أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - عبد المجيد حمدان - عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي















المزيد.....



عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 20:59
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    


يغري هذا الملف الكاتب ، ومن ثم القارئ ، بعرض العوامل ، التي أدى تفاعلها إلى الحال الذي آل له وضع قوى اليسار في عالمنا العربي إلى ما هو عليه . عرض هذه العوامل دفعة واحدة ، تثقل على الكاتب والقارئ معا . لكن المتمعن في الأسئلة يلاحظ أنها مصممة لعرض ، ومناقشة ، هذه العوامل واحدا بعد آخر ، وبما يسهل العرض والقراءة معا . هكذا أتاحت لي الأسئلة مقاومة الإغراء ، والالتزام بالمنهج الذي وضعه معد الحوار . وأدعو القارئ لمقاومة التسرع والتخلي ببعض الصبر .
س1 : هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذه الثورات وإلى أي مدى ؟
جواب : لا أظن أنه يمكننا القول بتماثل أدوار هذه القوى الثلاث في سائر بلدان الربيع العربي ، سواء من حيث الوجود التنظيمي ، أو الجماهيرية فالقدرة على الفعل ، أو المشاركة ، ومدى تأثيرها . فالمعروف أنها في ليبيا مثلا ، من حيث الوجود التنظيمي ، غير قائمة . وحال النقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية ، في اليمن ، ليس بأفضل كثيرا . وفي سوريا تفاوت حال المشاركة بين مواصلة دعم النظام ، وبين الوقوف على الحياد وبين الالتحاق بالثورة .
وإذا ما توقفنا عند تونس ومصر والبحرين ، وهي البلدان المقصودة في السؤال ، على ما أظن ، علينا تقييم مشاركة هذه القوى ، من أكثر من زاوية . أولاها أن هذه القوى كانت تعاني حالة من الوهن لأكثر من سبب ، ربما يأتي في مقدمتها ما تعرضت له من قمع ، وتضييق على النشاط ، من قبل نظم الاستبداد السابقة . وثانيها أن حالة الوهن هذه انعكست على جماهيريتها ، التي عانت من حالات تراجع حادة ، وبالتالي انعكست على قدرتها على التعبئة والتحريض ، وقيادة الجماهير الثائرة ، ومن ثم قدرتها على تصحيح مسارات الثورات ، عندما تعرضت إلى حالات انحراف عن أهدافها المعلنة . وثالثا أن جماهير الشباب سبقتها ، سواء في إطلاق شرارة الثورة ، أو في رفع شعارات ، أو في رسم تكتيكات، حركتها ...الخ . والمهم أنها حين سارعت إلى المشاركة ، اكتفت بهذا الدور ، دون أن تجد لها القدرة الفاعلة على التقدم إلى مواقع القيادة . ورابعها ، وهو الأهم في نظري ، أن بعض قوى اليسار ، في مصر على وجه التحديد ، تأخرت في قراءة وفهم ما يحدث ، وتصرفت على أساس أنه نوع من تحرك شبابي ، يستهدف تحقيق مطالب إصلاحية . وبديهي أن هكذا موقف ، وبدل أن تستفيد من الفرصة التي أتاحتها الأحداث ، لتعويض ضعف الجماهيرية ، باستقطاب وضم جماهير جديدة إلى صفوفها ، فوتت هذه الفرصة النادرة ، وربما هي الآن تلقى بدل ذلك إعراضا من هذه الجماهير ، خصوصا جيل الشباب منها . وبسبب ضعف إعلام بعض هذه القوى ، لم تنجح في تعويض هذه اللحظة ، بعد أن سارع هذا البعض إلى تصحيح موقفه . وهكذا وبدل الخروج من الثورة معافاة ، ومجتازة لحالة الوهن التي فاجأتها فيها الثورة ، تعرضت أكثر من قوة يسارية ، التجمع مثلا ، لحالات انشقاق ، لم تجلب لها العافية .
ولأن النقابات والاتحادات الجماهيرية لم تنج من عبث السلطات الحاكمة ، وتدخل قواها الأمنية ، فإن حالها لم يكن بأفضل من حال قوى اليسار السياسية . وفي واقع الحال كان أسوأ بكثير ، لأن قياداتها لم تكن أكثر من أذرع لهذه السلطات ، واقتصر أكثر من قيادة من هذه القيادات ، على محاولات دعم السلطة ، وفي تعارض تام مع نبض الثورة . وعليه يمكن القول أن فعل هذه القوى مجتمعة ، الأحزاب ، المنظمات ، النقابات ، الاتحادات ....الخ ، في ثورات الربيع العربي ، قصر عن التأثير المطلوب . وبسبب أحوالها المشار إليها ، اختطفت قوى الإسلام السياسي ، الأفضل تنظيما ، والأوسع جماهيرية ، هذا التأثير من قوى اليسار .
