أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - جوانب من سيرة المجتمع المفخخ















المزيد.....

جوانب من سيرة المجتمع المفخخ


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3531 - 2011 / 10 / 30 - 16:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


منذ أيامه الباكرة حكم نظام الأسد سورية بـ"المسيرات الشعبية العفوية"، وبالمهرجانات الخطابية والهتافات، وبالصور واللافتات، وبالتماثيل، بقدر ما حكمها بالمخابرات والتعذيب والسجون.
تندرج المسيرات وأخواتها في جهاز رمزي ضخم، عابر لأجهزة الدولة جميعا، أو هو أحد وجوه عملها، بما فيها المدارس والجامعات والإدارات الحكومية والجيش. وليس الجهاز الإعلامي غير أحد العناصر الظاهرة في هذا الجهاز أو المركب الجهازي الرمزي. التلفزيون والإذاعة والصحف السورية متمركزة بصورة كلية حول "النظام"، أي الرئيس والمخابرات. الحكومة تنتقد، والإدارات كلها، لكن ليس "النظام". وكان من الشائع حتى وقت قريب أن يقال لصحفيين شباب يعملون في مواقع انترنت مقربة من النظام إنه يمكنهم أن ينتقدوا الجميع بحرية، من العطري (رئيس الوزراء السابق) فما دون.
والوظيفة العامة لهذا المركب الجهازي الرمزي هي الحب، أو استعراض حب الشعب للرئيس. وبلغة اقل عاطفية هي صنع الإجماع، أو مظهره على الأقل. قد لا يطمح النظام جديا إلى الفوز بقلوب السوريين، لكنه لا يتسامح بأي تعبير علني عما في القلوب. عليهم أن يتصرفوا كما لو أنهم يحبونه على نحو ما حللت الأمر ليزا ودين في كتبها "السيطرة الغامضة".
أما وظيفة المخابرات فهي منع الانشقاق أو حراسة مظهر الإجماع الذي لا يكف عن بثه المركب الجهازي الرمزي الجسيم. وهي المتعهد العام للخوف في المجتمع السوري، أو ببساطة القاتل الشرعي. صدقية القمع تقتضي قتل بعض المنشقين، وتعذيب أكثرهم، وتخويف الجميع.
والمخابرات أيضا اسم عام لمركب جهازي لا يقتصر على أجهزة الأمن المعروفة وغير المعروفة. فهناك بعد أمني أيضا لحزب البعث و"المنظمات الشعبية" والنقابات والمدارس والجامعات والجيش، فضلا عن المخبرين و"كتبة التقارير" المبثوثين في كل مكان. إذا هتف تلاميذ الصف الثامن في إحدى المدارس الشعب يريد إسقاط النظام فإن مدير المدرسة هو من يسارع إلى حبسهم في الصف، والاتصال بالمخابرات لتولي أمرهم. وإذا أدخلنا في حساب عديد المخابرات كل من لهم وظيفة أمنية في الحزب والدولة والمجتمع، فربما نخرج برقم مليوني.
ويشكل هذا المركب الجهازي شبكة عصبية هائلة، لا تترك موضعا في سورية خارج رقابتها وتدخلاتها. ومثله أيضا المركب الجهازي الرمزي. فليس هناك مكان يتجه إليه المرء في سورية لا تصادفه فيه صور الرئيس الحالي وتماثيل أبيه، وإيحاء الرقابة والحصار المرتبط بهما. وما يميز المقرات الأمنية هو وفرة صور الرئيس وتماثيله في مكاتبها الفخمة من جهة، ووفرة المعتقلين والتعذيب في أقبيتها المرعبة من جهة ثانية.
وبمحصلة هذا الاختراق الجهازي المزدوج آل المجتمع السوري إلى وضع المجتمع المفخخ، الذي قد يحطم نفسه إذا عمل على تغيير وضعه، لكنه يموت ببطء إذا لم يغير وضعه.
وفي هذه البنية المحكمة يتمثل الفارق الأهم بين النظام السوري والنظم العربية الأخرى. فإذا أضفنا أيضا التكوين الاجتماعي الثقافي للمجتمع السوري، وتلاعب النظام المزمن بالفوارق الدينية والمذهبية بين السكان، ظهر لنا أن النظام السوري يكاد يكون نسيج وحده بين النظم العربية. وهو ما يبدو أن المسار المتمادي والدامي للثورة السورية يؤكده على نحو مشؤوم.
منذ بداية الثورة اعتمد النظام على هذين المركبين الجهازيين. تجندت وسائل الإعلام السوري لبث روايات تجمع بين التقليل من شأن الاحتجاجات الشعبية ومن نسبة المشاركين فيها، والقول إن الأوضاع طبيعية في البلد، وفي الوقت نفسه الكلام على عصابات مسلحة ومجموعات إرهابية. الغرض هو صون مظهر الإجماع من جهة، وتسويغ القمع الواسع النطاق من جهة ثانية. وبموازاة ذلك حرص النظام على تحريك مسيراته "العفوية" بغرض تأكيد الإجماع ذاته. العفوية صناعة عريقة في سورية الأسد. ويعرف السوريون جميعا أن طلاب المدارس والجامعات وموظفو الإدارات، وكثير من العاملين في مؤسسات خاصة، لا يستطيعون ألا يشاركوا في المسيرات "تحت طائلة المسؤولية". وقد أتيحت في الشهور الأخيرة غير وثيقة نشرت على صفحات الفيسبوك، تتضمن تعليمات موجهة إلى دوائر حكومية بوجوب مشاركة موظفيها في مسيرات الولاء للرئيس. هذا لا يلغي أن للنظام نواة من الموالين، لكن هذه بالذات فاقدة للمبادرة الذاتية وللتماسك الذاتي، ولا تفعل شيئا من تلقاء نفسها.
ولم يعن تسيير النظام للموالين له في شهور الثورة توقفا عن قتل المعارضين الذي يتولاه المركب القمعي، أو استعدادا لخوض مباراة عادلة في التظاهر بين الموالين للنظام ومعارضيه. بالعكس، كانت "المسيرات الشعبية العفوية" بمثابة إضفاء شرعية شعبية على القتل، وقد سارت معه يدا بيد منذ بداية الثورة. تخرج المسيرات إلى الساحات الكبرى للمدن، حاملة صور الرئيس، والموالون يرقصون ويغنون، بينما يجري استهداف المحتجين في الشوارع الجانبية للأحياء والضواحي. وعليه، ليس من التجاوز القول إن المسيرات "العفوية" هذه استمرار للقتل المتعمد بوسائل أخرى. الفاعل السياسي وراءهما واحد، هو النظام. والغرض منهما واحد، تثبيت احتكاره القتل و"التسيير" العام.
وفي وحدة الحال بين مسيرات الموالين وقتل المعارضين ما يفسر أن "العصابات المسلحة" و"الجماعات الإرهابية" التي يفترض أن النظام يواجهها لا تستهدف أبدا التجمعات الموالية له، بل تهاجم بصورة مفارقة مظاهرات الثائرين ضده حصرا. المفارقة تتبخر حين نرى أن المسيرات والقتل وجهان لسياسة واحدة، ووراءهما فاعل واحد.
وعلى كل حال تظهر الثورة السورية وعيا قويا بوحدة هذين المركبين الجهازيين. استهدف المتظاهرون صور النظام. وتماثيله وأيقوناته، ويدخر جمهور الثورة (وأكثرية كبيرة من السوريين) أعنف مشاعرهم ضد أجهزة المخابرات. لأسباب ظاهرة، لم يتعرض أي مقر أمني لهجوم المتظاهرين، لكن من المحتم أن تكون الهدف الأول للجماهير حين تلوح علائم انهيار النظام.
وستقاس فاعلية الثورة على كل حال بالتخلص الكامل من مركبي النظام الرمزي والقمعي. هذا ما يقتضيه تحرر سورية من شرط المجتمع المفخخ، المعرض للانفجار إذا تحرك، وللموت البطيء إذا ظل ساكنا. الثورة العامة هي المخرج من هذا الشرط المميت.
وستكون علامة رشد طيبة للثورة السورية والشعب السوري لو يستحدث متحف للتاريخ السياسي السوري المعاصر، يضم جناحا للتماثيل والصور واللافتات والشعارات، وأغاني الحب للقائد، والأشرطة المصورة لمسيرات الولاء... التاريخ السياسي لسورية، وفي الزمن الأسدي بخاصة، لا يفهم دون النظر في هذا الجانب. ولعل "قصر الشعب" المنعزل عن مدينة دمشق، والمتعالي عليها بالمعنى الحرفي للتعبير، صالح لأن يكون متحفا. من شأن ذلك أن يكون فرصة لأن يطلع السوريون على ما وراء أسوار ذلك المكان المنعزل المهيب. الشعب يريد أن يرى ما في قصر... الشعب!



