أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - أمكنة ناطقة ( 5 ) : تبارين.. أو معوزفة السنونو














المزيد.....

أمكنة ناطقة ( 5 ) : تبارين.. أو معوزفة السنونو


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 3777 - 2012 / 7 / 3 - 20:24
المحور: سيرة ذاتية
    


اسمي ( العراق ). لكن لا علاقة لي بالبلد العربي الشقيق و العزيز: " العراق ". المكان الذي تطفلت عليه هذه المرة، لأتحدث من خلاله إلى القارئ عن نفسي و أحوالي. المهم، أنني لست ابن مكان اسمه ( العراق )، و لا ابن مكان اسمه ( تبارين ). لا أعرف من أين جاء أبي إلى هذا المكان. و لا كيف التصقت بشخصي كلمة ( العراق ). لكنني أذكر جيدا أن جدتي حين كانت تأتي من البادية، حيث مسقط رأسها، و رأس جدي، كانت تتحدث إلينا، نحن أبناء أبي العشرة، كثيرا عن مكان اسمه ( إمنتاكن ). و هو مكان عرفت فيما بعد، أنه جبلي الطابع و الطبيعة. جميل و ساحر المناظر .. و ينتمي إلى الجغرافيا السوسية البهية. أنا إذن أمنتاكي الأصل.
حين فتحت عيني في ( تبارين )، وجدت أمامي صبّار ( الدشيرة ) يحيط بها من كل جانب. صبّار يظل على طول السنة نباتا أخضرا، حتى بعد تحريره من حبات ثماره الحمراء الشهية.. وقت الصيف الحار. لم تكن ( الدشيرة ) بالكامل في الربعينيات من القرن العشرين، سوى حقول زراعية شاسعة، و مداشر قروية مفرقة إلى حد ما. ربما من صورتها البدوية تلك سميت ب( الدشيرة ). الاسم الذي هو تعبير دال و مصغر ل " مدشر "، مع الحذف الملاحظ الذي لحق الأصل ( حذف الميم )، و زيادة ( ياء ) التصغير. على أي، يبقى هذا الرأي المجتهد من أفكار تخميناتي الخاصة، عندما أجلس لوحدي، أفكر في أمر الأمكنة الحالية.. و في أمر الأزمنة السابقة و القادمة.. و في الدنيا و العالم من حولي، لا ألزم بها أحدا. فهي مني و إليّ. و من اقتنع بها فتلك حسنة.. و غاية هذا البوح المكتوب. فتأليف حرف نافع، أخلد من بناء " عمارة " معرضة لتقلبات الزمن. لكن لماذا أهرام مصر لا تزال باقية خالدة؟
كنت أجلس على مكان أرضيّ مرتفع.. في كل مساء. خارج الدار. كان وقت المساء من أجمل أوقات ( تبارين ) المطلة على ملعب ( البرازيل ). أتأمل السماء الممتدة.. عبر أفق زرقة اللامحدود قدامي. هناك وراء جبل ( أكادير أفلاّ ). حيث يبدأ الأفق الأزرق في معانقة سقوطه الجديد و المختلف.. بدون شك وراء مياه البحر الممتلئة.. و المنبسطة إلى ما لا نهاية.. بين الفينة و الأخرى، كانت طيور السنونو السوداء، و الموشحة بشيء من البياض في رقبتها، تخترق فضاء السماء طولا و عرضا. و أحيانا تبدو لي كالسهام، و كأنها ماضية بأسرابها العديدة، في رسم و تشكيل لوحة فنية هوائية، بحركاتها السريعة و المتداخلة الخطوط و الدوائر و المثلثات.. غريب أمر هذا الطائر العجيب. يبدو لي في كثير من الأحيان، و كأنه طائر مجنون يبحث عن شيء اسمه المستحيل. يطير محلقا موازاة بكثير من الدقة، مع أرضية الساحة الطويلة و العريضة أمامي. لكن مع الغروب النهائي للشمس، و اندلاع شعلة الليل الأولى، يختفي آخر طيور السنونو. لتبقى ( تبارين ) و ( الدشيرة ) متروكة لسواد الليل البهيم.. بين فكي الفراغ القاتل.. و الصمت الذي يكاد يلمس بالأيدي. و يليه بعد حين نباح الكلاب الضالة. ثم عواء الذئاب القادم من أمكنة بعيدة.. من ناحية ( تَغْزوتْ ).. و ( تِكْرارْ ).. ( الدشيرة ) لم تكن فيها أضواءُ اليوم. كانت الشموع و المصابيح اليدوية هي سيدة الميدان و الاستخدام. جميع السكان يضيئون بالشمع، الذي يستعمل أيضا عند حمله لزيارة ضريح، أو صديق أو جار في بعض المناسبات التي يحتفل بها في المنطقة. إن مادة الشمع - نظرا لنفعيتها و دورها في حياة الناس- كان له شأن عظيم. إنه بمثابة مادة الحجر بالنسبة للفراعنة في زمن بناء الأهرام قديما. ها قد بدأت أتفلسف. أعذرني عزيزي القارئ. الأطفال هنا يلقبونني ب( العراق )، لأنني أتحدث معهم.. و إليهم حديثا حرا لطيفا.. كما أريده أن يكون. كلما مررت من زقاق، و خاطبني طفل أو صبي بكلام فيه سؤال، في الغالب، كنت أجيبه بسرعة، بسؤال كلام موجز فيه الكثير من الإفادة و الحكمة البليغة. هم يعتقدون أنني حكيم.. و ينعتونني بالفيلسوف. لكنني لست هذا و لا ذاك. أنا فقط إنسان رافض لكل ما هو سائد و ثابت.. ربما أتميز عن باقي الناس من حولي بجلوسي الطويل المنعزل عن العالم و الناس. كذلك، عندما كنت طفلا مثلهم.. ثم صبيا فيما بعد.. كنت مولعا بالرعي في المراعي الجبلية.. و فجاج الوديان العميقة.. و براري التلال و الهضاب البعيدة.. لم أكن أفارق كلبي "الحُوسْ" و نايي الذي هو بمثابة كل شيء عندي. أما قطيع الغنم المكون من أكثر من أربعين رأس، فكان يتابعني بعينيه الدامعتين متابعة مدهشة.. و أنا أعزف بالناي تحت شجرتي الأركانية الظليلة.. و كأنه جمهوري البشري، و ليس بقطيع غنم. إن الحياة تعلّم الإنسان، أكثر مما يعلمه هو للآخرين. لكن هيهات.. نعتقد متكبرين أننا أسياد العالم.. و نعطي أكثر مما نأخذ. في حين العكس هو الصحيح. نأخذ أكثر مما نعطي من الحياة. فكل يوم نتعلم من الطبيعة بقدر استطاعتنا فقط. يعني أن هناك أشياء كثيرة، يمكن أن يتعرف عليها الإنسان و يكتشفها مستقبلا.. إذا أراد طبعا. و إلا سيظل يكرر نفسه.. و متخلفا حتى عما تشهده الطبيعة و الوجود من تغير و تطور و تجدد و تحول.. من حوله..



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة و الابداع : البعد الفلسفي في الكلمة الغنائية لمجموعة ...
- عودة إلى أزمة المؤسسة التعليمية المغربية و رهان التغيير..
- الفلسفة و الدولة
- الصراع السياسي الحزبي تحول في البرلمان المغربي إلى ملاكمة سي ...
- الفلسفة باعتبارها سيرة الفيلسوف
- مفهوم إرادة القوة في فلسفة نيتشه
- أمكنة ناطقة ( 4 ) : إمزيلن
- قراءة في كتاب : ( الفلسفة أداة للحوار ) لعبد السلام بنعبد ال ...
- الأسد الذي لا يحب أن يأكل سوى les bananes
- قصة قصيرة : القمر الفضّي ( 2 )
- قصة قصيرة : القمر الفضي
- أمكنة ناطقة ( 3 ) : جوطيا إنزكان
- نقد مبدأ الحرية في التصور الفلسفي عند سبينوزا
- سؤال القيم في الكتابة الفلسفية عند نيتشه
- ما مصير الحوار الإجتماعي المغربي راهنا، في ظل رفض القوى المح ...
- أمكنة ناطقة : فعل الكتابة و الصيرورة
- جدلية الثابت و المتغير في التفكير الفلسفي
- إشكالية أزمة التعليم المغربي و المراهنة على تكريس الخطاب على ...
- قصة قصيرة : مندوب وزارة الصحة
- الفكر التربوي عند عبد الرحمن بن خلدون


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - أمكنة ناطقة ( 5 ) : تبارين.. أو معوزفة السنونو