أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ وجمع القرآن)















المزيد.....



السنة ما لها وما عليها: الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ وجمع القرآن)


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3638 - 2012 / 2 / 14 - 16:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يخفى على من له أدنى بصيرة ومعرفة بالقرآنيين وبأفكارهم وكتاباتهم ومقولاتهم أنهم فريق من المسلمين قاموا باختطاف (القرآن الكريم) ونزعه وقطعة وسلخه من تاريخه البشري والثقافي والتراثي واللساني (اللغوي)، وأحاطوه بمسحة من الذاتية الإلهية الممتزجة بهالة من القدسية والعصمة التي ينتفي معها أي سؤال وأي نقاش أو حوار حول كيفية حفظ هذا الكتاب وعدم امتداد أي يد بشرية للمشاركة في حفظه ونقله إلينا عبر الأجيال على مدار ما يزيد على أربعة عشر قرنا من الزمان، وكذلك قاموا بتجريده تماما من كل العوامل والآليات البشرية التي قامت بحفظه ونقله وحمله إلينا بهذا الشكل وبهذا المحتوى وبهذا النص الذي بين أيدينا الآن. ولا يخفى كذلك على كل ذي بصيرة ومعرفة بالقرآنيين أنهم قاموا بوضع (القرآن الكريم) وعزله داخل صندوق أسود صنعوه من قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). (9_ الحجر). وقوله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به* إنا علينا جمعه وقرآنه* فإذا قرأناه فاتبع قرآنه* ثم إن علينا بيانه). (16 : 19_ القيامة).

كذلك لا يخفى على كل ذي بصيرة وكل ذي معرفة بالقرآنيين أنهم قوم يزعمون أن التاريخ الإسلامي كله منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام هو تاريخ أشبه بالحريق الذي لا نرى منه سوى الدخان الأسود فحسب، وهؤلاء الرجال الذين توفى رسول الله عليه الصلاة والسلام وتركهم هم في أفضل أحوالهم عبارة عن عصابة (مافيا) من الأشرار المتوحشين الدمويين كفروا بالله وارتدوا عن دينهم وقاموا باحتلال البلدان المجاورة والبعيدة، والمفارقة هنا أنهم فعلوا ذلك من أجل نشر هذا الدين بحد السيف على أهل تلك البلدان، وأقاموا إمبراطورية إسلامية تكاد لا تغيب عنها الشمس في وقت قياسي، وقام القرآنيون بوسم هؤلاء الرجال المفترض أنهم نتاج تربية وتزكية وتعليم النبي عليه الصلاة والسلام ونتاج تعاليم الإسلام، وهم من قال الله فيهم:

(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (100- التوبة).

(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا). (18- الفتح).

(أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (22- المجادلة).

هؤلاء الرجال وسمهم القرآنيون ونعتوهم وصوروهم بأخس وأبشع ما تكون عليه صور (العصابات) و(المافيات) الإجرامية في تاريخ البشرية، بل إن أعتى العصابات الإجرامية في تاريخ البشرية وأكثرها جرما وفجاجة ووحشية لتتضاءل وتتقزم وتصغر أمام هذه (العصابة) التي أنتجها ورباها وعلمها محمد عليه الصلاة والسلام، وليس كذلك فحسب، بل الدكتور (صبحي منصور) يرى أن المسلمين الأوائل ليسوا فقط (عصابة) إجرامية، بل لقد خرجوا من الإسلام وساهموا وتسببوا في نشأة أديان أرضية شركية كفرية أعادت الأديان الوثنية السابقة لظهور الإسلام مرة أخرى ولكنها تحت اسم الإسلام، ولكي لا يتهمني أحدهم بالمبالغة أو التجني أسوق للقارئ مقطعا صغيرا من عشرات المقاطع التي تعج بها كتابات الدكتور (صبحي منصور) وغيره من القرآنيين للتدليل على ما ذكرت، يقول الدكتور (منصور) في مقال له بعنوان: (الخلط بين الإسلام والمسلمين): (عندما خرج الصحابة من المدينة لغزو بلاد لم تقم بالاعتداء عليهم، وحينما احتلوا تلك البلاد بعد نهب خيراتها وقتل ابنائها وسبى نسائها فان كل ما فعلوه يتناقض مع شريعة الاسلام. بل إنهم حين كانوا يعرضون على ضحاياهم الذين يغزونهم قبل الحرب أن يقبلوا واحدا من ثلاثة: إما الاسلام أو دفع الجزية أو الحرب فانهم كانوا يتناقضون مع ألف آية قرآنية تؤكد على انه لا إكراه فى الدين وأن لكل انسان حقه المطلق فى العقيدة و انه مسئول عن اختياره امام الله تعالى يوم القيامة. أى أن ما انتشر بسيف الفتوحات لم يكن الاسلام الحقيقى وانما استعمار واستيطان بالقوة أدى فيما بعد الى نشأة أديان ارضية رجعت بها الديانات السابقة الى الظهور تحت اسم الاسلام فقط.) انتهى.

لكن ما يستدعي الوقوف أمامه طويلا في كلام الدكتور (منصور) بصفة خاصة، وفي كلام القرآنيين بصفة عامة هي تلك الشهادات الأخرى التي شهد بها غير المسلمين لتاريخ المسلمين، وليس فقط شهادات غير المسلمين، بل شهادات غير المسلمين الذين يعتبرهم كثيرون من أشد الناس بغضا وعداوة ومناوئة للإسلام وللمسلمين، وبالطبع لن نجد في وقتنا الحالي نموذجا لهؤلاء أكثر وضوحا وجلاء من القمص (ذكريا بطرس)، بل إنني أقر وأعترف بأن القمص (ذكريا بطرس) كان أكثر إنصافا واتزانا وعدالة وموضوعية وصدقا في شهادته للمسلمين الأوائل من الدكتور (صبحي منصور) بل ومن القرآنيين مجتمعين، يقول القمص (ذكريا بطرس) في كتابه: (تاريخ انشقاق الكنائس):

(كان نتيجة لهذا الانشقاق أن اضطهد قياصرة القسطنطينية الكنيسة المصرية وذلك لأن أولئك الأباطرة كان من مصلحتهم أن لا يكون هناك انشقاق في إمبراطوريتهم ولذلك حاولوا بشتى الطرق أن يثنوا الكنيسة المصرية عن إيمانها ولكن باءت محاولتها بالفشل وأخيرا أرسل أولئك الأباطرة بطاركة من قبلهم إلى الإسكندرية ليحلوا محل البطاركة الأقباط وعرف أولئك البطاركة المعينين من قبل الملك بالبطاركة "الملكيين" وطبيعي كانوا من أنصار مجمع خلقيدونية). ثم يتابع القمص ذكريا بطرس كلامه قائلا :(وبهذا أصبح في مصر بطريركان أحدهما يختاره الأرثوذكس الأقباط والآخر يرسله القيصر ليكون بطريركا للملكيين. وكان الأقباط يرسمون بطريركهم سراُ وكان لا يسمح لهم بدخول الإسكندرية. وظل الحال على هذا الوضع حتى دخول العرب "المسلمين" مصر. وتخلص الأقباط من سلطة الرومان وبطاركة الروم الملكيين). انتهى كلام القمص ذكريا بطرس.

