أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عن حال مؤسسات الحكم البعثي بين عهدين أسديين















المزيد.....

عن حال مؤسسات الحكم البعثي بين عهدين أسديين


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3580 - 2011 / 12 / 18 - 16:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يجري التركيز عادة على دور كل من أجهزة العنف والتفريق الطائفي كأداتي حكم أساسيتين في سورية، وقد تضاف إليهما تحالفات النظام الداخلية والخارجية. قلما وقع التطرق، بالمقابل، إلى دور الهياكل المؤسسية التي بناها النظام البعثي، وطورها لأسد الأب، في الاحتواء والضبط الشامل للمجتمع السوري. سنقول أيضا إن لتراجع الوظائف الرقابية والوساطية لهذه الهياكل دور مهم في انطلاق الثورة.
قبل سنوات كان المتكلمون البعثيون يقولون إن عدد أعضاء حزبهم يتجاوز المليونيين، وحين تأخذهم الحال يقولون إنهم 3 ملايين (السوريون فوق 23 مليون). يصعب التوثق من صحة هذه الأرقام، لكن قد لا يكون مبالغا فيها، ورقيا على الأقل. فمنذ بواكير عهد حافظ الأسد فتح "الحزب" على مصراعيه، وخفضت مرتبته السياسية في الوقت نفسه، لمصلحة الرئيس والمخابرات (= "النظام"). وطوال سنوات حكم الرجل، كان "الحزب القائد للدولة المجتمع" إطار التعبئة الاجتماعية الأوسع والأكثر انتشارا على المستوى الوطني، وقناة الترقي الأكثر عمومية للأفراد. البعثي ينال أفضليات متنوعة في التعليم والعمل والأمن وفرص الحياة، والإيفاد الخارجي.
ومنذ عام 1974، وإثر زيارة قام بها المرحوم إلى كوريا الشمالية، استحدثت "منظمة طلائع البعث" التي تضم تلاميذ المدارس الابتدائية جميعا. وتتكفل المنظمة بغرس مبادئ حب الوطن وحب القائد لدى الأطفال. وفي تأسيس المنظمة منذ ذلك الوقت الباكر من حكم الأسد الأب ما يدل على بعد نظر الرجل وعلى عزمه على تأبيد حكمه.
وقبل تأسيس منظمة الطلائع، وقبل حكم حافظ الأسد نفسه، كانت للحزب منظمة شبابية رديفة اسمها "اتحاد شبيبة الثورة". وبينما لا يجبر جميع تلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية (بين الصف السابع والثاني عشر) على الانتساب لاتحاد الشبيبة، إلا أن انخراطهم فيها إلزامي عمليا، لا يكاد ينفلت منه ما يتجاوز 5 % من التلاميذ. وأكثر "الشبيبيين" يصبحون بعثيين في المرحلة الثانوية.
ليس لهذه المنظمات حياة داخلية حقيقية. ولا يبدو أن هذا هو المنتظر منها. إنها إطر ولاء عام، لا يفترض بها نشاط خاض إلا في مواسم بعينها. لكن هذا لا ينطبق على أنوية قائدة صلبة لكل منها، منتشرة في كل مكان في البلد. هذه تتولى تنظيم المهرجانات والاحتفالات، والرقابة على المجتمع، ونقل المطالب والاحتياجات إلى أعلى، ومن أوساطها تتشكل النخبة الإدارية والسياسية والتعليمية للبلد.
في الجامعة هناك منظمة وحيدة للطلاب، "الاتحاد الوطني لطلبة سورية"، تابعة لحزب البعث أيضا. ليس الانتساب لها إلزاميا، لكن فرص الترقي والامتياز تمر بها. ومنذ بداية الثورة تتواتر معلومات على أن مقرات اتحاد الطلبة في الكليات أضحت مركز للمخابرات و"الشبيحة". وبعض الأخيرين طلبة، فاشلون غالبا. يشتهر كادر اتحاد الطلبة وقياداته الطلابية بالفشل الدراسي. وليس هذا أمرا عارضا، فالواقع أن مركز الثقل في سِيَرهم هو ارتباطاتهم الحزبية والأمنية التي تدرجهم في "النخبة"، وليس تعريفهم كطلاب مثل غيرهم.
وينتظم المعلمون في نقابة المعلمين، التابعة بدورها لحزب البعث. التعليم جرى تبعثيه بالكامل في السنوات الأولى من حكم الأب. وقد أبعد في سبعينات القرن العشرين ما كان بقي من معلمين محسوبين على تيارات سياسية وإيديولوجية أخرى، بما في ذلك أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية"، الإطار الوحيد للحياة السياسية في البلد.
