أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - الطاهر المعز - المسألة الفلسطينية: مساهمة في نقاش -نداء الى الأحزاب والقوى الماركسية العربية















المزيد.....


المسألة الفلسطينية: مساهمة في نقاش -نداء الى الأحزاب والقوى الماركسية العربية


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 1794 - 2007 / 1 / 13 - 10:40
المحور: القضية الفلسطينية
    


احتلت المسألة الفلسطينية حيزا هاما من النقاشات التي دارت منذ العشرينات داخل المنظمات والأحزاب الشيوعية العربية وكذلك في اللقاآت الدولية الثنائية والجماعية, وفي الندوات الدورية التي كانت تعقدها الأممية الثالثة... كان الموقف يتلخص في اعتبار الحركة الصهيونية حركة رجعية واستعمارية وبالتالي فان الشعب الفلسطيني صاحب حق وجبت مساندته. هذا بعجالة واختزال شديدين. انحلت الأممية الثالثة سنة 1943, أثناء الحرب العالمية الثانية, وغاب الاطار الموحد الذي يظم الشيوعيين وأصبح موقف الاتحاد السوفياتي من القضايا الدولية يمثل, بشكل أو بآخر, موقف الأحزاب الشيوعية من جل المسائل الهامة المطروحة في الساحة الدولية... لذلك فان اعتراف الاتحاد السوفياتي بالكيان الصهيوني وتزويد الحركة الصهيونية بالسلاح الثقيل والمتطور( الطيران) ما بين 1947 و 1949 عن طريق تشيكوسلوفاكيا, مثل منعرجا هاما في تاريخ الحركة الشيوعية العربية, اذ عرفت جدالا حادا وانقسامات أساسها الاعتراف أو عدم الإعتراف بجهاز "دولة إسرائيل", المقام على أنقاض الشعب والمجتمع الفلسطيني الذي لم يبق منه على أرضه سوى حوالي 15 بالمائة من السكان الأصليين. أما البقية فانها أطردت بالقوة وهجرت خارج المناطق التي اغتصبت, وصودرت أرضها ودمرت قراها بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبت قبل وبعد 1948, بغطاء أممي ومساندة من القوى التي خرجت منتصرة على النازية والفاشية, وبتواطئ من الحكام العرب المجاورين, الذين كانوا كلهم تقريبا منصبين من قبل القوى الإستعمارية, الخ.
أليوم, وبعد ما يقارب ستين سنة من الإحتلال, ما هي سمات الوضع؟ وما هي مواقف الشيوعيين(العرب خصوصا) من هذه القضية؟ وما هو تأثيرها على الوضع العربي والعالمي وما هي رؤيتنا للحل المستقبلي وكيفية العمل من أجل تحقيقه؟

يتواجد الشعب الفلسطيني اليوم في ثلاث تجمعات رئيسية: الأراضي المحتلة سنة 1948 والتي يعيش بها حوالي مليون
نسمة ومن ضمنهم ربع مليون في القرى غير المعترف بها(الحاضرون – الغائبون), الأراضي المحتلة سنة 1967وبها أقل من أربع ملايين, والبقية موزعة على مناطق اللجوء القسري في بلدان الجوار العربية وفي أنحاء العالم ويبلغ عددهم حوالي خمسة ملايين ونصف. ولكي يمكن لنا اتخاذ موقف واضح من القضية الفلسطينية لا بد من الاتفاق على تشخيص أصل الداء

فلسطين, حالة خاصة من الإستعمار الإستيطاني:

خصوصية القضية الفلسطينية تكمن في نوعية الاستعمار الذي تعرضت له: فالإستعمار الصهيوني يعتبر عصارة لما حصل في الجزائر وجنوب أفريقيا وإيرلندا وكناكي(كاليدونيا الجديدة) مجتمعة, بالإضافة إلى طرد السكان الأصليين من وطنهم بشكل مدروس ومنظم, جعل من الباقين في وطنهم أقلية مضطهدة بشكل غير مسبوق في التاريخ المعاصر, لأن من يضطهدهم حصل على مساعدة من المستعمر السابق(بريطانيا), ثم على قرار أممي يخول له احتلال بلدهم وتغيير اسمه وسكانه ولغته وإلغاء تاريخه وحظارته, ولأن هذا المستعمر(بالكسر) استغل في دعايته أحداثا تاريخية مؤلمة وفظيعة ليتحدث باسم يهود العالم مهما كانت جنسيتهم ولغتهم حاثا إياهم على احتلال فلسطين لكي يؤسسوا"دولة اليهود", والتقت هذه الدعوة مع إرادة أوروبا في التخلص من "المسألة اليهودية", بعد رفض استقبال الفارين من النازية بل والمشاركة في إرسالهم إلى المحرقة, فجعلت من "المسألة اليهودية" مسالة عربية بامتياز, بعد أن كانت مسألة أوروبية صرفة. هناك سوابق تاريخية لممارسة التطهير العرقي ضد السكان الأصليين: فالأوروبيون الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية أو أستراليا أبادوا السكان الأصليين وافتكوا أرضهم وانتصبوا مكانهم, لكن ذلك حصل قبل التشكل الحديث للأمم, ولم ينل غطاء "الشرعية الدولية", أي الأمم المتحدة التي وضع أسسها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية كإطار لحل النزاعات وعدم اللجوء إلى الحرب إلا بعد التشاور(على أنقاض عصبة الأمم). هذا القرار الأممي الذي شرع اغتصاب أرض فلسطين, بمساندة نشيطة من الإتحاد السوفياتي, جعل القضية الفلسطينية قضية متشعبة, لعبت ظروف الحرب العالمية الثانية والتوازن الدولي الجديد والتواطئ العربي دورا في تركها منسية من شعوب العالم حتى حرب 1967.

منذ بداية الخمسينات, كتب المؤرخون العرب, والفلسطينيون منهم بالخصوص, عن النكبة وما سبقها وما تلاها, وما حصل من مجازر وتهجير وتدمير للقرى, وتعاون بين الرجعية العربية والإمبريالية والحركة الصهيونية, مستعينين بالوثائق المكتوبة والمصورة والروايات الشفوية وشهود العيان. لكن الرواية الصهيونية هي التي انتشرت وروجتها وسائل الإعلام وكتب التاريخ في البلدان الرأسمالية الإمبريالية. أما في الدول العربية فإن طلاب المغرب العربي (على سبيل المثال) لا يدرسون تاريخ فلسطين في إطار المناهج الدراسية, وإن كل ما عرفوه ناتج عن اجتهاداتهم ومطالعاتهم الخاصة. وهناك أجيال عربية تربت على التعاطف "بالسليقة" مع القضية الفلسطينية, ولكنها غير قادرة على إقناع شاب أوروبي في سنهم, بعدالة القضية, اعتمادا على المعطيات والحجة والبرهان والتحليل المنطقي لطبيعة الحركة الصهيونية وارتباطاتها بالقوى الإمبريالية. لذا فإن من واجبات الشيوعيين العرب أن يهتموا بهذا الجانب, لتثقيف الأجيال الشابة على صعيد كل بلد عربي, وللتعريف بالقضية الفلسطينية لدى الأحزاب والمنظمات الصديقة, التي ما زالت متأثرة بالرواية الصهيونية وإيديولوجيتها. ومنذ أن بدأ تيار"المؤرخين الجدد" في الكيان الصهيوني بالإطلاع على الوثائق التاريخية البريطانية والصهيونية, تأكدت رواية المؤرخين العرب للأحداث بما فيها من مجازر وتهجير قسري وإزالة آثار القرى الفلسطينية, واستيلاء على الأرض, كما تأكد (لمن كان به صمم) التخطيط المسبق لهذه العمليات ومساعدة الإمبريالية الفرنسية والبريطانية ثم أمريكا(لاحقا) للحركة الصهيونية وكيانها. واتفق على هذه الرواية المؤرخون الصهاينة (مثل بني موريس) والمنسلخين عن الصهيونية (مثل إيلان بابيه) مع فارق أن الأول يدعي أن العمليات غير مخطط لها كلها مسبقا, وأن الحركة الصهيونية أخطأت عندما لم تطرد كل الفلسطينيين, والثاني يؤكد العكس. هذه حجج إضافية بإمكاننا استغلالها من باب "وشهد شاهد من أهلها", للعودة إلى أصل القضية وأسبابها ووقائعها ونتائجها... هؤلاء المؤرخون لهم حظوة أكبر في أوروبا وأمريكا بحكم الأصل الأوروبي للصهاينة الأشكناز(مؤسسي الدولة الصهيونية) والقرابة الثقافية والعلاقات الأكاديمية والتعاطف "الطبيعي" مع الكيان الصهيوني البعيد عن كل ما هو شرقي وقربه الشديد من كل ما هو غربي أوروبي. وقد أكد هذا الرأي "ثيودور هرتزل" في رسالة بعث بها إلى رئيس الوزراء البريطاني ونظيره الفرنسي, طالبا منهما مساعدة الحركة الصهيونية, لأنها حسب قوله حركة استعمارية تتقاطع اهدافها مع المشاريع الإستعمارية الأوروبية, وبما أن الدولتين أستعماريتين فإنه يعول على تفهمهما للمشروع الصهيوني, مضيفا أن هدف الحركة الصهيونية هو خلق جدار حظاري أوروبي, في عقر دار العرب, لمواجهة الهمجية والتخلف العربيين, وتأمين المصالح المشتركة بين الأوروبيين والدولة المزمع إنشاؤها. في نفس الوقت تروج الحركة الصهيونية المزاعم التقليدية كخلو أرض فلسطين من السكان, وانتفاء وجود شعب على هذه الأرض التي كانت صحراء قاحلة, حسب زعمهم, أو عدم تعلق"العرب" – اقرأ الفلسطينيين- بأراضيهم وزعمهم بيعهم لها بصفة مكثفة, وغير ذلك من المزاعم التي ما زال يرددها الأوروبيون والأمريكيون, وحتى بعض العرب المنبتٌين المتغربنين.