مما يعني كلام القمص (ذكريا بطرس) أن دخول المسلمين (مصر) لولاه لما تخلص المسيحيون المصريون من قهر واضطهاد وحرمان وإذلال إخوانهم في الدين (بطاركة الروم الملكيين) المسيحيين الكاثوليك. وهناك عشرات ومئات الشهادات الأخرى سوى شهادة القمص (ذكريا بطرس) التي تعج بها كتب غير المسلمين الأوربيين والشرقيين وغيرهم، ولا يتسع المجال هنا لذكر أكثر من هذا، وأكتفي بهذا القدر لألفت انتباه القارئ إلى أن الدكتور (صبحي منصور) والقرآنيون عامة يرون في تاريخ المسلمين وتاريخ رجاله الأوائل ما لا يراه حتى من يوصف بأشد الناس عداوة وبغضا ومناوئة للإسلام وللمسلمين.

والحال هكذا لا يمكن لعاقل أن يتصور ولو للحظة أن (القرآن الكريم) الموجود بين أيدي المسلمين الآن في جميع أنحاء العالم قد وصل إلينا بطريقة وبآليات غير بشرية، بمعنى أنه وصل إلينا بطريقة إلهية (ماورائية) خفية لا يمكن إدراكها ولا دخل لدور البشر فيها على الإطلاق، فهذا ما لا يقول به عاقل أبدا، بل حتى قول القرآنيين أنفسهم أن النبي عليه الصلاة والسلام هو من جمع القرآن بنفسه وهو من خطه بيده، فهو قول ليس لديهم أي دليل علمي موضوعي يثبته، وما يؤكد كلامنا هذا أنه لا توجد نسخة واحدة في أي مكان في العالم خطها النبي عليه الصلاة والسلام بيده، وكل ما لدى القرآنيين من جواب حين تسألهم كيف وصلكم هذا القرآن؟ وما هي آليات حفظ هذا القرآن يكون الجواب: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). هكذا يكون ردهم، ولا يمكن أن تجد لديهم إجابة علمية مقنعة متيقنة عن كيفية حفظ الله لهذا الكتاب. فهم بالضبط يطبقون المثل القائل: (هل تريد دجاجة؟ خذ دجاجة. هل تريد غزالا؟ خذ دجاجة).

مع العلم أن (القرآن الكريم) الموجود بين أيدي المسلمين الآن ليس قراءة واحدة وحيدة، بل له قراءات سبع متواترة، وأضيف إليها ثلاث فأصبحت عشر، وهناك عشر روايات أخريات ولكن قيل أنها روايات شاذة، فالقرآن له عشرون قراءة، فهل يستطيع القرآنيون أن يجيبونا أي القراءات العشرين أصح؟ وأيهن هي القراءة الثابتة يقينا وقطعا عن النبي عليه الصلاة والسلام؟ وهل لديهم برهان علمي موضوعي مادي ملموس يؤكد لنا بالقطع واليقين أي هذه القراءات هي الصواب؟ أم هو الإلزام والتعمية والإيهام؟، أم هو ليس أمامك إلا ما أقوله لك، إما أن تتبع قولي أو فأنت ضال مضل، وإما أن تتقبل كلامي وإما أن تلغي عقلك وتفكيرك، وإن ألغيت عقلك وتفكيرك فليس أمامك سوى عقل وقول وتفكير القرآنيين. بالضبط كطريقة فرعون موسى حين قال لقومه: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).

كذلك حين يقول القرآنيون أن النبي عليه الصلاة والسلام هو من جمع (القرآن الكريم) وخطه بيده، يحق لنا أن نسألهم: أين هي تلك النسخة المخطوطة بيد النبي عليه الصلاة والسلام؟، مع العلم أن أقدم نسخة مخطوطة من (المصحف الشريف) هي النسخة التي في مشهد مسجد (الحسين) بالقاهرة والمسماة بمصحف عثمان ويقترب عمرها من 1400 عام، وهو أحد المصاحف الستة التي نسخت بأمر الخليفة الثالث عثمان بن عفان. ويقال إن مصحف عثمان الموجود بالقاهرة هو النسخة الأقدم للقرآن علي الإطلاق، ولم يتم العثور علي أية نسخة أقدم منها، كما أنه لم يتم التأكد من صحة الرأي القائل بأن نصوص مصحف الجامع الكبير بصنعاء ترجع لعصر أبو بكر. حيث تم العثور سنة 1972م وأثناء أعمال ترميم الجامع الكبير بصنعاء، علي نسخة قديمة من القرآن الكريم بسقف المسجد، والتي سميت بعد ذلك بنصوص الجامع الكبير، وهي في الأصل مجموعة رقاق لعدة مصاحف بها 15 ألف صفحة، وتبين من فحصها أنها ترجع إلي القرنين السابع والثامن الميلاديين مما يجعلهما من أقدم النسخ القرآنية المكتشفة حتي الآن. كذلك كان أحد الباحثين الروس قد أعلن مؤخرا أنه أجري أبحاثا علي مجموعة مخطوطات للقرآن الكريم بروسيا أوصلته إلي أن أقدم نسخة من القرآن هي الموجودة في روسيا باسم (قرآن عثمان) وأنها أول نسخة للقرآن وهي التي قتل وأريق دمه عليها. وأن التحاليل أثبتت أنها تعود للقرنين الثامن والتاسع الميلاديين، إلا أن علماء التاريخ الإسلامي لم يعتمدوا هذا القول وهم في انتظار دليل أقوي.

