-بزنس الرياضة-

الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 3782 - 2012 / 7 / 8 - 23:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

بزنس الرياضة: تحتضن أوروبا حدثين رياضيين هامين، وهما بطولة أوروبا لكرة القدم "أورو 2012 (في بولندا وأوكرانيا) والألعاب الأولمبية التي تجري في "لندن"... وهما حدثان هامان من الناحية الرياضية، وأهم من الناحية الإقتصادية، حيث أن أحداثا رياضية بهذا المستوى تتطلب استثمارات هامة وكل استثمار وراءه عوائد وفوائد، آجلة وعاجلة، ولذلك فإن البلدان الفقيرة مقصية من تنظيم الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم وتجري أحداث أهم بطولات ألعاب القوى والتنس والسباحة وغيرها، في البلدان الصناعية الغنية، بسبب أهمية "السوق" وما يتطلبه من وجود فئات اجتماعية قادرة على التنقل والمبيت في الفنادق وشراء تذاكر دخول الملاعب وشراء التجهيزات الرياضية بدءا من القمصان والأحذية الرياضية واليافطات والشعارات الخ...
يشاهد ملايين العرب مباريات كرة القدم الأوروبية ويتابعون بشغف الأحداث الرياضية العالمية، وهذه محاولة لإبراز ما وراء الحدث الرياضي من مصالح مالية هامة...

تجري أحداث بطولة أوروبا للأمم في كرة القدم من 8 حزيران إلى أول تموز 2012، في كل من بولندا وأوكرانيا، بمشاركة 16 فريق... واختار الإتحاد الأوروبي لكرة القدم هذين البلدين لتحفيز الإقتصاد وتوجيه الإستثمارات نحوهما، في مجال السياحة والبنية التحتية والنقل... استثمرت بولندا 25 مليار يورو، أو 1,3 بالمائة من المنتوج الداخلي الخام لإنشاء طرقات، وسكة حديدية، وتوسيع مطارات المدن الأربعة التي ستحتضن المباريات، وشراء حافلات جديدة وقطارات... يتوقع أن يزور البلاد 800 ألف سائح، خلال فترة البطولة، أو 10 بالمائة من مجموع السياح لسنة 2011، ويتوقع أن تبلغ العائدات المباشرة للبلاد 6,3 مليار دولارا، خلال السنوات السبع القادمة... أما أوكرانيا فإنها مدانة ويرفض صندوق النقد الدولي إقراضها، لأسباب سياسية، إذ يعتبر الرئيس الحالي مواليا لروسيا، وأعلن مسؤولو الإتحاد الأوروبي مقاطعتهم لحفلات افتتاح واختتام البطولة، وعدم حضورهم مباريات فرق بلدانهم (تضامنا مع رئيسة الوزراء السابقة الموالية لأمريكا والحلف الأطلسي، المسجونة من أجل استغلال السلطة وسرقة الأموال العمومية)... ولذلك يشترط المقرضون نسبة فائدة تفوق 10 بالمائة، فاضطرت الحكومة الأوكرانية لرفع نسبة الضرائب، لمجابهة الإنفاق على البنية التحتية التي تتطلبها بطولة أوروبا، واستثمرت 11 مليار يورو أو 1,7 بالمائة من المنتوج الداخلي الخام، وتتوقع الحكومة زيارة مليون سائح أجنبي، خلال البطولة، بمعدل إنفاق يتجاوز 800 يورو للشخص الواحد... وستستأثر بولندا بالجزء الأكبر من المردود المالي لهذه البطولة...
يتطلب تنظيم الفعاليات الرياضية ذات الصبغة الدولية أموالا طائلة، وتأمل الدول المنظمة استرجاع المصاريف من مداخيل السياحة والتجارة، إضافة إلى تسليط الأضواء على البلدان أو المدن المنظمة للحدث الرياضي، وما قد يعود عليها بالفائدة على مدى متوسط أو طويل... وأحيانا تبقى بعض الدول تعاني من عجز متفاقم بعد تنظيم أحداث رياضية باهضة التكاليف، كما حصل لليونان بعد تنظيم الألعاب الأولمبية في أثينا سنة 2004، حيث أنفقت الحكومة 13 مليار يورو، منها بناء مطار ب 2,5 مليار يورو، تحاول اليونان اليوم بيعه لشركات أجنبية، وتمديد خطوط قطار الأنفاق ب 1,6 مليار يورو... وتسببت هذه المصاريف الباهضة، إضافة إلى الإنفاق الكبير على شراء الأسلحة (الأمريكية خاصة) في الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد... أما الصين فإنها استغلت فرصة الألعاب الأولمبية في بيكين (2008) لإزالة أحياء تاريخية، يسكنها الفقراء، وأنفقت الحكومة 42 مليار دولارا (26,7 مليار يورو) لبناء ملعب جديد، وتوسيع المطار وتمديد خطوط قطار الضواحي...

