أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي شفيق الصالح - بلاد الرافدين في باريس: حضاراتنا العريقة تستعيد امجادها يومياً في عاصمة الثقافة والفنون















المزيد.....

بلاد الرافدين في باريس: حضاراتنا العريقة تستعيد امجادها يومياً في عاصمة الثقافة والفنون


علي شفيق الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 00:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في باريس تشعر بحق انك في مدينة النور والجمال ومركز الثقافة والفنون, ولنا نحن أبناء الشرق وبلاد الرافدين مشاعر خاصة تشدنا اليها وتقربنا لها, لأننا نلمس فيها وبكل مكان أعماق حضارتنا وعظمتها.
وفي باريس تجد, وفي كل حي ومكان, بلاد الرافدين أو "الميزابوتامي" Misopotamy, وهي تسمية أطلقها الاغريق على البلاد التي يحدها نهري دجلة والفرات, والتي تمثل حالياً العراق.
ولا غرابة من ذلك, فقد كانت هذه البلاد مركز اشعاع حضاري للعالم في مختلف الوجوه, وازدهرت على هذه الأرض أقدم الحضارات وأعرقها وهي الحضارات السومرية والبابلية والآشورية, التي امتد نفوذها الى البلاد المجاورة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.
وفي باريس تجد آلاف القطع الأثرية لحضارتنا, ويضم متحف اللوفـر Musée du Louvre لوحده أكثر من 5000 تحفة جلبتها فرق التنقيب الفرنسية من بلاد الرافدين منذ القرن الثامن عشر ميلادي.
اللوفر هو أشهر المتاحف الفنية في العالم، ويقع في قلب العاصمة الفرنسية بين الضفة اليمنى لنهر السين وشارع ريفولي, على مقربة من ميدان الكونكورد , أحد أشهر معالم باريس , والذي يبدأ منه شارع الشانزليزيه.
يحتوي اللوفر على عشرات الآلاف من التحف الأثرية, منها حوالي 35 ألف قطعة معروضة في أروقة قاعاتها الكبيرة, وكان عبارة عن قلعة بناها فيليب أوغوست عام 1190 ، لِتتحول لاحقاً إلى قصر شهد تاريخ عدة ملوك, و خلال الثورة الفرنسية أعلنت الجمعية الوطنية أن اللوفر ينبغي أن يكون متحفاً قومياً.
البداية مع الآثار الاشورية
وتحظى آثار الرافدين باهتمام بالغ من قبل اللوفر, وهي موجودة ضمن دائرة الآثار الشرقية, ومعروضة في قسم "ريشيليو" أهم الأقسام الثلاثة للمتحف.
وتعود أولى مظاهر المودة بين اللوفر وبلاد الرافدين الى عام 1847 حيث تم تدشين "القاعة الاشورية" في المتحف, التي تضم أهم الكنوز الآشورية, ومنها المجسمات الضخمة للثيران المجنحة ذات الرؤوس البشرية الحارسة لمدخل غرفة العرش إلى جانب الأسود المروضة العملاقة.
وفي باريس وصلت من العراق أول القطع الأثرية لبلاد الرافدين وذلك في نهاية النصف الاول من القرن التاسع عشر, ويأتي في مقدمة خبراء الآثار الذين وصلوا الى الموصل في شمال العراق للكشف عن خفايا آثار وخفايا مدينة نينوى الباحث المعروف "باول أميل بووتا" Paul Botta , وكان قنصل فرنسا في الموصل.
جسد الآشوريون في نماذجهم كل ما يمثل القوة ، كالأسد والثيران المجنحة ، واللبوءة الجريحة ، حتى أن الملك يمثلونه دائما أثناء الحرب أو الصيد.
الآثار البابلية تزهو في اللوفر
وفي باريس جذبت الآثار البابلية ومنذ قديم الزمان عشق الفرنسيين, وذلك بسحر الخيال عنها ولذكر بعضها في العهد القديم, مما دفع رواد الآثار لاكتشاف أسرارها ونقلها إلى بلادهم. وتعتبر الجنائن المعلقة احدى عجائب الدنيا السبعة, وبوابة عشتار, وشارع الموكب, وأسد بابل, من أشهر هذه الآثار التي ذاع صداها لما نقل عن الاغريق حولها من روايات وأساطير .
في باريس توجد "مسلة حمورابي" أعظم كنوز اللوفر التي تعرف بشريعة الملك البابلي حمورابي, والتي منها جاءت التسمية "حمورابي" على الصالة الحديثة التي يزهو اللوفر بعرض هذه التحفة القيمة.
الكل يعلم بأن مسلة حمورابي, التي تعود إلى العام 1790قبل الميلاد, قد نالت الشهرة لقيمتها التشريعية حيث تحتوي على أقدم مدونة قانونية في تاريخ الانسان,
ولكن قليل من يعرف بأن العلماء في فرنسا قد توصلوا حديثاً الى أن أحكاماً عديدة فبها تثير الاعجاب ليس فقط في مقاييس عصرها قبل أربعة آلاف سنة, ولكن حتى في مقاييس هذا العصر, وانها تقترب من تصورنا الحديث للعدالة. وان كثيراَ من أحكامها تدل على مدى مكانة المرأة في بلاد الرافدين ونيلها حقوقاً تستحق الفخر.
في باريس الكل يزهو بان هذه التحفة, التي ساهمت في تقدم العدل ونضج العقل البشري, ومهدت لنزول الشرائع السماوية, قد اكتشفت على يد بعثة فرنسية برئاسة مهندس المناجم والجيولوجيا وعالم الأثار المعروف "جاك دي مورغان" Jacques De Morgan وذلك في عام 1902م.
في باريس تجد آلاف الأختام الأسطوانية والنقوش بالكتابة المسمارية التي ظهرت في مرحلة أولى بجنوب وادي الرافدين لدي السومريين للتعبير بها عن لغتهم , ثم اعتمدها الأكاديون بعدهم وكذلك البابليون والآشوريون .
ابتكر أبناء الرافدين أول كتابة في العالم, وهي الكتابة المسمارية (حوالي سنة3200 ق م), وقد سبقت الكتابة الهيــروغرافية بحوالي 100 سنة, والأبجدية الفينيقية بحوالي 1500 سنة.
ولا نستغرب إذا ما علمنا بأن للفرنسيين دور مهم في فك رموز الكتابة المسمارية, فأن الدراسات الحديثة قد كشفت لنا إسهام الباحثين الفرنسيين "فلاندين" و"كوست" في التمهيد لهذا الانجاز الذي تم في النهاية على يد العالم الإنجليزي "هنري رولنسن" Rawlinson.
أنشأ سكان الرافدين المكتبات في المعابد و القصور لحماية تراثهم المكتوب وصيانته ، فقد ضمت مثلاً مكتبة آشور بانيبال و حدها ما يقارب من 120 ألف رقيم تشمل كافة صنوف التراث الفكري و الأدبي و التاريخي , ومنها ملحمة جلجامش (ملك اوروك) التي تُعتبَر أقدم قصة كتبها الإنسان.
ثمار التنقيب في المدن السومرية
وفي باريس أثار جنوب الرافدين في العراق ومنذ زمن بعيد اهتمام الباحثين, وتشهد على ذلك المجموعات الكبيرة من التحف القيمة التي عثرت عليها حملات التنقيب الفرنسية في لجش وكيش (التي تسمى أيضا بتل الأحيمر) وبقية المدن السومرية,
ومن أهم ثمار هذه الحملات مجسم للأمير جوديا حاكم لجش من صخر الديوريت, ولوحة النصر لنارام سن حاكم أكد وحفيد سرجون مؤسس الامبراطورية الأكدية.
فقد نالت المدن الرئيسية للسومريين في جنوب العراق ومنذ بداية 1877م القدر اللائق من اهتمام الباحثين الفرنسيين, ومنها مدينة " لجش" بقيادة أرنست دي سارزيك Ernest de Sarzec الذي كان في نفس الوقت نائب القنصل الفرنسي في ولاية البصرة, وما تزال اكتشافاته إلى اليوم المصدر الرئيس لمعلوماتنا عن حضارة سومر القديمة.
كما شمل الاهتمام مدن أخرى في الجنوب منها مدينة " كيش " بقيادة هنري دي جينويلاك Henri de Genouillac بين عامي 1911 و 1912.
ومن أهم التحف التي عثر عليها الفرنسيون مجسم للأمير جوديا حاكم لجش من صخر الديوريت, ولوحة النصر لنارام سن حاكم أكد وحفيد سرجون مؤسس الامبراطورية الأكدية.
الحي اللاتيني و دور جامعة السوربون
وفي باريس في الحي اللاتيني, الذي يسمى كذلك الحي الخامس ، ويعتبر قلب باريس التاريخي والأدبي، والذي يقع في الضفة الشرقية من نهر السين, يمكنك أن تتعرف عن قرب على انجازات بلاد الرافدين من خلال زيارة الجامعات والمكتبات العظمى الموجودة فيه والتي تهتم بالتاريخ والآداب وبالحضارات القديمة, وبالأخص جامعة السوربون الشهيرة, الواقعة على مقربة من حدائق اللكسمبرغ وعلى خطوات من البانتيون, أو ما يسمى مقبرة العظماء,