كذلك تتساوي مخطوطة سمرقند مع مصحف عثمان في القدم، حيث إنها أيضا إحدى النسخ الست التي كتبت في عهد عثمان، وقد انتقلت هذه النسخة من الكوفة إلي سمرقند عقب تدمير تيمورلنك للعراق، وبقيت هناك طوال أربعة قرون حتي عام 1868، وعندما غزا الروس طشقند استولوا علي المخطوطة وجلبوها إلي المكتبة الإمبراطورية في سانت بطرسبرج، وبعد الثورة الشيوعية، أهدي فلاديمير لينين القرآن إلي شعب أوفا في باشكردستان، وبعد التماسات متكررة من شعب جمهورية تركستان السوفيتية الاشتراكية «حينذاك»، أعيد المصحف إلي طشقند بآسيا الوسطي، حيث بقي هنالك إلي اليوم، إلا أنه فقد جزءاً كبيراً من صفحاته ولم يتبق منه إلا الثلث، كذلك توجد أقدم نسخة للقرآن بالفارسية بمدينة «مشهد» الإيرانية، وترجع للقرن العاشر الميلادي.

وعليه فلا توجد أية دلالة ولا أدني أثارة من علم حتى هذه اللحظة تثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو من خط القرآن الكريم ونقطه وشكله بيده بهذه الطريقة التي هو عليها الآن، بل هذا القول هو محض فرضية عارية من أي برهان علمي حقيقي، وما يؤكد هذا هو عدم وجود النسخة النبوية التي خطها الرسول بيده، بل ليس هناك نسخة خطها الرسول بيده أصلا، بل إن القول بهذا يعد نوع من الوهم ومطاردة السراب، بل إن القول بهذا يطعن في مصداقية قول الحق سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، لماذا؟، لأن الحفظ يقتضي الاتصال لا الانقطاع، ولكي يكون القرآن محفوظا برسم وخط وتنقيط وتشكيل إلهي منزل على قلب الرسول بهذه الهيئة، كان من المفترض وجود هذه النسخة حتى الآن؟ لكن هذه النسخة النبوية لا وجود لها إلا في خيال وأوهام القرآنيين، وكي يتم حفظ القرآن كان لا بد من اتصال وتواجد النسخة النبوية وعشرات بل وآلاف منها حتى الآن، لكن الواقع والحقيقة العلمية تقول إن النسخة النبوية للقرآن مفقودة تماما بل لا وجود لها على الإطلاق منذ 1400 سنة.

وبالتالي نقول للقرآنيين إن أكبر دليل على وهمية وجود النسخة المخطوطة بيد النبي محمد أنها بالفعل ليست موجودة، وإن كانت موجودة فأين هي؟ ولماذا فقدت؟؟ وهل يمكن أن تتوافق فكرة عدم وجود نسخة مخطوطة بيد النبي محمد مفقودة لم يعثر أحد عليها منذ أربعة عشر قرنا هل يتوافق هذا مع قول الحق: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)؟، وإذا كان أصل الذكر مفقود وهو نسخة النبي فأين الحفظ الإلهي إذاً؟. أسئلة ثقيلة ومريرة لا أظن أن القرآنيين يملكون أية إجابة عليها، وأنا هنا لا أشكك على الإطلاق في حفظ الله سبحانه للقرآن العظيم، بل لي بحث مهم حول حفظ القرآن الكريم لم أنشره بعد وسوف أنشره في حينه، ولكني فقط أسأل القرآنيون عن كيفية هذا الحفظ وآلياته بطريقة علمية موضوعية شافية.

وبالتالي فالقرآنيون لم يقدموا للناس أي برهان علمي أو عملي جاد على صحة وصدق النسخة القرآنية التي بين أيديهم وأيدي المسلمين حتى هذه اللحظة، وهل هي نفسها النسخة الأصلية التي بلغها الرسول عليه الصلاة والسلام للمسلمين دون زيادة أو نقصان، أم لا؟؟. ولم يقدموا سوى شهادة القرآن لنفسه والتي جاء فيها: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وهذه الشهادة وكفى، تعد شهادة مجروحة أمام المنهج العلمي الموضوعي كذلك، ولن يستطيع القرآنيون، أن يقدموا للناس أي برهان علمي موضوعي على صحة وصدق النسخة القرآنية الموجودة بين أيدي الناس الآن، إلا بالرجوع إلى كتب السنة وكتب التراث وكتب التاريخ الإسلامي، وبما أنهم لا يعترفون بكتب السنة والتراث والتاريخ ويخطئونها جميعا ويصفونها بالكذب والتدليس، فلا سبيل لهم لإثبات ذلك، بل ولن يستطيعوا أن يثبتوا صحة وصدق القرآن الموجود بين أيديهم وأيدي المسلمين الآن دون الرجوع إلى إثبات ذلك من كتب السنة والتراث والتاريخ الإسلامي. كذلك لا سبيل آخر لديهم لإثبات ذلك إلا بحال من اثنتين، الأولى: أن يقولوا أن القرآن قد أوحاه الله إليهم مرة أخرى من دون الناس. الثانية: أنهم كانوا شهداء على عصر الرسول والرسالة وما زالوا أحياء منذ عصر الرسالة حتى هذه اللحظة. وكلا الحالين محالان.

كذلك حين قام القرآنيون باختطاف القرآن ونزعه من سياقه التاريخي والبشري دون أن يعرفوا كيفية وصول القرآن إليهم، ولا من خطه، ولا من جمعه، ولا من جاء به، لم يستطيعوا أن يقدموا برهانا علميا موضوعيا على حفظ الله للقرآن الكريم، هذا فوق أنهم يشككون في كل شيء سوى القرآن، يشككون في التاريخ الإسلامي، ويشككون في ما يسمى بالسنة، ويشككون في السيرة وفي الصحابة وفي السلف وفي التاريخ، ويشككون في لسان العرب، لدرجة تشعر كل من يقرأ لهم، وكأن القرآنيون قد عثروا على هذا القرآن في بطن جبل، أو في جوف كهف، أو ربما يكون الله قد أهبطه عليهم من السماء من دون الناس. وأصبح القرآن لديهم مقطوع من شجرة، لا تاريخ له ولا سيرة ولا واقع ولا أصل ولا فصل ولا قوم نزل بلسانهم.

والسؤال الآن: إذا كانت النسخة النبوية للقرآن الكريم مفقودة وغير موجودة، وإذا كانت أقدم النسخ الموجودة الآن هي النسخ التي جمعها وكتبها المسلمون الأوائل (الغزاة الذين قاموا بسلب ونهب واحتلال الأمم الأخرى)، وإذا كانت كل كتب التراث والتاريخ الإسلامي مكذوبة مدسوسة، فلماذا لم يقبل القرآنيون من كل كتب التراث سوى كتابا واحدا وهو (القرآن الكريم)؟؟، أليس القرآن كتابا تاريخيا تراثيا كبقية كتب التاريخ والتراث؟، جاء به (الكذابون الملفقون المختلقون)؟، وما الذي يمنع الكذاب الملفق المختلق لكتب التراث أن يكذب ويلفق ويختلق في القرآن كذلك؟. وإذا كان القرآنيون يرون أن الذين نزل عليهم القرآن أول مرة كانوا عصابة من (القتلة والغزاة والمحتلين وتركوا الإسلام وتسببوا في إنشاء أديان أرضية شركية وثنية)، ولا عمل لهم سوى السلب والنهب والغزو والاستعمار، فكيف آمن القرآنيون بكتاب حمله إليهم مجموعات من القتلة واللصوص والغزاة وقبلوه منهم واعتبروه دينا يدينون لله به؟، بل وكيف صدق القرآنيون أولئك القتلة الغزاة في ادعائهم بأن هذا القرآن هو وحي من عند الله؟. وهل يستقيم في فكر بشر سوي النفس أن تقوم جماعة من الغزاة القتلة باحتلال بلاده وسلب ونهب ثرواته وهتك أعراضه، ثم يقدم المحتل الغازي السفاح لذلك الشخص كتابا يقولون له هذا كتاب الله فآمن به وصدقه واتبعه فيمتثل ذلك الشخص لأمرهم هكذا ويصدقهم؟.

والسؤال الأهم من هذا وذاك: ماذا يحدث لو قمنا بحمل القرآن الكريم إلى شخص من ساكني البوادي البعيدة أو شخص أعجمي لا يتكلم اللسان العربي، أو غيرها من المناطق التي لم يسمع ساكنيها بالإسلام ولا بالقرآن ولا بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وقلنا لذلك الشخص هذا كتاب أوحي الله به إلى رجل اسمه محمد، ثم طلب منا ذلك الشخص البراهين العقلية والعلمية والعملية على صدق وصحة ما نقول، فهل نقول له (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) كما يبرهن البعض بهذا؟، أم نقدم له أجوبة علمية موضوعية على حفظ القرآن العظيم؟.

## هل جمع الله القرآن الكريم ؟ :

يظن أكثر الناس إن لم يكن جميعهم في الماضي والحاضر أن الله هو من جمع القرآن الكريم، واعتمدوا في ذلك على آيات سورة القيامة التي تقول: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (19_ القيامة)، ولا أدري ماذا في هذه الآيات قد جعل القوم في الماضي والحاضر يظنون أن المقصود بالجمع في هذه الآيات هو (القرآن الكريم)؟؟، ولو قمنا بإمعان النظر قليلا في سورة القيامة بأكملها لوجدنا أن هذه السورة وآياتها الأربعون لم تأت على ذكر القرآن الكريم على الإطلاق، فالسورة في مجملها وتفصيلها تتحدث عن يوم القيامة وما يحدث فيه من بعث لأجساد الموتى وجمع لعظامهم، وتتحدث عن سؤال الإنسان في الدنيا عن يوم القيامة واستعجاله بهذا اليوم العظيم، وتتحدث كذلك عما يحدث في ذلك اليوم من أهوال، من برق للبصر وخسف للقمر وجمع للشمس والقمر، وقول الإنسان يومئذ أين المفر؟؟، وتتحدث الآيات عن أن الإنسان سوف ينبأ يومئذ بما قدم وأخر من أعمال، وتذكر الآيات بأن الإنسان على نفسه بصيرة مهما قدم من أعذار، ثم تنتقل الآيات بعد ذلك للحديث عن الإنسان الذي يحب العاجلة ويذر الآخرة، وتنتقل لعرض بعض مشاهد ذلك اليوم العظيم، الذي ترى فيه وجوه ناضرة ووجوه باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة، وتنتقل الآيات في العرض الأخير من السورة إلى مشهد احتضار الإنسان وإشرافه على الموت فقامت بعرض بعض مشاهد هذا الفراق المؤلم والذي لا اجتماع بعده إلا في ساحة القضاء أمام من لا تخفى عليه خافية، فذكرت الآيات لحظة بلوغ النفس التراقي والظن بأنه الفراق والتفاف الساق بالساق والسؤال عن الراق ولا يدري أنها لحظة المساق، ثم تنتقل السورة إلى مشهد يعرض حال الإنسان يوم القيامة حين يجد نفسه لا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى وذهب إلى أهله يتمطى، وتلتفت السورة في نهايتها مرة أخرى إلى الإنسان لتسأله: أيحسب الإنسان أن يترك سدى؟؟، ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى، وتختم السورة آياتها بسؤالها الأخير للإنسان بقولها: (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)؟؟.

هذا هو موضوع سورة القيامة من أولها إلى آخرها، لم نر فيه أي حديث يذكر عن القرآن الكريم، وإنما انصب حديث السورة كله عن الإنسان وحاله قبل يوم القيامة وأثناء يوم القيامة وبعد يوم القيامة، فهل يخطر ببال أحد أن الله في هذا المشهد الرهيب عن يوم القيامة الذي قام بعرضه من أول كلمة في السورة إلى آخر كلمة فيها هل يخطر ببال أحد أن يوقف الله الحديث فجأة بهذه الطريقة الفجة غير المبررة ليتحدث عن تحريك الرسول لسانه متعجلا بالقرآن وأنه هو سبحانه المتكفل بجمع القرآن وقرآنه وبيانه ثم يعود بعد ذلك للحديث مرة أخرى عن يوم القيامة؟؟، على طريقة الإعلام المرئي والمسموع حين يتم وقف بث الفيلم أو البرنامج فجأة لبث نبأ عاجل أو موجز لأهم الأنباء؟؟.