يعتبر قرار اختيار مكان تنظيم الألعاب الأولمبية أو كاس العالم لكرة القدم أو كأس أوروبا... سياسيا بالدرجة الأولى، وأعلن الإتحاد الأوروبي لكرة القدم أن اختيار بولندا وأوكرانيا هو اختيار لا يخلو من اعتبارات سياسية واقتصادية، لمساعدتهما على تطوير البنية التحتية وجلب الأنظار نحوهما طيلة مدة الألعاب، ولو أن الحكومة تغيرت في أوكرانيا....
تستفيد من الأحداث الرياضية عدة شركات في ميادين البناء والإنشاء، وشركات الإعلام والبث التلفزيوني وشركات التجهيزات الرياضية، وشركات بيع الأدوية والعقاقير والمنشطات، وشركات أخرى خفية، تنظم الرهانات على نتائج المباريات...

المستفيدون من هذه البطولة:

الإتحاد الأوروبي لكرة القدم: تمثل بطولة أوروبا للأمم في كرة القدم ثالث أهم حدث رياضي عالمي بعد كأس العالم والألعاب الأولمبية، وتشارك أشهر وأعتى الفرق الأوروبية لكرة القدم في هذه الدورة (أسبانيا، بطلة الدورة السابقة، وبطلة العالم سنة 2010، وألمانيا وهولندا... ويملك الإتحاد حقوق البطولة، ويبيع حقوق البث التلفزيوني، ويرجو تحقيق أرباح صافية بقيمة 250 مليون يورو، من مجموع إيرادات تفوق 1,34 مليار يورو... وتمثل حقوق البث التلفزيوني 62 بالمائة من مداخيل الإتحاد والحقوق التجارية (الإعلانات الإشهارية) 22 بالمائة ولا يتجاوز نصيب بيع تذاكر دخول الملاعب 9 بالمائة من مجموع الإيرادات، وقبل أسبوع واحد من بداية البطولة، بيعت 90 بالمائة من التذاكر البالغ مجموعها 1,4 مليون تذكرة، في البلدين المنظمين....

يعود تنظيم أول بطولة أوروبية للأمم في كرة القدم إلى سنة 1960، وكانت إيراداتها لا تتجاوز 41 مليون يورو سنة 1992، وارتفعت إلى 230 مليون يورو سنة 2000، وأصبحت البطولة تمثل مشروعا اقتصاديا هاما بداية من 2004، وتمثل بطولات أوروبا للأندية وللأمم أكثر من 70 بالمائة من إيرادات الإتحاد الأوروبي لكرة القدم... وينفق الإتحاد على تأجير الملاعب، وإيواء اللاعبين وطواقم الفرق والسهر على الأمن ونقل اللاعبين ونفقات الحكام والخبراء... ويقدر نفقاته خلال هذه الدورة ب 500 مليون يورو، منها 198 مليون يورو يوزعها على الفرق المشاركة، بحسب نتائجها، ويقدر أرباحه الصافية ب 250 مليون يورو...

شركات البث التلفزيوني: تتنافس محطات التلفزيون على شراء حقوق بث البطولات الهامة، وخصوصا كرة القدم ( حوالي 4 مليون يورو معدل ثمن حقوق بث مباراة واحدة)، لأن عدد المشاهدين مرتفع بشكل قياسي ( حوالي 40 بالمائة من سكان البلاد التي يبلغ فريقها الدور النهائي)، وبمعدل 200 مليون مشاهد في العالم، لكل مباراة، مما يمكن من بث لقطات إشهارية مقابل مبالغ خيالية ( من 145 ألف يورو إلى 275 ألف يورو، للقطة تدوم 30 ثانية، حسب أهمية المباراة)، وغنم الإتحاد الأوروبي لكرة القدم 100 مليون يورو (أرباحا صافية) من بطولة سنة 2008...

شركات التجهيزات الرياضية: يشارك في هذه البطولة 16 فريق، وترعى شركة "أديداس" 6 فرق، و "نايك" 5 فرق، و "أومبرو" الإيطالية 3 فرق و "بوما" فريقين، وتتوقع هذه الشركات بيع 1,4 مليون قميص، مقابل 90 يورو للقميص الواحد (كمعدل)، وتستقدم بعض مشاهير الفن لتقديم عروض برعايتها، على هامش المباريات، وتتوقع الشركات التي تجهز الفرق الأقوى (التي تبلغ الأدوار النهائية) زيادة إيراداتها بنسبة 25 بالمائة من بيع الملابس الرياضية... وحسب الدراسات التي تقوم بها هذه الشركات فإن القارة الأوروبية تمثل 72 بالمائة من سوق التجهيزات الرياضية في الدول الصناعية، وتمثل البرازيل وروسيا والهند والصين والمكسيك وكوريا الجنوبية أسوقا واعدة لرياضة كرة القدم، قد تمثل 20 بالمائة من السوق بعد سنتين أو ثلاثة... ويمثل العامل الإقتصادي، أحد أهم أسباب استئثار أوروبا بتنظيم مختلف البطولات الهامة في معظم الرياضات، من ذلك كثافة السكان في منطقة صغيرة نسبيا، بمداخيل هامة، مع توفر البنية التحتية والأموال الكافية للإستثمار وإنشاء الملاعب والطرقات والفنادق...

شبكات الرهان الرياضي: تبلغ قيمة المراهنات "الشرعية" حوالي 500 مليار دولارا سنويا، إذ ساعدت التكنولوجيا الحديثة (هاتف محمول، شبكة إلكترونية...) في انتشارها وعولمتها... وبرزت شبكات غير قانونية، منظمة على طريقة المافيا، ساعدتها الظروف الإقتصادية على الإنتشار، مثل عدم انتظام الفرق في سداد أجور اللاعبين، وعدم الوفاء بالتزامات الفرق تجاههم، وترصد المافيا هؤلاء اللاعبين وتغريهم بالمال، فيضطر بعضهم إلى الإتفاق معها على التلاعب بالنتائج ... وقام "الإتحاد العالمي للاعبين المحترفين" (كرة القدم) بدراسة شملت 3400 لاعب، نشرها خلال شهر شباط 2010، جاء ضمنها أن 12 بالمائة من اللاعبين كانوا على صلة ما بشبكات التلاعب بالنتائج، و 23,6 بالمائة كانوا على علم بوجود عمليات تلاعب... وتحقق الشرطة في إيطاليا وتركيا وعدة دول آسيوية وفي أمريكا الجنوبية ، في قضايا رشوة وفساد وتلاعب بالنتائج تورط فيها لاعبون وحكام ومسؤولون رياضيون الخ...

تمثل هذه البطولة الأوروبية لكرة القدم مصدر ربح وفير لشبكات الرهان الرياضي القانونية، المملوكة للدولة، وفي فرنسا تقدر إدارة الرهان الرياضي مبالغ الرهان في فرنسا وحدها بحوالي 33 مليون يورو، خلال هذه البطولة، وتتوقع أن يراهن على شبكتها حوالي مليون شخص، أو ما نسبته 22 بالمائة من سوق الرهانات في فرنسا...

شبكات المافيا: كشفت تحقيقات قضائية عن عمليات فساد وتلاعب بعشرات المباريات الرياضية في كل من ألمانيا والنمسا وفنلندا وسويسرا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى، منذ سنوات، وصدرت أحكام قضائية بشأنها سنة 2009، وأشارت صحف سويسرية إلى وجود مقرات في سويسرا، لشركات مالية مشبوهة، وشبكات مالية لها علاقة مع المافيا الإيطالية بشأن التلاعب بنتائج المباريات في إيطاليا وغيرها (صحيفة "تاغس إنتسايغر" – زيورخ، بداية يونيو 2012)، وبثت قناة بي بي سي البريطانية حلقة من برنامجها "بي بي سي بانوراما" تناولت من خلالها العنف والعنصرية في الملاعب وعلاقتها بالتلاعب بنتائج المباريات...

