أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل العاشر: (طاعة الرسول)















المزيد.....



السنة ما لها وما عليها: الفصل العاشر: (طاعة الرسول)


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 20:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


## طاعة الرسول كيف تكون وفي ماذا تكون؟ :

يعلم جميعنا أن هناك كثير من الآيات القرآنية التي نصت على طاعة واتباع وامتثال أمره عليه الصلاة والسلام، (القرآنيون) يقولون إن الأمر بطاعة الرسول والتي نصت عليها كثير من آيات القرآن الكريم لا تعني سوى طاعته في أوامر وأحكام القرآن فحسب، ولا تعني شيئا آخر سوى طاعته في القرآن الكريم.
ما مدى صحة وصواب هذا الكلام؟ لنرى:

قبل مناقشة هذه المسألة أود أن أنبه القارئ الكريم إلى أن كل آيات القرآن الكريم التي أمرت وحضت على طاعة واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام كانت خاصة بمن هم حوله عليه الصلاة والسلام في حياته، وليست لمن أسلموا بعد موته عليه الصلاة والسلام. كيف هذا؟، الجواب: إن معظم هذه الآيات لا تتحدث على الإطلاق عن وجوب طاعة الرسول في قبول القرآن الكريم، لأنه بداهة كان المسلمون يومها مؤمنين به وبرسالته وبالكتاب الذي نزل عليه، وعليه فليس ثمة داع للإلحاح عليهم في طاعتهم للرسول فيما يتلو عليهم من قرآن، كذلك هناك آيات أخرى كثيرة تحض على الإيمان بالكتاب وتحض وتأمر باتباع الكتاب واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وبالتالي فليس هناك من داع إلى الإلحاح بآيات أخرى كثيرة في طاعة الرسول لتنفيذ أحكام وأوامر ونواهي القرآن الكريم، وإلا كان هذا لونا من العبث والحشو الزائد الذي لا طائل من ورائه سوى التكرار فحسب. ونفصل الأمر ونوضحه على النحو التالي:

إن ورود كثير من الآيات في القرآن الكريم التي تأمر وتحض على طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما تنم عن تثبيت الله لأهمية طاعته عليه الصلاة والسلام في نفوس أصحابه وعدم مخالفة أمره، وأراد الله أيضا أن يعلمهم أن طاعته عليه الصلاة والسلام هي بإذن من الله، وهي طاعة لله، وأن ما يتلوه من قرآن هو وحي من الله، وما يقوم به من توجيه وإرشاد وتنظيم وإعداد وتطبيق لنصوص القرآن الكريم هو وحي من الله كذلك، وليس عن هوى أو اجتهاد شخصي، كذلك التكرار الكثير والتأكيد الصارم على طاعة الرسول إنما ينم عن عدة أمور هامة، هي:

** تصديقه عليه الصلاة والسلام فيما بلغه عن ربه من القرآن العظيم وتثبيت ذلك في نفوس المسلمين, فالمسلمون وقتها كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكانوا خارجين لتوهم من الجاهلية بعاداتها وتقاليدها وأعرافها وحميتها للقبيلة والنسب, فالتكرار والتأكيد في ذلك الوقت على طاعة الرسول وأن طاعته من طاعة الله يرسخ في نفوس المسلمين عدم تحيز رسول الله فيما يقول أو يفعل أو يأمر أو يحكم إلى فئة ما أو قبيلة ما أو عصبية ما، بل إن ما يقوله وما يفعله وما يأمر به وما يحكم فيه هو بإذن من الله وتوجيه منه سبحانه لرسوله وليس من عند نفسه.

** كان رسول الله وقتها يؤسس لأمة ويؤسس لدين سيكون أتباعه يوما ما عددهم بمئات الملايين وهذا شيء ليس بالسهل ولا باليسير, وذلك مما جعل القرآن يؤكد دائما علي طاعة الرسول وعدم الخروج عن حكمه وقضائه وأمره، وأن أي شك في شخص رسول الله هو بمثابة شك في القرآن, لأن رسول الله لو تحيز أو جار أو كذب وحاشا رسول الله من ذلك، كان أدعى لأتباعه أن يشكوا في القرآن ذاته وما جاء فيه من أحكام وأوامر ونواهي، فكان لابد من التأكيد الدائم والتذكير المستمر بطاعته عليه الصلاة والسلام، لأنه حينئذ يؤسس ويبني أمة جديدة على العالم وعلى أتباعها.

إذاً فتكرار القرآن وتأكيده على طاعة الرسول مرات كثيرة لم يكن لمجرد التكرار أو لمجرد التذكير بطاعته فحسب، ولم يكن ذلك التأكيد وذلك التكرار للذين يأتوا من بعده كما فهم الفقهاء والمفسرون، بل كان للذين معه وللذين عاصروه في حياته على وجه التحديد، والدليل على ذلك أنه كانت هناك أسباب كثيرة وكبيرة وخطيرة تقف وراء هذا التكرار والتأكيد، حتى نطق بها القرآن ويقرأها المرء في سياق النصوص التي جاءت تأكد على طاعة الرسول وتحذر وتنذر من معصيته أو مخالفة أمره، ويمكن أن نوجز هذه الأسباب في الآتي:

كان كثير من الصحابة أو من يسمون بالمنافقين من الصحابة في حالة شك من كون محمد عليه الصلاة والسلام رسول من عند الله حقا، ويتضح ذلك جليا في الآتي:

** كان بعض الصحابة يستكبرون أن يستغفر لهم الرسول :
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ). (5_ المنافقون).

** كان بعض الصحابة يصرون على معصية الرسول وعلى نقض ميثاقهم معه، وكان منهم من لا يؤمن به :
(وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). (8_ الحديد).
وقال:
(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ). (47_ النور).
وقال:
(مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً(80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً). (81_ النساء).

** كان بعض الصحابة يصدون عن رسول الله :
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً(61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً(62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً). (63_ النساء).

** كان البعض لا يرضى بحكم رسول الله :
(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (65_ النساء).

** كان البعض لا يستجيب لدعوة الرسول عند الخروج للجهاد :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). (24_ الأنفال).

** كان منهم من يخون رسول الله :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (27_ الأنفال).

** كان منهم من يؤذي رسول الله :
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيـْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (61_ التوبة).

** كان منهم من يتخلف عن رسول الله ويرغبون بأنفسهم عن نفسه :
(مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ). (120_ التوبة).

** كان منهم من يذهب دون أن يستأذن رسول الله ويخالفون أمره :
(إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ). (62_ النور).
وقال :
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (63_ النور).

** كان منهم من يقول إن ما وعد به الله ورسوله من نصر ما هو إلا غرورا :
(وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً). (12_ الأحزاب).

** كان منهم من يرفع صوته عند رسول الله ويجهر له بالقول :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ). (2_ الحجرات).

** كان منهم من يتناجى بمعصية الرسول :
(وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المَصِيرُ). (8_ المجادلة).

** كان منهم من لا يرضى بقسمة الرسول للغنائم :
(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ). (7_ الحشر).

** كان منهم من يمنع من الإنفاق على من عند رسول الله :
(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ). (7_ المنافقون).

** كان منهم من يجادل رسول الله في الحق بعد ما تبين له :
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ(5) يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ). (6_ الأنفال).

نستدل من كل ما سبق أن هذه الآيات هي آيات خاصة بأحداث كانت في زمنه وحياته ومواقفه عليه الصلاة والسلام مع من كانوا معه حينئذ، وطاعتنا نحن له الآن أن نستخلص من هذه المواقف: (معانيها، ودلالاتها، ومفاهيمها، ومبادئها، وقيمها)، دون الوقوف مع تفاصيل هيئة وشكل وقشور الحدث ذاته، فالحدث في مثل هذه الآيات لن يتكرر مرة أخرى بهيئته وشكله وقشوره وتفاصيله وظروفه، ولكن تبقى من كل هذه الأحداث: (المعاني، المفاهيم، المدلولات، القيم، المبادئ)، لاستخدامها مرة أخرى الآن في معالجة أوضاع وأحداث جديدة مشابهة لنفس المعاني والمفاهيم والمدلولات والقيم والمبادئ.

ولتوضيح هذا أقول: حادثة (فتح مكة) والموقف الشهير للرسول عليه الصلاة والسلام مع من طاردوه وأخرجوه وكادوا يستفزوه من الأرض وحاولوا قتله، وقولته الشهيرة لهم: (ما تظنون أني فاعل بكم؟. قالوا أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء). هذه الحادثة لن تتكرر مرة أخرى بهيئتها وشكلها وتفاصيلها وعناصرها وقشورها وظروفها، لن تتكرر. لكن يبقى منها معانيها ومفاهيمها ودلالاتها وقيمها ومبادئها التي يمكن امتثالها والتزامها في كل عصر وكل زمان في كثير من المواقف المماثلة والمشابهة، بل ويظل عطاؤها قائما وممدودا إلى يوم القيامة. وبكل تأكيد هذا الموقف الإنساني السامي الرفيع من رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يكن عن اجتهاد منه أو مزاج شخصي وإنما هو وحي أوحى الله به إليه ليتخذ ذلك الموقف الإنساني الرائع، وعدم اعتراض الصحابة على رسول الله في حكمه بإطلاقه سراح أهل مكة يؤكد أن الصحابة كانوا يعلمون يقينا أن الوحي ليس مقصورا على القرآن وحده، بل كانوا يعلمون أن هناك وحي آخر سوى القرآن الكريم، يوجه كثير من أفعاله وأقواله عليه الصلاة والسلام، وإلا لكنا رأينا اعتراض بعض صحابة الرسول من المهاجرين من أهل مكة على إطلاق السراح هذا، ولكانوا قد طالبوه بالقصاص من أهل مكة، وهو حق خالص لهم لا ينازعهم فيه أحد، لأنهم هم الذين عذبهم وأخرجهم أهل مكة من ديارهم وأبنائهم وأموالهم لما آمنوا برسول الله واتبعوه، لكن لعلمهم اليقيني أن ما حكم وأمر به رسول الله ليس عن هوى أو اجتهاد شخصي فلم يرد أي ذكر أن صحابيا واحدا اعترض على إطلاق السراح هذا، وكذلك لو لم يكن فعله هذا بوحي وأمر من الله لكان الله قد عاتبه في القرآن الكريم على اتخاذه مثل هذا الموقف، وكان قد عاتبه على تنازله عن القصاص من أهل مكة جزاء ما اقترفوه في حقه وحق أصحابه ومن آمن معه عليه الصلاة والسلام.

كذلك مثل هذه الأحداث ومعالجة الرسول لها وكيفية وتفاصيل هذه المعالجة هي بوحي من الله كان يأتيه عليه الصلاة والسلام بموازاة القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد والإصلاح وليس عن اجتهاد شخصي منه عليه الصلاة والسلام، ومن هنا فنحن مطالبون الآن بطاعة الرسول وكأنه مازال حيا بيننا عن طريق الوقوف على تلك الأحداث وتفصيلاتها وهي موجودة ومحفوظة بالفعل في كتب الأحاديث والسير لنستخلص منها كما سبق وأن قلت: (المعاني، المفاهيم، الدلالات، القيم، المبادئ) المجردة عن ظروف وظواهر وقشور وهيئة الحدث ومن ثم الالتزام بها، وهنا تكون طاعتنا للرسول وكأنه ما زال حيا بيننا.

ومما يؤكد ما سبق أن الصحابة كانوا يسألون الرسول في بعض الأحيان عن أوامره ونواهيه لهم هل هي بوحي وأمر من الله أم هو رأي واجتهاد شخصي منه عليه الصلاة والسلام، وهذا يؤكد على أن صحابته عليه الصلاة والسلام كانوا ينظرون إلى كل كلامه وأفعاله وأوامره ونواهيه على أنها بوحي وأمر من الله، وليس فقط القرآن الكريم. وهناك حادثتان شهيرتان تؤكدان هذا، الأولى: في موقعة: (يوم بدر) عندما نزل الرسول بجيشه في موقع من الأرض، جاءه (الحباب بن المنذر) فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟، قال: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة)، فأشار عليه هذا الصحابي بتغيير الموقع ففعل. الثانية: في واقعة أخرى أشار الرسول على أصحابه أن يتوقفوا عن عملية تأبير (تلقيح) النخل فامتثلوا أمره عليه الصلاة والسلام، فجاء الموسم الزراعي ضعيفاً في ذلك العام، فقال حديثه الشهير: (أنتم أعلم بأمور دنياكم).

وعليه نقول: إن ورود كثير من آيات القرآن الكريم تأمر بطاعة واتباع الرسول لا يمكن أن يكون معناه اتباع القرآن وحده، وإلا كان حشوا ولغوا زائدا لا طائل من ورائه، أما وقد وردت كثير من الآيات تأمر باتباع الله واتباع الرسول وطاعة الله وطاعة الرسول فهذا يؤكد أن هناك ما هو وحي من الله مباشرة وهو: (القرآن الكريم)، وهناك ما هو وحي من الله ولكن في ممارسات وأقوال وأفعال الرسول. وكذلك لو قيل إن طاعة الرسول تعني طاعته في الالتزام بالقرآن الكريم وحده، أقول ليس كذلك، فطاعة الرسول غير مقصود بها على الإطلاق وجوب اتباع القرآن، لأن وجوب اتباع وامتثال أحكام القرآن الكريم وحده، له آياته المنفصلة والخاصة بهذا الشأن، لأن وجوب قبول ما يتلوه الرسول من قرآن هذا أمر يتعلق بالإيمان بالرسول ذاته كرسول من عند الله، بمعنى أن قبولنا للقرآن أتى من إيماننا ابتداء بأن محمداً هو رسول من عند الله، ولولا هذا الإيمان لما قبلنا منه القرآن ولا غيره، فقبول القرآن من (محمد) أتى من إيماننا به ابتداء أنه رسول الله، أما الأمر بطاعة شخصه عليه الصلاة والسلام فله دلالة أخرى تدل على أن هناك أمرا آخر غير القرآن الكريم لابد من طاعته فيه، وهذا الأمر بالقطع ليس هو القرآن الكريم وإنما شيء آخر مع القرآن، وسوف نبين ونوضح ماهية هذا الشيء فيما بعد.

كذلك لو جئنا إلى الترتيب الزمني لمراحل الإيمان بالإسلام كدين لوجدنا أن الإيمان يبدأ بالإله ووحدانيته ابتداء، وفي المرحلة التالية مباشرة الإيمان بشخص (الرسول) كرسول من عند الله حقا وتصديقه، وفي المرحلة الثالثة يأتي الإيمان بالكتاب الذي هو (الرسالة) ومن ثم قبول تفصيلاتها من الرسول ذاته، أما في المرحلة الرابعة يأتي دور الأمر بطاعة هذا الرسول. وهذا بدوره يدل على أن هذا الرسول يختص بمرحلتين هامتين من مراحل الإيمان ألا وهما: (مرحلة الإيمان به كرسول من الله حقا وتصديقه)، الثانية: (مرحلة طاعته واتباعه). وفي هذا دلائل كبرى هامة هي: أن هذا الرسول لا يكفي الإيمان به كرسول من الله وتصديقه حتى نقبل منه (الرسالة) ونؤمن بها هي الأخرى، بل لا يكفي الإيمان بشخصه كرسول ولا قبول الرسالة منه والإيمان بها، بل مع كل هذا الإيمان لابد من لزوم ووجوب طاعة الرسول. وهذا يدل على أن الإيمان بشخص الرسول شيء، وقبول الرسالة والإيمان بها شيء ثان، وطاعته عليه الصلاة والسلام شيء ثالث. إذ لو كان المؤمن مطالب بالإيمان بشخص الرسول كرسول وقبول الرسالة منه والإيمان بها، واستجاب المؤمن لكل هذا، فما فائدة وما مغزى تكرار وتأكيد الأمر بطاعته واتباعه عليه الصلاة والسلام؟.

الجواب: إن تكرار وتأكيد طاعة الرسول مرارا وتكرارا يدل على أن الرسول له دور هام آخر لا يقل أهمية عن دور الكتاب الذي هو (الرسالة)، يتمثل هذا الدور في تعليم المؤمن كيفية تطبيق هذه الرسالة في واقع عملي على الأرض، وإلا لكان مجرد الإيمان بشخص الرسول أنه حقا رسول الله ومجرد الإيمان بالرسالة التي هي (القرآن الكريم) وقبولها من الرسول وأنها حقا رسالة من عند الله لكان كافيا للمؤمن، ولأصبح الأمر بوجوب طاعة الرسول لونا من العبث والحشو الذي لا معنى له ولا فائدة منه، بل لو كان مجرد الإيمان بشخص الرسول وبرسالته وقبولها كافيا، لما كان هناك من داع أصلا لتكوين أمة من المؤمنين حول الرسول، ولما كان هناك من حاجة أصلا إلى تأسيس دولة المدينة، وكان يكفي المؤمن الذي آمن بشخص الرسول وآمن برسالته وقبلها منه أن يأتي إلى الرسول ويأخذ منه ما نزل عليه من جديد آيات القرآن الكريم وينصرف إلى بيته وعمله وشئونه الأخرى، ولا حاجة أصلا لتأسيس تجمع من المؤمنين يتزعمهم ويقودهم ويسوسهم فيه النبي عليه الصلاة والسلام. لكننا نجد أن الرسالة ذاتها تقول: هناك مهام أخرى عديدة وكبيرة للرسول لا تقتصر على مجرد الإيمان بشخصه كرسول ولا مجرد الإيمان بالرسالة وقبولها منه، هذه المهام هي:

أود أن أعرض هذه المهام في صورة أسئلة لاستثارة وتحفيز القارئ على التفكير في دور الرسول الهام الذي لا يقتصر على إيصال وتلاوة الكتاب فحسب، ويكون على النحو التالي:

1* مهمة (تبيين ما أنزل من الله للناس) :
من الآيات التي يستند إليها القرآنيون في حصر وقصر دور الرسول على إيصال القرآن الكريم إلى الناس فحسب، قوله تعالى:
(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). (44_ النحل).
قال القرآنيون إن المقصود بالتبيين في هذه الآية (الإظهار) الذي هو ضد (الكتمان)، واستدلوا على هذا بقوله تعالى:
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ). (187_ آل عمران).
وإن كنت أتفق مع القرآنيين في أن (التبيين) المكلف به الرسول في هاتين الآيتين هو إظهار نصوص القرآن للناس وعدم كتمانها، ولكن ليس (التبيين) قاصرا فحسب على إظهار نصوص القرآن للناس وعدم كتمانها، بل إن (التبيين) أشمل وأسع من هذا، إذ يقتضي (التبيين) كذلك امتثال هذه النصوص عمليا وفعليا على الأرض وبيان تفاصيل وهيئات الأحكام والتشريعات والعبادات والنسك. وهذا (التبيين) يتحتم أن يكون بوحي من الله كذلك وليس عن هوى أو عن اجتهاد شخصي من الرسول.

2* مهمة (تبيين الاختلاف بالكتاب) :
قال تعالى:
(وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). (64_ النحل).
التبيين في هذه الآية يختلف تماما عن التبيين في المهمة السابقة، إذ إن مهمة الرسول هنا تكون بأن يبين الرسول بالكتاب ما اختلف الناس فيه، ولو كان الناس بوسعهم أن يتبينوا ما اختلفوا فيه من الكتاب بمفردهم ودون حاجة لتبيين الرسول فلماذا قال: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ). مادام ما اختلفوا فيه مبين وواضح في الكتاب؟. وبالتالي إسناد مهمة تبيين ما اختلف الناس فيه إلى الرسول يدل على أن هذا التبيين ليس مقصودا به إظهار نصوص الكتاب للناس وعدم كتمانها كالمهمة السابقة، بل ليبين الرسول بالكتاب للناس ما اختلفوا فيه، وهذا التبيين يقتضي ألا يكون عن اجتهاد أو رأي أو فهم شخصي من الرسول، إنما يقتضي أن يكون بوحي يوجه الرسول ويرشده إلى ما في الكتاب ليبين للناس ما اختلفوا فيه.

3* مهمة (تلاوة الكتاب) :
التلاوة هي تتابع كلمات القرآن وآياته بصوته عليه الصلاة والسلام على مسامع الناس.
قال تعالى:
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ). (2_ الجمعة).
وقال:
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ). (27_ الكهف).
وقال:
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ). (45_ العنكبوت).

4* مهمة (الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة).
قال تعالى :
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (125_ النحل).
من مهام الرسول الدعوة إلى سبيل ربه، وهذه الدعوة لابد لها من وسائل، ومن وسائل هذه الدعوة: (الحكمة) (الموعظة الحسنة) (المجادلة بالتي هي أحسن)، ويقينا أن هذه الوسائل الثلاث لا يمكن أن تكون هي (القرآن الكريم). وبما أنها ليست (القرآن الكريم) فقطعا لن تكون عن رأي الرسول واجتهاده الشخصي، ولابد أن تكون بوحي من الله. وسوف نفصل هذه المسألة ونقف أمامها مليا في الفصل القادم.

5* مهمة (اتباع المؤمنين له) :
قال تعالى:
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (32_ آل عمران).
ترى ما فائدة أمر الله للمؤمنين باتباع الرسول وهم أصلا قد آمنوا بالله وبشخص الرسول وبالرسالة وقبلوها منه؟ ولماذا ربط الله بين حب المؤمن لله وحب الله للمؤمن وبين اتباع الرسول؟. ولماذا ميز الله بين الإيمان بما أنزل من كتاب وبين اتباع الرسول؟ وماذا نجني من فائدة في اتباع الرسول مادمنا آمنا بما أنزل الله من كتاب، قال تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ). (53_ آل عمران).
كذلك قوله تعالى:
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ). (157_ الأعراف).
لماذا أورد الله في هذه الآية (اتباع الرسول) في بدايتها، و(اتباع النور الذي انزل معه) في ختامها؟. ولماذا أسند الله (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحل الطيبات، وتحريم الخبائث، ووضع الإصر والأغلال) إلى شخص الرسول مع وجود أمره باتباع النور الذي أنزل معه؟. أما كان من الأفضل الاكتفاء بإسناد هذه الأشياء إلى النور الذي أنزل معه بدلا من إسنادها إلى شخص الرسول؟.

6* مهمة (طاعة المؤمنين له وردهم إليه عند التنازع) :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). (59_ النساء).
فلو قيل: طاعة الرسول تعني طاعته في القرآن فحسب، نقول: ولماذا قال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)؟ ألا يكفي ذكر واحدة منهما مادام أن طاعة الرسول هي طاعة الله في الكتاب؟. وإذا كانت واحدة منهما تكفي للدلالة على الأخرى ألا يعد ذكر الطاعتين من باب الحشو الزائد؟. وكذلك الرد عند التنازع لماذا قال: (فردوه إلى الله والرسول)؟، ألا يكفي ذكر الله فقط أو الرسول فقط إذا كان أي منهما يدل على الآخر؟ وأليس ذكر الرد إلى (الله والرسول) معا يدل على الحشو الزائد الذي لا طائل من ورائه؟.
كذلك قوله تعالى:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً). (61_ النساء).
لماذا قال: (تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول) إذا كان الرسول سيحكم بينهم بما أنزل الله فقط؟ ولماذا لم يقل: (تعالوا إلى الرسول ليحكم بينكم بما أنزل الله) أو (إلى ما أنزل الله) فقط؟، ولماذا كرر حرف الجر (إلى) مرتين الأولى: (إلى ما أنزل الله) والثانية (وإلى الرسول)؟. وإذا قال البعض المقصود أن يأتوا إلى الرسول ليحكم بينهم بالقرآن طبقا لورد التحاكم في الآية التي سبقتها، فهل يعني هذا أن الرسول وحده هو الذي يحكم بالقرآن دون غيره من المسلمين؟. وهل هيئة وطريقة حكمه عليه الصلاة والسلام بالقرآن كانت بوحي من الله أم كانت باجتهاد شخصي منه؟. ومثل هذه الآية الآية التالية: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا). (104_ المائدة).

كذلك قوله تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ). (64_ النساء).
أليست هذه العبارة: (ليطاع بإذن الله) تؤكد وجود ما يستوجب طاعته عليه الصلاة والسلام في شيء آخر غير القرآن؟.
كذلك قوله تعالى:
(مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ). (80_ النساء).
إذا كان المسلمون هم في الأصل مؤمنون بالله وبشخص الرسول كـ (رسول من الله) ومؤمنون بالرسالة التي هي (الكتاب) ويعملون بها، فترى ما مغزى وما فائدة قوله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)؟، بل وما فائدتها لنا الآن ورسول الله ليس بيننا؟.
كذلك قوله تعالى:
(وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ). (54_ النور).
لماذا أفرد الله شخص رسوله بالطاعة في هذه الآية؟. ولماذا جعل الهداية في طاعة شخصه عليه الصلاة والسلام ودون أي ذكر للكتاب أو القرآن الكريم؟.

7* مهمة (الحكم والقضاء بين الناس) :
(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (65_ النساء).
لماذا نفى الله الإيمان في هذه الآية عن المؤمنين حتى يتحاكموا إلى شخص الرسول فيما شجر بينهم ولا يجدوا في أنفسهم حرجا من قضائه وحتى يسلموا بحكمه تسليما؟. ولماذا لم يذكر في هذه الآية (الكتاب) ولا (القرآن) ولا (ما أنزل إليهم) واكتفى فقط بذكر شخص الرسول عليه الصلاة والسلام؟.

8* مهمة (الرد إليه عند الأمن أو الخوف) :
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً). (83_ النساء).
كيف نرد إليه أمور الأمن أو الخوف وهو عليه الصلاة والسلام ليس موجودا بيننا الآن؟. ولماذا ذكره الله في هذه الآية بمسمى (الرسول) مع أن الأمر لا يتعلق بالكتاب ولا بالقرآن؟. وهل هذه الآية خاصة بزمن الرسول وعصره أم أنها سارية من بعد موته عليه الصلاة والسلام؟.

*9 مهمة (تقسيم الرسول للفيء) :
قال تعالى :
(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ). (7_ الحشر).
لن نتوقف مليا عند تحليل موضوع هذه الآية من الروايات حتى لا نغرق في التفصيلات. ولكن يكفي إجمالا القول: إن الرسول قام بتوزيع أنصبة الفيء بشكل لم يعجب بعض صحابته، وقد كان رسول الله له رؤية مغايرة في مقادير هذه الأنصبة، وبكل تأكيد هذه الأنصبة والمقادير لم يرد لها ذكر في القرآن على الإطلاق، فهل هذه الأنصبة والمقادير التي آتاها الرسول والتي نهى عن أخذها هل كانت بوحي من الله أم كانت باجتهاد شخصي منه؟.

*10 مهمة (التحريم) :
قال تعالى:
(وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ). (29_ التوبة).
هل للرسول دور في التحريم مع الله؟. وإذا كان الرسول ليس له دور في التحريم فلماذا قال: (ما حرم الله ورسوله)؟. أما كان من الأفضل الاكتفاء بقوله: (ولا يحرمون ما حرم الله) فحسب؟.

*11 مهمة (حرصه ورأفته ورحمته بالمؤمنين) :
قال تعالى:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). (128_ التوبة).
هل يصلح أن تكون هذه الأشياء: (عزيز عليه ما عنتم) (حريص عليكم) (رؤوف) (رحيم)، مجرد مشاعر قلبية لا قيمة ولا معنى ولا دلالة لها؟. أم أنها كانت ممارسات فعلية عملية على أرض الواقع؟. وهل هذه الآية خاصة بزمنه وعصره عليه الصلاة والسلام أم أنها سارية بعد موته؟ مع العلم أنها وردت بمسمى: (الرسول) وليس (النبي).

*12 مهمة (إلزام المؤمنين بأوامره) :
قال تعالى :
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (63_ النور).
لماذا حذر الله المؤمنين من مخالفة (أمر الرسول) وتوعد مخالفيه بأن تصيبهم فتنة أو عذاب أليم؟. وبكل تأكيد (أمر الرسول) هنا لا يمكن أن يكون هو (القرآن الكريم)، إذ كيف يكون هو القرآن الكريم ثم ينسبه الله إلى الرسول؟. وما هو أمر الرسول إذاً؟. وهل (أمر الرسول) الذي حذرنا الله من مخالفته هل هو بوحي أم برأيه واجتهاده الشخصي؟. ولو كان (أمر الرسول) ليس هو الوحي فلماذا وردت هذه الآية بمسمى (الرسول) وليس بمسمى (النبي)؟، مع العلم أن الآية ليس فيها أية إشارة إلى القرآن الكريم. ولو كان (أمر الرسول) في هذه الآية ليس هو (القرآن الكريم) فماذا يستفيد منها المؤمن الآن الذي لم يعاصر الرسول ولم يلتقيه قط وهو يؤمن بشخص الرسول كرسول ويؤمن بالرسالة (الكتاب) ويعمل بها؟. وهل هذه الآية خاصة بزمن وعصر الرسول أم سارٍ العمل بها إلى يوم القيامة؟.

13* مهمة (إظهاره على الغيب) :
قال تعالى :
(عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً(26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ). (27_ الجن).
إذا كانت مهمة الرسول هي إيصال الرسالة فقط للناس، ترى ما المغزى وما الفائدة من إظهار الله له على الغيب؟.

14* مهمة (رحمة للعالمين) :
قال تعالى :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). (107_ الأنبياء).
نلحظ في هذه الآية أنها لم تأت على ذكر القرآن الكريم إطلاقا. ولكنها تتحدث عن شخص الرسول فحسب، فكيف يكون شخص رسول الله (رحمة للعالمين)؟. وهل هو (رحمة للعالمين) في حياته وعصره وزمنه أم بعد موته كذلك؟.

15* مهمة (هداية الناس إلى صراط مستقيم) :
قال تعالى :
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). (52_ الشورى).
هل رسول الله يهدي إلى صراط مستقيم بشخصه أم بالقرآن الكريم؟. إن قيل بالقرآن الكريم، أقول: وماذا عن قوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) فكيف نوفق بين (هداية القرآن) و(هداية الرسول)، أم أن للقرآن هداية ذاتية وللرسول كذلك هداية ذاتية؟. وإذا كانت الهدايتان هداية واحدة فلماذا أسندها الله مرة للقرآن ومرة للرسول؟. وهل هداية الرسول خاصة بعصره وزمانه أم إنها هداية مستمرة وممتدة إلى من لم يعاصروه؟.

16* مهام (الشهادة على الناس، والتبشير، والإنذار، والدعوة إلى الله) :
قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً(45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً). (46_ الأحزاب).
وقال :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). (28_ سبأ).

17* مهمة (الأسوة) :
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً). (21_ الأحزاب).

هل انتهت مهام الرسول عند هذا الحد؟. وهل هذه المهام كانت بوحي آخر مواز للقرآن الكريم أم كانت عن اجتهاد ورأي شخصي منه عليه الصلاة والسلام؟ هذا ما سنجيب عنه في الفصل القادم.

(للحديث بقية في الفصل الحادي عشر)

الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293175
الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293537
الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294154
الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونشأة القرآنيين)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294768
الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ وجمع القرآن)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295266
الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295917
الفصل السابع: تابع (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296491
الفصل الثامن: (هل القرآن كافٍ وحده؟).
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296924
الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ينطق عن الهوى).
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=297432


نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]
فيس بوك:
http://www.facebook.com/profile.php?id=100001228094880&ref=tn_tnmn



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة ما لها وما عليها: الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ين ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثامن: (هل القرآن كافٍ وحده؟)
- السنة ما لها وما عليها: الفصل السابع: تابع (القرآنيون والتفر ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بي ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ و ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونش ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التر ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين ال ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة ...
- إطلالات قصيرة على واقع المشهد المصري الحالي
- لماذا بصق المصريون في وجوه نخبهم وإعلامييهم؟
- شيفونية المصريين
- (توفيق عكاشة) نموذج معبر عن حقيقة الشخصية المصرية
- من ينقذ المصريين من أنفسهم؟
- من حق (فاطمة خير الدين) أن تكون عاهرة وتفتخر
- أما أنا فأقول لكم
- ما لا يقال ولن يقال حول الصراع الإسلامي المسيحي في مصر
- (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) رد على: علال البسيط
- تعليقات على مقال أم قداس في كنيسة؟
- (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا)


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل العاشر: (طاعة الرسول)