ولكن قبل الجواب على هذا السؤال أود أن يتلو القارئ سورة القيامة كاملة حتى يدرك ويلحظ مدى الفجاجة غير المبررة إن ظننا أن الآيات من (16: 19) تتحدث عن استعجال الرسول بالقرآن الكريم، فلنتلو السورة على النحو التالي:

(سورة القيامة)
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ(1) وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2) أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ(3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّـسَوِّيَ بَنَانَهُ(4) بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ(5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القِيَامَةِ(6) فَإِذَا بَرِقَ البَصَرُ(7) وَخَسَفَ القَمَرُ(8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(9) يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المَفَرُّ(10) كَلاَّ لاَ وَزَرَ(11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ(12) يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ(13) بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15) لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ(20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ(21) وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ(24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ(25) كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ(27) وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ(28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المَسَاقُ(30) فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى(31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى(32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى(33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى(34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى(35) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى(36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى(37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى(39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أن يُحْيِيَ المَوْتَى(40).

بعد تلاوة السورة كاملة من أولها إلى آخرها هل يكون من الصواب الظن مجرد الظن بأن الآيات من (16: 19) تتحدث عن القرآن الكريم أم أنها تتحدث عن شيء آخر؟؟، للجواب عن هذا أقول: هناك كثير وكثير من الموانع التي تمنع الظن مجرد الظن أن هذه الآيات تتحدث عن جمع القرآن الكريم، ويمكن قرء هذه الموانع كالتالي:

## المانع الأول:
كما سبق وأن قلنا إن قطع الحديث عن يوم القيامة لنهي الرسول عن تحريك لسانه استعجالا بالقرآن وإخباره بأن الله هو من تكفل بجمع القرآن وقرءه وبيانه ومن ثم العودة مرة أخرى للحديث عن يوم القيامة لهو أمر من ثلاث:
الأول: إن عمل كهذا هو عمل فج وغير مبرر لا يليق بكتاب كالقرآن الكريم.
الثاني: إن القول بهذا يؤيد قول من يقول أن ترتيب آيات القرآن وسوره تم العبث به عبر العصور بدليل الوجود غير المبرر لهذه الآيات في سورة القيامة.
الثالث: أن هذه الآيات ليس مقصودا بها لا عجلة الرسول بالقرآن الكريم، بل ليس مقصودا بها القرآن الكريم على الإطلاق.

## المانع الثاني:
لو قلنا أن الله هو من تكفل بجمع القرآن وبيانه فهناك إشكالان:
الأول: يعني القول بهذا أن لا الرسول ولا الصحابة لم يكن لهم أي دور يذكر في جمع القرآن، وأن الأمر برمته يعود إلى تدخل إلهي غيبي، وهذا يخالف الحق والحقيقة وكل فكر سليم ويخالف الواقع والشواهد التاريخية، بل لا يوجد أي برهان تاريخي يقول بهذا، فالقول بهذا يعد من أقوال الصوفية والدراويش الذين لا يقيمون وزنا للتفكير العلمي الجاد ولا البحث العلمي الجاد بل لا يرون في الفكر والعلم أدنى قيمة تذكر.
الإشكال الثاني: عدم وجود نسخة نبوية عليها تصديق إلهي بأن الله هو من تكفل بجمع القرآن ولا حتى الرسول نفسه، فغياب مثل تلك النسخة النبوية المصدق عليها إلهيا ينفي الزعم بأن الله هو من جمع القرآن. ومن المعلوم للقاصي والداني أن كل مخطوطات المصاحف الموجودة في العالم الآن القديم منها والحديث ليس فيها مصحف واحد خطه الرسول بيده، وإنما هي نسخ قام وأشرف على خطها الصحابة من بعد الرسول، ونسخ أخرى خطها التابعين وتابعي التابعين إلى يومنا هذا، وأقدم مخطوطات القرآن الكريم من المصاحف من دون تنقيط ومن دون تشكيل، وهناك من المخطوطات القديمة ما بها تشكيل وتنقيط. وللآن لا يمكن الجزم ببرهان علمي على من الذي نقط المصاحف ولا من شكلها. فعدم وجود النسخة النبوية المخطوطة بيد النبي محمد يتنافى مع فرضية الجمع الإلهي الرسولي للقرآن الكريم.

## المانع الثالث:
الحديث في هذا الآيات (16: 19) يدور عن يوم القيامة لا عن القرآن، لماذا؟:
أولا: لأن القرآن لم يرد له أي ذكر على الإطلاق في سورة القيامة لا قبل الآيات (16: 19) ولا بعدها.
ثانيا: لأن ضمير المخاطب (الهاء) الذي يشير إلى الغائب ورد في الآيات: (16: 19) سبع مرات من دون أي تصريح يذكر بلفظ القرآن أو الكتاب أو أي من مسمياته في الآيات المشار إليها وذلك على النحو التالي: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ) (لِتَعْجَلَ بِهِ) (جَمْعَهُ) (وَقُرْآنَهُ) (قَرَأْنَاهُ) (قُرْآنَهُ) (بَيَانَهُ)، فنجدها جميعا وردت بضمير الغائب فلو أراد الله الحديث عن القرآن لصرح بذكر القرآن ولو مرة واحدة كما فعل في آية أخرى في سورة طه حين قال: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) (114_ طه)، أنظر كيف صرح هنا في هذه الآية بذكر صريح للقرآن الكريم، لكن في آيات سورة القيامة لم يأت أي ذكر للقرآن لا في الآيات المقصودة ولا في السورة بأكملها، ومن ثم فضمير (الهاء) في الآيات يعود على يوم القيامة لأن يوم القيامة وفق التفكير والنظر السليم هو الاسم الصريح الذي يصلح أن يشير إليه المضمون الحقيقي للآيات وليس القرآن الذي لم يذكر ولو مرة واحدة في السورة بأكملها، وقد تحدث الله في هذه الآيات بضمير الغائب عن يوم القيامة مع ذكره في السورة مرتين صراحة لأنه هو الحاضر بالذكر والحديث، والغائب بمحاولة استعجاله وجمعه وقرآنه وبيانه.