هنا يمكن لقارئ أن يسأل : لكن قوى الإسلام السياسي ، والأدق بعضها ، الإخوان المسلمين ، تعرض ، وربما لأكثر من قوى اليسار ، من قمع وعسف السلطات الحاكمة ، فكيف خرج بهذه القوة التنظيمية والجماهيرية الواسعة ، وبمعنى آخر كيف نجح فيما فشل فيه اليسار ؟ ونقول أن الإجابة تحتاج إلى مساحة للعرض كبيرة ، غير متاحة الآن . واختصارا يمكن القول أن ما طرحه السؤال صحيح من حيث الشكل ، خاطئ من حيث المحتوى . صحيح أن كثيرين من رموز الإخوان تعرضوا للاعتقال والتعذيب ، لكنهم احتفظوا بمنابر الدعوة والتواصل مع الجماهير ، ولم يحاربوا في مجال الفكر ، وعلى العكس ، نشطت الدولة في المزايدة على تبني أفكارهم ، الأمر الذي يوضحه انتشار حجاب المرأة ، بهذا الشكل شبه التام ، على سبيل المثال لا الحصر . وانتشار الكتاب الديني ، وسيادة فكر الخرافات والشعوذات على حساب فكر التنوير الذي استندت له قوى اليسار . وأترك للقارئ استعراض الكثير من المظاهر ، مثل توسع تنظيمات قوى الإسلام السياسي في الجامعات ، وفي النقابات المهنية ، وفي وسائل الإعلام بصورة خاصة ، في يقال فيه أن السلطات تقوم بقمع قياداتها .
س2 : هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية ، الموجه بشكل خاص ضد القوى الديموقراطية واليسارية ، دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديموقراطية واليسارية ؟
جواب : بالتأكيد كان لعامل الاستبداد والقمع ، في البلدان العربية ، مثل هذا الدور ، ولكنه لم يكن العامل الوحيد ، كما أشرت في المقدمة . وقد أجازف وأقول أنه لم يكن العامل الأهم . ولا أظن إلا أن القارئ يعرف أن العديد من دول الربيع العربي ، رفع سيف المع عن رقاب بعض قوى ، بمعنى الملاحقة والاعتقال والسجن والتعذيب ، منذ أكثر من عقدين – الأردن ومصر مثلا - . وفي بعضها أشرك الحكم بعض هذه القوى في السلطة ، في إطار ما يعرف بجبهة القوى الوطنية ، مع احتفاظ الأخ الكبير ، الحزب القائد ، بالحصة الأكبر في هذه الشراكة – سوريا كمثال - . لكن ومع رفع سيف الاعتقال والتعذيب ، استمرت سيوف أخرى ، تمثل بعض جوانب العسف ، مصلتة على الرقاب ، وكان فعل بعضها ، - المشاركة في الحكم من موقع الأخ الصغير – أكثر فاعلية من فعل القمع القديم . ففي فلسطين مثلا لم يقع اليسار تحت طائلة هذا العامل – عامل الاستبداد والقمع - ومع ذلك لم يكن حاله بأفضل من حال أشقائه في البلدان الأخرى . ولا يفهمن أحد بأن اليسار الفلسطيني ، بوصوله إلى ما هو عليه الآن ، وقع تحت طائلة عنف إحتلالي ، أقسى مما تعرض له الآخرون . فالجميع كانوا في هذا الأمر سواء . لكن بعض الجوانب من استبداد السلطة ، إضافة للعوامل التي لم يتطرق لها السؤال ، أوصلته ، كما أشرنا إلى نفس الحال . وإذن لنأخذ فلسطين كمثال نستطلع منه آثار عامل استبداد السلطة ، مع تذكير القارئ بضرورة الانتباه للفوارق مع بلدان الربيع العربي الأخرى .
كما أشرت لم تمارس السلطة الفلسطينية ، كما منظمة التحرير قبلها ، القمع على قوى اليسار . ولكنها – السلطة – بامتلاكها لمنابر الإعلام ، الصحف ، الإذاعة ، التلفزيون ، وكالة الأنباء ... وتسخيرها لخدمة الحزب الحاكم ، فتح في الضفة ، وحماس في القطاع ، وحرمان اليسار ، أو تقنين استخدامه لها ، وحصره في الحدود الدنيا ، أدى في المحصلة إلى حرمان اليسار من وجود منابر له . ولما كان أن التغيرات ، التي أعقبت سقوط المنظومة الاشتراكية ، قد حولت كل شيء في الحياة إلى سلعة ، يمكن الحصول عليها إذا توفر المال اللازم لذلك ، كان أن تحول العمل النضالي إلى سلعة ، يتطلب فعله دفعا ماليا مقابلا ، بدل العطاء الذي ساد قبل ذلك . وهكذا غدت مصادر تمويل عمل قوى اليسار العادية ، اشتراكات الأعضاء ، تبرعات الأصدقاء ، وحملات التبرعات ...الخ غير كافية لتمويل النشاطات المتنوعة ، وفي المقدمة العمل النضالي الثوري . ولما كان هذا الوضع الجديد ، أمرا غير مألوف على اليسار ، فقد حمل له مشاكل لم ينجح في حلها ، رغم محاولاته الكثيرة والمتعددة . ومنذ نشوء المنظمة ساد وضع ، صارت فيه قيادة المنظمة ، ثم السلطة بعدها ، هي وحدها الحائز على أموال الثورة – ظلت فترة طويلة في جيب أبوعمار – ، وهي وحدها صاحبة الحق في تحديد وصرف مستحقات ونفقات الثورة . ولما كان قانون المنظمة يعطي فصائلها الحق في الحصول على حصة من هذا المال ، فقد عملت قيادة الثورة ، ثم السلطة بعدها ، على تقنين هذا الحق ، في حدود تضمن بقاء هذه القوى على حالها ، أي معدومة إمكانيات التطور والنمو ، حتى لا تغدو يوما شريكا مزعجا . وظهرت بعض نتائج هذا الوضع ، في تفاقم عجز هذه القوى عن تمويل مطبوعاتها الخاصة ، ولينتهي بإغلاق صحفها ، وبالتالي حرمانها من هذا المنبر الأخير ، في مخاطبة أعضائها أولا ، وجمهورها العام ثانيا . وتلخص الحال في إغلاق محكم لنوافذ المنابر التي قد يستطيع هذا اليسار من الإطلال منها على الجمهور . هنا قد يسارع قارئ للقول بأني أشهد ظهور بعض وجوه اليسار من على شاشات التلفزيون ، بما يعني أن هذه النوافذ غير مغلقة بإحكام كما تقول . وأرد بالقول أن ذلك صحيح ، لكن هل يمكن أن تكون تلك الطلات النادرة لبعض وجوه اليسار ، وفي مواضيع محددة ، وظهور مقنن ، كافية للتعريف بفكر هذا اليسار ؟ وهل يمكن أن يقارن مفعول هكذا ظهور ، مقنن ومحدد ، مع مفعول امتلاك كامل لوسائل واسعة الانتشار ، وبظهور دائم وثابت ، وعلى مدار الساعة ؟