ألقت السلطات القضائية الإيطالية، سنة 2011 القبض على 50 متهم في فضيحة تلاعب بالنتائج شملت 22 ناديا و 33 مباراة، إضافة إلى استدعاء عشرات الأشخاص للتحقيق... وألقت الشرطة الإقتصادية القبض، يوم 28/05/2012، على 61 شخص منهم 54 لاعبا من 22 فريق من الدرجة الأولى، في معسكر تدريب الفريق الوطني الإيطالي لكرة القدم، قبل 10 أيام فقط من افتتاح البطولة الأوروبية... وسبق أن حقق القضاء الإيطالي في عدة مناسبات في قضايا مماثلة، تبين من خلالها، أن اللاعب الذي يسجل هدفا في مرمى فريقه يحصل علىمبلغ يتراوح بين 50 و 85 ألف يورو، ويحصل فريقه على 250 ألف يورو. وتستثمر المافيا معدل 600 ألف يورو، للتلاعب بنتائج المباريات الهامة في الدوري الإيطالي، تجني منها عوائد تفوق 2 مليون يورو، تقوم ب"غسيلها" في شركات أنشأتها لهذا الغرض...

فتحت الأجهزة القضائية في عدة دول أوروبية، وفي ما لا يقل عن 24 بلد في العالم، تحقيقات بشأن "عصابات آسيوية من محتالي الكرة"، يمثلها في أوروبا من 20 إلى 30 "سمسار"، من سنغافورة وماليزيا وأندونيسيا وتايلاندة والصين وتايوان... وألقي القبض على حوالي ألف شخص (بينهم مسؤولون رياضيون ولاعبون محترفون ووسطاء...)، ووجهت تهم (صغيرة) إلى مائة منهم... وفي أوروبا أيضا ألقي القبض على عصابات من كرواتيا والبلقان، تلاعبت بنتائج ما لا يقل عن 200 مباراة في 9 دول، وفي تركيا يواجه 93 شخص تهما بالفساد والتلاعب بنتائج المباريات الرياضية، وفي الصين سجن 4 حكام وفي زمبابوي ألقي القبض على 67 لاعب... ويحقق الإتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في قضايا فساد في 50 دولة، بعد اكتشاف تلاعب بنتائج أكثر من 400 مباراة...
ساعد انتشار تكنولوجيا الإتصالات الحديثة على تطوير عمل الشبكات الإجرامية وتوسيع نشاطها ليشمل العالم، بإدارة وإشراف شركات وهمية آسيوية، مقرها في سنغافورة، تنظم مباريات ودية واستعراضية، لفرق تتهيأ لخوض مباريات هامة، وتجلب لها المافيا فرقا افريقية من درجة ثانية، بدعوى أنها فرق وطنية، وتمكنت من خلال عمليات مماثلة من جني 1000 مليار يورو (تريليون يورو)، سنة 2011 ، من خلال الرهان الرياضي، أي حوالي 3 أضعاف ميزانية دولة مثل فرنسا، وينفق المراهنون 2 مليار دولارا أسبوعيا في عمليات الرهان غير الشرعي، في 15 ألف محطة أو نقطة بيع... وتقوم المافيا ب"تنظيف" 140 مليار يورو سنويا، من خلال الإستثمار في المباريات الرياضية، وضخ مبالغ هامة للإحتمالات الثلاثة (خسارة، ربح، تعادل)... وتتطلب عمليات التلاعب أموالا طائلة وفنيين وخبراء متمرسين، يؤسسون شركات وهمية، سرعان ما يغيرون أسماءها وحساباتها المصرفية ليؤسسوا غيرها الخ... في السابع من أيلول 2010، انتصر فريق البحرين لكرة القدم على فريق "الطوغو"، في مباراة ودية، ب 3 أهداف لصفر، ورفض الحكم 5 أهداف بحرينية، بحجة "التسلل"، وتبين فيما بعد أن اللاعبين هم فعلا من الطوغو، لكنهم من فرق الدرجات الدنيا، واتفقت معهم شركة المافيا المنظمة للمباراة على الخسارة بفارق ضئيل، مما يفسر رفض الحكم (المرتشي) لخمسة أهداف "شرعية"...

راجع "الرياضة بين الإستثمار المالي والإستغلال السياسي" الطاهر المعز 2010 (بمناسبة دورة كأس العالم في جنوب افريقيا 2010)

#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات