أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الطاهر المعز - مساهمة في نقاش -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي- ورقة حول موضوع الرأسمالية اليوم: حقبة العولمة















المزيد.....


مساهمة في نقاش -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي- ورقة حول موضوع الرأسمالية اليوم: حقبة العولمة


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 09:59
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في مفهوم العولمة:

العولمة أو الكونية هي عملية توسيع مستمر لمجال رأس المال الاحتكاري وتدويل عملية الانتاج والتسويق, للسلع ولرؤوس الأموال, متعدية بذلك الحدود والأسواق القومية, في محاولة لازالة جميع العراقيل والحدود والقوانين التي وضعتها الدول غير المصنعة أو ضعيفة التصنيع لحماية أسواقها وبنيتها الاقتصادية المحلية. وهي توسيع لنفوذ الرأسمالية وشركاتها الاحتكارية للسيطرة على موارد وطاقات وأسواق الكون دون قيود أو عوائق أو عراقيل. وهي تعميم لقوانين"اقتصاد السوق" في كافة المجالات أي اعتبار الصحة والتعليم والبحث العلمي والانتاج الثقافي والمياه والخدمات الاجتماعية وغيرها من الضروريات, سلعا تباع وتشترى حسب قانون العرض والطلب.
العولمة هي درجة من درجات التطور الرأسمالي, فبعد السيطرة على الأسواق المحلية يتجه رأس المال الى الاسواق الخارجية لمواصلة عملية تراكم رأس المال والمرابيح. ان اجتياح الكون وتوسيع السوق ضرورة حيوية وعت بها البرجوازية الأوروبية التي تقاسمت فيما بينها العالم في القرن التاسع عشر. هذه المرحلة من تطور النظام الرأسمالي التي وصفها لينين بالامبريالية ما زالت متواصلة وان تخللتها فترات من التراجع او التريث بعد انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا وظهور حركات التحرر الوطني والأنظمة المنبثقة عنها... الجديد في ما نعيشه اليوم هو السيطرة شبه المطلقة للامبريالية الأمريكية واحتكاراتها وجيوشها واستعمالها لآليات وأدوات ووسائل لم نعهدها بين 1917و1990

مقدمات العولمة الجديدة:

منذ حوالي ثلاثة عقود, وبعد الأزمة التي سميت "أزمة البترول", تكثف تدخل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي لدى الدول الفقيرة ضعيفة التصنيع. كانت الوصفة واحدة لكل هذه الدول:التخفيض من قيمة العملة, رفع القيود عن التوريد والتخفيض من قيمة الأداآت الجمركية, فتح الأسواق المحلية أمام الاستثمارات الخارجية, رفع الدعم عن المواد الأساسية, تخلي الدولة عن القطاع العام والبنوك والمشاريع الصناعية والتجارية لفائدة الخواص ورأس المال الأجنبي, فتح المجال للخواص للاستثمار في قطاعات الصحة والنقل والتعليم الخ. وكانت القروض و"المساعدات" مشروطة بتطليق هذه الاصلاحات الهيكلية بعد دراسات دقيقة تقوم بها المؤسسات المالية الدولية و"الدول المانحة". هذه الاجراءات تهدف الى تصريف الفائض الذي تراكم في البلدان الرأسمالية الامبريالية والسيطرة على ما تبقى من مجالات خارج السيطرة الكلية للاحتكارات والقضاء على الهامش الصغير الذي لا زال بيد الرأسمال المحلي المملوك للدولة أو للخواص. فرضت المؤسسات المالية هذه الشروط بتعاون مع الحكومات والأنظمة الحاكمة التي ادعت أن تطبيق هذه الاجراآت يعتبر مقدمة ضرورية "للالتحاق بركب الحضارة والرقي". لكن الشعوب العربية سرعان ما انتفضت ضد هذه السياسات: مصر, المغرب, تونس, الأردن, الجزائرالخ. وكذلك الشأن في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية بسبب الآثار السلبية لهذه السياسات على حياتهم اليومية.
في سنة 1989 انعقد بواشنطن اجتماع ضم أخصائيين من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وحكومة الولايات المتحدة واتفقوا على مبادئ أساسية لتصفية تدخل الدولة والقطاع العام في كافة المجالات الاقتصادية والمالية والثقافية والعلمية,وتعزيز حماية الملكية الخاصة والغاء الرسوم الجمركية, في أسرع وقت ممكن وفي أي بلد من العالم. وقد صاغ النص الذي عرف ب"وفاق واشنطن" نائب رئيس البنك الدولي آنذاك. كما عقدت لنفس الغرض العديد من الاتفاقيات طيلة العشريتين الأخيرتين من القرن العشرين بين صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الفدرالي الأمريكي وول ستريت وأهم الشركات الكبرى الاحتكارية العابرة للقارات. منذ التسعينات أصبحت الاجتماعات الدورية ل"مجموعة السبعة"( ثم الثمانية بعد ظم روسيا الى هذا النادي) الى جانب مسؤولي أكبر المؤسسات الاحتكارية العالمية والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي, تقرر مصير العالم وتفرض "قوانين" واجراآت تلزم كافة الدول التي تتعامل معها. أما منظمة التجارة العالمية فانها أصبحت أداة فعالة تلعب دور الخصم والقاضي والشاهد لردع أي دولة تروم التحكم في وارداتها وصادراتها وأسواقها الداخلية ومواردها المتأتية من الضرائب الجمركية... مجموع هذه الاجراآت و"الاتفاقيات" يصفي دور الدولة كمعدل للسوق والأسعار ومسالك توزيع المواد الضرورية وتحديد سعر أقصى لها, وضبط مخططات للتنمية. وهي تقطع مع السياسات المتبعة منذ أزمة 1929 وفيما بعد الحرب العالمية الثانية حيث لعبت الدولة دورا أساسيا في التخطيط لأعادة البناء وسن قوانين ذات صبغة اجتماعية. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي, لم يبق للأمريكان منافس في الساحة الدولية فأصبحت تروج ل"نظام عالمي جديد" بزعامتها, لا مكان فيه لأي شكل من المعارضة لمصالحها ومصالح شركاتها, وأي احتجاج أو معارضة لسياساتها تعتبره تهديدا لأمنها القومي يستوجب فرض عقوبات صارمة ومقاطعة وحصار وتجميد الأموال المودعة في بنوك العالم," وآخر الطب الكي" أي القصف والاحتلال بمعونة "المجتمع الدولي" اذا أمكن...والا فانها تتصرف كما شاءت وما على بقية العالم الا الرضوخ.

أدوات العولمة الجديدة:

عولمة الأسواق مطمح"طبيعي" للرأسمالية لتتمكن من السيطرة على الموارد والمواد الأولية ولتصريف فائض الانتاج, بدأت منذ القرن التاسع عشر بالاستعمار المباشر تحت تعلات ويافطات مختلفة, والحربان العالميتان تظهران درجة التناحر التي وصلت اليها الامبريالية لتقاسم النفوذ والأسواق. مثل انتصار الثورة البلشفية وأزمة 1929 عوامل كابحة لنهم رأس المال في مرحلته الامبريالية, لكنها لم تمنعه من مواصلة النهب والتوسع رغم الدمار الذي لحق أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية والانصراف الى اعادة بنائها بمساعدة أمريكا. لعب الاتحاد السوفياتي دورا هاما في الحد من الهيمنة الامبريالية في البلدان المستعمرة والمهيمن عليها كما في التصدي الايديولوجي للقيم التي تسعى لفرضها أمريكا وحلف الناتو وأوروبا الغربية. أما داخل البلدان الرأسمالية الامبريالية فان البرجوازية مضطرة لتقديم بعض التنازلات للعمال والأجراء تتمثل فيما اصطلح على تسميته ب"دولة الرفاه الاجتماعي", لكي لا تتأثر الطبقة العاملة بالأفكار الاشتراكية وتثور في وجه من يستغلها. بداية تهاوي النظام السوفياتي بعد احتلال أفغانستان كما في أوروبا الشرقية(بولوندا, المجر,تشيكوسلوفاكيا...) وتبني الصين رسميا للنمط الرأسمالي, تزامنت مع صعود ريغن وتاتشر الى الحكم في أهم بلدين رأسماليين امبرياليين, وعاد المحور الألماني-الفرنسي واليابان بقوة الى الساحة الدولية. تكثفت في هذه الفترة لقاآت التشاور السياسية والاقتصادية والتدخلات العسكرية في أفريقيا(تشاد,أفريقيا الوسطى, أنغولا والموزنبيق والزايير) وأمريكا الوسطى(نيكاراغوا, غواتيمالا, سلفادور) والمنطقة العربية (لبنان, الحرب العراقية-الايرانية)... وكل هذه المناطق اما غنية بالمواد الأولية أو ذات مواقع استراتيجية. في نفس الوقت بدأت مخططات "الاصلاح الهيكلي" تفرض على بلدان الأطراف والمحيط أما في داخل البلدان الرأسمالية الامبريالية فان اعادة هيكلة الاقتصاد أدت الى تسريح الملايين من العمال في قطاعات المناجم والحديد والصلب والتجمعات العمالية الكبرى في الصناعة (السيارات, التجهيز المنزلي).
كل هذه الأحداث والتغيرات لم تتزامن بمحض الصدفة, ولو عدنا اليوم الى ما كان يقوله ريغن أو ميتران أو تاتشر لعرفنا أن التحضير كان يجري على قدم وساق لما يسميه البعض اليوم ب"العولمة المتوحشة" التي هيمنت على مراكز الانتاج ومراكز المال ومراكز البث الاعلامي بالاعتماد على العناصر والأدوات التالية:

1القوة العسكرية الضخمة (وخاصة الأمريكية) التي كانت معدة لاحتمالات مواجهة الاتحاد السوفياتي بشكل مباشر أو غير مباشر والتي أصبح تمركزها في أوروبا غير مفيد, اضافة الى القواعد العسكرية والأساطيل المنتشرة في كافة المناطق الاستراتيجية في العالم على الأرض وفي مياه البحار وفي الجو. هذه القوة العسكرية أعيد تمركزها بحيث يصبح هدفها التدخل في المناطق التي تعتبر أمريكا أن السيطرة عليها من ضرورات "الأمن القومي" أو المحافظة على المصالح الاستراتيجية الأمريكية. هذا بدوره أدى الى توسيع نفوذ الاحتكارات الصناعية-العسكرية وقدرتها على توجيه السياسات الخارجية لبلدانها ومساندة المرشحين الذين يخدمون مصالحها. هذه القوة العسكرية اتجهت نحو المنطقة العربية والشرق الأوسط بعد أفول الاتحاد السوفياتي, مع اعادة انتشار للقواعد العسكرية لمحاصرة الصين وروسيا من الجانب الآسيوي لحدودها, وتحويل جزء كبير من القوة العسكرية التي كانت منتشرة بأوروبا (الأمريكية خاصة) الى الخليج.

2 الفائض المالي الهائل المتجمع بسبب المضاربة بالبورصة وسرعة حركة الأموال, والمركزة المكثفة لرأس المال الذي تمكن من ادماج العديد من المؤسسات البنكية والمالية والصناعية ذات القيمة المضافة العالية, وتملكها الشركات عابرة القارات أمريكية المنشأ في أغلبها, كما ابتلعت الشركات الكبرى العديد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة على المستوى المحلي كما على المستوى العالمي. هذه الرساميل المتراكمة متأتية في جزء منها من الاستغلال الفاحش لعمال وأطفال ونساء بلدان المحيط والأطراف ذوي التكلفة المنخفضة بسبب انعدام أبسط الحقوق الاجتماعية. هذه الدول التي طبقت برامج الاصلاح الهيكلي ووصفات صندوق النقد الدولي فأصبحت أفقر من ذي قبل ومدانة لا تستطيع تسديد فوائد الديون فتقترض لسداد الديون أو فوائدها. اضافة الى هيمنة الدولار الأمريكي كمرجع نقدي عالمي.

3 الجهاز الاعلامي والايديولوجي ووسائل الاتصال الحديث التي روجت الى حتمية العولمة الرأسمالية وضرورتها وعودتها بالمنفعة على الجميع واستحالة وجود حلول أخرى غير العولمة بوجهها الأمريكي هذا الذي جربناه : نهاية التاريخ, أي الانتصار النهائي للرأسمالية, صدام الحضارات الذي يعوض الصراع الايديولوجي ضد الفكر الشيوعي, الغاء الخصوصيات القومية والثقافية ونشر ثقافة "ديسني وماك دونالدز وكوكاكولا وفوكس نيوز" في كل أنحاء العالم. أي "التنميط" ومحو التعدد الثقافي والحضاري لصالح النمط الرأسمالي وقيمه التي يروج لها وفرضها في أرجاء العالم

4 اجهزة الأمم المتحدة التي تشرع النهب باسم"المجتمع الدولي": مجلس الأمن الذي يشرع العقوبات ضد من تعتبرهم أمريكا محور الشر أو الدول المارقة بينما تعطل أمريكا القرارات ضد الكيان الصهيوني باستعمال "حق النقض", البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي تحولت منذ لقاء "سياتل" عام 1999 الى أداة للهيمنة الأمريكية تفرض قواعد ملزمة للدول في المجالات الأقتصادية والمالية والتجارية والثقافية وتشرعن الغاء الحماية الجمركية, والخصخصة وحماية الملكية الخاصة وحرية تنقل الأموال والسلع والخدمات, بشكل يؤثر في تركيبة المجتمع ومساره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ويعيق تطوره "الطبيعي". أصبحت هذه الأجهزة وخاصة منظمة التجارة العالمية أداة لفرض العولمة ومفوضا رسميا من الاحتكارت الرأسمالية لكسر شوكة كل من لم يذعن لارادتها. أما من رضي طوعا أو كرها بدخول اللعبة فانها تذكره بالواجبات: فتح المجال كاملا أمام الرساميل والسلع والثقافة والخدمات الوافدة من وراء البحار, والبنك العالمي وصندوق النقد مستعدان لتقديم النصائح والدراسات والقروض لتسهيل هذه المهمة.

5 اضافة الى هذه الأدوات فان وجود أنظمة حكم تمثل مصالح البرجوازية الكمبرادورية, يرتبط بقاؤها في الحكم بالمساندة التي تلقاها من الدول الامبريالية, هو شرط ضروري لنجاح الاحتكارات الرأسمالية في السيطرة على المنطقة العربية خصوصا ودول المحيط عموما. أما البلدان التي تمردت ورفضت تطبيق وصفات البنك العالمي فان وضعها الاقتصادي يبقى أحسن حالا من تلك التي أذعنت لرغبة خبراء ومحللي المؤسسات المالية العالمية. ان ضعف ثقافة المقاومة لدى الشعوب بسبب تسلط الانظمة الدكتاتورية يسهل عملية الاختراق والهيمنة الخارجية والأمل في تحسن الأحوال ولو عن طريق التدخلات الخارجية. أما الاسلام السياسي الذي يمثل قوة هامة في المنطقة العربية فانه لا يقدم بديلا اقتصاديا وسياسيا لنتائج الهيمنة الامبريالية وانما يتفاعل ويتكيف معها لأن قياداته تمثل شرائح التجار اللبراليين الذين يقدسون الملكية الفردية ويكرسون علاقات اجتماعية عمودية أساسها الطاعة العمياء والخضوع للقادة "أصحاب الأمر والنهي".

نتائج العولمة :

في تقرير صادر في ديسمبر 2006 عن المعهد العالمي لدراسات التطوير الاقتصادي (أو الاقتصاد التنموي) التابع للأمم المتحدة, يتبين أن 2 بالمائة من الأثرياء في العالم يسيطرون على 50 بالمائة من ثروات الكوكب, وأن نصف سكان العالم مجتمعين لا يملكون الا واحدا بالمائة من هذه الثروات. الأثرياء الكبار الموجودون بأمريكا الشمالية وأوروبا واليابان يسيطرون على ما قيمته تسعون بالمائة من ثروة العالم. أما داخل كل بلد فان 10 بالمائة من الأمريكيين يسيطرون على 70 بالمائة من الثروة, ونفس النسبة في انجلترا تسيطر على 56 بالمائة من الثروة وفي ألمانيا على 44 بالمائة من الثروة... في نفس الوقت يوجد بأمريكا 35 مليون بشر عام 2005 "يجدون صعوبة في الحصول على قدر كاف من الغذاء لمنع الجوع" حسب تعبير التقرير السنوي عن الجوع الصادر عن وزارة الزراعة الأمريكية... في فرنسا واحد من تسعة من العائلات تعيش بمبلغ لا يتجاوز ثلاثة أرباع الأجر الأدنى الدي يفترض أن القوانين تضمنه.