لكن الأخطر من كل ذلك ، أن أولوية العامل الوطني فرضت على قوى اليسار قبول المشاركة ، ومن موقع الشريك الصغير ، وغير المؤثر فعليا في اتخاذ القرار ، في تنفيذية المنظمة أولا ، ثم في اتحاداتها ونقاباتها المختلفة ثانيا ، ثم في حكومات السلطة بعد ذلك . وهكذا تحملت من موقعها هذا ، أمام الجمهور ، كل تبعات أخطاء ومساوئ وتراجعات السلطة . ومنها مثلا تحويل الاتحادات والنقابات والمنظمات الشعبية المختلفة ، إلى أدوات بيروقراطية ، لا دخل لها في خدمة جمهورها . ومنها سلسلة الأخطاء والفشل السياسي ، الذي آل بحال القضية إلى ما آل إليه . ومن هذا الفساد المستشري في أجهزة السلطة ، وضعف فاعليتها ، وتردي خدماتها للجمهور ، وهذا التردي في وضع التعليم والصحة وسائر الخدمات ...والقائمة طويلة . ونتج عن كل ذلك ، وهو والأهم ، أن موقف الجمهور من هذا الشريك الصغير، رغم معرفته بعدم ضلوعه في الخطاء السابقة ، اتسم بعدم التسامح ، نقيضا لموقف هذا الجمهور من الأخ الكبير ، الفاعل الأساسي ، لتلك الأخطاء ، وما ترتب عليها من سلبيات ، وتراجع على مجمل القضية الوطنية . وهكذا وفي الوقت الذي استطاعت قوى فتح وحماس ، وهي من اقترف الأخطاء الكبرى ، وتسبب في جملة النكسات المتتابعة ، الحفاظ على جماهيريتها ، باستخدام المال المتوفر بين يديها ، وباستغلال السلطة ووظائفها ، خسر اليسار ، بجريرة مشاركته لفتح وحماس ، الكثير من جماهيريته وتأثيره على المسار العام .
وإذا ما جربنا المقارنة بين حالة اليسار الفلسطيني ، ويسار بلدان الربيع العربي ، لوجدنا أن ذات الوضع تقريبا ، قائم في سوريا ، وقريب منه في مصر ولبنان . وفي مصر مثلا نقع على حالة ، تحتاج لوقفة لا يتسع لها المجال هنا . ففي الوقت الذي غفرت فيه الجماهير ، على ما يبدو ، لقوى الإسلام السلفي خدمتها لنظام مبارك ، واظبت على محاسبة التجمع مثلا قبوله المشاركة في انتخابات في عهد مبارك ، وتعيين أحد رموزه في مجلس الشورى . وإذا كانت قوى اليسار المصري ، او بعضها ، ما زال قادرا على إصدار صحيفته ، فإن هذه القدرة آخذة في التلاشي ، إذ اضطر التجمع مثلا إلى إغلاق مجلته ، أدب ونقد ، آخر منبر في مصر ، يأخذ بيد الجيل الجديد والصاعد في إنتاج الأدب التقدمي .
وفي مصر يجري الحديث ، ويعار الانتباه ، الآن عن حجم الإفساد الذي لحق بمختلف مناحي الحياة ، وتغلغل في أعصاب ونسيج المجتمع ، حتى دخل وتربع في ذمة وضمير المواطن العادي . ويلفت النظر أنه جماهيرية تيارات الإسلام السياسي لم تتأثر سلبا من فعل هذا الفساد والإفساد ، في الوقت الذي انعكس وبالا على قوى اليسار . ويلفت النظر أيضا مواصلة قوى الإسلام السياسي ، لدور النظام السابق ، في توسيع وتعميق هذا الفساد في ضمير المجتمع ، بدلالة كيس الزيت والأرز واللحمة الذي توزعه هذه التيارات كدعاية انتخابية لها . ورغم أن هذا العامل يشكل أحد أقوى عوامل التأثير على أوضاع وأدوار قوى اليسار ، إلا أنه لم يحظ بعد بما يستحق من الدراسة والاهتمام
س3 : هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروسا جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديموقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة ؟
جواب : يصعب علي ، من موقعي ، داخل أرض السلطة الفلسطينية المحتلة ، كمراقب من بعيد ، أي غير مشارك بالجسد قبل القلم ، فيما يجري في بلدان الثورات العربية ، الإجابة بالنفي أو الإيجاب على هذا السؤال . لكن إذا ما أخذنا الحالة الفلسطينية كمثال ، تأتي الإجابة قاطعة بالنفي . المسألة أن قوى اليسار الفلسطيني ، وأظن أن حال قوى اليسار العربي مشابه ، رغم انخراط جمهورها في معمعان الحركة ، ورموزها في معمعان حركتها السياسية ، تواصل عيش حالة الرضا عن النفس ، التي لا تساعدها على قراءة ، فالاستفادة من المعطيات الجديدة ، على ساحتها الخاصة ، أو على الساحة العربية العامة . وهذه الحالة – حالة الرضا عن النفس - تشكل أحد أهم العوامل المؤثرة سلبا على فعلها . وبموجب الحالة المذكورة ، واصلت قوى اليسار ، في فلسطين على الأقل ،الاعتقاد فالقناعة ، بأن كل ما تفعله صواب في صواب . برنامجها ، تكتيكاتها ، سياساتها ، فكرها ، الثقافة التي تنشرها أو تدافع عنها ، مواقفها ، فعلها " النضالي !".....الخ ، كله صواب في صواب . وبموجب حالة لرضا هذه ، واصلت تحميل مسؤولية فشلها المتكرر على جهات خارجية : الاحتلال ، السلطة ، أمريكا ، الناتو ، الدول العربية ...الخ أما هي فلا مسؤولية تقع عليها .