وليس للعمال أن ينتظموا في غير "الاتحاد العام لنقابات العمال"، ولا للفلاحين أن ينتظموا في غير "اتحاد الفلاحين"، والمنظمتان بعثيتان أيضا. وهما تقومان على مبدأ "النقابية السياسية" المأخوذ من الشيوعية السوفييتية وأشباهها، والذي يخضع المطالب القطاعية والمحلية لاستراتيجية الحزب ودولة الحزب. وعلى المستوى التنظيمي ينضبط الاتحادان بمبدأ المركزية الديمقراطية الذي يمنح لقيادات هذه المنظمات الدور المقرر داخل كل منها، وللحزب الدور المقرر في عملهما، وللسلطة السياسية الكلمة العليا في مجمل شؤونهما. لكنهما تقومان أيضا بدور وسيط، ينقل لمراتب السلطة الأعلى أوضاع عموم العمال والفلاحين. وقد جرى في تسعينات القرن العشرين ضم قيادات اتحادي العمال والفلاحين إلى الجبهة الوطنية التقدمية.
وللمهن العلمية نقابات تخص كل منها، للأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين وغيرهم. نقباء هذه النقابات بعثيون دوما. ومعلوم أنه جرى حلها جميعا عام 1980، لأنها أصدرت بيانات تدعو إلى الحريات والعامة وتنتقد حالة الطوارئ وتعليق القوانين. وقد أعيد تشكيلها في العام التالي وسلبت هامش الاستقلالية المحدود الذي كانت تتمتع قبل ذلك.
وللكتاب منظمة خاصة بهم، اسمها "اتحاد الكتاب العرب". وهي تمنح منتسبيها تسهيلات للنشر، وتكفل إخماد التفكير والمواقف النقدية، وانسجام توجه المنظمة مع نهج النظام. وينال أعضاؤها تسهيلات في السكن والسفر. ولاتحاد الكتاب دار نشر خاصة، "مطبوعات اتحاد الكتاب العرب"، تشتهر بتدني مستوى ما تنشر. وله جريدة أسبوعية من المستوى نفسه.
وللصحفيين اتحاد الصحفيين، الذي يضم العاملين في الصحف ووسائل الإعلام السورية. وهو إطار لتدجين أعضائه، ولم يعرف يوما بدفاعه عن صحفي مستقل تعرض لمتاعب أمنية، أو حتى لأعضائه حين يحصل أن يتجاوز أحدهم خط أحمر ما.
وللنساء منظم بعثية اسمها الاتحاد النسائي العام. وهي إطار لتشكيل كادر نسوي موال.
والجيش "عقائدي"، بعثي، موال للقيادة. وهو مخترق أمنيا ومنزوع الشخصية بدرجة تفوق المتوسط الوطني كثيرا.
ولم يقصر النظام في استتباع رجال الدين، عبر تمييزهم ومراقبتهم في آن. لكنه لم يستطع تطوير إطار مؤسسي لهذا الاستتباع. ليس هناك نقابة مشايخ وقسس بعثية.
في سنوات الأسد الابن تراجع هذا التشكيل الاستتباعي للمجتمع السوري، وتراجعت مكانة حزب البعث ذاته ومنظماته وإيديولوجيته. وفي الوقت نفسه، جرت لبرلة غير تنافسية للاقتصاد، وصعد شأن المال والثروة في تحديد مواقع الأفراد وأدوارهم في الحياة العامة. ولعل في التراجع ذاك والصعود هذا ما يلقى ضوءا على بعض ملابسات تفجر الثورة السورية. التراجع جعلها ممكنة بأن أرخى قيود المجتمع بعض الشيء، والصعود جعلها مرجحة بأن همش قطاعات واسعة من السكان، وأمعن في إضعاف الدور الاجتماعي للدولة.
بالمقدار المطلق لا تزال هذه الأشكال التنظيمية قائمة كلها، وفاعلة بقدر ما. لكن بالمعنى النسبي والأهم كلها متراجعة، دورا ومعنى. والمفارقة الساخرة في هذا الشأن أن نظام الابن أسهم في تأهيل الشروط المؤسسية (والاجتماعية والفكرية) للثورة عليه وزواله.
لكن سيقع على سورية ما بعد الثورة أن تطور أطرا جديدة للوساطة، أكثر استقلالية وانفتاحا، وأقوى شخصية. ضمانة الديمقراطية هي النجاح على هذا المستوى، وليس على مستوى مراكز السلطة العليا التي قلما ينشغل بغيرها تفكيرنا السياسي.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصيان المدني أو الإضراب الوطني العام
- وطنيّتان: من الوطنية الممانعة إلى الوطنية الاجتماعية
- الطغيان والأخلاق في -سورية الأسد-
- اليسار موقع وعمل ودور، وليس نسبا أو هوية!
- نظرة من خارج إلى الأزمة السورية
- في شأن سورية وإسلامييها والمستقبل
- الثورة السورية تنظر في نفسها
- من الشخصي إلى العالم الواسع: حوار في شأن الثورة السورية
- ملامح طور جديد للثورة السورية...
- في أصول انقسامات المعارضة السورية وخصوماتها
- المبادرة العربية والمعارضة السورية
- -قنطرة-...
- جوانب من سيرة المجتمع المفخخ
- حوار في شؤون الثورة السورية
- حوار في شان السجن والثورة والمثقفين
- الثورة السورية بوصفها كثورة وطنية
- جبهات عمل المجلس الوطني السوري
- في الكذب والخوف وصناعة الطبيعة... والتمرد
- -دولة البعث- و-سورية الأسد- والحروب السورية
- حوار في شأن الثورة السورية والمجلس الوطني...


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عن حال مؤسسات الحكم البعثي بين عهدين أسديين