في داخل الدول الرأسمالية الامبريالية تركزت الثروات بين أيدي عدد قليل من السكان وتكاثرت البطالة والفقر والتشرد, رغم تراكم الثروات المنتجة داخليا أو المتأتية من فائض القيمة الاضافي نتيجة الاستغلال الفاحش لكادحي الدول الفقيرة. أما دول الأطراف فان نسيجها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي يتأثر سلبا بسبب القضاء على مقوماته التقليدية والزج بها في نمط استهلاكي لا قدرة لأغلب السكان بمجاراته. أن رفع الدعم عن المواد الضرورية وتناقص موارد الدولة من الرسوم الجمركية ومؤسسات القطاع العام, وخصخصة التعليم والصحة والنقل والمياه والطاقة وغيرها من الاجراآت تحرم ملايين المواطنين من أبسط شروط الحياة لأن نتيجة الخصخصة تكون دائما تسريح العمال بأعداد غفيرة وتدني مستوى الخدمات مع غلائها, وتدهور ظروف العمل. لم يبق أي مجال خارج الهيمنة والسيطرة الامبريالية بما في ذلك مجالات الثقافة والخلق والابداع والمنتجات المحلية التي تختص بها بعض المتاطق الزراعية في العالم أو الصناعات التقليدية...
من خاصيات هذه الحقبة من العولمة الرأسمالية أن تقع الدعوة(والتطبيق) لحرية تنقل الأموال والسلع ويقع منع تنقل البشر الذين تضرروا من جراء هذه الاجراآت. اذ يتم التضييق على المضطرين للهجرة بسبب الحروب أو الظروف الاقتصادية التي خلقتها "برامج الاصلاح الهيكلي" من بلدان الجنوب نحو بلدان الشمال, كذلك التضييق على صادرات الجنوب نحو بلدان الشمال اما بدعم الدول الامبريالية للمنتوجات الزراعية أو بفرض رسوم ومقاييس صعبة التحقيق لمنتجي دول الجنوب

على صعيد آخر فان أغلب مناطق العالم التي تحتوي على مواد أولية أو تمتاز بموقع استراتيجي هام تعاني اما من الحروب "الأهلية" (افريقيا) أو من الاحتلال (العراق, أفغانستان) أو من التهديد المستمر( فنزويلا, سوريا, ايران, كوبا), أو هي خاضعة تماما للسيطرة الامبريالية كمعظم البلدان العربية. أما فلسطين فان الوضع ازداد تعقدا بعد تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني ومعظم الأنظمة الحاكمة العربية. وأصبح الكيان الصهيوني ركيزة هامة من ركائز العولمة والهيمنة الأمريكية على شعوب المنطقة وخيراتها, ورغم تعثر المشروع الأمريكي-الصهيوني في العراق ولبنان فان القيمة الاستراتيجية لجهاز دولة "اسرائيل" لا زالت ثابتة او ترسخت أكثر باعتبارها الحليف السياسي الأول للامبريالية والحلف الأطلسي قبل تركيا ومصر وتمثل خطرا عسكريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا, خاصة بعد عمليات التطبيع المتتالية...
لم تنجح في الافلات من قبضة العولمة الامبريالية الا الدول التي لم تطبق وصفات صندوق النقد الدولي. أما تلك التي انصاعت له فانها عاشت هزات عنيفة وانتفاضات كالبرازيل والارجنتين وأندونيسيا, رغم تقديمها لنا سابقا كدول منتعشة الاقتصاد ومستقرة اجتماعيا بفضل تطبيق تعاليم المؤسسات الدولية.


استخلاصات عامة:


أ ان الاحتكارات الامبريالية والشركات عابرة القارات, مهما توسعت نشاطاتها على الصعيد العالمي تبقى ذات قاعدة قومية, وتخدم مصالح امبرياليتها أولا, كما فعلت الاحتكارات الأمريكية في العراق والفرنسية في أفريقياالخ.