وفي حي سان جرمان أقدم أحياء باريس, وغير بعيد عن مقهى فلور الشهيرة وأكاديمية البوزآرت أو الفنون الجميلة, توجد المدرسة التطبيقية للدراسات العليا , التي اشتهرت بدورها كحلقة وصل بين الحضارات , والتي يعمل فيها أكبر خبراء حضارة الرافدين, وكان منهم عالم التاريخ الشهير جون بوتيرو Jean Bottéro, الذي توفي عام 2007 عن عمر ناهز93 عاماً بعد أن ترك لنا مجموعة قيمة من المؤلفات والدراسات التطبيقية عن انجازات الحضارات السومرية والبابلية, منها: حمورابي الكتابة والحكمة, بابل فجر الحضارات, أقدم أديان العالم, أقدم مطابخ العالم. كما أنه ترجم الى اللغة الفرنسية كتاب كرومر حول ملحمة جلجامش.
وقد اعتدت على التردد على هذه المؤسسة لمساهمتها الكبيرة في دراسة كل ما يتم العثور عليه من آثار ووثائق وتحليلها بعمق, وللدور المشهود لأساتذتها في تعريف العالم بتاريخ بلادنا والكشف عن أمجادها,
المكتبة الوطنية ومعهد العالم العربي
وفي باريس تجد أقدم المكتبات الوطنية وأعرقها في التاريخ, واضخم المكتبات في أوروبا, وهي المكتبة الوطنية الفرنسية (أو مكتبة فرانسوا ميتران), تعرض للباحثين وعموم الزوار كل ما يريدون معرفته عن حضارة وانجازات بلاد الرافدين, من خلال مئات الكتب والوثائق والدراسات (حوالي 20 مليون مجلد مطبوع، و500 ألف مجلة، و165 ألف مخطوط، و 600 ألف خريطة), عدا ما تنظمه المكتبة من عشرات المعارض والندوات والمطبوعات الدولية لخدمة الفئات العلمية.
وكل يوم تحصل ومن خلال الخدمات التي تقدمها المكتبة على معلومات جديدة عن حضارتنا العريقة وتكتشف خفايا تنير العالم ونفخر بها.
وتنتشر في باريس مظاهر الولع الفرنسي بحضارة الرافدين في كل مكان, وهو يمتد الى ما تنظمه المؤسسات المعنية من عشرات المعارض والندوات. ولا يمكن أن ننسى دور منظمة اليونسكو ومعهد العالم العربي في باريس بهذا الصدد.
وفي بناية معهد العالم العربي تجد وثائق ومعلومات قيمة, ومكتبات فيها مراجع مهمة, ويقيم المعهد معارض وندوات لها علاقة بالعالم العربي، وقد أقيم هذا المعهد بتعاون بين الدول العربية وفرنسا، وتتكون هيئة المعهد الإدارية من مندوبين عن كافة الدول العربية، العاملات والعاملين فيه هم من العرب الفرنسيين.
بقي القول بأن القليل يعلم أن اللوفر وبقية المتاحف الأوربية الكبرى صارت تتجه نحو المشاركة في التنقيب مع دول المنشأ, والمساهمة في صيانة المواقع الأثرية, ومحاصرة الآثار المسروقة لإعادتها لأوطانها.
والمهم علينا الآن دعم مثل هذه الجهود, بالاستفادة من الخبرات في اعداد كوادر آثار لها مهارة فنية عالية في مجال التنقيب والصيانة, وفتح معاهد خاصة لهذا الغرض, والقيام بحملات تنقيب مشتركة لكشف المزيد من عظمة حضارتنا وخفاياها, فان العراق كما يقال غني بثلاثة أشياء قيمة: النفط والمياه والآثار, وان ما تم اكتشافه لحد الآن من آثار في بلاد الرافدين لا يتجاوز 5 بالمائة من المجموع.
(*) استاذ القانون العام والمقارن/ باريس



#علي_شفيق_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنوزنا الأثرية تتصدر متاحف الغرب
- موروثاتنا التشريعية تسابق الزمن والغرب يشهد لها
- وسيلتنا القادمة لحوار الحضارات
- متحف اللوفر والولع الفرنسي بآثار الرافدين
- الشريعة باقية وعلينا نحن التغيير
- الإهتمام الدولي بنشر القوانين العادلة أفضل وسيلة لتقارب الثق ...
- تقارب النظامين الفرنسي والعربي في رقابة القضاء على الإدارة: ...
- من بلاد الرافدين وحوض النيل الى ضفاف السين
- هذا العدل الذي نريده
- القوانين العراقية القديمة أول من كرم المرأة


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي شفيق الصالح - بلاد الرافدين في باريس: حضاراتنا العريقة تستعيد امجادها يومياً في عاصمة الثقافة والفنون