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار في شؤون الثورة السورية
- حوار في شان السجن والثورة والمثقفين
- الثورة السورية بوصفها كثورة وطنية
- جبهات عمل المجلس الوطني السوري
- في الكذب والخوف وصناعة الطبيعة... والتمرد
- -دولة البعث- و-سورية الأسد- والحروب السورية
- حوار في شأن الثورة السورية والمجلس الوطني...
- المجلس الوطني السوري وتحدياته الملحة
- حوار متجدد حول الثورة السورية
- من المملكة الأسدية إلى الجمهورية الثالثة
- في تكوين الثورة السورية و-طبائعها- وتحولاتها المحتملة
- في شأن الثورة السورية ولاءاتها الثلاثة
- ثورة العامة: قضايا أخلاقية وثقافية وسياسية في شأن الانتفاضة ...
- غياث مطر من دارَيَّا...
- الثورة السورية وخطر -الوضع الطبيعي-
- من -تحالف الأقليات- إلى أين؟ -استبداد الأكثرية- أم سياسة الم ...
- أية نهاية لنظام الحرب الأهلية؟
- حوار: سورية بعد ليبيا
- قبول تحدي التغيير دون بديل ناجز
- حوار متجدد في الشأن السوري


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - جوانب من سيرة المجتمع المفخخ