ب ان القرارات المتعلقة بالهيمنة على العالم ما زالت تتخذ من قبل قادة الدول الامبريالية سواء في الأمم المتحدة أو في "مجموعة الثمانية" بالاتفاق مع مسؤولي المؤسسات الاحتكارية الكبرى والمنظمات المالية الدولية وبالتالي فان العولمة لا تعني الغاء دورالحكومات والأنظمة في دول المركز, بل ان هذه الأخيرة هي التي تخطط وتدبر للهيمنة على العالم .

ج ان انتخاب الرؤساء والأغلبيات البرلمانية في الدول الصناعية الكبرى يتم بمساندة من شركات كبرى صناعية-عسكرية-اعلامية, مما يضفي على العملية الديموقراطية (الانتخابات) العديد من الشبهات والشكوك في تمثيليتها لارادة الشعوب, لأن الحكومات ليست محايدة وفوق الطبقات وانما هي نتاج موازين قوى طبقية, هي الآن في صالح الرأسمال الاحتكاري.

د ان الصناعات الاستراتيجية ذات الصبغة العسكرية أو التكنولوجية ذات القيمة المضافة العالية لا يتم نقلها الى بلدان المحيط والأطراف, بل تبقى متمركزة في الوطن الأم, مهما كانت تكاليف انتاجها, باستثناء بعض عمليات التركيب أو تلك التي لا تتطلب مهارات خاصة, بحيث لا يتم نقل التكنولوجيا ولا تطوير المهارات الصناعية والتقنية الى "العالم الثالث".

ه ان المنتديات الاجتماعية العالمية أو القارية أو الجهوية تمثل حالة متقدمة منذ حوالي عشر سنوات, لكن لا يجب التعويل عليها لمحاربة الرأسمالية وتبعاتها, لأنها مجرد مهرجانات للشرائح العليا من البرجوازية الصغيرة في البلدان المصنعة أساسا, تتم في أجواء احتفالية وخطابية, تعارض المظاهر الأكثر بشاعة لرأس المال الاحتكاري "ولبراليته المتوحشة" وما نتج عنها من حروب وفقر مدقع, لكنها لن تتحول الى قوة فاعلة ضد الرأسمالية, وضد الاستغلال الطبقي والقهر القومي لأن ذلك من واجبات ومشمولات أحزاب الطبقة العاملة ان وجدت, ومهمة العمال والفلاحين والمنتجين أنفسهم.

و كلما تقهقر دور الدولة في اعادة توزيع الثروة والتخفيف من حدة الفقر في دول المحيط, أو كلما دمر بلد بفعل احتلال أو حرب أهلية, كلما تعاظم دور"المنظمات غير الحكومية" والعمل "الانساني الخيري" الممول من قبل الدول والشركات التي تسببت في أصل المشكلة. خطورة هذه المنظمات تتمثل في تجزئة القضايا (الطبقية والوطنية) وتمييعها, فتصبح قضايا أفراد وفي أحسن الحالات قضية أطفال أو نساء أو أقليات لا رابط بينها وبين أصل الداء. وهي تتعامل مع الضحايا حسب برنامج أعده الممولون الذين لهم وحدهم حق الرقابة والمحاسبة فهي اليد العليا التي لا يمكن أن تحاسبها اليد السفلى. هذه المنظمات, مثلها مثل الجمعيات الخيرية الاسلامية- تحول قضايا المضطهين والمستغلين الى قضية احسان, وتشجع الانتظارية والاتكال على أهل البر والاحسان عوض التفكير في التعبير عن الغضب والثورة على الوضع القائم ومن تسبب فيه.

