أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعاد خيري - الفصل السادس العودة للوطن سرا ولحياة الاختفاء الجديدة















المزيد.....

الفصل السادس العودة للوطن سرا ولحياة الاختفاء الجديدة


سعاد خيري

الحوار المتمدن-العدد: 3650 - 2012 / 2 / 26 - 12:23
المحور: سيرة ذاتية
    


واخيرا تقرر يوم السفر الذي تأخر كثيرا . ووزعت ما جمعته من مستلزمات الحياة والكتب واودعت ما كان عزيزا , وودعت من يمكن توديعهم ومعرفتهم بسفري . وطرت مع يحيى الى براغ في تشرين اول 1967, المحطة الاولى حيث استلم جواز السفر المزور وكان باسم باسمة المفتي!! ويحيى باسم سمير . وانزلنا الجيك بفندق اللجنة المركزية كضيوف. ولكن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ومسؤلة المنظمة الحزبية في جيكوسلوفاكية في تلك الفترة الدكتورة نزيهة الدليمي رفضت ان يعاملوني كظيف وفرضت نقلي الى ملجأ اعتيادي .وفعلا نقلنا الى ملجأ يفتقر الى الكثير من مستلزمات الحياة الصحية ولاسيما بالنسبة ليحيى. فاصيب بالتهاب الامعاء . وخففت نضال وصفي الكثير من محنتي التي كانت عقابا انتقاميا لنقد عام لسياسة الحزب المعروفة بخط اب التصفوي قدمته في كونفرنس الخارج, الذي عقد في المانيا الديموقراطية عام 1966 ولم اكن اقصد اي فرد معين. ولكنها اعتبرته موجها لها لانها كانت من اقطابه .
كانت هذه ثاني اقسى عقوبة على جرأتي, بعد انتقاد عمومة . ورغم قصر مدة العقوبة الاخيرة , خمسة عشر يوما بالنسبة لسبع سنوات من الاقصاء في الاولى وفي ظروف السجن , الا انها كانت قاسية جدا لانها شملت يحيى وهو طفل برئ.
وبعد خمسة عشر يوما سافرت وفقا للخطة المرسومة الى بيروت بالطائرة ونزلت في الفندق الذي يديره الشيوعيون اللبنانيون. وعبثا حاولت ان اتصل باحدهم, فقررت ان اتمتع بمشاهد بيروت, لاخفف التوتر الذي كنت اعانيه ولشحذ طاقاتي لمواجهة ما ينتظرني. فاستأجرت تاكسي وجلت به ومعي يحيى وشاهدت مغارة جعيتة !! وهي تحفة فنية رائعة من منح الطبيعة . فاعمدة الستلكتايت والستلكمايت الصاعدة والنازلة التي درسناها في دروس الكيمياءولم نشاهدها, وبفضل الانارة الفنية وانعكاساتها تجعل المرء يشعر وكانه في عالم من الاحلام لا يمكن وصفه. وساعدتني ادارة الفندق على حجز مقعدي في باص شركة النيرن للنقل ومن هناك بعد يومين ركبت باص النيرن الى بغداد. ومررنا بدمشق دون ان اراها وبعدد من مناطق التفتيش وكان درعي الواقي يحيى الذي انشغل به عن ملاحظات المسافرين والمفتشين, ومنها , كيف لامرأة شابة وطفلها تترك لوحدها بمثل هذه السفرة الطويلة والشاقة!! وكثيرا ما اظهر بعض المسافرين قلقهم علينا, بل كان وجودنا بينهم احد اسباب رفض السائق التوقف في منتصف الطريق الى صباح اليوم التالي.
وصلنا بغداد في الساعة الثانية بعد منتصف الليل وبعد اجراءات التفتيش المرهقة ومحاولة انشغالي عنهم بالعناية بيحيى, واجهت محنة التعرف على المنطقة والبيت الذي يجب ان اقصده وانا لا اعرف بغداد جيدا. فبعد عشر سنوات السجن تمتعت بالحرية الكاملة سنة واحدة !! ولم ازر منطقة الكرخ الا نادرا. استاجرت تاكسي وابلغته العنوان ووصلت الى البيت المحدد وهو بيت الشهيد وصفي طاهر. وما ان قرعت الجرس في تلك الساعة المتأخرة حتى هرع الجميع لاستقبالي. فقد كانوا في انتظاري ويتوقعون وصولي في اي وقت. فقد ابلغتهم نضال عن سفري ومر عليهم زكي مساء . قابلوني بكل الود ولم يكن اي منهم يعرفني سوى زوجة الشهيد وصفي بلقيس ورغم كل تعبي استطعت ان اخص ام زكي التي اشاهدها لاول مرة بالعناق الحار والحديث الودي