لم تقم الحركة الشيوعية العربية بدورها, المفترض والمنتظر, في تفنيد المزاعم الصهيونية وفي الدفاع عن عدالة القضية, بعد اعتراف الإتحاد السوفياتي بالكيان الصهيوني, بل اعترفت به جل الأحزاب, وانقسمت البقية . لذلك وجدت الحركة الماركسية الجديدة التي تأسست على إثر هزيمة 1967 , إرثا ثقيلا من المواقف والتحاليل التي لا تمت للماركسية بصلة: أين حق تقرير المصير, وأين التصدي للرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية, ليس في فيتنام فقط وإنما في عقر دارنا أولا, وكيف يمكن أن نعتبر أناسا جاؤوا من كل أصقاع الأرض, لا رابط بينهم سوى الديانة المفترضة للأم, "شعبا" أو "قومية", يحق لهم التصرف في أرض وممتلكات شعب فلسطين, ويقيمون عليها دولة ومؤسسات تمنع الفلسطيني من العودة إلى أرضه وتسمح للأوروبي والأمريكي أن يتمتع بها, ويسكن بيت الفلسطيني الممطرود والمطارد, لا لسبب إلا لأن أمه قد تكون يهودية؟ وجدت الحركة الماركسية الجديدة نفسها في مأزق أمام شعوبها التي تحاسبها(وهذا من حقها) على أساس مواقف خاطئة, ادعى أصحابها أنهم شيوعيون (أي رفاق), وأمام التاريخ الذي سجل أن الأحزاب الشيوعية العربية اعترفت – ولا زالت- بالكيان الصهيوني, ومما زاد الطين بلٌة, استغلال الأنظمة العربية لهذه المواقف المخزية وترويجها, مع الزيادة, وهذا من حقها بل ومن واجبها استغلال أخطاء خصومها. من الضروري اليوم اتخاذ موقف واضح إيديولوجيا وسياسيا وعمليا, من الحركة الصهيونية, ومن"دولة إسرائيل", ككيان دخيل ينتفي وجوده مع الحقوق الشرعية للفلسطينيين.

الوضع الراهن للمسألة الفلسطينية:

كانت منظمة التحرير ومؤسساتها هي الإطار الذي يظم مختلف الحساسيات السياسية الفلسطينية, رغم نواقصها (بحكم طبيعة القيادة والظروف العربية والدولية). تأسست المنظمة قبل حرب 1967(أي قبل احتلال الضفة الغربية وغزة) وكان شعارها حق العودة لكل اللاجئين وتحرير كل فلسطين وإقامة دولة فلسطين الديموقراطية, العلمانية من النهر الى البحر, وكان اللاجؤون يمثلون وقود الثورة لأنهم انصهروا في مشروع وطني, وآمنوا بإمكانية الإنتصار, وليس لديهم ما يخسرونه سوى الخيام أوعلب الصفيح التي أعدت لهم منذ تهجيرهم. استطاعت منظمة التحرير آنذاك أن تمثل مطامح أغلبية الشعب.
لم يدم هذا الحال طويلا, إذ بدأت المساومات والتنازلات المجانية وتخفيض سقف المطالب إلى أن قبلت قيادات الفصائل الفلسطينية بما هو أقل من حكم إداري ذاتي لبنتوستانات في الضفة الغربية وغزة, تفصلها عن بعضها نقاط التفتيش والمستعمرات الصهيونية والطرقات المخصصة لها. في هذه الظروف, لم يعد الحديث واردا عن فلسطينيي 1948 وما يعانونه من قهر وظلم واسغلال وعنصرية, ولجوء داخلي(المهجرون)تحت الحكم الإستعماري الصهيوني, كما أن قضية اللاجئين أصبحت في مؤخرة الإهتمامات, بل هناك من ينصح بالإتجاه نحو توطين بعضهم وتوزيع البقية في أصقاع العالم. أما الأنظمة العربية فإنها "طبٌعت" علنا علاقاتها السياسية والإقتصادية والثقافية مع الكيان الصهيوني, حيث تتزايد قيمة وارداتها منه كل سنة بشكل مفزع, وتتكاثر الزيارات "الودية المثمرة", وفتح السفارات الخ. أما الفصائل الفلسطينية التي كانت تتبنى الماركسية (في خطابها على الأقل) فإنها أصبحت هامشية, وأصبحت, في أحسن الأحوال, تضع نفسها في خانة"اليسار", لا الماركسية, كما أصبحت ذيلا للقوى الرجعية, والمشروع "الوطني" لهذا"اليسار" لا يتعدى دويلة في الضفة والقطاع "كحل مؤقت, نظرا لصعوبة تحقيق مشروع الدولة على أرض فلسطين التاريخية, في المستقبل المنظور". لدلك هبطت قيمة"اليسار" الفلسطيني في الشارع والمخيم لتصبح الجبهتان الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب, وما سمي بالطريق الثالث, قوى هامشية, لا تأثير لها حتى في أوساط الطلبة (الجبهة الشعبية حصلت على 2 بالمائة في انتخابات ممثلي الطلبة عام 2006 , و3 بالمائة – مع حلفائها- في الإنتخابات التشريعية, في ظل الإحتلال). أما"الرفيق" نائف حواتمة, فإنه بعث برسالة تهنئة الى جلال طلباني بمناسبة تنصيبه رئيسا للعراق المحتل. صحيح أن الظرف العالمي تغير, وأصبحت أمريكا تفرض بالقوة حلولها التي تدعم مكانة الكيان الصهيوني, لكن هل يجب التخفيض من سقف مطالبنا كلما ازداد العدو شراسة؟ هل نتكيف مع الوضع بالتنازلات أم بابتكار وسائل نضالية جديدة؟ ما الذي يجعل الجماهير الفلسطينية تدعم حماس والجهاد الإسلامي؟ ما هو البديل الذي يقترحه"اليسار" الفلسطيني والعربي للوضع القائم؟ هذه الأسئلة ليست موجهة لليسار الفلسطيني وحده وإنما لكل القوى الماركسية العربية والعالمية, لأ ن قضايا التحرر الوطني, والنضال ضد الإستعمار والهيمنة الإمبريالية تهم كل الثوريين في العالم. إن المكونات الثلاثة للشعب الفلسطيني ( فلسطينيو الإحتلال الأول -1948- والإحتلال الثاني-1967- واللاجئون) غير ممثلة في هيكل يدافع عن مشروع وطني واضح, بل اكتفت سلطة أوسلو والفصائل الفلسطينية بالتقوقع في أجزاء من الضفة وغزة, وأصبحت مهمة السلطة الوحيدة هي التسول لدى القوى الإمبريالية للقيام بمهام أمنية بتفويض من المحتل, واليسار يريد"حكومة وحدة وطنية" للمشاركة في إنجازهذه المهام.
يتلخص الوضع في النقاط التالية: - غياب إطار يجمع الفلسطينيين للدفاع عن حقوقهم الوطنية وعن مصالحهم ومشاغلهم الحياتية اليومية – تهميش وتغييب قضية اللاجئين الذين يمثلون أغلبية الشعب الفلسطيني – غياب مشروع تحرر وطني يحدد الآهداف والتحالفات والوسائل المتبعة لتحقيق هذه الأهداف – انتصاب فئة برجوازية كمبرادورية عميلة ذات توجهات فاشية سيطرت على ما تبقى من مؤسسات, بتفويض من المحتل والقوى الإمبريالية والكمبرادور العربي – ترك فلسطينيي الإحتلال الأول لوحدهم في مواجهة جهاز الدولة الصهيونية ( ميز عنصري مقنن, هدم منازل, اعفقالات, تهجير, مسخ ثقافي وإنكار لحقوقهم الفردية والجماعية) – تراجع العمل الجماهيري الشعبي المؤطر بحكم الأسباب المذكورة سابقا – على الصعيد العربي والعالمي أصبح سقف التضامن أو المساندة لا يتجاوز البعد الإنساني أو ما قبلت به القيادة المتنفذة.