هذا الموقف أدى إلى الالتزام التام بمنهج محرمات العمل الفلسطيني ، القاضي بعدم الوقوف والمراجعة ، ناهيك هن التحقيق واستخلاص العبر . وهو منهج كما نرى لا يمت إلى العمل الثوري بأية صلة . ورغم مرور زمن طويل ، عدة عقود ، لم يقدم أي تنظيم يساري على مثل هذه المراجعة . وبديلا يكتفي بما يمكن وصفه بالمراجعة من خلال المؤتمر العام . ولا أغالي إن قلت أن مؤتمرات كافة قوى الثورة الفلسطينية ، تأتي في صورة مقاربة لنظيراتها ، مؤتمرات الأحزاب الشيوعية ، أيام المنظومة الاشتراكية .
بديهي أن استمرار حالة الرضا عن النفس ، ثم الحالة التي طرأت مؤخرا ، وواكبت الأولى ، وهي التواؤم مع الحالة القائمة ، وصرف الانتباه والجهد ، لتثبيت موقع القدم فيها ، لا يساعد هذه القوى على الخروج من حالة ضعفها الراهنة . العلاج ، كما أرى ، يتمثل في مسارعة هذه القوى إلى البدء في عملية ، طويلة نسبيا ، قد تمتد لأسابيع بدل الأيام ، لإعادة تقييم علمية ، جادة وشاملة ، لكل تفاصيل مسارات نشاطها وعملها ، وتحويل الاستخلاصات إلى برنامج عمل جديد ، يصاحبه أو يرافقه ، تجديد في القيادات ، تملك التأهيل الكافي لحمل عبء ومسؤولية العمل بِ ، وتطبيق لِ، البرنامج الجديد . وبدون ذلك ، كما أرى ، ستظل هذه القوى تراوح في مكانها ، فاقدة للقدرة على الفعل ، وغير منتفعة من مواصلتها إلقاء المسؤولية ، عن فشلها ، على غيرها .
ما يثير الإنتباه أن بعض قوى اليسار في بلدان الربيع العربي ، كان قد حان استحقاق عقد مؤتمرها العام ، وبدل أن يشكل ذلك فرصة ، تحت ضغط ودفع فعل الثورة ، لإجراء عملية التقييم المشار إليها ، جرى التعامل مع المؤتمر ، بذات الآليات التي ظلت قيد الاستخدام قبل الثورة . وهكذا ، وبدل أن يضع المؤتمر عوامل قوة جديدة ، بين يدي القيادة الجديدة المنتخبة ، خرج ، ولأسفنا وألمنا الشديد ، بصراعات فرقة تزيده ضعفا على ضعف .
س4 : كيف يمكن للأحزاب – اليسارية – المشارَكة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذه المشاركة ؟
جواب : نأمل بداية أن تحصل قوى اليسار المصري ، على تواجد ملموس وفاعل ، في البرلمان المصري ، الذي ستبدأ مرحلة انتخاباته الأولى بعد أسبوع من كتابة هذه السطور . وإذا ما تحققت هذه الأمنية ، ستتوفر له فرصة أفضل للمشاركة الفاعلة في العملية السياسية ، سواء من خلال مقاعد المعارضة ، أو من موقع المشاركة في الحكومة إن تأتى ذلك . وسواء تحقق ذلك أم لا ، تنتظر قوى اليسار مهام كبرى ، تتمثل في تعبئة الرأي العام ، للعمل على دفع الحكم لإقامة بناء مؤسسي سليم ، لدولة ديموقراطية حديثة . وبذات القدر من الأهمية ، العمل على دفع النقابات ، والعمالية في المقدمة ، والاتحادات والجمعيات ، وسائر المنظمات الشعبية والجماهيرية ، للعب دورها – والذي لا بديل له – لتحقيق العدالة الاجتماعية . وهناك دور ، لطالما تخلت عنه هذه القوى ، تحت مبررات مختلفة ، لا بد من العودة له ، وتفعيله بكل الجدية اللازمة ، وهو المشاركة الفاعلة في منظمات حقوق الإنسان ، ورفع لواء هذه الحقوق ، والدفاع الجاد عنها ، وكشف والتصدي لأدنى مخالفة لها . وفي ظل الوضع القائم في مصر ، وانعكاسه على عالمنا العربي ، وتطبيقا لموقف هذه الأحزاب من قضية المرأة ، أرى أنه آن الأوان ، لطرح مواقفها السابقة المتساهلة جانبا ، وحمل هذه القضية ، شديدة الأهمية ، بالجدية التي تستحقها . بمعنى التأهب لخوض معارك جدية من أجل تحرير المرأة من حالة الهوان التي تقبع فيها الآن ، بفعل عمل التيارات الإسلام السياسي المختلفة .
