أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى (2/5)















المزيد.....

الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى (2/5)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3787 - 2012 / 7 / 13 - 16:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإنسان والواقع ... لقاءنا اليوم مع أول فصول "ملحمة التفسير والتغيير"، أو قصة محاولة الإنسان التى لاتتوقف لفهم العالم ولمحاولة تطويعه وتغييره لصالحه. إنه الفصل الذى سيتعرض لـ "منظومة الفكر الأسطورى (الخرافى أو الغيبى)" التى إستخدمها الإنسان لإدارة شئونه. وهو أطول فصول الملحمة إذ كانت بدايته مع ظهور "الإنسان العاقل" Homo Sapiens منذ حوالى 200000 سنة وكانت نهايته فى أواخر القرن السابع عشر. ولقد شهد هذا الفصل مرحلتين من مراحل تطور المجتمع البشرى. المرحلة الأولى هى مرحلة مجتمع "حضارة ما قبل الزراعة" التى وجدت منذ حوالى 60000 سنة وإعتمد فيها الإنسان على الصيد أو إلتقاط الثمار. أما المرحلة الثانية فهى مرحلة مجتمع "حضارة الزراعة" التى وجدت منذ حوالى 12000 سنة وإعتمد فيها الإنسان على ما يزرعه من نباتات وما يستأنسه من حيوانات (السيد, 2006).

فى البدء كانت الأسطورة (مجتمع "حضارة ما قبل الزراعة")
وجد إنسان مرحلة مجتمع "حضارة ما قبل الزراعة" نفسه فى بيئة طبيعية تغمره بمعطياتها الحسية فتثير فى نفسه الخوف بتقلباتها المباغتة وتبعث فيها الإندهاش بإنتظاماتها المطردة بدءا من تتالى الليل والنهار وتعاقب فصول السنة وإنتهاءا بالحركة الدورية لأجرام السماء. ولكنه، إزاء هذا المزيج الرائع من الفوضى والإنتظام، المباغتة والإطراد، لم يقف ساكنا ولم يكتفى بردود الفعل التلقائية كبقية الكائنات الحية فرأيناه يسعى جاهدا للكشف عن الإنتظام فيما يتبدى له من فوضى ليتقى شر المفاجآت، ورأيناه وهو يحاول تفسير الإنتظام الظاهر ليوظفه فى قضاء الحاجات. ولم يكن أمامه لتفسير ما يدور حوله إلا أن يستخدم "خياله" لينشئ "الأسطورة". والأسطورة ليست إلا بنية درامية أبطالها شخوص غامضة وكائنات علوية يأخذ كل منها على عاتقه تمثيل إحدى ظواهر الطبيعة ويقوم بلعب دورها وتنعكس أحواله المزاجية على أحوالها، بنية درامية تعكس أحداثها وقائع العالم ومجريات الأمور فيه. ويعرف علماء الأنثروبولوجى الأسطورة بأنها "حكاية" غير معروفة المصدر، غالبا ماتكون مقدسة، تدور حول مايعتقده الإنسان بخصوص ظاهرة طبيعية أو إجتماعية ما. ولعل أهم مبدأ ترتكز عليه الأسطورة "هو المبدأ الذى يعرف باسم "حيوية الطبيعة" Animism والمقصود بهذا المبدأ هو أن التفكير الأسطورى يقوم أساسا على صبغ الظواهر الطبيعية "غير الحية" بصبغة الحياة بحيث تسلك هذه الظواهر كما لو كانت كائنات حية تحس وتنفعل وتتعاطف أو تتنافر مع الإنسان" (زكريا, 1978) ص. 49. وهكذا إعتمدت الأسطورة إعتمادا كليا على خيال الإنسان وإرتبطت بكل من بيئتيه الطبيعية والإجتماعية وعبرت عن نفسها عبر مجموعة من "الحكايات الرمزية (أو المجازية)" Allegory.

ولقد ظلت "الأسطورة"، بكافة أشكالها، وعلى مدى عشرات الآلاف من السنين المصدر الرئيسى، مالم يكن الوحيد، لرؤية الإنسان الكلية، بكافة مكوناتها االست (نماذج الماضى والحاضر والمستقبل والقيم ونظريتى الأفعال والمعرفة)، للعالم الذى يعيش فيه طبيعيا كان أو إجتماعيا (Barbour, 1974). فلقد قدمت الأسطورة للإنسان تصورا سهل الفهم والإستيعاب لكيفية نشأة الكون الذى يعيش فيه ولطبيعة الموجودات والعلاقات التى تربطها سويا (نموذجى الماضى والحاضر). ولم تكتفى الأسطورة بذلك بل بينت له كيف تؤثر هذه الموجودات على حياته سلبا أو إيجابا (نموذج المستقبل). كما إشتملت الأسطورة على توجيهات، صريحة أو ضمنية، للإنسان لما ينبغى علبه فعله تجاه ما يلاقيه فى حياته من مواقف أو مشاكل (نموذج القيم ونظرية الأفعال). إلا أنها فى نهاية المطاف عجزت عن تقديم وسيلة تمكن الإنسان من التحقق من صدق تصوراته عن الواقع الذى يعيش فيه (نظرية المعرفة).

وهكذا أصبح لكل أمة أساطيرها التى تعكس رؤيتها الكلية للواقع المحسوس فتعددت الرؤى بقدر تعدد الثقافات وتباينت طرق النظر لأحوال الطبيعة بقدر تباين الشعوب. ومضت مئات القرون من تاريخ الإنسان كانت فيها الأسطورة هى أهم أدواته الذهنية لفهم الطبيعة والكشف عن أسرارها والسيطرة عليها. ولم تمضى هذه القرون عبثا فقد تعلم الإنسان خلالها فن الملاحظة، وتدرب على دقة القياس، وتعود ذهنه على التفكير المجرد الذى يتعالى على وقائع العالم المحسوس.


وعلى الرغم من أنه لايمكن الحصر الدقيق لعدد الأساطير التى أنتجتها المجتمعات الإنسانية عبر تاريخ تطورها الطويل إلا أنه يمكن تصنيفها، طبقا لموضوعها، إلى تسعة أنواع رئيسية هى (Dyssel, 2007):
1. "الأساطير الإلهية" Theogonic التى تقص على الإنسان أصل الآلهة وعلاقة بعضها بالبعض الآخر.
2. "أساطير الخلق" Cosmogonic التى تفسر للإنسان كيفية ظهور الكون بهيئته المرتبة من الفوضى واللاإنتظام.
3. "الأساطير الكونية" Cosmological التى تقدم للإنسان تفسيرا لأحوال الكون المتغيرة كحركة الكواكب والنجوم وتعاقب الليل والنهار وتغير الفصول.
4. "الأساطير الأنثروبولوجية" Anthropological التى تخبر الإنسان عن كيفية خلقه وعن علاقته بالآلهة.
5. "الأساطيرالسلفية" Ancestral التى تصف للإنسان نشأة أسلافه، أمما كانوا أو شعوبا أو قبائل.
6. "الأساطيرالعقائدية" Cult التى تخبر الإنسان عن أصل الطقوس والإحتفالات الدينية والأماكن المقدسة.
7. "الأساطيراللاهوتية" Soteriological التى تخبر الإنسان عن الطرق التى تستخدمها الآلهة فى التدخل فى حياة البشر كالوحى وخلافه.
8. "الأساطيرالأخروية" Eschatological التى تخبر الإنسان عن مصيره بعد أن يموت فتقص عليه أخبار العالم الآخر وتجكى له عن البعث والحساب والجنة والنار.
9. "أساطير النهاية" Doomsday التى تصف للإنسان نهاية العالم وعلامات الساعة.


ثم كان الدين (مجتمع "حضارة الزراعة")
ويكتشف الإنسان الزراعة ويتعلم إستئناس الحيوان فيتخلى عن الترحال ويبدأ فى الإستقرار والتوطن فى مكان محدد. ويجتذب هذا المكان إليه من أرهقه التجوال بحثا عن فريسة أو سعيا لإلتقاط الثمار. ويتزايد عدد سكان المكان وتتزايد حاجتهم لشيئ ما يعزز من ترابطهم الإجتماعى فكان الدين. وعلى الرغم من الصعوبة الشديدة فى إيجاد تعريف عام لمفهوم الدين إلا أن التعريف الذى قدمه دانيل دنيت Daniel Dennett، أستاذ الفلسفة بجامعة توفتس Tufts الأمريكية، يعتبر مناسبا لموضوع هذا المقال. وطبقا لـ دنيت يعتبر الدين "منظومة إجتماعية يؤمن المنتمين إليها بوجود قوة، أو قوى، فوق طبيعية عليهم الإلتزام بما تمليه عليهم" (Dennett, 2006) ص. 9). وفى العادة تتمثل إملاءات هذه القوة على هيئة نصوص أو أقوال يضفى عليها أصحاب الديانة صفة القداسة ويؤمنون بصحتها إيمانا مطلقا لايقبل النقاش. وتتضمن هذه النصوص ردودا على كافة الأسئلة التى تحير الإنسان ولايجد إجابة لها وتقدم له توجيهات وأوامر صارمة لما ينبغى عليه القيام به من أفعال. وبالطبع لايخلو دين من بعد أسطورى تجد فيه العديد من التصورات التى جاءت فى الأساطير التى أنتجتها مخيلة الإنسان فى مرحلة طفولته المعرفية (Dobson, 2005). وأولى هذه التصورات هو عن مسرح أحداث عملية الخلق وظهور الحياة والذى تكاد تجمع عليه هذه الأساطير. إنه مستنقع المياه الأولى الذى لاشكل له ولاتمييز فيه بين ظلمة ونور أو أرض وسماء. وكانت البداية بظهور الإله الذى كان ظهوره بمثابة التمييز بين الظلمة والنور. وهو الإله الذى أدى تدخله المباشر إلى الفصل بين الأرض والسماء. أما التصور الثانى فهو قدرة الإله الخالق على أن يقول للشيئ كن فيكون. أما التصور الثالث فهو عن مادة خلق الإنسان وهى الطمى أو الطين.

المراجع
Barbour, I. G. 1974. Myths, Models, and Paradigms: A Comparative Study in Science and Religion. New York: Harper & Row.
Dennett, D. 2006. Breaking the Spell: Religion as a Natural Phenomenon. New York: Penguin Books.
Dobson, G. 2005. A Chaos of Delight: Science, Religion and Myth and the Shaping of Western Thought. London: Equinox Publishing Ltd.
Dyssel, A. 2007. Reading the Creation Narrative in Genesis 1-2:4a Against its Ancient Near Eastern Background. Unpublished Master of Philosophy, University of Stellenbosch, Stellenbosch, South Africa.
السيد, ا. ن. 2006. التنوير الغائب القاهرة: دار العين للنشر.
زكريا, ف. 1978. التفكير العلمى: الكويت.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفاتحة (1/5)
- الخيار المر ومسئولية الإختيار
- بيت المرايا ودنيا المغالطات
- زمار هاملين وروعة التدليس
- العلمانية والسيبرنيطيقا
- العَلمانية كثقافة
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام
- ثقافة النص ومآساة دوماستان
- لماذا أنا عَلمانى؟


المزيد.....




- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى (2/5)