تفعيل المواقف المبدئة للماركسية والمهام الآنية وبعيدة المدى:

نشات الماركسية انطلاقا من وضع خلقته الرأسمالية يتسم باستغلال العمال من قبل البرجوازية, ولما بلغت الرأسمالية مرحلة الإمبريالية وسعت من دائرة نفوذها واستغلالها إلى خارج حدود الدولة القومية. وبما أن الماركسية ليست نظرية جامدة, خلافا للأديان, فإنها طورت مفاهيمها ومجال اهتماماتها إلى الشعوب والأمم المضطهدة, ضحية الرأسمالية في عصر الإمبريالية. لذلك أصبح شعارها "ياعمال العالم وياشعوب الأمم المضطهَدة اتحدوا" لأن العدو واحد, والإقرار بحق تقرير المصير للشعوب والأمم المضطهَدة والمستعمَرة, وقد سبق ذلك قول ماركس بأن شعبا يضطهد شعبا آخر لا يمكنه أن يكون حرٌا, وكذلك كتاباته حول قضية إيرلندا مثلا... اما القضية الفلسطينية فإنها أكثر تشعبا من ذلك, لأن المستعمِرليس شعبا ولا أمة ولا قومية, وإنما مجموعات لا رابط بينها سوى الديانة المفترضة والإضطهاد التي عانته في بعض المراحل التاريخية, وبالخصوص تعاون أغنياء هذه المجموعات مع القوى الإستعمارية لاغتصاب فلسطين مقابل ضمان المصالح الإمبريالية ليس في فلسطين وحدها وإنما في كافة المنطقة العربية المحيطة بها. لذلك فإن القضية الفلسطينية هي أولا وقبل كل شيء مسألة استعمار وليست نزاعا حول حدود أو بضعة كيلومترات, وثانيا فهي قومية عربية بامتياز لأن المشروع الإستعماري الصهيوني يستهدف كل المنطقة, وهذا الأمر أصبح أكثر وضوحا بعد احتلال العراق, كخطوة في اتجاه تطبيق "مشروع الشرق الأوسط الكبير", وتهديد العديد من الأقطار بالإحتلال إذا لم تذعن كلية للمطالب الأمريكية والصهيونية. إن وجود جهاز دولة ومجتمع صهيوني (في أغلبيته الساحقة) داخل الأراضي المحتلة سنة 1948 لا يعطي شرعية ولا حقوقا على هذا الجزء من الأرض لغير الفلسطينيين, ولا يجعل من هذا المجتمع شعبا أو قومية, يكتسبان حقوقا بمرور الزمن, وليس من حق أي قيادة أو مجموعة النتازل عن حقوق الشعب الفلسطيني التي هي حقوق فردية وجماعية ووطنية, في أرض فلسطين, كل فلسطين. اما التنازلات التي تحصل تحت الضغط أو المساومة أو "الواقعية" فهي تشبه تلك الإعترافات التي يتفوه بها الموقوفون والسجناء, تحت التعذيب أو الترغيب أو الترهيب, أو بغية التعاون مع الجلاد بهدف الحصول على بعض"الإمتيازات", وبالتالي فهي باطلة ولا يمكن اعتمادها كأساس لحلول لا تراعي مصالح المتضررين من وجود الكيان الصهيوني. لذا وجب, في المدى القريب, وعلى مستوى المطالب ,التركيز على النقاط التالية :
- التعريف لدى الشباب العربي, ولدى الأصدقاء في الخارج, بطبيعة الصهيونية, وممارساتها, وقوانينها العنصرية...والإنطلاق من كون القضية الفلسطينية هي قضية عربية – أممية والتركيز على دور الكيان الصهيوني في الإستراتيجيا الإمبريالية (خاصة الأميريكية) في الحقبة الحالية من الرأسمالية المعولمة التي تستهدف كافة شعوب المنطقة.
- حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم وممتلكاتهم مع التعويض من طرف "المجتمع الدولي", أي القوى الإمبريالية, ويمكن الإعتماد في الدعاية على القرار 194 , خاصة خارج الوطن العربي باعتباره حقا لا يسقط مع الزمن.
- حملة لإطلاق سراح الأسرى والمساجين السياسيين, بمن فيهم فلسطينيوا 1948 (حوالي 250 سجين سياسي) - ضرورة وجود هياكل ومؤسسات تمثل أجزاء الشعب الفلسطيني: تفعيل م.ت.ف. أوخلق إطار تمثيلي آخر, له برنامج تحرر وطني واجتماعي, يراعي خصوصيات مطالب كل جزء: اللاجئون, فلسطينيوا الإحتلال الأول والإحتلال الثاني والشتات, كما يراعي اهتمامات مختلف الفئات: شباب, نساء, عمال, فنانين, أدباء الخ.
- حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكل أشكالها, والدفاع عن حقوقه, بكافة الوسائل وحيثما أمكن ذلك, وضرورةمساندته
- تنظيم حمالات مستمرة عربيا وعالميا تدعو للمقاطعة السياسية والإقتصادية والثقافية, ومقاومة التطبيع الرسمي العربي...