وفي صباح اليوم التالي المصادف 25/11/1967 حضر زكي متلهفا وانتقلنا نحن الثلاثة من بيت حزبي الى اخر في اقصى السرية حتى سمح لنا بالاستقرار في بيتنا الخاص, بعد ثلاثة اشهر. وبدأت المشاكل التي تواجه كل زوجة ربط الحب بينها وبين زوجها وتمتعت بكل تبعات الحب من عذاب الفراق ولهفة اللقاء, وتحلم ان تبقى تلك المشاعر الملتهبة بعد الزواج, ولاسيما اذا كانت من المثقفات والمكرسات حياتهن للنضال. ويانفن من تكريس حياتهن للعمل البيتي وتربية الاطفال. ورغم تفهمهن لظروف العمل السري فانهن يطالبن ازواجهن باشراكهن بالمهمات واطلاعهن على كل ما يجري وطنيا وعالميا. وما ان يعود الزوج متعبا من المناقشات السياسية التي خاضها طوال اليوم ويبحث عن الراحة مع الحبيبة والاطفال, الا وتستقبله الزوجة بالاسئلة السياسية!! وكانت هذه قمة المشاكل التي عانت منها ام سلام وادت اخيرا الى الانفصال. واذا كانت راحة زكي خيري بعد التعب والمداعبات معي ومع يحيى هي القراءة فان متعة بهاء كانت كل شيء الا السياسة. وزكي خيري يقرأ لساعات وساعات دون ان يشعر بما حوله.ويرد على اي سؤال يوجه له بهمهمة وحتى اذا الح يحيى عليه بالسؤال وما اكثر اسئلة يحيى في طفولته, وبعد خمس اوست همهمات يقول له اذهب الى امك . تألمت في البداية . ولكني وجدت الطريقة الافضل لجره الى الحديث معي وهو القراءة والمشاركة عبرها من خلال طلب التوضيح لبعض الاشكالات الجدية . واذا به يتفرغ كليا ليوضح لي ويناقشني ومن ثم اسند لي قراءة الصحف وتلخيصها له. وهكذا بدأ انسجامنا التام في العمل يعزز انسجامنا العاطفي ويسعد حياتنا الزوجية وما يتركه ذلك من اثار ايجابية على الاطفال. ولازلت اسخر تجربتي هذه لمساعدة الزوجات الجدد بالتفتيش عن نقاط التقاء مع اهتمامات ازواجهن لتصبح الحياة امتع والتغلب على كل الصعوبات اسهل. فمشاعر الحب الملتهبة تبرد بعد الزواج ولابد من ابقاء جذوتها بل وترسيخها وتعميق جذورها في الوجدان بالبحث عن نقاط الالتقاء الفكري والعاطفي.
وعندما اصبحت في الشهر الثالث من الحمل بوداد, قررت قيادة الحزب تسفير زكي الى الخارج للقيام بجولة تثقيفية على جميع منظمات الحزب في اوربا, ضد المنشقين عن الحزب بقيادة عزيز الحاج. وجاءت ام زكي لتعيش معي. وطالت السفرة ستة اشهر, واصعب ما عانيته في تلك الفترة عدم اسناد اية مهمة حزبية لي. وبقيت مع امه لوحدنا وكانت امرأة مرحة ولطيفة جدا ولكنها لا تطيق حياة الاختفاء والبقاء في البيت دون ان تزور اصدقاءها وهم كثر حيث تكون محور الجلسات باحاديثها الجذابة ونكاتها المرحة.وحاولت في البداية ان تملا الفراغ باللعب مع يحيى ولكنه لم يستجب لها فهو بدأ يتكلم العربية بدون اي خطأ محبب لكبار السن ويحب ان يرسم ويتفرج على الصور بالمجلات ولاسيما مجلتي وينسج القصص عنها. ولم نستطع ايجاد لغة مشتركة فبعد ان انهي المهمات اليومية من طبخ وتنظيف وتركها تلعب مع يحيى لاجد فرصة للقراءة . ضاقت ذرعا بهذه الحياة وقررت ان نترك البيت ونذهب للعيش في بيت وصفي طاهر .
ولم يكن لي اي خيار اخر, فاما ان ابقى لوحدي مع يحيى وانا حامل واما العودة للحياة كظيف مهما يكن فهو ثقيل, لاسيما وان المدة غير محددة.وافق الحزب على ذلك ولم اجد صعوبة في اخفاء شخصيتي للشبه بيني وبين زوجة وصفي , واسمي سلمى وهونفس اسم اختها واسم يحيى سميرواحبه الجميع ولاسيما هندية الابنة الاصغر للشهيد وصفي بل وتعلقت به فما ان تعود من المدرسة الا وتلعب معه.
تقدم الحمل ولم يعد زكي. وزاد الحرج من بقائي عبئا على العائلة التي تعيش على راتب تقاعد الشهيد ومما زاد الطين بلة اصابتي بالتهاب الكلى في الشهر الثامن من الحمل واصبت بالحساسية جراء اعطائي المضاد الحيوي واصبحت حياتي في خطر فتفاقم خوف العائلة وطلبوا من زكية خيري ان تحررهم من المسؤلية فانتقلنا الى بيت اخي زكي , كامل. وكان كامل انسانا مرحا يخلط دائما بين الجد والهزل ورغم كل اهتمامهم بي وبيحيى ضقت ذرعا بالعيش عالة على الاخرين وبعدم شعور زكي بالمسؤلية العائلية وهو يعلم بكل ما اعاني ولاول مرة في حياتي انتابتني موجة بكاء عارمة . فهرعت زكية خيري الي قائلة الكل فداك انا مستعدة لكل ما تطلبين!! قلت لا اريد سوى تأجير بيت لي لاستقل بحياتي . وسلمتها الايجار . وبعد اسبوع من انتقالي الى البيت المستقل عاد زكي . ونسيت في لحظة اللقاء كل ما عانيت في بعده. وكان ذلك في 10/7/1968 . وفي 17/7/1967 حدث الانقلاب البعثي واعلانه الاستفادة من تجارب الماضي واستعداده للتعاون مع الشيوعيين. وفعلا تم اطلاق سراح بعض الشيوعيين. وهذ مكنني من الولادة في مستشفى الكاظمية.



