أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - اقباط مصر لهم ما لنا وعليهم ما علينا















المزيد.....



اقباط مصر لهم ما لنا وعليهم ما علينا


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3810 - 2012 / 8 / 5 - 10:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد علق الانبا باخميوس، القائم مقام البطريرك فى الكنيسة الأرثوذكسية ، على تشكيل الحكومة الجديدة، قائلا "لن أهنئ رئيس الوزراء الجديد بتشكيل الحكومة، لأنه تشكيل ظالم"، معبرا عن استيائه ورفضه لتشكيلها....حيث قال فى تصريحات صحفية "إن هذا التشكيل الوزارى جاء ظالما للأقباط، خاصة أننا كنا نتوقع زيادة فى نسبة تمثيل الأقباط فى الحكومة، بعد زيادة عدد الحقائب الوزارية إلى 35 وزارة»، مضيفا، « التشكيل تجاهل كل حقوق ومفاهيم المواطنة المعروفة، ولا يصح أن يعامل الأقباط بهذه الطريقة"...وأشار القائم مقام البطريرك إلى أنه "كان من المفترض أن يتم تمثيل الأقباط فى حكومة الدكتور هشام قنديل، بنسبة لا تقل عن 4 وزراء، طبقا لنسبة الأقباط فى مصر، والتى تزيد على 14% من تعداد الشعب المصرى "...كما قال الأنبا باخوميوس "إن هناك اضطهادا واضحا للأقباط فى الآونة الأخيرة، فلا يعقل أن يعاقب 12 قبطيا بالسجن المؤبد فى أحداث أبو قرقاص بالمنيا، دون أن يعاقب الجناة فى دهشور على تهجيرهم 130 أسرة قبطية، وحرق ممتلكاتهم التى تقدر بملايين الجنيهات " ...هذا الكلام الخطير يوضح ان لجوء الدولة إلى استخدام الدين لتحقيق أهدافها السياسية يدفعها حتماً إلى التصادم مع الجماعات التي تدين بهذا الدين..... ويزيد الأمر تعقيداً إن كان الدين يحتل موقعاً في المجتمع لا يمكن الاستهانة به أو التقليل من شأنه....


مما لاشك فيه انه يجب التفرقة بين الأقباط كجماعة دينية تمثلها الكنيسة الأرثوذكسية دينياً، وبين الأقباط كفئة اجتماعية تنتشر في النسيج الوطني المصري لا يحول بينها وبين التمتع بسائر حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية أي عوائق.... وبالتالي فالتوجهات السياسية للمؤسسة الكنسية لا تعبر بالضرورة عن توجهات الأقباط السياسية..... فالمصريون الأقباط، على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والمذهبية، لا يمكن اعتبارهم كتلة اجتماعية أو سياسية واحدة مندمجة، ولكن المرجح أن عقودا من التوترات الدينية والطائفية، واندماج فئات واسعة داخل المؤسسات الدينية المسيحية الرسمية وغير الرسمية جعلت القيادات الدينية تؤدي أدوارا عديدة في تمثيل مصالح الأقباط وفي التعبير عنهم في المجال العام وإزاء الدولة.....لذلك يجب التمييز بين تيارين داخل الكتلة القبطية، فهناك التيار الديني بتنوعاته المتعددة سواء كانت الرسمية أو التقليدية، ويمثل البابا فيها مظلة لكل الاتجاهات الواردة داخل التيار الديني...... أما التيار العقلاني أو العلماني، فهو التيار الذي يمثله العلمانيون الأقباط في المجتمع المصري، سواء عبر أحزاب سياسية أو المستقلين أو الحركات الاحتجاجية !!!..ينتمي معظم الأقباط في مصر إلى الكنيسة الأرثوذكسية المرقسية القبطية، ومقرّها الإسكندرية.... وتتمتّع الكنيسة القبطية باستقلال ديني ومؤسّسي عن المراكز الكنيسية الأخرى في العالم، بمعنى أنها كنيسة وطنية مستقلة.... و رغم أنّ أغلبية الأقباط في مصر هم من أتباع الكنيسة المحلية " الأرثوذكسية القبطية"، إلاّ أنه يوجد عددٌ قليل من أتباع الكنيسة الكاثوليكية في روما، كما أنّ بين مسيحيّي مصر عدداً محدوداً من أتباع المذهب البروتستانتي الإنجيلي ....


