أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - فادي عميره - السّلطة وعقليّة المؤامرة















المزيد.....

السّلطة وعقليّة المؤامرة


فادي عميره

الحوار المتمدن-العدد: 3703 - 2012 / 4 / 20 - 22:05
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


"الآخرون، يتربّصون بنا، نحنُ الحقّ، وهم متآمرون علينا وعلى الحق. هم مدفوعون من الجهات المعادية، ويخططون لكل ما يؤذينا حتى يتخلصوا منّا. أعداؤنا متحدّون ضدنا، وينتهزون أي فرصة للإنقضاض علينا. لذا علينا أن نكون جاهزين ومتماسكين مع "قادتنا" لصدّ وفضح مخططات الخارج قبل أن ينالوا منّا.."

تلجأ السّلطة لبث سمومِها الفكريّة (كما في المنطق أعلاه) في عقول من هم تحتها، وتعمل على تشويه الواقع في أذهانِ البشر خدمةً لمصالحها ونفوذِها وبقاؤها في المستويات العليا من هرم السلطة في المجتمع. فتعمل على خلق وتضخيم تناقضاتٍ وهميّة غير موجودة بين البشر لتكريس إستغلالها وسلطتها عليهم.

فمثلاً، ضخّمت الولايات المتحدة كثيراً من خطرِ "الإسلام المتطرّف" وتنظيمِ القاعدة، فجعلت منه عدواً خارقاً شبه وهمي، ودائم التهديد للولايات المتّحدة وشعبها. فعملت على تخويف شعبها من "الإرهابيين الأشرار" الذين يريدون "قتل وتدمير المجتمع والحضارةِ الامريكيّة، دولة الخير والديمقراطية وحقوق الإنسان"! وكانت هذه الدعاية التشويهيّة التحريضيّة هي الأساس (الظاهري) والمبرّر الذي ساقتهُ أمام شعبها والعالم، وإنطلقت منه الإمبرياليّة الأمريكيّة لشن حروبها الكونيّة لإنقاذ وتحقيق وإمتداد مصالحها ومطامعها الإستغلاليّة في العالم، عبر خلق أعذارٍ وهميّةٍ كاذبة، ومبرراتٍ للإحتلالات و"الإستعمار الجديد" الذي يهدف عبر الحرب والدمار إلى إنعاش رأس المال الحاكم من شركات أسلحة ونفط وإستثمارات الأمن والخدمات.. فقامت عبر هذه الدعاية بحشد التأييد الشعبي الأمريكي المُضلَّل لهذه الحروب التي دمّرت وإحتلّت شعوباً أخرى في أفغانستان والعراق، وتوسيع وتقوية هيمنتها في المناطق الحيويّة من العالم. فخلقت عداءاً وهمياً بين شعوبٍ لا تريد أساساً سوى العيش بأمنٍ وسلام.

لسلطةِ الدّين والحُكم والنّظام، مدرسةٌ واحدة. تنتهج النّهج نفسه من أجل السّيطرة والنّفوذ وإستغلالِ الإنسان وإستعبادِه. نهج يقوم على ثلاث أسس على الأقل (كما أعتقد وأجتهد): - التّخويف، عبر الإستبداد والقمع وخلقِ الأعداء والتّناقضات. - التّجهيل، عبر تخريبِ الوعي. - والتّفرقة، عبر خلق تناقضات داخليّة ثانويّة غير موجودة طبيعيّاً.. كلّ الأساليب تلك، ممنهجة ومدروسة، وتصبّ في صالحِ السّلطات الحاكمة المستغلّة، والشعوب ضحيّتها.

الشعوب تُقتل وتُجوّع وتُستغَل، في سبيل إستمرار النّظام الرأسمالي والسّلطة، تحت مبرراتٍ وحججٍ واهية، من قبيلِ هيمنة "الحقّ" و"نشر الرسالة" و"قيم العدالة والسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان" المزعومة.. كلها أكاذيب مللنا سماعها من أبواقهم المجرمة والمنحرفة. قيمٌ شُوِّهت، لخدمة المال والسّلطة.

الأنظمة العربية المجرمة –كغيرها- تعمل وتقاتل أيضاً، خدمةً لوجودها وإستمرار سلطتها، على نشر دعاية المؤامرة الداخليّة والخارجيّة التي تستهدف "الوطن"، "الوطن" الذي سلبوه ودمّروه. فعندما تتعرّض سلطتها للتّهديد، يصبح العالم كله متآمراً ويخطّط لتدمير "الوطن" وإستهدافِ النّظام والشّعب العربي وإحتلاله. وما هؤلاء المتمردون على بيت الطّاعة والعبوديّة والظّلم سوى "مندّسون" يعملون وفقاً "للأجندة الخارجيّة المعادية" التي تهدف إلى تقسيم وتدمير الوطن ونشر الفتنة!

والحقيقة هي أن الأنظمة العربيّة تدافع بوسائلها القذرة عن وجودها على رأس الهرم من الثائرين عليه لأسباب ودوافع إنسانيّةٍ محقّة، وهي التي تخلق الفتن بين قطاعات الشعب وتقسّمه إلى طوائف متناحرة، وتعمل بمنهجيّة على إثارة التناقضات الوهميّة بينهم لتفكيك المجتمع وتسهيل السّيطرة عليه وتفريغ كبتهم في تناقضاتٍ لا وجود لها، وذلك من أجل محاربة هذه الثورة وهذا التمرّد على فسادها وإستبدادها.

فقد رأينا كيف عمل النّظام المصري على إشعالٍ مدروس للتّناقض والفتن بين الأقباط والمسلمين من حينٍ لآخر. وكيف تعمل الزّعامات الدينيّة في لبنان كذلك على إثارة التناقضات، عندما يستلزم الأمر (وقت الإنتخابات مثلاً) بين الطوائف المختلفة. وكيف يعمل النّظام الأردني (وقت اللّزوم) على إثارةِ الفتن بين من هم من أصول شرق أو غرب أردنيّة. وفي سوريا أيضاً، الدعايات التافهة التي تروّج لها السلطة الحاكمة هناك، وما نظريّة المؤامرة التركيّة القطريّة الأمريكيّة الغربيّة الصهيونيّة الإخوانيّة السلفيّة الحريريّة، والتي دخل على خطّها أخيراً تنظيم القاعدة، سوى خزعبلات تهدف تشويه حقيقة ما يجري على الأرض، وتصديقها ليس سوى تعبيرٌ فاضح عن عجز العقول في فهم وإدراك الصراع على الأرض، وحركة الواقع وتناقضاته. وهدف نظريّات المؤامرة تلك هي حماية الحُكم القائم من تهديد الثورة عليها، عبر تخويف الأقليّات ومؤيدي المقاومة المزعومة ونشر الرّعب من الطائفة السنيّة..

وعلى مستوى آخر ومهم (لتأثيره العميق على عقول القطاعات الأوسع من الناس)، هناك نمط تفكير "المؤامرة" والرّعب من المختلفين في الإعتقاد الديني، فأتباع الديانات يعتقدون ويؤمنون بمؤامرة العالم على أتباع وعقيدة هذا الدّين أو ذاك. ويهدف ذلك أيضاً، لتكريس سطوة ونفوذ رجال هذا الدّين أو ذاك (المرتبطين مع أنظمة الحكم)، وإستخراف الشّعوب وتشويه وعيها، لترويضها والسّيطرة عليها.

في كل مكان، نفس المدرسة، مدرسة التّخويف والتّقسيم والتّجهيل، مدرسة السّلطة، سلطة الدّين والنّظام والمال..

المؤسف في كل هذا هو تحوّل "المؤامرة" لنمط تفكير وممارسة -أحياناً- بين قطاعات واسعة من الشّعوب والنّخب. لقد أصبحت "المؤامرة" هوَساً ومرضاً نفسيّاً وعقليّاً مستشرياً بين من يرزحون تحت وطأة السّلطة وإستبدادها العقلي والنّفسي والجسدي. إنتشر هذا "المرض" من الأعلى (قمّة هرم المجتمع) إلى أسفل قاعدة الهرم (الشّعوب). مرضاً نلمسه كل يوم بين الناس العاديين المشبعين بخطاب السلطة وسطوتها وإستبدادها. حتى داخل مؤسّسة العائلة، وبين النّخب ونشطاء العمل العام.

في مقالي هذا لا أنكر وجود مؤامرات، بل أسلّط الضوء على حقيقة أساس هذا النّمط من التفكير، وعلى المؤامرة الحقيقيّة، وهي مؤامرة السّلطة على نفوسِ وعقولِ البشر، وأجسادهم.

لا تناقض بين الشعوب، لا تناقض بين البشر. كلّنا للأرض، والسّلطة هي فقط لقوانين الطّبيعة والحياة، وقيم الحقّ والعدالة والحريّة.. تلك هي الحقيقة التي تستند عليها قوى الثورة الحقيقيّة، وما البقيّة سوى أكاذيب وخداع تستند عليها قوى السّلطة الرجعيّة.

أيها الإنسان، في كل مكان، إنّ التّناقض الحقيقي هو مع قوى الإستغلال، قوى السّيطرة والنّفوذ، قوى السّلطة والمال.

تسقط السّلطة، وكل قوى وأشكال إستغلال الإنسان للإنسان، وللأرض.



#فادي_عميره (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية.. فرز عقلي وأخلاقي للنخب
- نحو تجذير الثورة المصرية
- دور القوى اليسارية والنقابات العمالية مابعد الربيع العربي
- المنطق والأخلاق في الموقف من الإنتفاضات الشعبية
- الماركسيين العرب: إنحراف عقول، وحالة إنفصام


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - فادي عميره - السّلطة وعقليّة المؤامرة