#سعاد_خيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة الى موسكو ومواصلة الدراسة
- كفاحي لتعرية انقلاب 8/شباط / 1963الفاشي حطم جدران عزلتي
- الحياة الجامعية
- العودة الى حياة التلمذة في جامعة الصداقة بين الشعوب جامعة با ...
- الابعاد الاول عن الوطن
- الاختفاء في زمن الحرية
- الحياة الجديدة حياة الحرية
- الفصل الرابع ثورة 14/تموز/1958 ابهج احداث حياتي
- حواري الداخلي
- من افضع جرائم النظام الملكي المجازر ضد السجناء السياسيين
- انهيت عقوبة الابعاد الى سجن البصرة بثلاث شهور
- تعاون الحكم الملكي مع امريكا لمد اسرائيل بيهود العراق وحرمان ...
- تنظيم حياتنا السجنية
- الفصل الثالث عشر سنوات السجن في سجن بغداد المركزي
- الفصل الثالث عشرسنوات في سجن النساء المركزي في بغداد
- 4- الاعتقال والحكم المؤبد
- مساهمتي في وثبة كانون / 1948
- الفصل الثاني الانعطاف الحاسم
- 2- بوادر الوعي الوطني
- الفصل الاول من رحلة حياة البدايات


المزيد.....




- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...
- جميع الإصابات -مباشرة-..-حزب الله- اللبناني ينشر ملخص عمليات ...
- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- -بوليتيكو-: شي جين بينغ سيقوم بأول زيارة له لفرنسا بعد -كوفي ...
- كيم جونغ أون يشرف بشكل شخصي على تدريب رماية باستخدام منصات ص ...
- دمشق: دفاعاتنا الجوية تصدت لعدوان إسرائيلي استهدف ريف دمشق
- هبوط اضطراري لطائرة مسيرة أمريكية في بولندا بعد فقدان الاتصا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعاد خيري - الفصل السادس العودة للوطن سرا ولحياة الاختفاء الجديدة