ز يزعم اللبراليون العرب أنه بالامكان بناء مجتمع رأسمالي (انساني أو مؤنسن؟) في البلدان العربية لو توفرت الديموقراطية. موضوعيا, لا يمكن للبلدان العربية والبلدان المستعمرة والمهيمن عليها أن تصبح مجتمعات رأسمالية مثل أوروبا وأمريكا واليابان لأسباب عدة: فالرأسمالية هي نتاج لعدة قرون من التحولات والتراكم والهزات العنيفة الى أن بلغت مستوى الهيمنة والعولمة الحالية. أما البلدان العربية, وغيرها من المستعمرات وأشباه المستعمرات, فان الامبريالية أوقفت عملية التطور "الطبيعي" بها وألحقتها باقتصاديات المركز منذ القرن التاسع عشر كاسواق ومحميات تابعة لها. ويعود فشل التجارب في مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن في بناء اقتصاد وطني متحرر من الهيمنة الامبريالية الى طبيعة الطبقات التي قادت هذه التجارب والتي توهمت أنه بالامكان اعادة ما حصل في أوروبا في القرن 18 و19, فلا هي حازت رضا الامبريالية التي لم تكن في الأصل معادية لها, بل طمعت في مساعدتها, ولا هي حررت شعوبها التي حكمتها بالحديد والنار, رغم الخطب الفجة والرنانة. لا يمكن في عصرنا الحالي فصل قضية التحرر من الامبريالية وبناء اقتصاد وطني, عن قضية الديموقراطية الشعبية, أي عدم حصر قضية الديموقراطية في الأحزاب والانتخاب فقط, وانما في الرقابة الشعبية لعملية التخطيط والانتاج والتوزيع والاستهلاك. أما الهدف الاستراتيجي فلا يمكن أن يكون غيرالاشتراكية .


الآفاق:

لما كتب ماركس وانجلس "البيان الشيوعي" عام 1847 كانا واعيين تمام الوعي بطبيعة الرأسمالية التي بدأت في عولمة السوق كضرورة حياتية لتصريف الانتاج الزائد عن حاجة السوق المحلية ولضمان التزود, بأبخس ما يمكن, بالمواد الأولية اللازمة لعملية الانتاج واستثمار الرساميل المتراكمة من جراء عملية الاستغلال. من هنا جاء الوعي بضرورة عولمة النضالات العمالية في مواجهة عولمة رأس المال المجسد في شعار "ياعمال العالم, اتحدوا" وفي بناء الأممية العمالية الأولى. ما أضافه لينين يعتبر تحيينا لهذا التحليل والاستنتاج الماركسي, في مرحلة الامبريالية, وبالتالي فان الشعوب المستعمرة والمضطهدة هي حليفة عمال العالم في النضال ضد الرأسمالية في عصر الامبريالية. كيف يمكن للماركسيين العرب, في الوضع الراهن, تجسيد هذا الشعار والعمل على ربط مناهضة الامبريالية بالنضال من أجل بناء مجتمع اشتراكي؟

أولا: التوثيق وتبادل الاعلام عن أشكال الهيمنة في كل بلد وأشكال النضال التي وجدت ضدها ونقدها بهدف تطويرها

ثانيا: رسم خطة مشتركة بهدف التعريف بنضالات الطبقة العاملة في كل قطر وأشكال التضامن والمساندة الممكنة

ثالثا: المشاركة في المنتديات العالمية بخطة موحدة هدفها الدفاع عن قضايا العمال العرب وشعوب فلسطين والعراق, وطرح مساندة مقاومة الشعب الفلسطيني من منطلق مناهضة العولمة الرأسمالية وممثلها في المنطقة الكيان الصهيوني.

رابعا: العمل على بناء تحالفات (جبهات) قطرية وعربية لقوى اليسار المناهض للامبريالية والدكتاتوريات المحلية وعدم افساح المجال للاسلام السياسي واللبراليين للمزايدة باسم الديموقراطية.

خامسا: تكوين تنسيقية شيوعية عربية كخطوة نحو تكوين أممية شيوعية تأخذ قضايانا الخصوصية على محمل الجد


الطاهر المعز
ديسمبر 2006



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركة النقابية في تونس بين ارادة الاستقلال ومحاولات الاحتوا ...


المزيد.....




- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
- تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص ...
- جامعة كولومبيا تعلق المحاضرات والشرطة تعتقل متظاهرين في ييل ...
- كيف اتفق صقور اليسار واليمين الأميركي على رفض دعم إسرائيل؟


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الطاهر المعز - مساهمة في نقاش -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي- ورقة حول موضوع الرأسمالية اليوم: حقبة العولمة