س5 : القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت . هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديموقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديموقراطية والعلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي ، مع الإبقاء على تعددية المنابر ، يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
جواب : يقدم تشكيل الجبهة ، المشار إليها في السؤال ، الحل الأمثل لحالة التشتت والضعف ، التي تمسك بخناق قوى اليسار العربية . لكن هذا الحل يقع في إطار الأمنية ، شديدة الصعوبة في التحقيق ، أو حتى في إطار الحلم الأقرب للطوباوي منه للواقعي . مرة أخرى ، أقول ذلك استنادا إلى تجربة قوى اليسار الفلسطيني ، التي تتحاور من أجل هذا الهدف ، منذ ما يزيد بكثير عن العشر سنوات ، دون أن تحقق تقدما ذا قيمة تذكر .
لكن ما يجب أن يلفت النظر في السؤال ، أنه ينقلنا إلى ضرورة الوقوف على عامل آخر ، ذي أهمية كبيرة ، من بين مجموعة العوامل ، التي أدى فعلها إلى وصول قوى وأحزاب اليسار ، إلى الحال الذي هي عليه الآن . وبدءا نشير إلى أن هذا العامل مركب ، ومكون من :
1 : أن هذه القوى قادمة من منابع فكرية وأيديولوجية مختلفة ، قومية وأممية ، ليبرالية وغير ليبرالية . وفي فترة سابقة سادت بينها حالات من الصراع ، ثم التنافس والتشاجر ، تركت بينها جروحا صعبة الشفاء ، قبل أن تجبرها التطورات على الوصول إلى حالة التواؤم الحالية . تركة الماضي هذه بقيت بدون مراجعة ، وبدون محاولات جادة للتخلص من سلبياتها المتنوعة . وهكذا جاءت محاولات البناء على ركام الحالة السابقة ، ليس فقط غير ناجعة ، وإنما عقيمة . وإذا أضفنا لذلك أن حالة التنافس ، فالتشاجر بين بعضها ما زالت قائمة ، نتبين كيف أن الحل الذي يطرحه السؤال ، مازال أقرب إلى الأمنية صعبة التحقيق ، أو أنه إلى الحلم أقرب . وكمثال من فلسطين ، ما زالت بعض قوى اليسار ترى أن التحالف مع حماس ، بدعوى أولوية العامل الوطني ، وما يوصف بدور حماس في المقاومة ، يتقدم على التقارب مع ، فتشكيل جبهة اليسار الفلسطينية .
2 : أن التغيرات العالمية العاصفة التي أعقبت انهيار المنظومة الاشتراكية ، وتفكك الاتحاد السوفييتي ، أصابت منظومات فكر هذه القوى في أكثر من مقتل . فالسقوط المدوي لجبهة الاشتراكية ، لم يحرم قوى التحرر الوطني من سندها الرئيس فقط ، ولم يلحق هجوم قوى الإمبريالية المنتصرة ضررا بالفكر الثوري والنظرية الماركسية ، وإنما ألحق ضررا أكبر بالفكر القومي ، وإلى حد انسحابه تماما من الساحة . وكمفارقة بتنا نسمع ، وعلى مدار الساعة ، تحذيرات من أخطار تفكيك هذا البلد العربي ، أو ذاك ، من بلدان ثورة الربيع العربي . حتى أن مصر ذاتها لم تنج من التحذيرات بهذا الخطر ، الذي يزعم بأنه يتهددها . جاء هذا بديلا للأمل الذي نشره الفكر القومي ، وتسيد الموقف منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي ، الأمل بالإنجاز القريب للوحدة العربية . هذا الموقف الجديد ، المتمثل بالتحذير من مؤامرة تستهدف تمزيق هذا البلد العربي أو ذاك ، واستخراج فزاعة مؤامرة سايكس - بيكو من مدفنها ، تقدم مؤشرا لا يخطئه النظر ، على تراجع الفكر القومي ، وحد الخروج التام من ساحات العمل الفكري والسياسي ، كما سبق وأشرت . ما يهمنا هنا أن هذه القوى ، وبدل العكوف على تجديد فكرها وتطويره ، اختارت إما الانسحاب والتخلي عنه ، وإما الاحتفاظ به بين جوانحها ، متراجعة عن الإبقاء على دوره في الصراع مع فكر التيارات الإسلامية ، التي انقضت لتعبئة الفراغ الذي نشأ .
3 : لقد نشأ عما أصفه بالضياع الفكري الذي أصاب قوى اليسار ، أن انسحبت ، أو تخلت ، عن متابعة دورها في أهم ساحات الصراع ، ساحات التنوير الذي حملت لواءه عقودا طويلة ، ساحات التعليم والرقي به في المدارس والجامعات ، ساحات الثقافة الإنسانية الرفيعة ، وساحات المواجهة مع فكر الرأسمالية ، واقتصاد السوق والعولمة . وقبل هذا وذاك ساحات الصراع مع الفكر الظلامي الذي تنشره تيارات الإسلام السياسي ، ويحظى بالدعم المالي والسياسي ، السعودي خصوصا ، والخليجي الإيراني ، على وجه العموم . والأهم من كل ذلك أن بعض هذه القوى وصلت إلى القناعة ، الكاملة، أو شبه الكاملة ، بأن الحقبة القادمة هي حقبة هذه القوى الإسلامية ، وأن الحكمة تقضي بضرورة التواؤم معها ، وحتى التماهي التام .
4 : ولعله من نافل القول الإشارة إلى أنه من دون محاولات جادة من هذه القوى ، لنفض التراب عن فكرها ، والعودة بقوة إلى ساحة الصراع الفكري والأيديولوجي ، وبدون استئناف دورها التنويري ، والدفع فيه بقوى مضاعفة ، فإن أمل قيامها من عثراتها ، يبقى محصورا في إطار الأمل صعب التحقيق ، أو الحلم الذي يشير إليه هذا السؤال .
س6: هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذه الأحزاب بما يتيح لها تحركا أوسع بين الجماهير ، وآفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بالسرعة الكافية ؟
جواب : تشير المعلومات المتوفرة لدي ، والتي يعتورها الكثير من النقص ، أن قوى اليسار المصرية ، لم تخرج عن تقاليدها في هذا الشأن ، في الانتخابات الجارية . وفي الحقيقة لا أعرف إن كانت الأحزاب التونسية قد كسرت هذه القاعدة ، وإلى أي حد . والسؤال مرة أخرى يضعنا في مواجهة أحد العوامل التي أوصلت قوى اليسار إلى حالة الضعف والوهن التي تعيشها .
كلنا نعرف أن الشباب هم من تولوا مهام قيادة الثورات الكبرى ، من الفرنسية ، مرورا بثورات الاشتراكية ، الروسية والصينية والكوبية والفيتنامية ، ووصولا إلى ثورات الربيع العربي ، من أنجز المهمة منها ، ومن يواصل السير على طريق انجازها . وعقب نجاح تلك الثورات الكبرى ، نشأت فكرة تقول بأهمية مواصلة هؤلاء القادة ، لمهمات القيادة ، بدعوى امتلاك الخبرة ، والإخلاص والولاء للثورة وفكرها وأهدافها ، وبدعوى التفرد في امتلاك الحوافز والقدرة على مواصلة تحقيق المنجزات من جهة ، وحماية هذه الانجازات ، والثورة ذاتها ، من هجمات أعدائها المتربصين ، في الداخل والخارج ، من جهة أخرى . وجرى وصف الجيل الذي قام بالثورة ، ويواصل القيادة ، بجيل الحكماء والخبراء ، الذين لا تستغني الثورات ، لا عن معارفهم وحكمتهم ، ولا عن خبرتهم ، وولائهم المطلق ، باعتبارهم أصحاب الانجازات التي تحققت . وفيما بعد تحولت هذه الفكرة إلى عقيدة ، قضت بوجوب بقاء زمام القيادة في أيدي أولئك الكبار . وتطورت حتى الخشية من تجدد القيادة ، والدفع بها إلى أيدي جيل ، أو أجيال ، الشباب . ولا أظن أن أحدا ما الآن ، لا يدرك بعد المصلحة الخاصة التي تقبع وراء هذه العقيدة .
المهم هنا أن أحزاب اليسار ، الشيوعي بصفة خاصة ، أخذت بهذه العقيدة ، وطبقتها كقانون من قوانين الماركسية . ولأن قوى اليسار اقترضت الكثير من نظم عمل الأحزاب الشيوعية ، خصوصا صاحبة الثورات الناجحة ، فقد عملت هي الأخرى بهذه النظم وكأنها قوانين لا تقبل الجدل . ولعله من نافل القول الإشارة إلى أن الأخذ بهذه المقولة ، أو العقيدة ، أو القانون ، انعكس في سلسلة من السلبيات تبدأ بنمو البيروقراطية ، وتمر بما صار يوصف بتكلس القيادات ، وصولا إلى حالة الضعف والوهن الحاصلة ، والناتجة عن ضعف ، ولا نقول فقدان ، القدرة على مواكبة الجديد ، ومستلزمات التطوير والنمو والتقدم . وما لم تتخلص قوى اليسار من هذه الآفة ، وتفتح الطريق واسعا أمام القيادات الشابة ، وتفسح المجال أمام المرأة ، وحقها في اعتلاء مواقع القيادة فالقرار ، يكون من الصعب عليها الاستفادة مما أتاحته ثورات الربيع العربي من فرص الخروج من الدوائر المغلقة التي تقبع فيها .
س7 : قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال ، كيف يمكن تنشيط ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع ؟
هذا القول صحيح على الصعيد النظري . بمعنى أن برامج القوى تنص على هذه الحقوق ، وعلى المساواة ، كما تتحدث عن تمكين المرأة من تبوء المواقع القيادية ، والمشاركة في صنع القرار . لكن النصوص لم تتحول إلى واقع في حياة هذه القوى ، ولفرات طويلة منذ نشأتها . فقد كان من المفترض ، حسب هذه البرامج ، أن تبادر هذه القوى إلى القيام بفعاليات مواجهة ، مع القوى ، أو التشريعات التي تنتقص من هذه الحقوق . ولكنها في واقع الأمر لم تفعل ولا تفعل ، وتترك الأمر للمنظمات والاتحادات النسائية ، وبدون تغطية ، أو مساندة فعالة من هذه القوى . وكمثال لم نسمع عن مبادرة حزب ، أو جماعة ، أو فصيل ، بتنظيم مظاهرات أو حركة احتجاج ، ضد قتل نساء على خلفية ما يوصف بشرف العائلة ، وهي حالات قتل يتبين فيما بعد أنها تمت بدم بارد ، ودون أن تكون الضحية قد ارتكبت فعل التهمة التي راحت ضحيتها .
وإليكم هذا المثال من فلسطين : عقب انتخابات أول مجلس تشريعي ، في العام 96 ، بادرت الاتحادات النسائية إلى تشكيل برلمان نسائي عرف بالبرلمان الصوري . هذا البرلمان قدم إلى الرئيس عرفات مشروعا لتوحيد قانوني الأسرة المعمول بهما في قطاع غزة – مصري – وفي الضفة – أردني - . وحاول المشروع علاج قضايا القتل على خلفية شرف العائلة ، باقتراح لتعديل مواد قانوني العذر المحل والمخفف ، والذي يتيح لأي قريب قتل قريبته بتهمة المساس بالشرف ، ليس فقط مع الإفلات من العقوبة ، وإنما بالتكريم والحظوة المجتمعية . آنذاك شنت قوى الإسلام السياسي حملة ضارية على القيادات النسائية ، التي لم تحظ بأي غطاء من أحزابها وفصائلها ، وبالتالي لم تجد مناصا من الانسحاب ، والتراجع عن المشروع . وللدقة تقدم فصيل واحد ، هو حزب فدا ، لخوض هذه المعركة ، التي حسمها هجوم الإسلاميين بسرعة قياسية .
تجددت ذات المعركة في الأردن ، بقيادة الملكة رانيا ، وعلى ذات القانونين المناقضين مناقضة صارخة للشريعة . ومن جديد نظم الإسلاميون في الأردن مظاهرات صاخبة ضد مشروع الملكة ، رغم أن الملك أعلن مساندته الواضحة لها . ومن جديد نجح الإسلاميون في وأد المبادرة الملكية ، وأخذت قوى اليسار هناك ذات الموقف الذي أخذته شقيقتها في فلسطين . وقفت متفرجة تاركة الأمر للاتحادات والمنظمات النسائية ، التي لم تجد طريقا غير الانسحاب . ولا أظن أن الوضع في بلدان الربيع العربي كان مخالفا .
المسألة إذن تتعدى تثبيت نصوص في البرامج ، وربما التصريحات هنا وهناك . فلكي تستطيع هذه القوى كسب ثقة هذا القطاع العريض ، نصف المجتمع ، لا بد من نقل النصوص من موقع تجميل أو تزيين البرامج ، إلى موقع التطبيق الفعلي ، وشن النضالات المدافعة فعلا عن حقوق المرأة . أما ما يجري الآن من مسألة الحجاب ، وسكوت قيادات يسارية على تحجيب نسائهم وبناتهم ، بدعوى اتقاء هجمات المجتمع ، وهي في واقع الأمر إرهاب قوى الإسلام السياسي ، لا يساعد أيا من هذه القوى على استعادة بعض الثقة المفقودة ، والانتقال لتنشيط حركتها بين نصف المجتمع هذا .
س8 :هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحد من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحريات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
جواب : سأبدأ الجواب بحكاية وقعت لي . فقد حدث أن سمع بعض الرفاق بانكبابي على بحث مكرس للرد على حماس ، ودعوتها لإقامة حكم إسلامي ، استرشادا بِ، أو إعادة تطبيق للعهد الراشدي . بادرني رفيق بتذكيري بالقاعدة التي التزم بها الحزب في كل مسيرته ، والقائلة بعدم التعرض للدين ، لا من قريب أو بعيد . وحتى بعد أن أوضحت له أن بحثي لا يتعرض للدين لا من بعيد أو قريب ، وأنه بحث سياسي ، أحاول فيه إلقاء الضوء على الفعل السياسي ، في فترتي الحكم المعروفتين بالعهدين المحمدي والراشدي ، أصر على موقفه القاضي بضرورة الابتعاد عن أي حقل له علاقة بالدين . وأذكر أنني قلت آنذاك أن أحزاب اليسار ارتكبت خطأ ، ما زال مستمرا ، بتركها هذا الميدان الهام لقوى الإسلام السياسي ، رغم ما نرى من استغلالها للدين حتى الكذب البواح ، والتضليل غير المحدود ، وبما في ذلك العمد إلى إطفاء نور العقل .
قبل ذلك كنت أعددت بحثا ، أصدرته في كتاب ، تحت عنوان "الوعد في التوراة " تطرقت فيه إلى مسألة وعد الله لبني إسرائيل بإعطائهم وطننا ، بعد التخلص من شعبنا بذبحه على أيدي بني إسرائيل . آنذاك ، ورغم أن البحث كان بحثا سياسيا بامتياز ، واجهت نفس الموقف من رفاق أجلهم ، بضرورة الابتعاد عن ميادين الدين ، وبدعوى أن قضيتنا قضية صراع وطني وليست قضية صراع ديني .
وبعد هذا أعود إلى السؤال . وللجواب أذكر القارئ أن تيارات العلمانية ، في أوروبا القرن الثامن عشر ، انتصرت بعد صراع فكري حاد ومرير مع الكنيسة . وبدون ذلك الصراع ما كان لها أن تحقق مكسب الاعتراف بحقها في المضي على طريقها . وبدون ذلك الصراع ما كان للعلوم الطبيعية أن تشق طريقها ، وان تحقق هذه الانجازات العظيمة التي حققتها . ذات الأمر تكرر مع الماركسية . فلولا ذلك الصراع الفكري العنيف ، الذي خاضه مؤسسو الماركسية ، مع معارضيها ، ما كان لها أن تحقق ذلك الانتشار آنذاك ، وما كان لقوى الشباب أن تنشئ الأحزاب العمالية على أساسها ، وأن تخوض الثورات التي تتوجت بانتصار الثورة البلشفية ، وتدشين أول حكم اشتراكي في التاريخ .
ما أود قوله أن العودة لخوض الصراع الفكري مع قوى تغييب العقل ، هذا الصراع الذي تخلت عنه قوى وأحزاب اليسار ، منذ الزلزال الذي أطاح بالمنظومة الاشتراكية ، هو الطريق واجب الإتباع ، الآن وليس غدا ، لتحقيق المطالب التي يتحدث عنها السؤال . وبالمناسبة شكل انسحاب قوى اليسار من ساحة الصراع هذه ، وتخليه عن الدور التنويري ، الذي اضطلع به في وقت مبكر من القرن الماضي ، شكل هذا الانسحاب واحدا من العوامل التي أدت باليسار إلى هذا الحال الذي وصل إليه . وفي رأيي أن ثورات الربيع العربي قدمت الكثير من الحوافز لاستئناف هذا الدور . وقوى اليسار إذا ما أمسكت بهذه الفرصة ، واستعادت دورها السابق ، بدون تقييد نفسها بتابوهات ومحرمات ، مثل تلك التي أشرت إليها ، فإنها ستتمكن ، وبالتأكيد ، من الحد من التأثيرات السلبية ، التي ستفرضها قوى الإسلام السياسي على مختلف أوجه الحياة . لكن هذا التصدي يتوجب ، كما فعل مؤسسو الماركسية ، التسلح بالمعرفة لضمان النجاح في المواجهة . وبصراحة أقول أنه في أكثر المواجهات التي تابعتها على الفضائيات ، كان ممثلو اليسار في المواجهة ، يتسلحون بنقص فاضح في المعرفة الخاصة بموضوعات المناظرة أو المواجهة . وبديهي أن مواجهات من هذا النوع تعزز السلبيات بدل أن تضعفها أو تقتلعها . والمعرفة هنا ليست مسألة فهلوة ، او ارتكاز إلى عموميات ، أو نتف من هنا أوهناك .
س9 : ثورات العالم العربي أثبتت أن دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنيت بشكل خاص الفيس بوك والتويتر ...الخ ألا يتطلب ذلك نوعا جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العلمي والمعرفي الكبير ؟
جواب : لا أظن إلا أن القارئ يتذكر أن الثورة الفرنسية ، في نهاية القرن الثامن عشر ، احتاجت لوسيلة اتصال وتعبئة للجماهير . ولأن الصحافة لم تكن قد حققت التقدم المطلوب ، استعاضت عنها بوسائل أقل كفاءة , وفي منتصف القرن التاسع عشر أتاح تقدم الصحافة ، للأحزاب العمالية الناشئة ، فرصة الحصول على أدوات تنظيم وتعبئة ، فكرية وسياسية ونضالية ، فعالة ، تمثلت في اعتماد الصحافة الحزبية المكتوبة . حتى قيل ، وإلى جانب لا حزب ثوري بدون نظرية ثورية ، لا حزب فاعل بدون صحيفة حزبية .
ولا بد أن القارئ يتذكر أيضا أن مؤسسي الماركسية ، وقبل أن يعمد من خلفوهم إلى تحنيطها ، ارتكزوا إلى تطور العلوم ومكتشفاته الجديدة ، في مختلف حقول العلم ، في تطوير النظرية . ومعنى ذلك أن الأخذ بمنجزات العلم ، وفي مقدمتها تقنياته الحديثة ، يشكل ضرورة لا غنى عنها ، لعمل قوى التقدم ، وفي مقدمتها الأحزاب اليسارية . ولا يظن عاقل أن آليات العمل القديمة ، وفي طليعتها الصحافة المكتوبة ، يمكن أن تغني عن التقنيات الحديثة ، الأسهل استعمالا ، والأوسع مجالات ، والأسرع في الاتصال ونقل المعلومات ، والأكثر كفاءة في التعبئة والتنظيم . وبديهي أن ينعكس استخدام هذه التقنيات على سائر مجالات العمل الأخرى ، وفي مقدمتها الإدارة وآليات القيادة المختلفة .
س10 : بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن ، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه السياسي المنفتح ومتعدد المنابر ؟
جواب : أعتقد أن فوز الحوار بجائزة ابن رشد ، يقدم جوابا شافيا على هذا السؤال . فيما يتعلق بي ، أصارح الحوار ، والقارئ ، أنني حديث عهد بكامل تقنية الانترنيت . وما زلت أحبو في استخدام الفيس بوك وغيره من التقنيات الحديثة . يضاف إلى ذلك أن معرفتي ، ثم علاقتي ، وهي قصيرة ، بالحوار المتمدن ، لا تؤهلني لتقييم موضوعي ، غير مجامل ، لنشاط ودور هذا المنبر ، الذي قدم متنفسا للكثيرين ، من الكتاب التقدميين ، وأنا أزعم أنني واحد منهم ، طالما احتاجوه . وإذا ما استندت لرأي من دلوني على الحوار ، وساعدوني على النشر على صفحاته ، أقرر أن هذا المنبر حظي و يحظى باحترام كبير ، ليس فقط لأنه سد فراغا كبيرا ، ووفر لأصحاب الفكر والرأي منبرا ، اجتهدوا كثيرا في البحث عنه ، دون أن يجدوه ، بل ولأنه وفر للكاتب ، وللقارئ قبله ، هذه المساحة الواسعة ، من التعددية والانفتاح ، والالتزام قبل ذلك بقضايا الشعوب والحريات .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 8 مخاطر على الديموقراطية ...
- الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية
- قراءةتأماية في ثورة الشباب المصري 7 مخاطر على الديموقراطية 6 ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 6 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 5 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 4 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 3) مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 2 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري
- عبود الزمر و العيش خارج حدود الزمان والمكان
- دخول الى حقل المحرمات - 1 -
- وحدة الأضداد بدون صراعها
- هل هي مبادرة؟!
- ويا بدر لا رحنا ولا جينا


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....



الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - عبد المجيد حمدان - عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي