أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - موت أمريكي عاق














المزيد.....

موت أمريكي عاق


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1110 - 2005 / 2 / 15 - 11:28
المحور: الادب والفن
    


رحيل آرثر ميللر (1915 ـ 2005) ليس مناسبة لامتداح كاتب مسرحي أمريكي كبير فحسب، بل هي بالقدر ذاته برهة استذكار واحد من أعظم ضمائر أمريكا المعاصرة، ممّن خضعوا ذات يوم لتنكيل وترهيب وتأثيم على يد المؤسسات ذاتها التي تفاخر بصناعة وإدامة واستدامة "الحلم الأمريكي" الشهير. إنها، أيضاً، برهة طَلَلية تستوجبها أية وقفة موضوعية أمام مآلات ذلك الحلم، على أنقاض ما تبقى منه في عبارة أخرى.
ففي عام 1947 انضمّ ميللر إلى لائحة الـ 320 من العاملين في مختلف اختصاصات صناعة التسلية ، حسب التعبير الذي يفرده القاموس الأمريكي لأعمال المسرح والسينما والغناء والأوبرا وسواها من الفنون، والذين مُنعوا من العمل في هذه الصناعة بقرار من لجنة النشاطات المعادية لأمريكا . وبالطبع، كانت أعمال هذه اللجنة قد دشّنت فجر الـ "مكارثية" بوصفها أسوأ استبداد ثقافي وفكري عرفته أمريكا علي امتداد تاريخها، أو... حتى تثبت السنوات القليلة القادمة أنّ الـ "نيو ـ مكارثية" التي يبشّر بها المحافظون الجدد اليوم لن تكون أقلّ شراسة! وكانت اللجنة قد بدأت عهدها باستجواب ما عُرف بعدئذ باسم "عَشْرة هوليوود" ممّن رفضوا التعاون مع اللجنة، فصدرت بحقّهم أحكام بالسجن.
إلي جانب ميللر توفّرت أسماء عدد كبير من خيرة كتّاب وفنّاني الولايات المتحدة آنذاك: ريشارد رايت، جوزيف لوزي، بول روبسون، ليليان هيلمان، داشيل هاميت، كليفورد أوديتس، لويس أنترمير، وسواهم. وذنب هؤلاء كان مزدوجاً: أنهم ينتمون بهذا الشكل أو ذاك إلى تيّارات اليسار، ويُشتبه تالياً بانتمائهم إلى الحزب الشيوعي؛ وأنهم رفضوا ممارسة الدسيسة على زملائهم والإدلاء بمعلومات عنهم إلى اللجنة. وفي كتاب السيرة الذاتية الذي أصدره سنة 1987 بعنوان "علي مرّ الأيام: حياة"، يروي ميللر تفاصيل مثيرة عن تلك الحقبة، لعلّ أشدّها تأثيراً في النفس ليس صموده هو أمام اللجنة، بل انهيار صديقه المخرج المسرحي والسينمائي الكبير إيليا كازان.
وكان كازان قد أطلق أوّل أمجاد ميللر حين أخرج "كلّهم أبنائي" في العام ذاته، 1947، وأتبعها بإخراج "موت بائع جوّال"، ثمّ مسرحية تنيسي وليامز الأشهر "عربة اسمها اللذة". وميللر، على نحو يمزج بين التعاطف مع الرجل والسخط الشديد على مؤسسة الكونغرس، يصف وقوع كازان في حيرة بين مواصلة مساره الفنّي والاعتراف على زملائه، أو التزام الصمت والاعتكاف بعيداً عن هوليود: "أصابني فزع شديد وأنا أصغي إليه. كان ثمة منطق قاتم في ما كان يقوله: إذا لم تُبرّأ صفحته فإنه لن يأمل أبداً، وهو في ذروة طاقاته الإبداعية، في إنجاز فيلم آخر في أمريكا، والأرجح أنه لن يُمنح جواز سفر للعمل في الخارج".
وفي فقرة أخرى يكتب ميللر: "لم يكن في وسعي سوى أن أقول إنه لا يمكن السكوت على ما يجري، ويجب أن تُطوى هذه الصفحة لأنّ استمرارها بلا إعاقة أو مقاومة سوف يلتهم الصمغ الذي يُبقي هذه البلاد متّحدة". ويضيف إنّ "الحُمْر"، ويقصد الشيوعيين حسب تعبير ذلك الزمان، "ليسوا هم الذين يصنعون مخاوفنا الآن، بل هو الجانب الآخر، وهذا لا يمكن أن يستمرّ طويلاً وإلا فإنه سوف يتلف عصب الأمّة، وعندها لن يفيد الندم. ولكني أخذت أميل إلى السكينة وأنا أفكّر بحجم التضحية التي كان كازان سيواجهها لو عرف أنني حضرت اجتماعات كتّاب الحزب الشيوعي قبل سنوات، وألقيت كلمة في أحدها"!
والحال أنّ لجنة الكونغرس تلك شُكّلت للتحقيق في النشاطات المعادية لأمريكا في صفّ اليسار وصفّ اليمين على حدّ سواء، ولكنها انتهت إلى استثناء الصفّ الأخير تماماً ونهائياً واقتصرت محاكم التفتيش على أهل اليسار وحدهم. كان مطلوباً من اللجنة أن تحقق مع المنظمة العنصرية الشهيرة "كو كلوكس كلان"، لكنّ رئيس اللجنة نفسه، مارتن دايز، كان صديقاً مقرّباً من المنظمة ومتعاطفاً معها وخطيباً في اجتماعاتها! عضو اللجنة جون رانكين اعتبر أنّ هذه المنظمة "مؤسسة أمريكية عريقة في نهاية الأمر"، وهذا ما أكدته زعامة المنظمة حين أبرقت إلى اللجنة مهنّئة: "كلّ أمريكي أصيل، وهذا يشمل أعضاء منظمتنا، يقف وراءكم ويساند لجنتكم في جهودها لإعادة البلاد إلى صاحبها الوحيد: الأمريكي الطيّب، الشريف، المحبّ للحرّية، والتقيّ الذي يخشي الله"!
لكنّ الوقائع اللاحقة أثبتت أنّ أمثال آرثر ميللر ينتمون إلى صفّ الأمريكي "العاقّ" وليس ذاك "الطيّب" الذي يحقّ له امتلاك أمريكا حسب تصنيف الـ "كو كلوكس كلان": ليس في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين فحسب، بل في سنوات العقد الأوّل من هذا القرن الراهن أيضاً. ألم يجاهر ميللر بمقته الشديد لكلّ ما يبشّر به جورج بوش من فتوحات في سبيل الخير، وحروب صليبية ضدّ الشرّ؟ ألم يصرّح، في حوار شهير مع أسبوعية "إكسبريس" الفرنسية، أنّ "هذه الإدارة تقود الولايات المتحدة من مصيبة إلى أخرى"، و"تلقي القبض على الناس في الشوارع، لا لشيء إلا بسبب أنّ وجوههم تدلّ علي انتمائهم إلى جنس معيّن"، و"تريد تحويل الأمريكيين إلى مباحث"؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شجرة فقراء الله
- فرانكنشتاين الكويت الذي ينقلب اليوم على خالقه
- قصيدة محمود قرني: غوص بالمعنى إلى قيعان الحسّ المحض
- شهادة القطرس
- سؤال الهولوكوست: مَن سيكون في غُرَف الغاز القادمة؟
- الجحيم الموعود
- بوش بين السلام الأمريكي والخلافة الجديدة
- الفولاذ أم الذاكرة؟
- محمود عباس الرئيس: أيّ فارق... أفضل؟
- أبو عنتر الشعلان
- تسونامي، أو حين يتسربل جورج بوش بأردية الأم تيريزا
- إنهم يسرقون التاريخ
- لبنانيون حماة الديار السورية
- سورية في 2005: هل سيكون الآتي أدهى من الذي تأخّر؟
- مكاييل الحرّية
- تركيا في ناظر دمشق: بؤرة الكوابيس أم النافذة على العالم؟
- خزعة من قامة ممدوح عدوان
- العلمانية والشجرة
- أشبه بمزامير تُتلى في واد غير ذي زرع
- ترجمة محمود درويش إلى... العربية


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - موت أمريكي عاق