أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزاق عبود - العام العاشر على الرحيل المفجع للرائد المجدد محمود البريكان!















المزيد.....

العام العاشر على الرحيل المفجع للرائد المجدد محمود البريكان!


رزاق عبود

الحوار المتمدن-العدد: 3659 - 2012 / 3 / 6 - 09:21
المحور: الادب والفن
    


مرت قبل ايام الذكرى المفجعة العاشرة لرحيل(مقتل، اعدام، تصفية؟) شهيد الشعر، والوطن في العراق 28/2/2002. الزبيري النجدي البصري. استاذ اللغة العربية، والشعر الحديث. كان اول الرواد، والمجددين، لكن انعزاله، وتواضعه، وزهده، وبساطته، وادبه الجم، وحيائه الطفولي حجب عنه الاضواء، او هكذا اراد! كان لا يحب النشر، ولا الظهور، ولا الاضواء، ولا ضجيج المناسبات، كأي عظيم، صادق، متواضع. ادبه الجم منعه، حتى من، انصاف نفسه، او الدفاع عن فضله، فسرق السياب، والملائكة، والبياتي، والحيدري الشرف الرفيع من سابقهم، وا ستاذهم، وان كان السياب قد اقر بقدرة البريكان منذ الاربعينات. لكننا لم تقرا، او نسمع هذه الشهادة من الاخرين(الملائكة، والبياتي، الحيدري).لايمكننا الجزم، ولكنا قرأنا شهادات لمعاصريه من امثال الشاعر الكبير سعدي يوسف، ولميعة عباس عمارة، والاديب الكبير، الذي غادرنا مؤخرا محمود عبدالوهاب صديقه، وزميل دراسته، ومتتبع، ومقدر الثروة الادبية للبريكان. قتل مثل المتنبي غدرا، ومثل ابن المقفع بوحشية نادرة. فالحاقدين على الابداع، والمبدعين، والجهلة لهم حضور في كل زمان، ومكان، وقسوتهم متشابهة، ومتقاربة. عزلة قاسية، فرضها على نفسه، لامه عليها الكثيرون دامت نصف قرن انتهت بمقتله. لكنه لم يكن صامتا كان يكتب، ويبدع. كان يعرف جيدا، ان محيطه لا يفهمه، ليس بمستوى نبوغه.اختار العزلة، ورفض الهجرة. كان الخيار مفتوحا امامه لكنه ظل وفيا لعراقه، لبصرته، لبيئته. عزله، لم يفهمها الكثيرون مثل شعره الجديد المتميز. لقد سبق عصره، وتجاوز معاصريه. يقول الشاعر رشيد ياسين:"ان ابداع البريكان يتقدمنا بمائة عام"! النقاد المجايلين(ليس كلهم) لم يفهموه باعتقادي، وهو يعرف ذلك. هو اول المجددين، هو رائد الرواد. الاخرين، الذين يطلق عليهم، الرواد، غيروا شكلا، لكن البريكان غير مضمون، ومفهوم، ودور الشعر. لم يكن يريدها ثورة ناقصة. معروف انه صدم بتعثر ثورة تموز، ولم يكن يريد ان يصدم نفسه بالتوقف عند الشكل. في لقاء مع الشاعر حسين عبداللطيف عام 1969 في مجلة "المثقف العربي" يقول البريكان:"ان الشعر لا يحيا مع الحذلقة، وليس وسيلة لتحقيق اي غرض مباشر، ولا طريقة للتنفيس عن عواطف فجة، ومن ثم فهو لا يخضع للتنظيم الخارجي، وقلما يعكس رغبات الشاعر اليومية، لان منطقته هي منطقة الذات العميقة". ويكتب الشاعر والناقد عبدارحمن طهمازي واصفا ابداع البريكان بدقة، وكانه يتحدث بلسانه:"ان موضوعه ولغته من الغنى بحيث لايدخل عليهما ما يعكرهما، فحذاقته لا تتحول الى حذلقة، ولا اللغة الى هدف شعري، فاللغة ليس هدف شعري عند البريكان، اي الغموض الموغل في الاغراب واستعراض المهارات اللغوية بعيدا عن روح الشعر"!
الاعلام، والصحافة، والنقاد الهواة، لا زالوا يظلمون البريكان، وهم يوردون امثلة من اوربا، والامريكتين، والمهجر، في حين ان اشعار البريكان لا تقل مستوى باي شكل عما يستشهدون به. بل تتعداه في اغلب الاحيان. اتذكر هنا ملاحظة قالها السكرتير السابق لاكاديمية العلوم السويدية التي تمنح جائزة نوبل العالمية للاداب في رد على سؤال صحفي، ما معناه ان النتاج العربي، وغيره سيظل مغبونا، ما دام لا يكتب بلغات مثل الانكليزية، والفرنسية، والاسبانية، والالمانية، اويترجم بحماسة لها. نفس الغبن يناله تراث البريكان في لغته، وبين اهله. البريكان لازال شعره معروف، فقط، عند النخبة، والمهتمين، من العراقين، والعرب. كتاب واحد فقط كتب عنه، وكراس، وبضع مقالات. في حين كتبت مئات الكتب عن شاعر عظيم اخر هو الجواهري لانه شاعر كلاسيكي، مدح، وذم، وهجى. وكتب اكثر منها عن السياب، ونازك، والبياتي. اما البريكان الذي يرفض استخدام كلمة "قلب" في الشعر، فلا يجري الحديث في الاعلام، الا عن سر عزلته، او لغز مقتله. في حين انه اللغز الاكبر في الابداع الشعري العراقي، والعربي في القرن العشرين."كنت اقرأ له احدي قصائدي الجديدة، واظنني اوردت فيها كلمة"قلب". استمع الرجل الى قصيدتي، وربما اثنى على شئ منها، ونسينا الامر، ونحن في مقهى بالبصرة نتداول الحديث حرا كالماء في شط العرب، واذا بمحمود يقول لي، ضاحكا، ساترا بيده اليمنى زاوية فمه: اتعرف؟ كلمات مثل كبدـ فؤادـ رئةـ قلب ـ ضلع ... هي قاموس بائع المشاوي(الفشافيش بتعبيره) وليست قاموس الشاعر." سعدي يوسف ، الثقافة الجديدة،306 /2002.
محمود البريكان، رغم الحاسدين، والمغرضين، شاعر سبق زمانه، سبق الريادة، ان صح التعبير. البريكان الانسان، المثقف، الموسيقي، متذوق السينما، الشاعر، الاديب صفاته كثيرة، وامكانياته جبارة. لم ننصفه، ولن ننصفه. غيبه زمن الحروب، ويغيبه زمن السقوط المروع لقيم الاخلاق، والابداع، والتسامح في عراق الطائفية، والتمزق. يحضرني مشهد لن انساه ابدا. كان البريكان يجلس على اريكة في غرفة اخي يشاركه فيها الشاعر عبدالكريم كاصد.الشاعر الراحل مهدي محمد علي بجسمه النحيل يجلس على الارض، وكانه يعلن استاذية الرجل ينصت بعمق، ويحاول استنطاق استاذه بكل احترام. سالت اخي:
ـ من هذا الرجل الذي يضع كفه على طرف فمه عندما يتحدث:
ـ انه المتنبي المجدد.
ـ لكنك سبق، ووصفت الجواهري بالمتنبي الجديد
ـ نعم الجواهري متنبي جديد، لكن هذا متنبي مجدد. واضاف بالعامية: يسوه ابو الجواهري بالشعر الحر!
طبعا كان ذاك تقييم حماسي لرجل غير مختص. لكنه يعكس سحر شخصية البريكان، وتاثيره.
البريكان، والسياب دفنا في مقبرة الحسن البصري في الزبير. الاول مات مقتولا والثاني مات معلولا. لكن السياب حظي في الاقل باسم يردد في الاجواء، والافاق، والمناسبات، والمحافل العربية. تمثاله ينتصب شامخا على ضفاف شط العرب. اما البريكان، فلا تمثال، ولا جائزة باسمه. كتاب يتيم للشاعر، والناقد عبدالرحمن طهمازي، يتحدث عن قيمته الفنية رغم غزارة، ونوعية، وخصوصية، وتفرد ابداعه، وانتاجه. شاعر له رؤيته الخاصة لدور الشعر، والقصيدة، ونظرته للحياة. فلكل قصيدة من شعره، منحى مختلف، وصيرورة مختلفة. شاعر مثقف من طراز مرموق رفيع حضوره الشخصي مميز يبعث الرهبة، والوقار بصوته الهادئ، وحديثه البطيئ، وكانه يحدث نفسه. ثقافة موسوعية شملت عمق المعرفة الانسانية. صدره كان وطنا لثقافات العالم. راهبا، صوفيا، متأملا، فيلسوفا، سمه ما شئت. اختار حريته بعزلته، واعتزل بحرية. اختار الصمت، واختار الاخرين الادعاء. قال عنه السياب عام 1957:"شاعر عظيم لكنه مغمور!!بسبب نفوره من النشر، وساحاول بذل كل جهد لاخراجه من صمته ليتبوء مكانته اللائقه به"! لكن السياب فشل، او لم يبذل الجهد الموعود. من يعرف؟! لكن كل معاصريه، ومعارفه، وزملائه خرجوا من تحت عباءة صمت البريكان. اختار حريته بشجاعة، ربما كان يعرف او يحس، ان شهرته تسلبه حريته. والحرية اهم قضاياه، وجوهر شعره، وشاعريته، ومعنى حياته. انتبه الى حدود حريته فاختار عزلته(ليس صمته) والا من يتحمل من يصرح:"ان كل كلمة لا يعنيها الشاعر تعني تفككا في الكيان، وان عبارة لا تستقطب شيئا هي خيانه". نطق الحلاج قبله بالحقيقة، فصلب، وصرح بها ابن المقفع فقطع اوصالا. سافرطويلا، وعميقا بين الحقيقة، والخيال، والتخيل، خطوط، وضلال، وصور، ومسارت لم يرها، او يلمسها احد سواه. لقد حار "الربع" حتى اقربهم، الى اخر لحظة في تفسير الظاهرة اهي انطوائية، ام اعتزالا، ام ترفعا، ام نخبوية، ام تقوقعا، ام حذرا، ام اختيار خلوة مع النفس، والابداع. لقد حاور الصمت، وهذا ما لا يفهمه المغرمون بالصخب. كان منعزلا منذ صغره، وصباه، وايام مدرسته الابتدائه. هذه سمة النبوغ، والتفرد. كان متفردا منذ صغره. ابوه الشيخ داود البريكان فتح اول مدرسة للبنات في الزبير، في العراق كله، واخته اول معلمة في القضاء. اختاره معلم العربية من بين كل الصف ليقرا ما كتبه في مادة الانشاء. منذ ذلك اليوم، وحتى مقتله ظل البريكان، وعبدالوهاب صديقان لا ينفصلان. درس الحقوق، ولم يمارس المحاماة. امتهن التدريس وكأن مصيره تعليم الاخرين. لا اجد فرقا بين ما كتبه البريكان، وما كتبه اي شاعر عظيم غربي. الفرق الوحيد انه زبيري نجدي بصري عصامي، ويكتب العربية. الفرق الثاني انك كلما تعيد قرائته، مع ندرة ما يتوفر لديك من نصوص تكتشف جديدا مع كل قراءة، وكأن هذا الرجل مستمر في الجدة، والتجديد حتى بعد حياته.



#رزاق_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل خيال علمي مصري من اخراج السلفيين وانتاج الاخوان المسلم ...
- مسلسل خيال علمي مصري من اخراج السلفيين وانتاج الاخوان المسلم ...
- الى الخلد يرحل الشهداء!
- مسلسل خيال علمي مصري من اخراج السلفيين واانتاج الاخوان المسل ...
- الشعب السوري يذبح والعالم يتفرج(2)
- الشعب السوري يذبح والعالم يتفرج!
- الربيع العربي، الاسلام، الاسلاميون، والديمقراطية!
- حزب الدعوة العفلقية في العراق!
- عن اي سلف -صالح- يتحدث الاسلاميون؟!(2)
- عن اي سلف -صالح- يتحدث الاسلاميون؟!
- ماذا يعني شعار -الاسلام هو الحل-؟!
- ورحل البصري الوسيم، معلم الجميع محمود عبدالوهاب!
- الرحلة الاخيرة للمهاجر.الشاعر الانيق مهدي محمد علي يودعنا عل ...
- عطية زايد البهادلي-ابو شهدي- بطل من الداكير
- سورية شعب ثائر ، ونظام جائر
- من مصر الضباط الاحرار الى مصر الشباب الاحرار!
- تحرير ثورة التحرير
- اجواء اوربا المسممة بالدعاية الاسلامية!
- متى يعيد الحزب الشيوعي العراقي النظر في طبيعة علاقته مع المث ...
- شاعر سويدي يحصل على جائزة نوبل للاداب


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزاق عبود - العام العاشر على الرحيل المفجع للرائد المجدد محمود البريكان!