهذا العدوان سوى 5 آلاف متظاهر... أما "جمعية مساندة الجندي الإسرائيلي" فتنظم سنويا حفلات مساندة لجيش الإحتلال في كافة المدن الكبرى الفرنسية، وتجمع تبرعات، يمكن لأصحابها خصمها من مبلغ الضرائب...
شجعت سياسة المحافظين الجدد في أمريكا (خصوصا بعد 11/09/2001) اللوبي الصهيوني على المجاهرة بمعاداة الفكر التقدمي في فرنسا، باسم محاربة الإرهاب، وبرز للعيان الوجه الحقيقي للقادة الصهاينة المتزعمين ل"المجلس الممثل للمؤسسات اليهودية في فرنسا"، الذين فرضوا بالعصا والجزرة، الإتحاد بين اليهود من كافة الإتجاهات من صهيونيين يساريين او يمينيين وشيوعيين، ورص صفوف الطائفة ونزع الشرعية عن الاصوات النشاز، باسم مكافحة الارهاب الذي أصبح مرادفا للعرب أو للمسلمين... وخلال انتخابات الرئاسة (22/04/2002) أزيح ممثل الحزب الإشتراكي "ليونيل جوسبان" (الذي رماه الطلبة الفلسطينيون بالبيض والطماطم، بسبب وصفه حزب الله بالإرهاب، ومساندته للكيان الصهيوني) منذ الدور الأول وبقي ممثل اليمين جاك شيراك وجان ماري لوبان ممثل اليمين المتطرف في الدور الثاني... كان ممثلوا الطائفة اليهودية (وهم في الواقع صهاينة يمثلون دولة الكيان على أرض فرنسا) يدعون محاربة اليمين المتطرف والعنصرية، وبعد هذا "الإنتصار التاريخي" لليمين المتطرف أعلن بعض قاتدة اليهود الصهاينة أنهم أخطأوا تقديراتهم وأن العدو الحقيقي ليس اليمين الفاشي وإنما العرب والمسلمون... واعتبر "روجيه كوكيرمان" رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا ان النسبة التي نالها اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية هي بمثابة "رسالة تحذير الى المسلمين”.. ومثل رجع الصدى، اعلن السيد برونو ميغره (أحد زعماء اليمين المتطرف في فرنسا): “في مواجهة الاصولية الاسلامية نشاطر المنظمات الممثلة ليهود فرنسا قلقها”... وأعلن رئيس جمعية الصداقة الفرنسية ــ الاسرائيلية، الاميرال "ميشال دارمون" (حزيران 2002): “منذ عشر سنين والطائفة اليهودية تخطىء في تحديد معركتها، إذ أن عدوها الرئيسي ليس جان ماري لوبان، بل العرب والمسلمين"، وجند الصهاينة مثقفين معروفين، من اليهود وغير اليهود، وبعضهم كان محسوبا على اليسار والبعض الآخر كان مناضلا في صفوف اليمين الفاشي، منهم: "بيار ـ اندريه تاغييف" و"ميشيل تربالا" (باحثان في المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية) و"الان فينكلكروت" و"الكسندر ديل فالّه" والجامعيان فريدريك انسل وجاك ترنيرو (كان يعمل في ديوان رئيس الحكومة لوران فابيوس، من 1984 إلى 1986) والصحافي موريس زافران... ونظم الصهاينة تجمعات واعتصامات أمام مقرات وسائل إعلام القطاع العام، متهمينها بالإنحياز "للأعداء" العرب والفلسطينيين، وقاموا بحملة تشهير تعتمد ترويج الأكاذيب والإشاعات ضد مثقفين وصحافيين أعلنوا مرارا أنهم حريصون على "أمن وسلامة إسرائيل"، وهددوهم بالرسائل العادية والإلكترونية.... ولا تحقق الشرطة عادة في القضايا التي يرفعها ضحايا الصهيونية، وتنصح أصحابها بعدم إثارة ضجة حول ما تعرضوا له من اعتداءات أو شتائم... وأقام الصهاينة خلال أقل من سنة دعاوى قضائية ضد الباحثين: ادغار موران ودانيال سالناف وسامي نعير، بسبب مقال نشروه على صفحات جريدة "لوموند"، وضد الباحث "باسكال بونيفاس" (وقد طرده الحزب الإشتراكي) بسبب كاتب عنوانه "هل يمكن نقد إسرائيل"، وقد حذر من المغالاة في مساندة الحزب الإشتراكي للكيان الصهيوني، ويطالبه بشيء من "الإعتدال"، والصحفيين "شارل أندرلان" ودانيال ميرميه"، ودوني سيفار الخ...

خاتمة:

أن فرنسا دولة استعمارية، امبريالية، وكذلك أمريكا وبقية دول أوروبا، والعلاقة المتطورة مع الكيان الصهيوني تنبع من طبيعة الحركة الصهيونية التي هي حركة استعمارية استيطانية، سارت على خطى الأوروبيين البيض في أمريكا وكندا وأستراليا... الذين قضوا على السكان الأصلانيين، وعلى خطى الإستعماريين البيض الأوروبيين في جنوب افريقيا وناميبيا و"روديسيا" (زمبابوي) الذين أقصوا أهل البلاد من إدارة شؤون بلادهم ومارسوا ضدهم العنصرية... فليست الحركة الصهيونية أو اللوبي الصهيوني هو الذي يتحكم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا، وإنما هي المصلحة المشتركة أو تقاطع المصالح، هو المحدد، فقد أعلن مؤسسو الحركة الصهيونية عن طبيعة هذه العلاقة والتمسوا مساعدة القوى الإمبريالية لأن تأسيس دولة "إسرائيل" يخدم مصالحها...
تمكن الشعب الفلسطيني من التعريف بقضيته ومن إنشاء شبكة من الحلفاء والأصدقاء، عندما كان لمنظمة التحرير ولمختلف الفصائل مشروع وبرنامج تحرير وطني يجمع كافة مكونات الشعب الفلسطيني، وتكونت هذه الشبكة أساسا من مناضلي اليسار الأوروبي والياباني والأمريكي... ثم انتهزت قيادة منظمة التحرير الإنتفاضة الشعبية (1987 – 1990) في الأراضي المحتلة سنة 1967، لتبني "علاقات ثقة" مع المحتل وتتخذ من التفاوض هدفا في حد ذاته، ومن التسول وسيلة لإنشاء اقتصاد ريعي وتقويض فكر وثقافة المقاومة...
وما "قوة" العدو إلا من ضعف الصف المقابل له، خصوصا في هذه المرحلة التي أصبح "العرب الصهاينة" يعتبرون إيران هي العدو الرئيسي ويعتبرون "إسرائيل" حليفة، ويشاركون الإمبريالية في احتلال وتفتيت الدول العربية، انطلاقا من القواعد العسكرية المتواجدة على أراضيهم (الكويت والسعودية وقطر والبحرين والإمارات...)، وأصبحت الجامعة العربية فرعا من الحلف الأطلسي... وبعد انتفاضات تونس ومصر، أصبح الإسلام السياسي يحكم المغرب وتونس وليبيا ومصر الخ (بتمويل وتخطيط قطري، أي أمريكي) وكانت تصريحات وممارسات قادته واضحة ولا لبس فيها بخصوص الإقتصاد اللبرالي وخصخصة المرافق العمومية، وكذلك حول علاقات "حسن الجوار" (إن لم يكن أكثر من ذلك) و"احترام الإتفاقيات الدولية" (أي كامب دفيد ووادي عربة والكويز...)
ما العمل؟ إن فصل قضية فلسطين عن محيطها العربي وعن النضال ضد الإستعمار والإمبريالية هو خطأ قاتل، وإن فصل الصهيونية ودولة الإحتلال عن الإمبريالية ومخططاتها من أجل السيطرة على موارد الوطن العربي (خصوصا المشرق العربي) وموقعه الإستراتيجي، يعبر عن قصر نظر... لذا فكل نضال من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان وحقوق مختلف فئات المجتمع الكادح والفقير، مرتبط بالنضال ضد الطبقات والفئات الحاكمة ومن يقف وراءها ويساندها لأنها تدافع عن مصالحه في بلادنا (مساندة الإمبريالية لزين العابدين بن علي وحسني مبارك إلى آخر يوم)، ومن يساند الصهاينة لا يمكن أن يكون صديقا لنساء وعمال وأطفال المغرب أو تونس أو مصر أو سوريا... لذا فالربط بين النضال المطلبي والوطني والنضال القومي والمناهض لهيمنة الإمبريالية على بلداننا وعلى خيراتنا هو الحلقة الضرورية التي تعوز النضالات الحالية للشعوب العربية ضد أنظمة القمع والعمالة والإنبطاح.، فالنضال هو واحد لا ينفصل، ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية...
لقد أعلن "أرييل شارون" سنة 2005 أن مشكلة الكيان الصهيوني ليست مع الحكومات العربية، فهي تتعامل مع دولة الإحتلال سرا وعلانية، لكن المشكلة الحقيقية هي مع الشعوب العربية التي ترفض "حق إسرائيل في الوجود وترفض الإ عتراف بها"، حسب قوله، ويرى الحل في استعمال مزيد من القوة، ليس لإقناع الشعوب العربية بل لترهيبها وجعلها تؤمن بقوة "إسرائيل" التي لا تقهر، فتخضع لها صاغرة... لكن حرب 2006 أظهرت أن القوة العسكرية ومساندة الإمبريالية والرجعية العربية للإعتداء على لبنان، لم تكن كافية لكسر عزيمة مقاومي "حزب الله"، رغم عدم توازن القوى وخيانة الدول العربية (السعودية، مصر، الأردن...) ووقوف أحزاب ومليشيات الطوائف مثل آل الحريري وآل الجميل والحكومة اللبنانية في صف الخيانة والعمالة للعدو ، ضد "إخوان لهم في المواطنة"...
إن أضعف الإيمان هو القيام بحملات لمقاطعة العدو سياسيا واقتصاديا وثقافيا، في الدول العربية وأوروبا والعالم، والتأكيد على حق تقرير المصير وعودة اللاجئين إلى ديارهم الخ، وعدم الإنسياق وراء تجزئة القضايا لأنها فخ كبير، فقد نفذت الإمبريالية والصهيونية وقسمت الصفوف باسم قضايا حق أريد بها باطل، كحقوق الإنسان والطفل والمرأة والعلمانية الخ وشارك عدد من المثقفين العرب مع الصهاينة في عدد من التظاهرات بدعوى فصل السياسة عن الفن أو العلم أو الأكاديميا...

الطاهر المعز – آب 2012



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإستراتيجيا العسكرية الأمريكية في آسيا والمحيط الهادئ
- عن المسار الثوري في تونس، انقضاض الماكرين على ثورة المحرومين
- -بزنس الرياضة-
- الحركة الأصولية والإسلام السياسي
- حول الديموقراطية
- المسألة الفلسطينية: مساهمة في نقاش -نداء الى الأحزاب والقوى ...
- مساهمة في نقاش -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن ا ...
- الحركة النقابية في تونس بين ارادة الاستقلال ومحاولات الاحتوا ...


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - دور الشبكات الصهيونية في فرنسا