أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - أمكنة ناطقة ( 4 ) : إمزيلن















المزيد.....

أمكنة ناطقة ( 4 ) : إمزيلن


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 3757 - 2012 / 6 / 13 - 08:38
المحور: سيرة ذاتية
    


1- إمزيلن. جمع كلمة "أمزيل". تعني بالأمازيغية صانع – كنا نسميها- أحذية الخيل و الأحصنة. أعني صفائح حديدية توضع تحت حوافرها. فكانت بذلك مثلها مثل "الحذاء" بالنسبة إلينا نحن الآدميين. فكان الرجل الضخم الهيئة، الصلب الجسد الذي يقوم بذلك العمل النبيل.. نسميه "أمزيل". فلقب بذلك الاسم. و لم يعد يعرف إلا به بعد ذلك. لكن يبدو أن الدوار بالكامل كان يضم صانعي هذه الأشياء. لهذا سمي بإمزيلن. فنحن كصبيان في بداية السبعينيات. لم نجد في حومتنا سوى أمزيل واحد. حتى اسمه الآن لم أعد أذكره. لكني أذكر أنه كان خبيرا في تلك الصنعة. أي ذلك العلم و الخبرة بتعبير بن خلدون. يعمل دون توقف. شرارة ناره لا تزال مشتعلة في ذهني. تلك التي يجعل بها الشيء الحديدي، بين قضبان على شكل أصابع، أحمرا ملتهبا. ثم يحوله بسهولة كبيرة كيفما أراد، حتى يتخذ الشكل الذي يرغب فيه هو. حي إمزيلن. أو دوار إمزيلن. كان "أمزيل" هو بطلها الحقيقي. تقصده جميع خيول المنطقة. أقصد كل من يملك خيلا أو حصانا أو دابة. بل أكاد أقول أنه كان قبلة حتى الفرسان البعيدين على منطقتنا. مثل الجبال الواقعة شمال الدشيرة. كإمسكين. المكان الجبلي الذي نعرفه بفحمه الخشبي. المتميز بجودة مادته العالية. يعرف بفحم شجر الأرغان. و لهذا الفحم حكاية أخرى طريفة. مع بوغابا.

2- يخرج "أمزيل" من بيته صباحا. مع شروق الشمس. أي أنه في الغالب لا يستيقظ باكرا. كباقي سكان و دكان سي لحسن فانا. هو يعرف جيدا أنه سيجدهم ينتظرونه بالقرب من باب منزله و محله. لهذا يتأخر في فتح البابين الخشبيين الأخضرين. كل منهم و حصانه إلى جانبه. و كل منهم من أية جهة قدم. و إلى أية قبيلة ينتمي. نتحدث هنا عن زمن كان فيه للدابة و الخيول و الأحصنة شأن عظيم. تستعمل كوسيلة وحيدة في التنقل. و أحيانا تستخدم للانتقال و السفر من مدينة إلى مدينة. في رحلة شاقة و مثيرة. لا ينفع معها سوى فرس قوي. لكن قوته لن تكتمل إلا بحوافر قوية تقيها "أحذية" صلبة فلاذية الصنع. و كل "أحذية" الدنيا مرفوضة في حالة تواجد "أحذية" أمزيل. أعني صفائح إمزيلن.
لا يكاد ينتهي "أمزيل" من فتح باب محله الواسع و الكبير. حتى يأتي الجمع كله مسلما و مهنئا. رجال و شباب. أما دوابهم فقد تم ربطها بأعمدة الكهرباء الخشبية الفردية و المزدوجة هنا و هناك. مع جعلها تنشغل بأكل التبن المشتت على الأرض. كل دابة تنهش برأسها داخل التبن الموجود تحت فمها. يسلم عليهم "أمزيل" بكل تواضع. الواحد تلو الآخر. و أحيانا بشد اليد بحرارة. و حينا آخر بالسؤال عن بعض أفراد القبيلة أو العائلة. إنه يعرف زبناءه حتى بأسمائهم. لكن كل واحد منهم كان يعرف متى وصل عند باب سي "أمزيل". و بالتالي فمسألة احترام الترتيب أثناء الاستفادة من خدمة صاحبنا أمر مهم. أمر فهم قواعد اللعبة مقدس بالنسبة لهم.

3- الكل يعرف "أمزيل" كما يعرف ملابسه. الرجال و الشيوخ الذين كانوا كثرا. و الأطفال و الصبيان. حتى النساء و الفتيات و الجدّات يعرفن "أمزيل". الدليل على مدى الاعتبار الكبير، الذي يتمتع به سي "أمزيل" هو حين ( يهبط ) إلى السوق الأسبوعي من أجل التسوق. نقول عن قدوم "أمزيل" إلى السوق مستعملين لفظة "يهبط"، لأنه يسكن في مكان مرتفع من مكان إقامتنا نحن. و هو من أحسن زوايا مكان إمزيلن. جميع من في السوق كان يرحب به ترحيبا و يحييه. الكثير من الناس يتشبثون بالمكوث معهم. حتى يشرب معهم كأس شاي منعنع. و سي "أمزيل" الذي غالبا ما يكون حكيما في تصرفه، كان يستجيب لدعواتهم في الحين. و دون تردد. إنهم زبناءه. لهذا يجب أن يبدو عليه التواضع تجاههم. و من تم فكثيرا ما نجده داخل خيمة من خيم السوق على حصير خزفي، يتغذى مع ابنه حسن حول مائدة خشبية موضوع في وسطها "طاجين المعزي" المخضّر. و هو أجود ما يقدم للضيف عندهم.

4- لا يمكن أن نتحدث عن إمزيلن دون ذكر لعبة "الفانطازيا". و تعني بالأمازيغية السوسية "أماوال". فروسية تلعب بالبارود المعروفة في بلدتنا. بل في منطقة الدشيرة ككل. هي لعبة تتم بالخيول. عبارة عن سباق ينظم في بعض الاحتفالات الموسمية. سباق بين الفرسان في أرضية أو ساحة واسعة. يتم في هذا السباق إطلاق نار البنادق عند محطة الوصول. بعد السباق طبعا. ليس السباق هو المهم هنا. و لكن تلك الأهازيج المرافقة لها. و سرعة حوافر الخيول. و نثار الغبار وراءها. و الفرسان فوق صهواتها في حركاتهم الملفتة. و بين أيديهم الخفيفة تتحرك بنادق البارود. تلك التي تخرج في نهاية العملية دوالي أدخنة من فوهاتها الموجهة نحو السماء.. و كل هذا يجري أمام أعين مختلف المتفرجين. من أعيان القبيلة و الناس و عابري السبيل.. و كل من يعشق لعبة "الفانطازيا". يقف المرء مشدودا إليها و مندهشا أمام لوحاتها البهية و البارعة. من هنا لا بد أن ينظر إلى رجل كسي "أمزيل" ليس بنفس المنظور الذي ينظر به إلى باقي مواطني سكان المنطقة. فلا يعقل مثلا المقارنة بين الفلاح "جامع" و الصانع الخبير سي "أمزيل". الذي إن حدث أن ذكرتَ اسمه بدون قرينة "سي" في حضور جمع من الناس، فلا يمكن أن تتصور كيف سيكون رد فعلهم تجاهك. ربما يفكرون فيك بسوء نية. سيعتقدون و كأنك تشتمهم هم.. أو تنتقص من قيمة بلدتهم إمزيلن ككل. إن إمزيلن بدون "أمزيل" تعني لا شيء. بل تعني العدم دون شك.

5- أما "ملك ألملوك" فهو الرجل الأسطورة. لا ندري كيف فقد صوابه. و أصبح ذات يوم مجنونا. مع العلم أنه كان يعيش كشاب مع عائلته المعروفة و الميسورة إلى حد ما. لكن نحن كصبيان المنطقة، كنا نلهو مع جميع عناصر بيئتنا. نستغل لحظتنا إلى أقصى حد. لهذا لم ينج "ملك ألملوك" من دعاباتنا و استفزازاتنا له. ما هو جميل في الموضوع أنه يكون دوما ملازما للصمت القاتل. لا يحدث أحدا. كان يحب المشي بجانب سور المنازل. يلبس دوما جلبابا. و يغطي رأسه بقمة الجلباب. نكون نحن نلعب بحبات "البي" أو "الطرونبية" أو "ماسكوطو".. لكن نتحول بسرعة و كأننا متفقين إلى خلف جدران إحدى المنازل بالقرب من "صاكة" – بائع السجائر الوحيد بالمنطقة. ثم نطلق الرصاصة التي تشعل نار استفزاز الرجل. أحدنا يهتف قائلا بعد أن يكون قد تجاوز الرجل المكان حيث اختبأنا : مليييييييييك أوووو لملوووووووووك بطريقة إيقاعية موسيقية.
دون أن يلتفت نحو مصدر الصوت. يجيبنا بنفس الطريقة الإيقاعية الغنائية. إن لم أقل تفوقها جمالا و حرقة كذلك. لكن رده كان يضم كلمات تخدش الحياء. لهذا كنا نتقرب إليه أكثر. لأنه مجنون و يسبّنا. أما هو فقد ينزع عنه جلبابه. يتركه يقع على الأرض. ثم يجري وراءنا مطاردا إيانا بقدميه الحافيتين. كان يجري كما لو كان سهما. لكن، لحسن الحظ كنا أبرع منه و أذكى كذلك. لأننا نتجه إلى حقل محاط بالأشواك الكثيفة. نقفز نحن. أما هو فيتابعنا بعيونه الحزينة. ثم يتراجع خائبا إلى الوراء. هي لعبة القط و الفأر كنا ألفنا لعبها معه. لكن أحيانا ينقلب علينا الحظ. فنكون ضحايا زمن "ملك ألملوك" في المرات القادمة. دمية يلهو بها تاريخ طفولتنا. للفراغ حقه في توجيه عوالم اللعبة عندنا.

6- سواء تحدثنا عن جدية سي "أمزيل".. أو تذكرنا جمالية الصوت الساحر.. الذي كان يصدر عن حنجرة رجل يقال عنه مجنون.. هو "ملك ألمولوك". فكلاهما يعتبر عنصرا أساسيا من عناصر فضاء ذاكرة دوار إمزيلن المشعة. الدوار الذي هو جزء من دواوير الدشيرة ككل. المدينة الجميلة الآن و هنا.. بشعبيتها الواضحة.. و ضجيجها المنير و المنعش.تنعت اليوم بالدشيرة الجهادية. تمييزا لها ربما عن دشيرة الصحراء.. في جنوب المغرب.



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب : ( الفلسفة أداة للحوار ) لعبد السلام بنعبد ال ...
- الأسد الذي لا يحب أن يأكل سوى les bananes
- قصة قصيرة : القمر الفضّي ( 2 )
- قصة قصيرة : القمر الفضي
- أمكنة ناطقة ( 3 ) : جوطيا إنزكان
- نقد مبدأ الحرية في التصور الفلسفي عند سبينوزا
- سؤال القيم في الكتابة الفلسفية عند نيتشه
- ما مصير الحوار الإجتماعي المغربي راهنا، في ظل رفض القوى المح ...
- أمكنة ناطقة : فعل الكتابة و الصيرورة
- جدلية الثابت و المتغير في التفكير الفلسفي
- إشكالية أزمة التعليم المغربي و المراهنة على تكريس الخطاب على ...
- قصة قصيرة : مندوب وزارة الصحة
- الفكر التربوي عند عبد الرحمن بن خلدون
- قراءة دلالية في رواية جنوب غرب طروادة جنوب شرق قرطاجة لابراه ...
- قصة قصيرة : اللغم المقدس
- مفهوم الجوهر في فلسفة سبينوزا
- المطالب الحيوية لأساتذة التعليم الإبتدائي و الثانوي الإعدادي ...
- قصة قصيرة : مرينا في المنطاد
- المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 2 )
- المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 1 )


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - أمكنة ناطقة ( 4 ) : إمزيلن