أما على الصعيد الإستراتيجي, فالهدف لا يتغير بحكم تغير موازين القوى أو مرور الزمن, بل يبقى دائما ثابتا وهو تحرير كامل التراب الفلسطيني وبناء دولة ديموقراطية – علمانية. أما كيف يتم ذلك؟ وما هو مصير المستوطنين وأبناؤهم الذين ولدوا على أرض فلسطين؟ فإنها قضايا جديرة بالنقاش مع من يقبل مبدأ قيام الدولة الفلسطينية, لأن من يقبل التنازل عن الإمتيازات التي حصل عليها بحكم يهوديته المفترضة, ويقبل السيادة الفلسطينية, فإنه يعتبر مواطنا كغيره. ولحد الآن فإن قلة قليلة من اليهود, داخل أراضي 1948 ,لا تتجاوز العشرات( حسب رأي المؤرخ والباحث إيلان بابيه) تقبل بمبدإ حق العودة للاجئين. وما لم نتمكن من إحداث الشرخ داخل الكيان الصهيوني, بين اليهود الأشكناز والمزراحيم, وبين الأغنياء والفقراء, فإن المجتمع الصهيوني يبقى متماسكا ضد الفلسطينيين والعرب والعالم. هذا الشرخ لا يمكن أن يحصل من خلال التنازلات المستمرة, وإنما بتصعيد النضال المتعدد الأشكال ضد المؤسسة الصهيونية, حتى يقل عدد السائحين وعدد المهاجرين والمستثمرين, وتصبح الهجرة المعاكسة هي الطابع الغالب, لفقدان الأمان الإقتصادي والسياسي, الفردي والجماعي. وتبين الأحداث أن كل انتصار جزئي تحققه قوى المقاومة, يثير ضجة وتساؤلات وتململ داخل هذا الكيان المصطنع, الذي لا يمكن أن تصمد مؤسساته ومكوناته وفئاته الإجتماعية أمام مقاومة مستمرة تسدد له ضربات مؤلمة, وفي نفس الوقت فإن المقاومة تعطي أملا لفلسطينيي الإحتلال الأول وللاجئين, كي ينخرطوا في النضال الهجومي المنظم.

يناير 2006 -



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساهمة في نقاش -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن ا ...
- الحركة النقابية في تونس بين ارادة الاستقلال ومحاولات الاحتوا ...


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - الطاهر المعز - المسألة الفلسطينية: مساهمة في نقاش -نداء الى الأحزاب والقوى الماركسية العربية