كلام الانبا باخميوس القائم مقام البطريرك فى الكنيسة الأرثوذكسية يعبر عن مدى الألم والمرارة من حالة الاستبعاد القصرى المتعمد للاقباط ... حيث تتعدد العوامل الخارجية والداخلية التي كرسّت الاستبعاد، ودفعت بالمواطنين خارج المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة..... وفي هذا الصدد تجب الإشارة إلى أن تأثير العاملين الخارجي والداخلي -في حالة الأقباط- يرتبط بعدة أبعاد: البعد الطائفي والمتعلق بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين، والبعد الاقصادي المرتبط بالصراع بين المحرومين الذين لا يملكون والمترفين الذين يملكون، والبعد السياسي الذي قد يسيطر عليه فكر الصراع على القوة بين قيادات (الأقلية) وبين المجتمع مما يثير العلاقة بين توازن القوى والنفوذ، والبعد الاجتماعي المرتبط بالأبعاد الدينية والثقافية التي تتخذها الدول بالخارج ذريعة للتأثير على أي جماعة وخاصة الدينية، في ما يعرف بتسييس الدين أو تديين السياسة....مما لاشك فيه إنّ تحول الدولة إلى تبنِّي مواقف دينيّة وتشجيع تديّنٍ إسلامي معيّن ضدّ التديّن السّياسي، أنتج ظاهرة مرافقة هي شعور الأقباط بأنهم غرباء عن هذه اللعبة الدائرة، في حين أنهم ليسوا ضيوفا بل هم مصريّون أصيلون..... وبرأينا، فإنّ تراكم هذا البعد الوجداني، وليس التمييز الذي يقاس بالأرقام فقط، هو الأمر الأكثر أهميّة لناحية تبلور الهويّة المختلفة، وعلى مستوى تسييس هذه الهويّة....

لقد انعكست آثار عملية بناء الدولة المصرية على أوضاع الأقباط في مصرفى عهد محمد على باشا .... فمع بداية نشأة الدولة باعتبارها كيانا سياسيا تنشأ أيضا فكرة المواطنة.... وأدّى نشوء المواطنة المصرية إلى تغيّر نوعي في أوضاع الأقباط... وبهذا المعنى، شكّل عهد محمد علي انعطافا في تعامل الدولة والمجتمع مع أوضاعهم، وذلك من خلال النزوع الذي ساد هذه الصيرورة نحو مساواة الأقباط ببقية المواطنين في الحقوق والواجبات....لقد أزال محمد علي غالبية المظاهر التي كانت تؤكّد على تمييز الأقباط وتمايزهم، وأبرزُها قيد الزيّ الذي كان مفروضا عليهم في العصور السابقة.... وألغى القيود التي كانت تفرض عليهم بشأن الطقوس والشعائر ضامناً ممارسة طقوسهم الدينية بحريّة تامة..... وأفسح المجال للموافقة على طلبات بناء الكنائس وإصلاحها ومساعدتهم في ذلك من خزينة الدولة...وممّا يجدر ذكره على مستوى المنزلة الاجتماعية السياسية أنّ محمد علي كان أوّل حاكم مسلم منح الموظّفين الأقباط رتبة "البكوية" واتخذ مستشارين منهم !!!..وفي عهد سعيد باشا، اقترب التعامل مع الأقباط خطوات أخرى من مفهوم وممارسة "المواطنة"، وذلك من خلال إلغاء الجزية المفروضة عليهم منذ فتْح مصر في منتصف القرن السابع... وفرض الخدمة العسكرية عليهم، وهذا من أهمّ مؤشّرات التخلّص من الذمّة والذمية، ودخل الأقباط لأوّل مرة في سلك القضاء والجيش....وفي إطار سياسة الانفتاح تجاه الأقباط، عيّن سعيد باشا الأول مصرياً مسيحياً حاكماً على السودان....وشهدت أوضاع الأقباط في عهد الخديوي إسماعيل (1863-1878) تحسّناً ملحوظاً من خلال الزيادة العددية والارتقاء العمودي في سلم وظائف الدولة، حيث حصل بعضهم على رتبة "الباشوية"..... كما دعم الخديوي إسماعيل التعليم الديني " القبطي" مادياً في إطار المدارس المشتركة مع المسلمين....وترسّخ مفهوم وممارسة مواطنة الأقباط في الدولة المصرية حدّ تولّي إثنين من الأقباط رئاسة الوزراء وهما بطرس غالي باشا (1908-1910) ويوسف وهبة باشا (1919-1920). وجرى العرف منذ عام 1883 على تعيين قبطي واحد في كلّ وزارة، ثم ارتفع عددهم إلى إثنين لأوّل مرّة عام 1924 عندما شكّل سعد زغلول وزارته....

أنّ طبيعة النظام الاقتصادي الذي كان قائما في العهد الخديوي والمعتمد على الفئات البرجوازية والإقطاعية، أفسح المجال للنّخب القبطية للتعاطي بإيجابية مع النّظام السياسي، إلى حدّ جعل بعضهم يصف العهد الخديوي بالعصر الذهبي للأقباط في تاريخ مصر الحديث، وذلك بناءً على مؤشّرات عديدة أبرزهاالانتقال في التعاطي معهم من أقلية "نظام الملل" إلى "مواطنين" في الدولة الحديثة، إضافة لازدياد مستوى ونوعيّة مشاركتهم السياسية، التي تُوّجت في حكومات عهد الملك فاروق بتبوّء أقباط منصب الوزارة 12 مرّة.... وهو الرقم الأكبر في عهد أيّ حاكم في تاريخ مصر الحديث....إذا صحّ توصيف "العصر الذهبي"، المبالغ فيه، فإنه ينطبق على النّخب القبطية من برجوازية صاعدة وإقطاعيّين ومهنيّين، على اعتبار أنّ الفئات الاجتماعية الدنيا، والتي لم تصلها بواكير المواطنة، ظلّت تعيش تحت وطأة التّهميش الاجتماعي والاقتصادي في الأرياف، سواء كان أفراد هذه الفئات من المسلمين أو المسيحيّين...بعد ثورة يوليو 1952 تعرّضت أوضاع الأقباط في عهد جمال عبد الناصر لتناقضات عديدة، فالأقباط المندرجون ضمن الفئات الاجتماعية الدنيا في المجتمع المصري والتي خضعت للإقطاعيّين والبرجوازيّين، نظروا إلى الثورة وإجراءاتها كما نظرت تلك الفئات بإيجابية خاصّة إلى ما يتعلّق بالتأميم وقانون الإصلاح الزّراعي..... في حين أنّ النخبة الاقتصادية القبطية والتي انتعشت في العهد الخديوي، تأثّرت سلبا بهذه الإجراءات، واختلفت طريقة تعاطيها سياسيا مع نظام ما بعد الثورة، نتيجة بروز متغيّريْن رئيسيْن في تلك المرحلة تتناقض معهما أيديولوجياً ومصلحيا، وهما التيّار الاشتراكي الذي تطوّرت إليه الثورة وجمال عبد الناصر بالتدريج، والمدّ الإسلامي من خلال جماعة الإخوان المسلمين وتغلغلهم في مؤسّسات الدولة عامّة والجيش خاصّة.... وقد تراجع العامل الأخير كما هو معروف لاحقا ، غير أنّ الانقلاب في وضع الإخوان في صراعهم مع النظام وتعرّضهم للملاحقة لم يؤدّ إلى تحسّن منزلة الأقباط السياسيّة عموما..... وبالتالي لا يمكن اعتباره متغيراً مهماً في العلاقة بين الأقباط والدولة، بمعنى آخر فإن ملاحقة التيار الإسلامي و تحجيمه لم يؤدّيا إلى تحسّن وضع الأقباط، وبالتالي ليس ثمّة علاقة تناسبيّة مباشرة بين المتغيّرين...لقد تضافرت هذه العوامل، على الأخصّ في السّنوات الأولى من ثورة يوليو، لتولّد مواقف واتّجاهات معارضة في مواجهة النّظام الجديد، أو مواقف حذرة ومتردّدة في قطاعات مختلفة من هذه الفئات، بما فيها الفئات الوسطى الإسلامية والمسيحيّة معاً.....


غير أنّه ثمّة عوامل إضافيّة كانت مرشّحة في تلك المرحلة لأن تدفع بقطاعات من المتعلّمين والمثقّفين الأقباط إلى طرح تساؤلات أو إبداء تحفّظات، وحتى إلى معارضة النّظام الجديد مع ميْل إلى الانسحاب من الحياة السياسية... والواقع أنّ الأقباط ليسوا وحدهم من انسحب أو فُرض عليه الانسحاب من الحياة السياسية.... فالنظام السّياسي الذي تشكّل وسيطر عليه التيار المُعادي للدّيمقراطية في صفوف الضبّاط الأحرار، أقصى كلّ من يعارضه أو يخالفه الرّأي.... كما لا يعني هذا أنّ الأقباط تصرّفوا ككتلة متجانسة وبناءً على قرارٍ جماعي بالانسحاب من الحياة السّياسية ...بعد إلغاء الأحزاب السّياسية ابتداءً من يناير 1953، بات من الصّعب على أيّ قبطي يرشّح نفسه للانتخابات العامّة أن ينجح في الوصول إلى المجلس النيابي... ونتيجة ذلك، لم ينجح في انتخابات مجلس الأمّة في عام 1957 سوى قبطي واحد عن دائرة شبرا (شمال القاهرة)، هو فايق فريد.... ولمعالجة الأمر، ابتكر عبد الناصر مبدأ دستورياً جديداً هو «التعيين»، وأدخل مادة جديدة على الدستور المؤقّت عام 1956، تسمح له بتعيين عشرة أعضاء في مجلس الأمة.... وظلّ هذا المبدأ يرافق تعيين أقباط في مجلس الشعب حتى عهد مبارك.... ويؤخذ على هذا المبدأ أنه أخطأ الهدف وأسهم في استبعاد النوّاب الأقباط من انتخابات مجلس الأمّة، وأظهر وجودهم في مجلس الأمّة على أنه "مكرمة"، مكرِّسا نوعًا من فصل الأقباط أو خصّهم بمعاملة مختلفة عن معاملة بقيّة الشّعب المصري الذي ينتمون إليه!!!...

مشكلة الاقباط بدأت فى عهد السادات بالعمل الحثيث لضرب الإرث الناصري في الدولة والمجتمع والإعلام، حتى لو تطلّب الأمر التّحالف مع الجماعات الإسلامية والإخوان.... وقد أطلق السادات سراح المعتقلين الإسلاميّين... وكتب غالي شكري في وصف أثر ذلك في العلاقة مع الأقباط: "لم يبدأ التطرّف وانعكاسه المباشر على الأقباط إلاّ في عهد السّادات، حين خرج المعتقلون بكلّ ما في صدورهم من غضب لم يكن تفجيره في وجه الدولة ممكناً، فهي التي أخرجتهم، فتحوّل بعضهم بهذا الغضب نحو المسيحيّين الذين لم يسجنوهم ولم يعتدوا عليهم قط".... وقد انتشرت أفكار عن السّادات وتصريحات منسوبة إليه ضدّ الأقباط، يعود بعضها إلى مرحلة عبد الناصرـ مثل تصريحه في جدة حين أوكل إليه منصب السكرتير العام للمجلس الإسلامي عام 1965، وتفاخر بأنه "سيحوّل أقباط مصر إلى الإسلام خلال عشر سنوات، أو سيتم تحويلهم إلى ماسحي أحذية وشحاذين" !!!..لقد عمد السادات في بداية عهده إلى التخلص من التيار الناصري واليساري، من خلال استخدام التيار الديني "الأصولي" و تشجيعه.... وقد أدّى ذلك إلى انتشار الخطاب الديني الإسلامي بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أثّر سلبا في أقباط مصر.... وبرز ذلك عندما تمّ إضافة "الإسلام دين الدولة، والشريعة مصدر رئيس للتشريع" إلى المادة الثانية من دستور عام 1971، لتصبح بعدها "الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع" بحسب تعديل عام 1980..... فازدادت الهوة بين الأقباط والدولة خاصة بعد وضع "الشروط العشرة" لبناء الكنائس وترميمها..... وقد ترافق ذلك مع حالة "اغتراب"، عاشها الأقباط في سبعينات القرن المنصرم، نتيجة محاولة التيار الديني "المتحالف مع السادات" طرح مسائل فقهية تتعلق بوضعهم القانوني ضمن الدولة والمجتمع المصري على أساس مفهوم "أهل الذمة"، الذي عاد إلى التداول بعد غياب طويل...وقد انسحبت المعطيات السابقة أيضا على عملية المشاركة السياسية للمواطنين المصريين الأقباط، حيث تمّ استبعادهم من القوائم الانتخابية للحزب الوطني بذريعة عدم قدرتهم على الفوز، كما استبعد طرح مشاكلهم الاجتماعية وهمومهم الحياتية في برامج الأحزاب السياسية الأخرى.... ومقولة تضاؤل فرصة الفوز، هي موقف والموقف قد صنع واقعا..... فهي تفترض وجود نمط تصويت طائفي عند المواطنين المصريين، ويسلّم قائلها بافتراضه هذا، ثم يكرسها عبر سلوكه السياسي (عدم ترشيح الأقباط) فتتحول إلى نبوءة تتحقق بذاتها....

ومن خلال استقراء واقع المواطنين الأقباط في مصر، يمكن ملاحظة انفتاح بسيط من الدولة في عهد مبارك، دون إحداث قطيعة مع الممارسات الإلغائية في عهد السادات.... إذ ظلّت المشاركة السياسية تقتصر على بعض النوّاب المعينين أو الوزراء في وزارات غير سيادية.... فعلى سبيل المثال وليس الحصر، اقتصر تمثيل الوزراء من أصل قبطي في الحكومة الأخيرة قبيل بدء ثورة25 يناير على إثنين فقط، هما يوسف بطرس غالي في وزارة المالية وماجد جورج في وزارة البيئة.... وبعد تكليف أحمد شفيق بتشكيل الحكومة احتفظ وزير البيئة فقط بمنصبه... اقباط مصر يشعرون بالغبن والاستبعاد نتيجة تجاهل مناهج التعليم حقبة طويلة من التاريخ القبطي، تبدأ بدخول المسيحية إلى مصر وحتّى الوجود العربي الإسلامي... و تجاهل الدّيانة المسيحية، التي يدين بها جزءٌ كبير نسبياً من المصريّين في مقرّرات المدارس، حيث توضع نصوص قرآنيّة وأحاديث شريفة كمحفوظات في مادّة النّصوص مثلا، بينما تستبعد تماما أيّة ألفاظ أو عبارات تشير ولو من بعيد إلى آيات من الإنجيل.... حيث توجد حصص للتّربية الدينية في المدارس، تدرّس فيها المسيحيّة للمسيحيّين والدّين الإسلامي للمسلمين.... ولا يُفرض على المسيحيّين حضور حصص الدّين الإسلامي، وحقيقة الأمر أنّ المسيحيّين لم يعترضوا على إضافة حصص لتدريس مادّة الدّين في المدارس، وإنّما اعترضوا على إدراج نصوص من القرآن في مادّة اللّغة العربيّة يفرض على الطلاّب -ومنهم المسيحيّون بالطبع- دراستها وربما حفْظها أحيانا...غير أنّ من يقول بغياب نصوص قبطية يفوته أنّ القرآن يُدرس في هذا الإطار بوصفه نصاً لغوياً، وليس نصاً دينياً. ولم يُسمع هذا الاعتراض إلاّ حديثاً ومن أطراف قبطية ليست محسوبة على التيّار المركزي بين الأقباط، ونما نتيجة أجواء التوتّر الطائفي..... أمّا بالنسبة إلى غياب التاريخ المسيحي من كتب التاريخ، وغياب دور المسيحية في تشكّل الهوية الوطنية والشخصية المصرية فهذا واضح بالتأكيد...التمييز في مدّة التجنيد لحَفظة القرآن الكريم إلى سنة واحدة لغير حاملي المؤهّلات بدلا من ثلاث سنوات، بينما لا يتمتّع المجنّدون غير المسلمين بهذه الميزة حتّى لو حفظوا كتابهم المقدّس كله... يشتكي الأقباط من تغيير تحيّة العلم الوطني بالقَسَم الإسلامي وتلاوة أناشيد دينية بدلاً من أناشيد وطنية.....


يشكو المصريون الأقباط من تضييق الحكومة على بناء الكنائس وترميمها، حيث يسري إجراءٌ أسسه قانونٌ عثماني سنة 1856م، ينصّ على أنّ غير المسلمين يحتاجون إلى إذن من رئيس الدولة لبناء مكان العبادة....وكما أسلفنا حصلت تسهيلات قانونيّة في عهد مبارك، فقد أصدر رئيس الجمهورية قانوناً جديداً في عام 1999 ينص على أنّ ترميم دُور العبادة كلها، سواء كانت مساجد أو كنائس هو من اختصاص الإدارة الهندسية في المراكز والمدن.... بيد أنه وبعد مطالب واحتجاجات قبطية، أصدرت محكمة مصرية حكمًا يرسي مبدأً قانونياً جديداً بخصوص ترميم الكنائس في مصر - القضية رقم 3714 لسنة 2010 / جنح- وينصّ على عدم الرجوع إلى أيّ جهة من جهات الإدارة أو حتى أمن الدولة والأجهزة المحليّة قبل مباشرة أعمال الترميم....لكن هذا الحكم لم ينفّذ فعلياً بسبب رفض الجهات الأمنيّة. واستمرّت ازدواجية تعامل الدولة مع المواطنين متمثّلة في التفريق بين قواعد وأنظمة بناء المساجد والكنائس في البلد....وتتواتر الدراسات التي تؤكد وجود تمييز ضدّ الأقباط في مصر، مشيرة إلى فشل الدولة في التعامل مع المسألة القبطية وفي حماية مواطنيها، خاصّة بعد أن تبيّن أن جلّ اهتمام الحكومة في وقت مبارك كان التركيز على حماية نفسها وحماية مصالحها.... وتخطئ إحدى هذه الدراسات التي تسحب ما قلناه سابقا عن بداية عهد السادات على مرحلة مبارك، فتذكر النظام في عهد مبارك مال إلى استرضاء الجماعات الإسلامية التي تتزايد قوتها في البلد، مما أنتج تمييزاً واضحاً ضد الأقباط.... فلا توجد أدلة على استرضاء نظام مبارك للإسلاميين...

يجب ان يعلم القاصى والدانى ان الدساتير والوثائق القانونية الأساسية في مصر لم تعرف فكرة أن "الإسلام دين الدولة"، إلاّ مع صدور دستور 1923، إذ نصّ على ذلك في المادّة 149 منه، ثم تبنّت الدساتير اللاحقة هذا النص.... فقد ورد في المادة 138 من دستور 1930، والمادة الثالثة من دستور 1956، وإن كان قد جرى إغفاله في دستور الجمهورية العربية المتحدة المؤقّت لعام 1958 وكذا في الإعلان الدستوري الصادر في سبتمبر 1962، إلا أنّ النصّ عينه عاد مرة ثانية في المادة الخامسة من دستور سنة 1964. وخَطا دستور 1971 خطوات أبعد في الربط بين القانون والدين، لأنّ الرئيس السادات كان يبحث عن شرعيّة جديدة تميّز نظامه عن نظام ثورة يوليو 1952... وعدِّلت هذه المادة سنة 1980 لتصبح الشّريعة الإسلامية بمقتضاها هي "المصدر الرئيس للتشريع" بدلاً من كونها مصدرا رئيسا دون أداة التعريف في دستور 1971.... بعد ذلك أدْلى السادات بتصريحه الشهير "رئيس مسلم لدولة مسلمة"، ما أعطى انطباعاً أنّ الأقباط قد صاروا مواطنين من الدرجة الثانية !!!..

قد تهدّد آراء رجال الدين العلاقات الاجتماعية بين المواطنين أحيانا، فالنّخب الدينية قد تكون صارمة في تطبيق أدبياتها وتعاليمها، وصارمة في تميّزها عن غيرها من النخب الدينية على مستوى العقيدة، ولذا يفسد المجتمع حين يتمّ نقل مثل هذه الممارسة إلى مستوى الحياة اليومية للأفراد، الذين يفترض أن يعيشوا علاقاتهم في مجتمع متنوّع بشكل طبيعي دون التفكير باستمرار في التميز العقدي... ويكون من الصّعب على المجتمع أن يواجه تحدّياته السّياسية أو الاقتصاديّة أو غيرها، إذا كان منشغلا بهذا النّوع من "المعارك الزائدة"، التي تؤجّج مشاكله وتعقّدها.... ويقصد بالمعارك الزائدة هنا تلك التي تنتج عن الاختلافات الطائفية وتمارس تقسيم الناس، وخلق التوتّر بينهم، رغم أن اختلافهم الطائفي وحتّى الأيديولوجي هو أمر طبيعي، ولا يفترض أن يثير العداء....لذلك قدّم رفعت سيد أحمد دراسة حديثة تحت عنوان "الوثائق الكاملة لفتاوى السلفيين ضدّ أقباط مصر"، تناولت الفتاوى التي استعرضها فيها وجوب فرض الجزية على المسيحيّين، وتحريم إلقاء السّلام عليهم وتهنئتهم بأعيادهم، بالإضافة إلى عدم قتل المسلم بالكافر، وعدم جواز إتاحة الوظائف المهمة لهم.... على سبيل المثال، يفتي الشيخ السلفي أبو إسحاق الحويني بوجوب فرض "الجزية" وأنّ المسيحي "يجب أن يدفعها وهو مدلدل ودانه"، كما جاء في نص كلامه في شريط (الولاء والبراء)..... ونلاحظ من نصّ كلامه "مدلدل ودانه" باللغة العامية المصرية عدم تقديم أيّ اعتبار اجتماعي أو وطني للمسيحي، فالبعد السّلفي يصدر عن بُعد عقدي فقط، وهذا ممّا يؤكّد وجود "بنية مغلقة" لديه لا تتيح له أن يتواءم مع الطّرح المدني والوطني المطلوب وبشدّة على مستوى الدولة القطرية الحديثة....

مما لاشك فيه ان من يقف وراء الأحداث الطائفية الأخيرة هم بعض من قيادات أمن الدولة، الذين يتبعون المنهج القديم لفرض السيطرة عبر إثارة الفوضى والفتنة.... ويتفق مع كلامى هذا معتصمو ميدان التحرير الذين أرسلوا مذكّرة إلى الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء السابق، قالوا فيها إن ضباط أمن دولة وقياديين في الحزب الوطني أشعلوا الفتنة ليشغلوا الرأي العام ويفلتوا من المساءلة !!...لذلك أصدر ائتلاف شباب ثورة 25 يناير بيانًا (9 مارس) اتّهم فيه "ضبّاط أمن الدولة الطلقاء وفلول النظام" بأنهم المحرّضون على الفتنة والسّاعون لإحداثها، وانتقد الجيش صراحة لوقوفه موقف "المتفرّج" فيما "فلول النّظام تعبث وتتلاعب بأمن الوطن والمواطن"...وتظاهر معتصمون أمام مبنى التلفزيون عدّة أيّام، في تقليد واضح لمظاهرات ميدان التحرير.... فالأخيرة قدّمت كما يبدو نموذجا لمن يريد أن يبيّن أن لديه قضيّة عادلة.... وكان مشهدا مصغّرا من ميدان التحرير، حيث تشكّلت لجان لتفتيش القادمين إلى مقرّ الاعتصام، ولجان لتوزيع الطعام والأغطية على المعتصمين، إضافةً إلى عدد من الإذاعات التي ردّد من خلالها المتظاهرون الهتافات والكلمات، إلاّ أنّ الأغاني الوطنيّة استُبدلت بترانيم، واستُبدلت أعلام مصر بصلبان.... وذكرت بعض الخطابات أنّ التّظاهرة تطالب بأن يكون القبطي مواطنا من الدّرجة الأولى...ولم يبْدُ أنّ الكنيسة تسيطر على المشهد الاحتجاجي، فوجود رجال دين بين المتظاهرين لم يكد يذكر، وأكّد المتظاهرون أنهم لم يأتوا وراء كاهن، وإنّما لتحقيق مطلب أن يكون القبطي "مواطن درجة أولى"، كما أنّ محاولات التّهدئة التي بادربها بعض قساوسة الكنيسة لم تنجح في ثنْي المعتصمين عن مواصلة اعتصامهم...



برزت نبرة تهدئة من قبل أساقفة الكنيسة القبطية في حديث الأنبا ثيودسيوس أسقف عام الجيزة، الذي توجّه للمعتصمين أمام مبنى التلفزيون بالقول إنّ الكنيسة لم تتهدّم بكاملها... وأنه تم تحقيق باقي المطالب بالحصول على ترخيص رسمي من محافظة حلوان لإعادة بناء كنيسة الشهيدين في مكانها، تنفيذاً لقرار المشير حسين طنطاوي، القائد العام للقوات المسلحة، رئيس المجلس العسكري...كما حرص القساوسة في مختلف الكنائس على نفي الإشاعات التي تحدّثت عن الهجوم على عدد من الكنائس والأديرة في مختلف أنحاء البلاد..... وهي الإشاعات الناتجة عن استغاثات سيدات عبر فضائيات مسيحيّة بخصوص هجوم على عدد من الكنائس مثل مار جرجس في قرية صولو دير المحرق بأسيوط وكنيسة المعصرة بحلوان وكنيسة بني بخيت ببني سويف.... هنا لعبت بعض القنوات الفضائيّة المسيحيّة دوراً لافتاً في إذكاء الغضب المسيحي وحثّ الجمهور على الخروج والتّظاهر احتجاجا على هجوم أطفيح، وهو ما يفسّر انضمام آلاف المواطنين الأقباط لتظاهرة ماسبيرو في الأيّام التي تلت الحادثة....لقد دخل هذه المرّة متغير جديد هو الشّعب والرّأي العام المصري الذي كان مغيَّبا في الماضي..... وحين أعلن عن وجوده بقوّة في الثورة تبيّن أنّ هنالك تيارًا مركزياً في المجتمع المصري يرفض الفتنة الطائفية بصوت مرتفع، ولا ينجرّ وراءها، ويرفض أن يهمّشه أو يسكته استقطابٌ طائفي....لقد أتت الثورة بجديد على مستوى سلوك شعب الثورة، وعلى مستوى الرأي العام المصري، بالإجماع على إدانة الفتنة، واتّهام أمن الدولة وفلول النظام بالوقوف خلفها...
ففي حين تُخرج أنظمة الحكم العربية أسوأ ما فينا، فإنّ النضال ضدّها يُخرج أفضل ما فينا !!...

مما لاشك فيه اننا امام موقف انعزالي قبطي ينقض ذاته.... فهو موقف يطالب بمساواة وهو في الوقت ذاته ينقض إطارها الحضاري والمدني المشترك الذي يجمع المواطنين المصريين.... ومن هنا نجد أيضا أن اللوبيات القبطية في الولايات المتحدة لم تعمل من أجل مواطنة مصرية متساوية في ظل نظام ديمقراطي، ولم تناضل ضدّ الاستبداد والظلم اللاحق بالمسلمين والمسيحيين.... كما لم تجد بعض الأوساط الكنسية والقبطية مانعا في عقد مساومات مع عملية التوريث لجمال مبارك أو غيره، في مقابل ما اعتقدت هي أنه منْح حقوق لمواطنين مصريين أقباط.... وتناست التناقض بين منْح المكرمات في صفقات سياسية وبين مفهوم المواطنة، وعمّقت بذلك عملية الفصل بين مطالبها وبين النضال من أجل الديمقراطية والمواطنة المتساوية... يبرز هنا نموذج الناشط القبطي في المهجر مايكل منير.... فقد قاد حملات نقد عنيفة ضدّ نظام حسني مبارك ونظّم أنشطة احتجاجية لأقباط المهجر في واشنطن، غير أنه عاد إلى مصر بمقتضى صفقة بينه وبين النظام وأنشأ منظمة حقوقية تُعنى بشؤون الأقباط "إيد في إيد"، وحين زار مبارك واشنطن في أغسطس 2008 رفض منير أن يشارك في تظاهرات مناهضة له نظّمها أقباط المهجر...زاوية النظر الانعزالية هذه، لا ترى أن معتنقي الإسلام في مصر هم مصريون حتى لو لم يكن الإسلام قائما في البلاد منذ بدء التاريخ، تماماً كما أنّ المسيحية لم تكن في مصر منذ بدء التاريخ، ولكن اعتنقها مصريون...من هنا فإن التعامل مع الإسلام باعتباره ظاهرة دخلت مصر، هو صحيح تاريخيا، وصحيح تاريخيا أيضا أنّ المسيحية دخلت مصر، ولكن المسلمين والمسيحيين هم مصريون، وهم جميعا عرب ينطقون بالعربية ويتخيلون ويحلمون بها...

الجدير بالذكران حالة عدم التوازن بين الدولة والمجتمع (مسلم ومسيحى ) إحدى المعضلات الأساسية للتطور السياسي والاجتماعي في مصر.... فقد ظلت الدولة تحكم المجتمع كأنها فوقه وسيدة عليه دون أن تعى أنها مجرد هيئة تنوب عنه وتستمد وجودها وشرعيتها منه... وفي تصور للعلاقة بين الدولة والمجتمع في مصر، نجد ضعف وعدم اكتمال عود الدولة، كما نجد افتقار المجتمع إلى ما يكفى من مقومات الثقافة السياسية الديمقراطية الجديرة بتحويله طرفا وندا في دينامية صياغة العقد الاجتماعي... حيث يتراجع أفراد المجتمع عن مرحلة الدولة إلى مرحلة ما قبل الدولة...لذلك نجد كثير من الآراء داخل مصر وخارجها انتقدت الحكومة المصرية، ورأت أنها هي المسؤول الأول عن مثل هذه الحوادث، وأن ضعف الدولة وفشلها المدني والقانوني هو ما أدّى إلى حالة الاحتقان الطائفي والاختراقات الأمنية..... يأتي هذا الموقف نتيجة قناعة واسعة بأنّ حالة الاحتقان "الملموسة" في وسط الشعب المصري هي حالة عامة لا تخصّ الأقباط وحدهم.... وفشل الحكومة في إدارة البلد يخلق عددا من الارتدادات السلبية من ضمنها ما يكون على المستوى الديني والاجتماعي.... وما ازدياد الاستقطاب الطائفي في البلد إلاّ أحد هذه الارتدادات.... لا يمكننا القول إنّ تصاعد المواجهات الطائفية يحدث بسبب الدولة وحدها، لكن التأثير الرئيس للدولة يتمثل بطريقة غير مباشرة في فشلها في تأسيس مبدأ المواطنة والانتماء .... إنّ فشلها في تحقيق مبدأ المواطنة، وعجزها عن أداء دورها فيه، هو الذي يجعلها تقف "متفرّجة" حين يلجأ الأفراد إلى كيانات أخرى تعيد تشكيل مبادئهم وفق إطار ذهني جمعي قد يضيق في أحيان كثيرة عن احتواء مبدأ المواطنة..... مثال ذلك يتجلّى في الكنيسة القبطية في مصر، أو في الكيان السّلفي، أو حتى حركة الإخوان التي لم يصدر عنها توضيحات أكيدة حول موقفها من مبدأ المواطنية، ونظرتها لمسألة المساواة بين الجميع في وطنهم بغضّ النظر عن اختلافهم الدّيني والعقائدي..... ولدى أسباب للاعتقاد أنّ المجال بعد الثورة مفتوح لكي يطوّر الإخوان الفكر الذي تمّ نشره في سلسلة "بيان للناس" في تسعينات القرن الماضي إلى فكر مواطني حقيقي، سواء كانت المواطنة هنا تمسّ المرأة أو غير المسلمين أو العلمانيين أو غيرهم..... إن استكمال فكرة المواطنة المدنيّة والسياسية والاجتماعية المتساوية هي التي سوف تطرح نفسها بعد الثّورة!!..

مما لاشك فيه ان ملف او جرح الاقباط ملفّ حقيقي وليس نتاج تآمر أجنبي أو تحريض إسلامي، ولا هو محض نتاج انعزالية تتبعها المؤسّسة الكنسية، وأن معالجته هي شرط لمواجهة كافة العوامل الأخرى التي تستغلّه فتزيده حدّةً... وهذا يعني أيضا أن أيّ نظام ديمقراطي مقبل في مصر لا يمكنه الاكتفاء بالتّشديد على "تآخي الطوائف"، وسوف يكون عليه أن يعالج قضايا عينيّة...... ولكن لا يمكن وضع كافة القضايا المزمنة دفعة واحدة... كما يتّضح جليًّا وجود جرح قبطي مفتوح في قلب مصر يحتاج إلى معالجة..... وأيّ معالجة جدية للموضوع تبدأ بوجود النيّة لذلك، إذ لا يكفي الادّعاء.... وهذه النية لم تتوفّر لدى النظام المصري السابق ولا الحالى ، وربما توفّر لديهما عكسها تماما....ولكن أيّ نظام جديد في مصر تتوفّر لديه النية لذلك يجب أن يعترف بوجود الجرح او الازمة.... وهو مركب من قضايا ذات علاقة بهوية الدولة، والتعامل مع الأقباط كأقلية يمارس معها التسامح... هنا مكمن الخطر، فالأقباط ليسوا في حاجة إلى تسامح، وهم لا يمثّلون رأيا مختلفا يمكن التعامل معه بمقاربة تعدّدية تسامحية.... إنهم مواطنون أصيلون لا يحتملون من حيث وعيهم بذاتهم أيّ نوع من التمييز.... ومن هنا فإنّ المفتاح للتعامل مع هذا الملفّ هو المواطنة المتساوية....الديمقراطية هي الإطار الملائم لمثل هذه المقاربة... ولكن عدم معالجة القضية الطائفية، بتخفيف تأثير فهم معيّن للدّين في الدولة، قد يحوّل الديمقراطية إلى إطار لتفاقم القضية بسبب القدرة غير المتاحة سابقا للتّعبير عنها... ومن هنا تلحّ ضرورة معالجة هذا الملف...ولكن رغم هذا النقد، فإن الدولة ونظام الحكم تحديدا هو من يتحمل المسؤولية الأساسية عن وضع الأقباط... ولا بد من بحث مسؤولية نظام الحكم في مصر، وفشله في بناء المواطنة المصرية المتساوية والمتكاملة في إطار الانتماء العربي وفي فضاء الحضارة الإسلامية، وفي ترسيخ عمومية مبادئ العدالة والمساواة أمام القانون، وفي إيجاد صيغ تحقّق التكامل الوطني من خلال ضمان الحقوق والواجبات لكل المواطنين دون تمييز على أساس ديني أو عرقي....


حمدى السعيد سالم



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من النهضة ان يختار مرسى محافظا بلطجيا لوزارة التنمية المح ...
- لن ابيع حبى !!!
- طبيعة العلاقات المصرية الاسرائيلية بعد الثورة
- عيون حبيبتى القاتلات !!!
- مرسى اصبح رئيسا برشوة امريكية وخلفيتة الاخوانية ستدمر مصر
- الى اسماعيل هنية :إذا كان الدين يقيم دولاً فأين هي دولة الخض ...
- من عينيك لامنجى ولا ملجأ
- الى زينب الغزالى والاخوان : الرسول لايزور الكذبة وعملاء الام ...
- اسرائيل تتجسس على رئيس مصر الجديد
- لم تعودى حبيبتى مالكة القلب
- المرأة لاتحتاج لمسرح لتعرف معنى العذاب فالحياة منحتها فرصا ل ...
- ارجو ان تفهمينى
- متى يتم انصاف ضحايا التعذيب فى مصر؟!
- هكذا تصنعون يا سدنة معبد تقديس الرئيس طواغيتكم وفراعينكم
- الى لميس عمر عفيفى : والدك لايقدر بثمن ولن يكرره الزمن
- محمد الماغوط طالب العذاب وشاعر الرثاء الكونى ورسول الحزن
- حلف مرسى أمام المحكمة الدستورية يعد اعترافا صريحا بالإعلان ا ...
- لا أمل فى صحافة جيدة الا اذا انفتح الباب لصحافة حقيقية
- جماعة الاخوان السلقلقية وزواج المتعة مع ايران
- لقد اتفق المجلس العسكرى مع جماعة الاخوان ضد مصر الثورة


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - اقباط مصر لهم ما لنا وعليهم ما علينا