فادي عميره
الحوار المتمدن-العدد: 3451 - 2011 / 8 / 9 - 23:33
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
في الكون العظيم اللامنتهي الذي لا تتوقف حركته أبداً –بدءاً من أصغر ذرة إلى الكون بأكمله، بكواكبه و نجومه و مجراته- تطورت وتنوعت أشكال الحياة والوعي على كوكب الأرض إلى أن ظهر الإنسان الحالي، الذي يعتبر قمّة –وليس نهاية- تطورات الوعي التي مرّت بها الطبيعة على هذا الكوكب، وما زال يتطور بتفاعله معها.
وهذا الإنسان المتناهي في الصغر، وبطبيعته نتيجة لوعيه، يبحث عن المخلّص أو الإله أو نصفه، الذي يملك الأجوبة الجاهزة والحقيقة المطلقة للجوء إليه من أجل إرشاده إلى طريق الأمان والنجاة من المجهول الذي أرّق البشرية. فلا قدرة عنده للبحث والتفكير والنضال..
البشرية الآن، ما زالت تعيش حالة اللاعقل والظلام، ولم تتجاوزها بعد!
نصحني أحد الأصدقاء أن أقرأ الفلسفة الماركسية، ففعلت، ضمن مدرسة أعدها وحاضر بها أصدقاء آخرون. فرحت حدّ الجنون بإكتشاف وتفسير الكثير ممّا كان يدور في ذهني ويؤرقني. وعمل ذلك على تأطير فكري وإنتشالي من حالة اليأس والإغتراب والإنعزال الذي كنت أعاني منه، رفضاً جذريّاً وحقداً عميقاً على واقع الإنسان وسلوكه بكل تفاصيله! وقلَقاً من المستقبل المظلم الذي ينذر -بوضوح الشمس- بالدمار الشامل للبشرية والكوكب بأكمله.. وبيدنا نحن!
فالماركسية، هي منطق عقلي علمي، بنيت أساساً إستناداً على علوم الفيزياء والطبيعة -التي مازلنا نعيش حالة إنفصامٍ عنها- وغيرها. وتتطور هذه الفلسفة بدورها بتقدّم العلوم وتقدّم معرفتنا بالواقع. الماركسية منطق و وعي علمي وإنساني بالضرورة، منطق وفلسفة الحقيقة التي هي دائماً وأبداً ثوريّة..
فيما بعد، بدأت ألمس واقعاً سيئاً لـ"الماركسيين"، كان صعباً تحمّل ذلك ومواجهته. وجدتها في هذا العالم المقسّم والمعلّب، أشبه بالديانة تقابلها أديان ومذاهب أخرى، لها نصوص مقدسّة يتفاخر بتلاوتها الباصمون في كل حديثٍ ومناسبة. حمل هذه الديانة الطبقيّة رسلٌ لهم أحاديثَ وسِيَراً وتراثاً يرجع إليها "الماركسيين" للإقتداء بها ونسخ تجاربها.. و وجدت هذه الديانة مقسّمة إلى مذاهب وطوائف عدّة، اللينينيّة والماويّة والستالينيّة والتروتسكيّة .. ولكل من هذه الطوائف فِرَقٌ أخرى فرعيّة، يدّعي كلٌ منها أنه "المذهب الصحيح"، و بقيّة المذاهب مخترقة أو ضالّة، وأصحابها تائهون أو منحرفون أو مشبوهون! وتتنافس هذه المذاهب فيما بينها على "الإمامة" ويدّعي كل منها أحقيتها "بالخلافة" و"القيادة" نحو مستقبلٍ مشرق للبشرية..!
أمّا "الماركسيين" العرب فأكثرهم غارقون كغيرهم في أوهام الوطنية والعرقية والعنصرية والإقليمية. وعقلية العبادة والتقديس، الثقافة الدينية التي تستخدم لترويض الإنسان وإستغلاله.. فنرى عبادة الأفراد، والزعيم والحزب.. هذه العقلية الرجعيّة التي ثارت عليها شعوبنا، عندما إكتشفت بأن لا شيء مقدس! بالإضافة إلى أمراض الإستعراض والفردية الأنانية والإنتهازية والكبت الجنسي والسّباق التنافسي، ولا ننسى الإنفصام عن الطبيعة والواقع الموضوعي والعيش داخل فقاعة.. كذلك عقلية "تكفير" الآخرين-فمن لا يتفق معي، هو ضدي ومتآمر علي.. يضاف إلى ذلك كله المنطق السطحي الصوري، ذو البعدين، السائد بين البشر، والذي مازال يحكم باطن عقولنا حتى الآن، برغم إعتناق الماركسية! وأحد الأمثلة على تجليّات هذا المنطق، الثقافة الدينية لتفسير الشّر وحركته في الدنيا، والمتمثلة في الشيطان (المتآمر، المخيف، الخفي، الخارق للطبيعة) بما يمثله من "خطأ وشر"، وتمرده على الله (الحق والخير).. فإستبدل "الماركسيون" الإمبريالية والصهيونية بالشيطان! فيتعاملون معها بإعتبارها القوى المتآمرة الخارقة المتماسكة الواحدة الموحدة!
التناقض والجدل في كل شيء، ولا وجود لقوى ومؤامرات خارقة للطبيعة!
كل تلك التشوهات النفسية والعقلية ، والتي يفرزها المجتمع الإستهلاكي والنظام المالي والروحي الذي يحكم العالم ويسيطر على عقول البشر منذ قرون طويلة، هي حالة تكشف حجم الإنفصام الحاصل بين الفكر والنظرية التي يحملونها من جهة والسلوك والوعي، الذي لم يتحرّر بعد من منطق الرؤية الميتافيزيقية الدينية والمنطق الشكلي والسلوكيات الإجتماعية التقليدية، من جهة أخرى.
لن ينقذ الجنس البشري –بل والحياة بأكملها- من الزوال الذي تقترب منه يوماً بعد يوم دون ظهور <الإنسان الجديد> بوعيه العقلاني المختلف الذي لن يتطور قبل نضوج تناقضات تؤدي للتخلص من أنظمة الحكم الرجعية والنظام المالي وأدواتهما الحقيرة في حكم البشر والسيطرة المروّضة لعقولهم ولطبيعتهم الثورية.. إنسانٌ قد يتطور ويظهر في خضم أزمةٍ قادمة لا محالة، تعصف بالحياة والبشرية جمعاء.
ولن يتمكن "الماركسيين" من قيادة البشرية نحو النجاة والمستقبل المشرق، قبل أن يتحرروا هم من الوعي والثقافة التي تحكمهم.. أما آن للماركسية أن تخرج من أسرها، لتصبح وعياً لا أداة؟ وللماركسيين أن يصبحوا ماركسيين ويقودوا البشرية نحو الحرية والعدالة والتقدم؟ يا مدّعي "الماركسية"، أين أنتم من الحقيقة؟ أفلا تنهضون؟!
#فادي_عميره (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