أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزاق عبود - ورحل البصري الوسيم، معلم الجميع محمود عبدالوهاب!














المزيد.....

ورحل البصري الوسيم، معلم الجميع محمود عبدالوهاب!


رزاق عبود

الحوار المتمدن-العدد: 3575 - 2011 / 12 / 13 - 11:00
المحور: الادب والفن
    


ضرب الجرس فاسرعت بفتح الباب لاصادف رجلا طويل القامة، وسيم، بشرة شقراء، طلعة اوربية، واناقة غير عادية، وقبعة امريكية من الخوص. استقبلته ببشاشة مرحبا
Hello welcome!
"شنو تحجون انكليزي بالبيت"؟! فاجئني بلهجته البصرية الهادئة، وابتسامته المازحة. "عفوا ظننتك احد زملاء اخي في العمل. احيانا ياتون خبراء من الخارج فيتبرع بمرافقتهم"! "لا، لا، انا من الولاية بس شوية كاشف"! وربت على كتفي ضاحكا بمرح، يداري حرجي!
خرج اخي من غرفته مسرعا يعدل هندامه، وهو يصيح مرحبا بضيفه، ملتفتا الي: "انه استاذنا محمود عبد الوهاب الا تعرفه"؟! لم اره سابقا، بقيت، باهتا انظرالى هذا العملاق البصري "انه مارون العراق الذي حدثتك عنه"! هتف اخي بجذل، واحترام، وفخرلايخفى. كان اخي مولعا بالادب، والنقد الادبي. كان معجبا جدا بالناقد اللبناني مارون عبود، ويردد دائما: "انه عصر مارون عبود". كان ذلك في ستينات القرن الماضي. محمود عبدالوهاب يجله الجميع، بل ينتظرون، ويتمنون تقييماته، وملاحظاته، ونقده، وكانه حكما لكل ما ينتجه الاصدقاء. كنت شابا، لكني اذكر كتاباته في مجلة "المثقف"، التي كانت تصدر في خمسينات القرن الماضي.اخي يحتفظ بكل اعدادها منذ صدرت وحتى منعها. طالما تصفحت اعدادها فضولا.فاجد قصص محمود عبدالوهاب القصيرة، ونقده الذي لم افهم منه شيئا.
محمود عبدالوهاب الشاعر، والناثر، والناقد، والمترجم، قصاص، وروائي. ضم البصرة، والادب في صدره كما يضم رئتيه. لم اصادقه، ولم احضر جلساته فلست من جيله. اخي انسحب، وانعزل بعد انقلاب شباط الاسود، ثم مطاردات ناظم كزار الرهيبة في السبعينات. انا اختطفتني السياسة كلية. لكن اسمه ظل يتردد، ومواقفه يتداولها الناس. سياسيا، ونقابيا، ومهنيا، وثقافة موسوعية. زاره احد الاصدقاء بعد السقوط فسألته عنه. اجاب: التقيته، وتحدثت معه، وسجلت صوته انه يقترب من ثمانينات عمره، لكنه حيوي، ونشيط، ولا يكل الحديث كعادته. الحديث الدروس. انه الشيخ الوحيد، الذي التقيته، ولا يهذي. ذهنه ضافيا، وكانه ابن العشرين. يتذكر كل الاسماء، والحوادث، والطرائف. ذاكرة عجيبة رغم كل هذه السنين، والعذابات. انه ايقونة، وامثولة البصرة في ثقافته النوعية الواسعة، وادبه الجم، وكياسته.
رفض الهجرة: "لااقدر على ترك البصرة يوما واحدا انها رئتي الكبيرة"! عندما زرت العراق تمنيت ان اراه، ان احج اليه، ان اقبل يديه، ان احي صموده، واصراره، وبقائه. لكني خشيت، ان يعاتبني، يؤنبني: لماذ خرجتم؟ لماذا هاجرتم؟ انه مثل رشدي العامل رفض مغادرة العراق. فضل الصمت، والقراءة على الهروب. كتب رشدي في احدى رسائله لاصدقائه: "لا افعل شيئا الان: اجلس في غرفتي، استمع للموسيقى، وافكر فيكم"! كنت، في غربتي اتخيله متل رشدي العامل صامدا، بطلا، شامخا حتى ودعنا دون ان ينالوا من صموده، وصمته. خشيت ان يؤنبني، كما انب رشدي اصدقائه، وحذرهم:"لا ترحلوا فالغربة اسود من وجه الجلاد"! محمودعبد الوهاب مثل رشدي العامل لم يرحل. بقي امينا لبيئته، ينتزع منها الابداع، والرمز، والصراخ الهادئ. قارئا، ومترجما، وكاتبا في انتظار الزمن المناسب!
المفارقة المحزنة، ان الشاعر مهدي محمد علي كتب في رثاء الشاعر المبدع محمود البريكان بعد مقتله في اذار 2002 اي قبل سنة من سقوط الصنم على ايدي اسياده. وسماه بالمعتزل الحميم: " ...غادرنا الشاعر محمود البريكان بعد رحلة اعتزال شديد، وتواجد مديد لما يزيد عن خمسين عاما من الشاعرية، والشعر.. عرف بزهده بالنشر رغم انغماره بكل قضايا الشعر وقضايا الناس..."! اظن ان مهدي كان سيكتب عن استاذه محمود عبدالوهاب مثلما كتب عن محمود البريكان، ربما كان سيزيد عدد سنين نشاط وابداع محمود عبد الوهاب وحضوره الدائم. لكن مهدي رحل قبل استاذه بايام قليلة. فمحمود عبدالوهاب، لم ينعزل، ولم يصمت، ولم يتقوقع، انه لايستطيع ان ينعزل، مثلما لايستطيع ان يصمت. ظل يقرا، ويقرا، ويكتب، ويكتب. ظل مع الناس، الذين احبهم، واحبوه. مع اصدقائه، وتلاميذه من ادباء البصرة، وفنانيها، الذي خدموه حتى ساعاته الاخيرة، بعد ان ظل وحيدا، بلا اهل، ومهملا بتعمد من قبل سلطات، لاتبحث الا عن ابواق، رغم انه سيد المقاومين. واشرف من كل الحاكمين. لم يرحل، لم يهرب، ولم يتواطئ. انه مثل رشدي العامل الذي قال عن نفسه: "اني سعيد لاني لم اكن اعلانا، ولا شعارا كاذبا، ولا مهرجا في سوق النخاسة، ولا متواطئا"! قال ابو علي ذلك، وهو في عقر دار الظلم، وتحت سيف الجلاد. وربما قال محمود نفس الشيئ، وان لم يقل فقد قام بنفس الفعل.
رزاق عبود
10ـ12ـ2011



#رزاق_عبود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحلة الاخيرة للمهاجر.الشاعر الانيق مهدي محمد علي يودعنا عل ...
- عطية زايد البهادلي-ابو شهدي- بطل من الداكير
- سورية شعب ثائر ، ونظام جائر
- من مصر الضباط الاحرار الى مصر الشباب الاحرار!
- تحرير ثورة التحرير
- اجواء اوربا المسممة بالدعاية الاسلامية!
- متى يعيد الحزب الشيوعي العراقي النظر في طبيعة علاقته مع المث ...
- شاعر سويدي يحصل على جائزة نوبل للاداب
- قتلة الاطفال في دمشق وصنعاء يحظون بدعم امريكي!
- الجماهير الليبية تستعيد جماهيريتها!
- سوريا البعث تتوارث السلطة وتورث القمع!
- نكتة الرئيس السوري(البايخة) الملطخة بالدم!
- اليونان عورة الرأسمالية المكشوفة!
- من عراق صدام الى عراق المالكي!
- اخطاء اياد علاوي القاتلة!
- ضخامة الرئيس طالباني حامي حمى القاعدة في العراق!
- الوضع في اليونان اسئلة واجوبة بسيطة لازمة معقدة!
- من الدكتور بشار الاسد الى الجلاد بشار الشبيحه
- صدام المالكي على خطى صدام التكريتي!
- لماذا تقصف ليبيا النفطية، وتهادن سوريا البعثفاشية؟!


المزيد.....




- -أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
- -الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما ...
- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزاق عبود - ورحل البصري الوسيم، معلم الجميع محمود عبدالوهاب!