ثالثا: الاستعجال المقصود في آيات سورة القيامة هو الاستعجال بيوم القيامة وليس الاستعجال بالقرآن، فلقد ورد في أكثر من آية في الكتاب الكريم ذكر استعجال الرسول بعذاب يوم القيامة للمشركين بناء على طلبهم هم وتكذيبهم له، وكذلك مشركي مكة كانوا يستعجلون بعذاب يوم القيامة تكذيبا واستهزاء وسخرية من الرسول، وقد سجل الله هذا الاستعجال من الرسول ومن المشركين على النحو التالي:
# استعجال الرسول:
(فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَداًّ) (84_ مريم)
(وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ) (35_ الأحقاف)
(لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (16_ القيامة)

# استعجال المشركين:
(مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) (57_ الأنعام)
(قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (58)
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المُجْرِمُونَ) (50_ يونس)
(أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (51_ يونس)
(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) (1_ النحل)
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) (47_ الحج)
(أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ) (204_ الشعراء)
(يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (54_ العنكبوت)

أما آيات القيامة فالمخاطب بها هو شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بدليل أن سياق السورة من أولها إلى آخرها يخاطب الإنسان بصيغة الغائب إلا الآيات (16: 19) فهي خطاب لمخاطب حاضر وهو شخص النبي محمد وهذا لقوله سبحانه: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (16_ القيامة)، فانظر كيف التفت في الخطاب من صيغة الغائب من أول السورة إلى صيغة الحاضر في هذه الآية في قوله (تحرك)، فالتاء هنا للمخاطب الحاضر.

رابعا: أما الجمع المشار إليه في آية القيامة هو جمع الناس والأعمال لهذا اليوم العظيم بدليل قوله في آيات أخرى:
(فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ) (25_ آل عمران)
(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ) (87_ النساء)
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً) (99_ الكهف)
(ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ) (103_ هود)
(قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ(49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) (50_ الواقعة).
بل إن الله أسماه بيوم الجمع في قوله:
(وَتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (7_ الشورى)
وقال في سورة القيامة: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ) (17_ القيامة)

## المانع الرابع:

قوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)، والقرء لا يعني التلاوة (ترديد الكلمات) للقرآن أو غيره، فمحض ترديد كلمات القرءان أو غيره من الكتب تعني التلاوة لا القرء ولا القراءة كما يجري على ألسنة الناس خطئاً، أما القرء فهو أمر وراء ذلك، فالقرء هو علامات تخرج من شيء غير متاح الولوج إليه لتُظْهِر وتُبِين حقيقة ما بداخله، ويدل على ذلك خروج دم الحيض من رحم الأنثى، ففي خروج دم الحيض من رحم الأنثى قرء للرحم يُظْهِر ويُبِين خلو الرحم من الحمل، (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) (228_ البقرة)، والقرء يكون لشيء واحد، والقروء تكون لعدد من الأشياء، أما القرآن فيكون قرء لكل شيء، لذلك أسمى الله كتابه بالقرءان لأنه قرءان لكل شيء، فالقرء بهذا المفهوم هو ما تكفل الله به ليوم القيامة، فأخبر الله رسوله أنه هو من تكفل بالجمع ليوم القيامة وتكفل بقرءانه أي إخراج ما به من علامات تُظْهِر وتُبِين اقتراب ذلك اليوم، فإذا قرءه الله فعلى رسوله وعلى كل إنسان أن يتبع قرآنه، وقد ذكر القرآن الكريم بعض هذه العلامات، فعلى سبيل المثال لا الحصر قول الحق:
(إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (24_ يونس).

## المانع الخامس:
قول الحق: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، فنلحظ هنا إيراد كلمة (ثم) التي تفيد التراخي في الزمن، وذلك يشير إلى أن القرء يكون بإخراج علامات ذلك اليوم وبعد إخراج تلك العلامات لقرء ذلك اليوم يتم بعدها بزمن بيان ذلك اليوم، وما يمنع في هذه الآية أن يكون المقصود بالبيان هو القرآن الكريم، هو توكيد وحصر وقصر البيان على الله فحسب، وحرف (إن) المذكور في الآية (إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يدل على التوكيد والقصر والحصر على الله وحده، وهذا يخالف حقيقة كون القرآن الكريم كتاب مبين كما وصفه الله في كثير من آياته بأنه (كتاب مبين)، فهل يخطر ببال أحد أن يكون القرآن الكريم كتاب مبين ثم يوكد الله ويحصر ويقصر بيانه عليه وحده سبحانه؟؟، وهل يخطر ببال أحد أن ينزل الله كتابا كالقرآن الكريم ثم يؤخر الله بيانه ويقصر ويحصر ذلك البيان عليه وحده؟؟، إذا فما فائدة إنزال كتاب غير مبين ومؤخر بيانه؟؟، إذاً فالمقصود بالجمع والقرء والبيان في هذه الآيات هو يوم القيامة وليس القرءان الكريم لما سبق وأن أوضحنا من براهين.

## أقوال السلف في آيات سورة القيامة وجمع القرآن:

قولي فيما سبق من فهم لآيات سورة القيامة ليس إبداعا مني ولا ابتكارا لفهم لم يسبقني إليه أحد، فمنذ سنوات عديدة حين استوقفتني هذه الآيات (16: 19) من سورة القيامة لم أكن على قناعة كافية بأن هذه الآيات يقصد الله بها القرآن الكريم وفق ما ورثناه من فهم عن السلف وما قالوا به من تفسيرات، وكنت دائما ما أشعر بريبة وحيرة حول تلك التفسيرات التي تقول بأن الله هو من تكفل بجمع القرآن وقرءه وبيانه بناء على آيات سورة القيامة هذه، ولكن بعد محاولات طويلة ومضنية مني في البحث وإمعان النظر والتفكير الطويل لمحاولة فهم هذه الآيات والوقوف على المقصد الحقيقي لها، استطعت أن اهتدي إلى ما سبق من قرء وفهم، ولكن الطريف في الأمر أنه بعد توصلي لهذا الفهم قمت بالعودة إلى كتب التفاسير لفحص ما جاء فيها عن مفاهيم لهذه الآية قد قالها السلف ففوجئت بأن فهمي هذا يتطابق في جزء منه مع بعض ما فهمه بعض السلف، بل وفوجئت بأن معظم التفاسير القديمة قد ذكر أصحابها هذا الرأي المطابق لفهمي السابق ولكنهم قاموا بالاعتراض عليه وعدم إجازته، إلا أن اعتراضاتهم في رد هذا الفهم لا تنهض لرد فهمي هذا، وأسوق للقارئ بعضا مما ورد في بعض تفاسير القوم حول ذكرهم لهذا الفهم ومحاولة ردهم عليه وعدم قبوله على النحو التالي:

ذكر الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان في تفسير القرآن)، في تفسير سورة القيامة ما يلي:
(وقال البلخي: الذي اختاره أنه لم يرد القرآن وإنما أراد قراءة العباد لكتبهم يوم القيامة يدل على ذلك ما قبله وما بعده وليس فيه شيء يدل على أنه القرآن ولا شيء من أحكام الدنيا وفي ذلك تقريع للعبد وتوبيخ له حين لا تنفعه العجلة يقول لا تحرّك لسانك بما تقرأ من صحيفتك التي فيها أعمالك يعني اقرأ كتابك ولا تعجل فإن هذا الذي هو على نفسه بصيرة إذا رأى سيئاته ضجر واستعجل فيقال له توبيخاً لا تعجل وتثبت لتعلم الحجة عليك فإنا نجمعها لك فإذا جمعناه فاتبع ما جمع عليك بالانقياد لحكمه والاستسلام للتبعة فيه فإنه لا يمكنك إنكاره.) انتهى

وذكر الفخر الرازي في تفسيره (التفسير الكبير) في تفسير سورة القيامة ما يلي:
(زعم قوم من قدماء الروافض (يقصد الشيعة) أن هذا القرآن قد غير وبدل وزيد فيه ونقص عنه، واحتجوا عليه بأنه لا مناسبة بين هذه الآية وبين ما قبلها ولو كان هذا الترتيب من الله تعالى لما كان الأمر كذلك.) انتهى

وقد حاول الفخر الرازي يائسا تبرير وترقيع الوجود الفج وغير المبرر لهذه الآيات في سورة القيامة من دون أي مناسبة لها لا قبلها ولا بعدها وفق فهمه أنها تقصد القرآن الكريم، فقال ما يلي:
(فلا جرم. نهى عن ذلك الاستعجال في هذا الوقت، وقيل له: لا تحرك به لسانك لتعجل به وهذا كما أن المدرس إذا كان يلقي على تلميذه شيئاً، فأخذ التلميذ يلتفت يميناً وشمالاً، فيقول المدرس في أثناء ذلك الدرس لا تلتفت يميناً وشمالاً ثم يعود إلى الدرس، فإذا نقل ذلك الدرس مع هذا الكلام في أثنائه، فمن لم يعرف السبب يقول: إن وقوع تلك الكلمة في أثناء ذلك الدرس غير مناسب، لكن من عرف الواقعة علم أنه حسن الترتيب، فههنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر التعجيل في القراءة مع جبريل، وكان يجعل العذر فيه خوف النسيان، فكأنه قيل له: إنك إذا أتيت بهذا العذر لكنك تعلم أن الحفظ لا يحصل إلا بتوفيق الله وإعانته فاترك هذا التعجيل واعتمد على هداية الله تعالى، وهذا هو المراد من قوله: (لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ).) انتهى

وكما نرى أن المثال الذي ذكره الفخر الرازي حول المدرس وتلميذه لا يقنع طفلا صغيرا فضلا عن أن يقنع أهل الفكر والنظر. وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره قولا للقفال ينكر فيه أن المقصود في هذه الآيات القرآن الكريم وقال إن المقصود في هذه الآيات هو الإنسان وليس القرآن، فذكر ما يلي:
(وسادسها: ما ذكره القفال وهو أن قوله: (لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ) ليس خطاباً مع الرسول عليه السلام بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله: (يُنَبَّأُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (القيامة: 13) فكان ذلك للإنسان حال ما ينبأ بقبائح أفعاله وذلك بأن يعرض عليه كتابه فيقال له: (ٱقْرَأْ كَتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء: 14) فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف وسرعة القراءة فيقال له لا تحرك به لسانك لتعجل به، فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال، ثم إن علينا بيان أمره وشرح مراتب عقوبته، وحاصل الأمر من تفسير هذه الآية أن المراد منه أنه تعالى يقرأ على الكافر جميع أعماله على سبيل التفصيل، وفيه أشد الوعيد في الدنيا وأشد التهويل في الآخرة، ثم قال القفال: فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة به.) انتهى

أما القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) فقد ساق بعض الروايات التي تحكي محض أراء لابن عباس رأى فيها أن آيات سورة القيامة (16: 19) تقصد القرآن الكريم، وحين أمعنت النظر في تلك الروايات رأيتها محض أراء لابن عباس وليس إخبارا مباشرا من النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فذكر القرطبي ما يلي:
(في الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه حفظ التنزيل وكان إذا نزل عليه الوحي يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل مخافة أن لا يحفظ، فأنزل تعالى: لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ) أي بالوحي والتنزيل والقرآن، وإنما جاز هذا الإضمار وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه، كما أضمر في قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ولفظ مسلم عن ٱبن جُبير عن ٱبن عباس قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدّة، كان يحرّك شفتيه، فقال لي ٱبن عباس: أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرّكهما؛ فقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ٱبن عباس يحرّكهما، فحرك شفتيه؛ فأنزل الله عز وجل: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قال جمعه في صدرك ثم تقرؤه (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قال فاستمع له وأنصت. ثم إن علينا أن نقرأه؛ قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليهما السلام ٱستمع، وإذا ٱنطلق جبريل عليه السلام قرأه النبيّ صلى الله عليه وسلم كما أقرأه؛ خرّجه البخاري أيضاً. وقيل: كان عليه السلام إذا نزل عليه الوحي حرّك لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه، فنزلت (وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (طه: 114) ونزل: (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ) (الأعلى: 6) ونزل: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ). قاله ٱبن عباس) انتهى

وكما نرى كلها محض روايات وأخبار متناقضة ومتضاربة في نصوصها منسوبة لابن عباس، وليس فيها أي إخبار مباشر من الرسول عن نفسه، وإنما محض رأي وروايات منسوبة لابن عباس.

أما البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) فقد ذكر في آيات سورة القيامة ما يلي:
(وقيل الخطاب مع الإِنسان المذكور والمعنى أنه يؤتى كتابه فيتلجلج لسانه من سرعة قراءته خوفاً، فيقال له لا تحرك به لسانك لتعجل به فإن علينا بمقتضى الوعد جمع ما فيه من أعمالك وقراءته، فإذا قرأناه فاتبع قراءته بالإقرار أو التأمل فيه، ثم إن علينا بيان أمره بالجزاء عليه.) انتهى

وقد ذكر أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط) ما قاله القفال وما ذكره الفخر الرازي في تفسيره الذي ذكرناه آنفا.

أما الطبطبائي (المفسر الشيعي) فقال في تفسيره (الميزان في تفسير القرآن) ما يلي:
(وعن بعضهم أن الآيات الأربع متصلة بما تقدم من حديث يوم القيامة، وخطاب (لا تحرك) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وضمير (به) ليوم القيامة، والمعنى لا تتفوه بالسؤال عن وقت القيامة أصلاً ولو كنت غير مكذب ولا مستهزئ (لتعجل به) أي بالعلم به (إن علينا جمعه وقرآنه) أي من الواجب في الحكمة أن نجمع من نجمعه فيه ونوحي شرح وصفه إليك في القرآن (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) أي إذا قرأنا ما يتعلق به فاتبع ذلك بالعمل بما يقتضيه من الاستعداد له (ثم إن علينا بيانه) أي إظهار ذلك بالنفخ في الصور.) انتهى

أما بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير) فقد ذكر قول القفال وقول البلخي في أن الآيات ليس مقصودا بها القرآن وإنما مقصودا بها إما الإنسان وإما يوم القيامة، فقال بن عاشور معلقا على ذلك بما يلي:
(وأقول: إن كان العقل لا يدفعه فإن الأسلوب العربي ومعاني الألفاظ تنبو عنه) انتهى

وفي النهاية لا يخفى على كل من له نظر وفكر سليم أن الآيات لا يمكن أن يكون مقصودا بها القرآن الكريم، وهذا لعدم وجود أي ذكر للقرآن الكريم في السورة بأكملها من أولها إلى آخرها، ولا وجود لذكر القرآن الكريم كذلك في الآيات نفسها (16: 19) من سورة القيامة محل النقاش، وكذلك لما سبق ذكره من براهين تنفي ذلك. وعليه فجمع القرآن الكريم كان عملا بشريا محضا قام به رسول الله وصحابته من بعده، وليس جمعا إلهيا غيبيا كما يذهب إلى ذلك القرآنيون في محاولة يائسة منهم لقطع القرآن من محيطه التاريخي والبشري ومن الذين نزل عليهم ليقولوا فيه ما يشاءون وفق مذاهبهم. فمن أراد أن يعرف كيف تم جمع القرآن الكريم وكيف تم حفظه فعليه بالرجوع لكتب التراث والتاريخ ليقدم من خلالها براهينه العلمية على ذلك. لا أن يحدثونا بمقولات أشبه بمقولات الصوفية الذين يعتمدون على الأساطير والخرافات والأوهام والدروشة.

من خلال إدراكي وما وعيته أن كل شيء في هذه الحياة، إذا أردنا أن ندركه حق إدراكه، ونصل فيه إلى حقيقة علمية عقلية مرضية، فلابد من تناول تلك الأشياء المراد وعيها وإدراكها تناولا بشريا، بمعنى، لو أردنا مثلا أن نتحقق من صدق وصحة وحفظ القرآن الكريم الذي هو بين أيدي المسلمين الآن، وأردنا أن نقدمه للناس على أنه وحي من الله إلى رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه هو الذكر المحفوظ، فلا سبيل علمي موضوعي إلى ذلك، إلا بالوقوف بداية على العوامل البشرية والثقافية والتاريخية التي من خلالها وصلنا هذا الكتاب (القرآن الكريم). أما تجاهل العوامل البشرية والثقافية والتاريخية التي حملت القرآن إلينا بهذه الصيغة، ثم الادعاء بأن هذا القرآن هو كتاب الله ووحيه الذي أوحى به إلى محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك تقديم القرآن الكريم هكذا للناس مقطوعةً أوصاله التاريخية والبشرية والثقافية، والزعم بأنه الذكر المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، دون أي سند علمي موضوعي بشري أو تاريخي على حفظه، لهو الدجل والشعوذة والدروشة بعينها، فالقرآن الكريم أو أي كتاب أو رسالة سماوية أخرى، لا يمكن البرهنة والمصادقة على صدقها وصحتها إلا بالفكر والعلم والعمل معا، وبالدراسة الموضوعية النزيهة، أما أصحاب النفس القصير الذين يفضلون أقصر الطرق وأسهلها، كالإنكار والبتر والقطع والجزم والانتقاء وإصدار الأحكام العامة الكلية الاستئصالية، دون أي اعتبار للعوامل البشرية الفكرية العلمية الموضوعية، هم أناس واهمون حالمون دراويش، سوف يدركون بعد حين أن السراب الذي حسبوه بقيعة ليس بماء.

فلا يمكن قطع القرآن عن التاريخ ولا عن الأشخاص ولا عن الطرق المادية العملية الموضوعية التي وصل بها القرآن إلينا، وبهذه الصيغة الموجود بها بين أيدينا الآن، حتى وإن كان التاريخ به الكثير من التناقض والتضارب، فهذا لا يمنع إطلاقا من العثور على بعض أو كثير من الخيوط التي بالقطع ستوصلنا إلى حقيقة ما حول صحة وصدقية وحفظ القرآن الكريم، ولن نتمكن من الوصول إلى شيء في كل الأحوال إلا بالتعامل الموضوعي العلمي النزيه مع التاريخ والتراث، ولابد أن نتجنب عادات الانتقاء والاستئصال والتخلص والتملص وإطلاق الأحكام الكلية العامة كما استسهل ذلك القرآنيون، إذ القفز على التاريخ وعلى صانعيه وعلى الواقع وعلى الظروف وعلى العلم، ما هو إلا قفز في الفراغ، والقفز في الفراغ لن يأت بشيء سوى السقوط في الفراغ.

(للحديث بقية في الفصل السادس)

الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293175
الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293537
الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294154
الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونشأة القرآنيين)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294768

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]
فيس بوك:
http://www.facebook.com/profile.php?id=100001228094880&ref=tn_tnmn



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونش ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التر ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين ال ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة ...
- إطلالات قصيرة على واقع المشهد المصري الحالي
- لماذا بصق المصريون في وجوه نخبهم وإعلامييهم؟
- شيفونية المصريين
- (توفيق عكاشة) نموذج معبر عن حقيقة الشخصية المصرية
- من ينقذ المصريين من أنفسهم؟
- من حق (فاطمة خير الدين) أن تكون عاهرة وتفتخر
- أما أنا فأقول لكم
- ما لا يقال ولن يقال حول الصراع الإسلامي المسيحي في مصر
- (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) رد على: علال البسيط
- تعليقات على مقال أم قداس في كنيسة؟
- (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا)
- الرجل هو من استعبد المرأة والرجل هو من حررها
- علاقة الغرب العلماني المتحضر بالحاكم العربي
- هل الإجماع مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟
- الحرية كذبة كبرى
- هل الاجتهاد مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟؟


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ وجمع القرآن)